كيف يتأكد أحدهم من صحة شكه في أن ما يقدمه شخص ما إليه من طعام أو شراب به سم ؟ الجواب بسيط، بأن يطلب منه تذوقه فإن فعل فالطعام صالح للأكل، و إن لم يفعل فقد دس فيه السم بالفعل، و عليه ما يستحق ممن أراد أن يغدر به، و ربما كان ساذجا أولى ثقته العمياء لمن لا يستحقها فدفع الثمن غاليا و جاء الندم متأخراً إذ لم يدرك حقيقة هذا الشخص سوى بعد فوات الأوان .
رأينا ذلك المشهد كثيرا في الأفلام السينمائية و على صفحات الروايات الأسطورية، و لكننا على الأقل نتابع ما يحدث و نحن نعرف أن أولئك أبطال مصطنعون، ندري أنهم مجرد ممثلين، و نشعر بالطمأنينة إذ لازلنا على أرض الخيال فهما حدث من فظائع لن يطالنا شئ .
و لكن على أرض الواقع نحن ضحايا في مشهد سياسي متقن الإخراج، فيوجد كثيرون ممن يقدمون إلينا السموم يوميا في الوجبات الدينية و الجرعات الإفتائية و نحن نلتهمها بكل شراهة، أولئك الذين لا نعرف أنهم يمثلون علينا الفضائل و يدعون الغيرة على الدين و ما إنتمائهم سوى لشركات إنتاج الدموية، و الخراب، أنهم شيوخ الطائفية .
لقد عانت أوطاننا العربية من صراعات سياسية مريرة بين أبنائها، و بدلاً من أن يضمض رجال الدين جراح الأمة النازفة، و أن يخمدوا الفتن قبل أن تأكل الأخضر و اليابس، بدلاً من أن يبحثوا عما قد يدفع المتناحرين للتسالم فيما بينهم و نبذ العنف و القتال، بدلا من تذكيرهم بأنهم اتباع دين واحد و أنهم يؤذون الأرض التي تحتضنهم أكثر مما يؤذي غباؤهم بعضهم بعض، إذ بهم يستغلون الدين كما اعتادوا لخدمة طموحات المستفيدين من تلك الحروب، و قد خدعوا الناس بما فيه تحقيق المكاسب لأسيادهم بأخس الأساليب.
فقد رأينا الشحن المذهبي يطفو فوق تصريحاتهم و آرائهم الفقهية التي هدفت للطعن في عقائد الطرف الآخر لحشد أكبر عدد ممكن من المعادين له، فلا يخفى على أحد أن تلك الشعوب يحركها ذنبرك الشعارات الدينية للدفع بهم لخوض أي معركة سياسية أو قتال ميداني، و أن اصحاب السلطة الفقهية هم جنرالات الحرب الأكثر تأثيرا فهم قادرون دوما على الإتيان بمحاربين جدد يتقنون فن الإنقياد و الحماقة، محاربين معصوبي الأعين لم يعتادوا على التفكير قدر اعتيادهم على التفجير.
لكن شيوخ الطائفية ووعاظ السلاطين هؤلاء أنتجوا ما أنتجوا من الإرهابيين بغرض التصدير فقط لا الإستهلاك المحلي، فطاهي السم لا يدخله مطبخ بيته لا يعرض عائلته للهلاك، أو هو على الأقل يدرك بأن السم قد يطاله هو نفسه .
لذلك عندما تحدث الطائفية مصيبة ما في بلد هؤلاء نجدهم يسارعون إلى احتوائها و يتحول خطابهم إلى التغنى بالوحدة الوطنية و الأخوة الإسلامية و شعارات حقن الدماء، وقتها تتناقض أقوالهم، يتبرأون مما صرحوا به و يتملصون من فتاويهم، ذلك لأن العدوى وصلت لعقر دارهم و هذا المرض الخبيث لا يرحم أحد كما يصعب السيطرة عليه .
و تلك الحكومات التي تبارك التفرقة في دولة اخرى من أجل تحصيل سيادة أكبر لها هنالك لن تحتمل تهديد أمن بلدها بتفجير قد يهزعرش سلطتها . هنا يجب على المغيبين أن ينظروا هل يأكل هؤلاء مما يقدمونه اليهم ؟ فإن لم يفعلوا و انكشفت الحقيقة فمتى يتوقفون عن التهام ما يقتلهم و يعيي اجساد اوطانهم .