09 - 05 - 2016, 04:56 AM
|
|
|
..::| مشرفة |::..
|
|
|
|
|
|
التفسير الرابع
فرضيات الجماعات المتكافئة :
ترى الفرضية بأن المجرمين وضحاياهم ليسوا جماعة مختلفة ومتباينة ؛ بل هم متكافئون ، وهناك دراستان في هذا المجال؛ قامت بالدراسة الأولى سايمون سنقر(Singer,1981) وكان من أبرز نتائجها أن ضحايا جرائم العنف غالباً ما يرتكبون الجرائم في المستقبل ؛ وينطبق هنا الرأي السلوكي بأن" العنف يولد العنف" ويمكن أن يفسر ذلك من خلال نظريات التعلم ونظريات التعزيز والتقليد والثقافات الفرعية. أما الدراسة الثانية فقد قامت بها مكرورت(Mcderott,1983) ووجدت أن ضحايا جرائم المدارس غالباً ما يرتكبون الجرائم من أجل استعادة مسروقاتهم أو رد اعتبارهم ذاتياً ؛ وذلك في إطار احترامهم لذاتهم .
وهكذا فإن المتتبع لتأريخ علم الضحية يجد أن للدراسات التي أجريت على ضحايا الجرائم دوراً بارزاً في إعادة تشكيل نظام علم الجريمة بأكمله ، و رغم ذلك لم يأخذ مساره في التطور والتقدم في كل دولة من دول العالم ، إذ قد نراه متقدماً في بعض الدول و متجاهلاً في دول أخرى، وقد أدى تراجع المداخل النظرية في علم الضحية في الوقت الحالي إلى ظهور الإنجازات التطبيقية والإسهام في دفع عمليات جمع البيانات، و محاولة الصياغة النظرية ، إضافة إلى التشريعات الجديدة التي تتعلق بالضحية، والجهود المساعدة لتحسين وضع الضحايا، والتخفيف عنهم مما يقعون فيه، ثم انبثقت من المداخل النظرية نماذج مختلفة في محاولات لشرح الاختلافات الحادة في المخاطر التي تواجه الضحايا.
ويمكننا القول بأن تحديد دور الضحية كسبب في وقوع الجريمة يعتمد على وصف الضحايا وخصائصهم وعلى تصنيفاتهم المختلفة والعوامل البيئية المساعدة في تعرّضهم ضحايا للجريمة، وتختلف العوامل الداخلية والخارجية من مجتمع إلى آخر وفقاً لنوع الأنظمة السائدة في ذلك المجتمع؛ ففي الحين الذي يمكِّننا فيه عزو سبب الجريمة إلى عوامل تتعلق بالجاني في بلد يتسم بالاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني، فإننا قد نلوم الضحية الذي يمنح الفرصة في مكان تغلب عليه الفوضى وعدم الاستقرار، إذ أن دور الضحية نسبي ويختلف باختلاف المواقف وأنماط الجرائم وملابسات وقوعها .
وفي ذات الوقت لا يكفي الاعتراف بأن الضحية لا تلعب دوراً مهماً في الملاحقات الجنائية فقط, بل يجب أن يتم حمايتها من مزيد من الضرر والأذى وتزويدها بالدعم لتتمكن من المساعدة في الإجراءات الجنائية والتغلب على محنتها من الجريمة والحصول على التعويض عن خسائرها . إذ أن آثار الجريمة لا تقتصر على الأذى الجسدي والخسائر المادية بل تتعداها في حالات كثيرة إلى الجانب النفسي والعاطفي وتستمر إلى أمد طويل.
وتعد نيوزلاندا أول دولة أصدرت تشريعاً للتعويض عن الجرائم، وذلك في عام 1963م وتم العمل به في عام 1964م ثم أصدر مجلس العموم البريطاني قانوناً ينظم التعويض عن الجرائم الجنائية ودون تحديد لنوع الجريمة. كما حظيت الضحية بدعم دولي في بداية السبعينات .
واعتمدت الأمم المتحدة في عام 1985م إعلان المبادئ الأساسية للعدالة لضحايا الجريمة. وقد أقر الإعلان وجوب الاهتمام بهم، و بعائلاتهم والشهود ومن ساعدهم، نتيجة لتعرضهم للأذى والضرر والإصابة أو الصدمة من الجريمة. كما أنهم كثيراً ما يعانون مشقة إضافية أثناء إجراءات التحقيق والملاحقة والمقاضاة للجاني. ويجب عدم إزعاج أي من الضحايا والشهود دون داع طالما أنهم يساعدون ويمتثلون للإجراءات القانونية. وقد أوضح إعلان الأمم المتحدة في فقراته الـ (21) الخطوط العريضة للمبادئ لإشراك الضحية ودعمها ومساعدتها, ويمكن تلخيصها في ثلاثة متطلبات توجيهية وهي :
- يتم الاقرار على نحو كاف بحقوق الضحايا ومعاملتهم باحترام حفاظاً على كرامتهم .
- يحق للضحايا اللجوء إلى الإجراءات القضائية وطلب التعويض الفوري لما لحق بهم من ضرر وخسارة .
- يحق للضحايا الحصول على مساعدة مخصصة وكافية نظير تعرضهم للصدمات العاطفية والمشاكل الأخرى الناجمة عن إيذائهم .
وللشرطة دور كبير في حماية حقوق الضحايا، فهم أول الممثلين لنظام العدالة الجنائية الذين يقابلهم الضحايا عقب حدوث الجريمة، ويتوقع هؤلاء الضحايا من قبل الشرطة الاستجابة السريعة لمكالمات الاستغاثة، والقيام بالإسعافات الأولية في الحال. وقبول سرد الضحايا للأحداث المؤدية لاكتشاف غموض الجريمة من خلال توجيه الأسئلة المكتملة من قبل رجال الشرطة، والقبض على المجرم والوصول إلى الحقيقة وجمع الأدلة التي تقود إلى إدانة الجاني أثناء مرحلة التحقيقات أو المحاكمة الجنائية. وقد يصاب الضحايا بالأسى والشعور بالإحباط تجاه الشرطة إذا تأخروا في الوصول إلى مكان البلاغ أو لم يصدقوا اتهاماتهم أو يفشلوا في القبض على المجرمين والوصول إلى حقيقة الواقعة.
إن الاستفادة من مبادئ مدرسة الدفاع الاجتماعي الحديثة في صياغة التدابير الوقائية للتدخل قبل وقوع الجريمة على الضحايا المحتملين ووفقاً لمنظورات علم الضحية أصبحت ضرورة ملحة، ومن الواجب إعادة النظر ومراجعة الإجراءات التي تسمح للضحايا بالوصول إلى حقوقهم والحصول عليها دون مشقة أو ضياع للجهد أوالوقت أو المال بعد وقوع الجريمة، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم. كما يقع على عاتق الدولة تعويض الأشخاص الذين يصابون بأضرار أثناء مساعدتهم ؛ وذلك تشجيعاً لهم على مساعدة أجهزة العدالة ووفاء بالجميل لهؤلاء المواطنين الصالحين على جهودهم في مكافحة الجريمة.
ومن المؤمل أن يقوم المعنيين بجهاز شرطة عمان السلطانية ومكاتب البحوث والدراسات الاجتماعية وكذلك الباحثين المتخصصين بإجراء دراسات ميدانية لمعرفة دور الضحية في الجريمة، وتحديد العوامل التي ساهمت في وقوعها؛ سواء كانت من قبل الجاني أو المجني عليه، وما هي أوجه الخلل التي أضعفت جهود الدولة في سبل الوقاية من الجرائم بشتى أنواعها ؟؟ فحكمة ( الوقاية خيراً من العلاج) لا يمكن حصرها على المشكلات الصحية وإنما تنطبق أيضاً على المشكلات الاجتماعية بل وتتعداها .
|