وقفة مع النفس …
رؤية أبونا بطرس المقارى ....
كتبها بخط يده ...
تخرج هذا القديس من كليه الهندسه وترهب عام 1975. وعاش فى الدير 20 سنه وبعد نياحته عام 1995 دخل الرهبان الى قلايته فوجدوا مذكرة كتبها بخط يديه ولكن لم يقل لاحد عليها وكان مدون بها رؤيه قد رءاها القديس وسجلها فى المذكره فى كتمان نفسه وعندما قراها الرهبان وجدو مكتوب فيها.
" فى ذات يوم طرق بابى سائل. ففتحت له فوجدته ملاك الموت قد جاء لأخذ روحى اذ قد حانت ساعتى.
فاستمهلته قليلاً ريثما اكتب هذه الكلمات فسمح لى اذ قبل شفاعه القديسين واستسمحته حتى أخذ معى القلم والورقيات. فأذن لى بشرط ان لا اكتب عن الامور التى تدخل فى نطاق المحظورات التى هى عن الامور التى لا يسوغ لانسان النطق بها.
فشكرته اذ قبل شفاعة القديسين لاعطائى هذه الفرصة.
ويقول ان ساعة الموت ساعة رهيبة. رهبتها تتناسب مع مقدار الاهمال فى الاستعداد لها.
دين هائل من الخطايا والذلات تتنازع على النفس.
أخذت الورقة وتفرست فى أعماق نفسى لأرى أى شىء يمكن أخذه وتطلعت من النافذة. فلم أجد شىء يستحق أن أخذه معى.
ولم يسمح له بأخذ شىء ونفس الملاك قال لى لن تاخذ معك شيئاً لا رديء ولا جميل سوى ثوب قديم. مرافق لى منذ ولادتى عمره من عمرى فلبسته.
كان ذلك الثوب ابيضاً ولكنه اتسخ ببقع سوداء كثيره وعرفت انه ثوب اعمالى وخطايا اخذته يوم ولادتى من المعمودية كان ابيضاً ولكنه قد اتسخ بكثرة الخطايا التى فعلتها ولم اتب عنها
فتوجهت للباب للخروج ظاناً منى انى استطيع.
فقال لى الملاك لن تخرج هكذ من الباب لكنك ستنقل من عالم منظور الى عالم غير منظور.
فاحسست فى لحظه بروحى تضيق جداً كانها تخرج من عنق زجاجه دقيق للغايه
وعند صعودى رأيت المسكونه كلها.
كقطرة فى محيط القدير أو كحبة فى كف الخالق العظيم.
ثم نظرت ناحية المشرق ووجدت جماعة من الملائكة ترنم وترتل اصواتها جميله عزبة تنكف القلوب سلاماً.
وبقى الجسد مسجى (راقد) على الارض فى التراب. ورأيت فى نفس اللحظة روح أخرى خارجة للانطلاق من هذه النقطة الذى هو العالم.
فقال للملاك انى اريد ان أرى من حولى فى العالم كيف هم الآن فرأى خمسة أنواع من الناس.
الاول: كان يبكى كثيراً أثار موتى فأشفقت عليه وأردت أن أهدءه فلم يستمع لى اذ انى نسيت انى خرجت من هذا الجسد وهو لا يستطيع رؤيتى.
الثانى: فكان باكياً ولكن من نوع مختلف وتحول الى حجرته للتوبة وحول وجهه هالة من نور إذ أثر موتى على توبته.
الثالث: كان فى حالة من الابتهاج وكان ذلك محباً لى وللأخوة اذ أنه يرى أفضلية الحياة الأبدية وبطلان هذه الحياة.
الرابع: فرحاً ولكن من نوع مختلف فكان فرحاً لحسده لى على منصب وانى قد ذهبت من طريقه.
الخامس: كان مصاباً ببلادة الروح.
وهنا استوقفنى الملاك فذهبت معه.
والآن جاءت لحظة العبور الصعب ...
وتلففت حولى واذ جماعة من الشياطين واقفة شاخصة نحوى ومنظرها قبيح جداً وعلى رأسها شيطان جبار يخترق قلبه سهم
وتبدو على لحيته أعراض نتف وهو قلق ومضطرب ينتظر لحظة العبور ونتيجتها.
وفى مقابلهم جماعة من الملائكة. كائنات بسيطة للغاية ولكنها نارية.
لا تتكلم سوى بالاناشيد والتسابيح وأصواتها رقيقة عذبة تلقى فى القلوب سلاماً. ويرأسها أيضاً ملاكاً أحسست بشدة أنه تربطنى به صلة ليست بحديثة.
وكانت هذه الجماعة من الملائكة أكبر عدداً من جماعة الشياطين وأكثر التصاقاً بى وتبدو عليهم علامات الترقب الهادىء المطمئن.
أما جماعة الشياطين فكانت تتهامس " الشيطان المشتكى"
مشيرة الى الثوب الذى ارتديه وتفرست فى الثوب فوجدتهم يحملون شراك وفخاخ كثيرة. أما وجوههم فكان بعضها مألوفاً لى. وكان بعضها مرفقاً لى فى الطريق وللأسف كان لبعضها دالة علي. عرفتهم دون مرشد. فهذا كبرياء وهذا كذب وهذا سرقة وذاك زنا وتلك نميمة وهكذا تعرفت على معظمهم ونظرت الى ما يشيرون اليه فوجدت ان البقع التى اتسخ بها ثوبى تحمل كل منهم صور أحدهم وأنا لا أدرى. فانتبانى الخوف.
فاقترب منى رئيس الملائكة وسألته عن قائد الشياطين فأفهمنى أنه قام باسقاطى مستعيناً بهولاء وفخاخه. وأحسست من ناحية بكراهية شديدة لكن شعورى لم يكن وليد الساعة ولكن ادركت فى الحال أنه منذ يوم ولادتى الثانية طقس جحد الشيطان.
وسألت رئيس الملائكة ما عسى أن يكون السهم المخترق قلب الشيطان وكذلك نتف لحيته؟؟
فأرانى سهماً مثله فعرفت فيه أنه طقس اسكيم الرهبنة وعدت سنوات الى الخلف فرأيت يوم لبس الاسكيم ففر الشيطان وصر بأسنانه وهو يتحسر على ما فقد منه وهو يتهدد ويتوعد.
ثم عدت ثانية للموقف المهيب وسألت مرة أخرى ملاكى الحارس من هم هولاء الشياطين اللذين لم استطع التعرف عليهم.
فافهمنى الملاك صديقى هم اللذين لم تسمع الى أصواتهم من قبل وسددت أذنك بناء على مشورة روح الله القدوس وملائكته أو اننى استمعت عنهم وقدمت توبة صادقة فمحيت صورتهم وذكرهم من ثوبى ومن ذاكرتى بنعمة ربنا.
ونظرت الى الملائكة التمس سلاماً فى هذا الموقف الحرج وكل ملاك يحمل باقة من مختلف الاعمال الصالحة والفضائل. كان الروح القدس يحاول اغرائى على اقتناء هذه الفضائل
وفى اليد الاخرى سيفاً ماضياً له سلطان على ابادة جيوش الشياطين وملائكة الشر.
وإذا بملاك الموت يتقدم ويبوق. فرأيت أمامى ناحية المشرق باباً يؤدى الى منطقة إن جاز هذا التعبير منيرة جداً. لم استطع بعد ان اتبينها. لكنى أحسست بلهفة شديدة على دخولها.
وفى ناحية المغرب منطقة سحيقة لم يظهر لها قرار ومظلمة جداً. أوقعت الرعب فى قلبى. مريبة للدخول.
فأسرعت للدخول الى ناحية المشرق مريداً الدخول والنجاة. لكن ما ان اقتربت منه حتى ظهرا ملاكان فى لباس الجنود منعانى من الدخول. وأشار لى الى تلك البقع التى تلطخ ثيابى.
قائلين لى .. اللذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله.
وإن علي ديناً لم أوفيه. وإن لجماعة الشياطين حق لابد ان تذهب بمقتضاه الى باب المغرب.
وبدأت أشعر بمجال شديد بدء يجذبنى ناحية الغرب. فصرخت هلعاً وسألت رئيس الملائكة المعونة ؟؟
فأفهمنى ان تلك البقع تنجذب بطبيعتها الى الهاوية وأنه لا سبيل الى محوها إذ قد مضى زمان التوبة.
ووجدت لدهشتى ان رفيقى ايضاً الذى اتاه ملاك الموت يمر بنفس الضيقة وأن ثوبه مع قلة ما به من بقع بالنسبة لثوبى لكنه ينجذب أيضاً الى الهاوية.
فصرخت فى اللحظات الاخيرة قبل سقوطى فى هوة الظلام.
وقلت ... أين مسيح الخلاص ؟؟؟
وندمت أشد الندم على ما اقترفته وعلى تلويثى لثوبى. ولاحت علامات الانتصار على وجوه جماعة ثوبى. وما جرى علي من أهوال. ولم يكن هناك من يجرؤ من الملائكة على نجدتى من الشياطين.
أما رفيقى وأنا فقد أخذنا فى البكاء والعويل.
وفجاءة صرخت أين مسيح الخلاص ؟؟؟؟
فا لاح لنا نور عظيم وبريق لامع ونظرت لهيب نار بهى الطلعة جميل المنظر رائع الوصف لا أستطيع أن أعبر عن شدة حلاوته وربوات من الملائكة ذات الطبيعة النارية والقديسين وعرفتهم فى الحال دون معرف فسجدت له خاراً على وجهى. ثم رفعت عينى نحوه. طالباً معونة لكن دون أن أنطق ببنت شفة. فقد عرفته وعرفت محبته دون أن أراه. وذوقته كثيراً وأختبرت معونته ويده الرحيمة. وكانت صورته فى قلبى بل وللعجب وجدت اننى أشبهه. ما عدا ثوبى المتسخ.
أما الصورة فقد أخذتها يوم أن ولدت منه وأما وسخ الثوب فعلى مدى عمرى كلما أخطأت بغلاظة قلبى.
آه .. هذا هو الابرع جمالاً من بنى البشر .. هذا هو مشتهى قلب وكل رجاء .. هذه اللحظة التى عشت حياتى انتظرها بل انتظرها بعين الرجاء.
هذا من أمنت به ووثقت فيه .. هذا الذى لم يتركنى لحظة فأسلمت له كل حياتى.
وما أن مد يده لتلف حولى رأيت فى كفه أثار جرح غائر .. هذا ينبوع الخلاص .. ولشدة عجبى كان الجرح لا يزال ينزف.
وسقطت نقطة من هذا الجرح .. نعم نقطة دم آلهى .. نقطة واحدة .. لكنها كانت كافية لتمحو كل وسخة الخطية وصورة الاثم من ثوبى وفى الحال كفت الهاوية عن جذبى نحو الهلاك المحقق .. شكراً لله الذى يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح.
فأين شوكتك ياموت .. أين غلبتك ياهاوية ؟؟؟
وفجاءة دوت صرخة هائلة لأن رئيس جماعة الشياطين قد سقط فى الهوة السحيقة وجماعته فى سلاسل الظلام.
طرُح المشتكى بعد.
ثم نظرت حولى فوجدت رفيق الموت مازال ثوبه متسخاً ومازال يسرع نحو الهاوية. فأشفقت عليه وصرخت إليه .. هذا يسوع .. ولكنه لم يفهم ما أقصد. ورن صوته حزيناً وهو يهوى.
فحزنت وتمنيت لو عرف من عرفت ولو أمن بمن أمنت فنال ما نلت.
ولم أكد انتهى من لبس ثوب برى وقداسة حقه .
ونظرت وإذا الرداء الذى علي لا يليق بحضرة الرب فخجلت. لكن الرب يسوع البسنى ثوبه الناصع البياض وإذا ببعض خيوطه القليلة قد لمعت ما أن أرتدتيه.
وأنا ما ازال فى حضنه حتى رأيت ما لم تره عين وما لم تسمع به اذن وما لم يخطر على قلب بشر إذ انفتح باب فى المشرق.
فإذا بأصوات ترانيم الغلبة والخلاص وتسبيحات الملائكة وأصوات القديسين وروائح الصلوات النقية وأردت أن أكتب ما أراه لكن وجدت أن لغة البشر عاجزة عن البلوغ الى وصف هذا والكلمات قاصرة عن التعبير عنه.
وتطلعت الى جنب الحبيب فإذا بأثر طعنة نافذة فيه فما أن نظرت اليها حتى سرت في حياة جديدة وتغيرت كل حياتى وعقلى ومداركى وتكشفت أمامى أسرار مخفاة عن كل البشر وأمجاد لا توصف.
وعلمت ضمن ما علمت فى الحال سر لمعان بعض خيوط الثوب الذى أعطنيه الرب إذ انها بعض الاعمال التى عملتها منقاداً بالنعمة رغم قلتها على تلك الطبيعة الآلهية.
فانعكس بريق ولمعان المسيح عليها.
ثم رأيت حولى جموع القديسين. واحداً واحداً .. رغم ان لهم صورة واحدة وشكلاً واحداً فقد عرفتهم فى الحال ووجدت أيضاً أن صورتى هى تلك الصورة عينها وكان أيضاً كل منهم يلبس ثوباً لامعاً لكنه يختلف فى شدة لمعان الواحد عن الاخر.
ورأيت عن يمين السيد المسيح امرأة جميلة رقيقة ثوبها كله يلمع جداً كأنه موشى بالذهب لشدة تطابق وانسجام حياته مع الله حتى ارتاحت هذه الاخيرة على السكنى فيها فصيرتها أكثر لمعاناً من كل البشر بل أكثر من الملائكة. ورأيتها فى حنان الامومة تخلع ثوبها دون أن يفارقها فتلبسه لكل من يسألها ممن لم يكملوا جهادهم بعد فتظهر صورتهم أمام الله كتلك الصورة المحبوبة لديه. صورة ثوب بر المسيح
وهكذا كل القديسين اللذين أكملوا جهادهم فى تسبيحاتهم التى لا تنتهى. يخلعون ثيابهم ويلبسوها لكل بشر يطلبها فى شركة محبة.
أما من يلبس هذه الثياب فلا يقوى عليه فخ الشيطان الشرير.
ورأيت فئة من المكملين تتميز بتاج لامع على روؤسها. عرفت فيهم البطل مارجرجس والقديسة دميانة وكثيرين ممن لم أسمع سيرتهم على الارض لكن كانت هذه مكتوبة فى السموات وعرفتهم بمجرد رؤيتى لهم. كأنى كنت أعيش معهم ومنهم تفوح رائحة زكية للغاية وفائقة الوصف هى رائحة دمائهم اللذين سفكوها على اسم المسيح فنالوا اكليل الشهادة.
وجماعة أخرى يحملون جماعة المحبين وكل منهم ممسك بقيثارة يسبح بها ويتهلل بوجوده على الدوام.
وجماعة أخرى كانت تتميز بأعضاء منيرة جداً فى أجسادها النورانية منهم من أضاءت بطونهم نسكاً. ومنهم من لمعت روؤسهم إذ لم يكن لهم أين يسندوها ومنهم أيضاً من أضاءت أرجلهم بالجرى فى القفار والبرارى معتازين.
أما أنا فجاءنى أحد الملائكة المخصصين لخدمة العتيدين أن يرثوا الخلاص وأجلسنى فى نهاية الصفوف إذ كان ثوبى أقلهم لمعاناً ولكنى الحق فكنت شديد الفرح والقناعة إذ لم أكن أحسب نفسى أهلاً أن أكون فى هذا الموضع ولا أن اشترك مع هذا الخورس السمائى فى هذه التسبحة.
وانتبهت وتلفت حولى فإذ بى لم أكمل جهادى بعد وإذ بى مازالت فى الجسد.
أما اشتياقى وحنينى الى السماء فقد التهب وتوهج على رجاء فصممت أن ابدأ فى غسل ثوبى فى دم الخروف استعداداً ليوم اللقاء وخوفاً من العبور المرهوب...
ليت الرب يرحمنا ويعطينا نجاة يوم الدينونة .
وقفة مع النفس .....
والمجد لله دائما وابديا آمين