خدمة الكنيسة
الكاهن خادم في الكنيسة. إنه في الكنيسة ويقوم بالخدمة من قبل الكنيسة. ذلك لأن الكنيسة هي مؤسسة خدمة، إذ أن مؤسسها أرادها كذلك وعاشها كذلك وأسسها كذلك على مثاله. فإن ابن الإنسان جاء “ليَخدُم”… والكنيسة جسده إنما تمدّ خدمته هذه. هذا وإنها لتجربة كبرى أن تحوِّل الكنيسة هذه الخدمة المعهودة إليها إلى مصدر حقوق لها وامتيازات.. ولما كانت الكنيسة في الواقع كثيراً ما تسقط بشرياً في هذه التجربة وبأيسر مرام فالعالم يرفضها ويبتعد عنها. فالخدمة إذن هي في الوقت نفسه علّة وجود الكنيسة وحقيقتها ومصدر صعوبة تبنيها كل التبني في ملئها: أي كمؤسسة للخدمة.
أما في الكهنوت فالأمران يتطابقان إذ أن الكاهن هو للكنيسة: هو تحديداً من يخدم الكنيسة وقد كرس لها طاقاته وحياته وكيانه. إنه يحيا من أجلها (على أن يراها في كل سموها وقوتها كما في واقع ضعفاتها البشرية). هو من ناحية ثانية من تستخدمه الكنيسة لخدمة البشر والعالم تحقيقاً لمشيئة الله “بأن يرجع الخاطئ ويحيا” (حزقيال33: 11).
ويجب أن نميز هنا وجهي خدمة الكاهن في وصفه أداة للكنيسة: إنه أولاً أداة فائقة الطبيعة ينسكب من خلالها الروح القدس. فأنهار المياه الحيّة تنسكب من أحضان الثالوث القدّوس وتحيي العالم عبر الكاهن. ولكن في الوقت نفسه لا ننسيّن أنه في هذه الخدمة التي تتم من خلاله يبقى إنساناً من لحم ودم، بشرياً ذا إحساس ذاتي، ومخلوقاً معرضاً لكل ضعفات الطبيعة البشرية المجروحة التي لا تزال في طريقها نحو الشفاء الكامل ومجد اليوم الأخير.. فهذا هو وضع خدمة الكاهن على حقيقته.