رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الصومُ قيمَةٌ روحانيةٌ. الأنبا غريغوريوس. الصومُ قيمَةٌ روحانيةٌ. جاء في الرسالة إلى كورنثوس "بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ نُظْهِرُ أَنْفُسَنَا كَخُدَّامِ اللهِ، فِي صَبْرٍ كَثِيرٍ، فِي شَدَائِدَ، فِي ضَرُورَاتٍ، فِي ضِيقَاتٍ، 5 فِي ضَرَبَاتٍ، فِي سُجُونٍ، فِي اضْطِرَابَاتٍ، فِي أَتْعَابٍ، فِي أَسْهَارٍ، فِي أَصْوَامٍ" (2كونثوس5،4:6). و "فِي تَعَبٍ وَكَدٍّ. فِي أَسْهَارٍ مِرَاراً كَثِيرَةً. فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ. فِي أَصْوَامٍ مِرَاراً كَثِيرَةً. فِي بَرْدٍ وَعُرْيٍ." (2كورنثوس27:11). في تلك النصوص المقدسة يذكر القديس بولس بعض الآلام والشدائد المختلفة التي كان عليه كرسول للمسيح أن يعانيها في حياته الخاصة كمسيحي، وحياته العامة كخادم لله وكرسول للمسيح، عليه تبَعات الرسالة المقدسة التي أوكلها إليه المسيح، وهي تقتضيه نوعًا من الكفاح الخاص. وما يقال عن القديس بولس الرسول كرسول للمسيح، يصدُق أيضًا على بعض الخدام المكافحين عامة. كما يصدق إلى حدٍ ما على حياة القِلّة الممتازة من المسيحيين القديسين. فحياتنا في المسيح ليست حياة عبث أو حياة لهوٍ، وإنما هي حياة كفاح ونضال من أجل أن يصل الإنسان إلى مراتب عالية في الفضيلة، ويرتفع إلى مستوى رفيع، كما يليق به كمسيحي كما يجب أن يكون، لأننا نحن كما نعلم قد خُلقنا على صورة الله ومثاله، فلا بُد أن نكون في هذا المستوى مماثلين لله، مشابهين له. هذه العملية، عملية المشابَهة المستمرة، عملية الاجتهاد أن نكون متمثلين بالله، وأن نكون مقدسين فيه على غِرار قداسته وعلى غرار الكمال الذي فيه، ليست عملية سهلة، إنها تقتضي أن يأتي الإنسان في كثير من الأحيان أمورًا مضادة لطبيعته الذاتية، تقتضي الإنسان أن ينكر نفسه، وأن يكفُر بشهواته وميوله ورغباته، هذا الكُفران بالنفس وبالشهوات تضحية لا يقدر عليها العاديون من الناس، إلا الذين آمنوا بهذا النوع من الحياة، والذين اشتاقوا أن يصلوا إلى هذا المستوى العالي من الحياة الروحية. أما الناس الذين ينجذبون إلى الأرض، فهؤلاء يرجعون إلى الوراء ولايتقدمون إلى الأمام، هؤلاء ينزلون بطبيعتهم الروحانية، لأن الروح التي فيهم هي من الله، وهي من طبيعة سمائية لكنهم بانسياقهم وراء الشهوات، ووراء الرغبات المادية الذاتية، ينزلون بأرواحهم إلى مستوى الأرضيات، وهنا ينزل الإنسان عن مستواه الذي خلقه الله عليه إلي مستوى منخفض، وإلى مستوى وضيع. وعلى العكس من ذلك، حياتنا دائمًا في الفضيلة هي حياة كفاح مستمر ونضال وثبات في هذا النضال، على أن يسلك الإنسان دائمًا ضد شهواته وضد رغباته وضد ميوله الدنيا، محاولاً أن يرفع مستواه بالتأمل الدائم، والسيرة المقدسة، وبالصلوات، وبأن يسبَح في عالم الروح، بتأملات دائمة مستمرة، في هذا الطريق يحتاج الإنسان إلى وسائط مناسبة. وسائط الخلاص:- هذه الوسائط هي التي نسميها بوسائط الخلاص، وهي ممارسة الأسرار والعبادات المرسومة في الكنيسة المقدسة. فالعبادة تقرِّب الإنسان إلى الله، وتزيد مشابهة الإنسان بالله، وترفع الإنسان ليكون دائمًا في المستوى اللائق به كمخلوق على صورة الله. ومن بين هذه الوسائط الصلاة التي "بلا انقطاع" (1تسالونيكي17:5) لأنها من وسائط الغذاء الروحاني، لأن الروح بالتأمل وبالتفكير وبالتعبد تنصرف عن الأرض، وتتطلع إلى العالم العالي، وتحلِّق في السماء، وتتأمل في الله، بها يرتفع العقل ويرتفع القلب، وترتفع الرغبات إلى ما هو فوق المستوي العادي. ولكن في بعض الأحيان يجد الإنسان نفسه غير قادر على أن يصلي لأنه مثقل في هذا الجسد. نعم، فللجسد ضغوطه على النفس، وكثيرا ما يجد الإنسان نفسه مثقلا، يريد أن يرتفع، فلا يجد نفسه قادرًا على أن يرتفع. نحن لا ننكر أننا بشر، ولسنا ملائكة، ولا ننكر ما للجسد من أثر في حياتنا. هذا الأمر يشعر به التلميذ أحيانًا عندما يذاكر دروسه، فيكون محتاجًا إلى صفاء الذهن، ولكن في بعض الأحيان، يجد نفسه غير قادر على الفهم والمتابعة، لأنه يجد ذهنه مكدودًا مثقَّلاً، ولذلك يحزن وييأس، وقد ينصرف عن العلم إلى أي إتجاه عملي. ولكن لو أن هذا التلميذ التقىَ بمدرس أو صديق أو بظروف جديدة، فربما بفضل هذا المعلم أو هذه الظروف يمكنه أن يحصِّل من العلم ما لم يستطع أن يحصِّل في فترات أخرى، وقد يكتشف أن السبب في عجزه عن الفهم والمتابعة هو حاجته إلى النوم المريح، وبعد أن يستريح، يجد أن عقله وأعصابه قادرة على أن تتقبل المعرفة والعلم، أو ربما كان هذا التلميذ مريضًا ببعض الأمراض التي بسببها يصبح الذهن مكدودًا، فبعض أمراض الكبد أو بعض أمراض المرارة، وبعض أمراض المعدة أو الأمعاء، تُحدِث نوعًا من الصداع، وهناك أيضًا الصداع الناجم من التهابات الجيوب الأنفية وما إلى ذلك... هذه الأمراض والمتاعب الجسدية غالبًا عوائق تمنع الذهن من الصفاء والتفكير السليم. هكذا الحال بالنسبة للحياة الروحية، وما نختبره عمليًا في حياة التلمذة، أو في حياة العلم، وفي الحياة الذهنية والعقلية تجده أيضًا على نفس القياس في حياتنا التقوية، في حياتنا الدينية والروحية، فنجد في بعض الأحيان القلب مثقلاً، فلا يستطيع الإنسان أن يصلي أو يتعبد، لا يستطيع أن يشعر بالنشاط الروحي، فهناك جفاف وثقل، وتُخمة مانعة للإنسان من أن يواصل عبادته بخصوبة روحية، ومانعة للروح من أن تنطلق بسهولة. لذلك كان الصوم من الوسائط النافعة المفيدة التي تكفُل للإنسان الصفاء، وتحقق له إمكانية الانطلاق بسهولة في حياة التعبد وهذا هو السر في ترتيب الصوم. وقد رأيتُ أن نتكلم عنه ونحن في بدء الصوم العظيم المعروف بالصوم الكبير، وهو الصوم الذي يهتم به الأقباط، بل يهتم به العالم المسيحي عامة، نظرا لأنه هو الصوم الذي صامه ربنا يسوع المسيح. إننا داخلون في فترة من أقدس الفترات في أيام العام الكنسي، وهي فترة الصوم الكبير، وحكمة الكنيسة في أن يكون هذا الصوم كبيرًا، لدرجة أنها أضافت عليه أسبوع الآلام، فصار خمسة وخمسين يومًا، مع أن أسبوع الآلام أسبوع مستقل، وبعيد تاريخيًا عن صوم الأربعين المقدسة التي صامها مخلصنا. نقول، إن حكمة الكنيسة في هذا الصوم الكبير، أنه كلما طال الصوم، أمكن للإنسان أن يحقق به السيطرة على الجسد، ويتحقق به الصفاء النفسي، ويتحقق الامتداد الروحاني تمامًا، كما يحصل في الناحية العلمية عندما يكون الإنسان منشغلاً بكتابة بَحث، أو بقراءة موضوع مستغرق فيه، ثم يقطع حبل تفكيره قرعات شخص ما على بابه، فيتسبب عن ذلك تعطيل التفكير أو القراءة. فإذا صام العابد مدة طويلة غير منقطعة، تتحقق له فوائد جزيلة جدًا، وتصير للإنسان إمكانيات الاستمرار والمتابعة المستمرة في الحياة التقوية. ولهذا جاءت الحكمة في جعل أسبوع الآلام ملتصقًا بالصوم الأربعيني المقدس، لكي تكون هناك إمكانية أوفر للاتصال بالعالم الأعلى، وللتعمق في الروحانيات، ثم قالوا، ليس حسنًا أن ندخل في الأربعين المقدسة مباشرة، إن القطار عندما يبدأ في التحرك، يتحرك وئيدًا ثم يُسرع، ولا يبدأ بالسرعة الكبيرة، لذلك رأت الكنيسة، أن لا ندخل في الصوم الأربعيني المقدس وأسبوع الآلام الذي يتلوه دخولاً مباشرًا، بل رأت أن تضيف إليه مقدمة يبدأها الصائمون في تؤدة قبل أن يدخلوا في حياة النسك التي يجب أن يمارسوا بها أقدس الأصوام أهمية. ومن هنا كان الأسبوع الأول من الصوم الكبير مقدمة للصوم الأربعيني المقدس، وتعويضًا عن أيام السبت الخمسة التي تشتمل عليها الأربعون المقدسة، حيث إن قوانين الكنيسة تمنع أن يصام يوم السبت صومًا انقطاعيًا، فيما عدا السبت الكبير - سبت الفرح - وذلك تقديسًا لهذا اليوم واحترامًا لشريعة الكتاب المقدس في الوصية الرابعة. والآن فلنصُمْ الصوم الكبير بروح التعبُّد والتقوى ومخافة الله، ولنضاعف من روح التضرعات والصلوات والتأملات والقراءات التقوية النافعة، وأعمال الرحمة والصدقات، وليقبل الله صلواتنا وأصوامنا وصدقاتنا بخورًا زكيًا طاهرًا، ويتنسم رائحة الرضَا، فيرضى علينا ويرحمنا، ويرفع غضبه عنا، ويهَبنا السلام الذي يفوق كل عقل، ويبارك في شعبه، وكنيسته، ويبارك بلادنا، ويُلهم قادة الفكر فينا إلى الحق والخير والواجب، له الإكرام والمجد إلى الأبد آمين. الأنبا غريغوريوس. أسقف الدراسات اللاهوتية العليا والثقافة القبطية والبحث العلمي |
27 - 05 - 2017, 07:59 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| الإدارة العامة |::..
|
رد: الصومُ قيمَةٌ روحانيةٌ. الأنبا غريغوريوس.
ميرسي على العظة الجميلة
ربنا يفرح قلبك |
||||
27 - 05 - 2017, 11:54 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الصومُ قيمَةٌ روحانيةٌ. الأنبا غريغوريوس.
والآن فلنصُمْ الصوم الكبير بروح التعبُّد والتقوى ومخافة الله، ولنضاعف من روح التضرعات والصلوات والتأملات والقراءات التقوية النافعة، ربنا يفرح قلبك |
||||
|