ساعة الإنسان وسلطان الظلمة
إذ كنت معكم كل يوم في الهيكل لم تمدوا عليَّ الأيادي. ولكن هذه ساعتكم وسلطان الظلمة (لو22: 53)
منذ اللحظة الأولى للسقوط حتى تلك الساعة، كان الله يعمل على صد تيار شر الإنسان وقمعه بيده الرادعة، وكانت الرحمة قبلاً تحول دون تنفيذ الإنسان لكل أفكار قلبه. لكن ها قد أتت ساعة الإنسان وسلطان الظلمة، ورُفع الحاجز، وفُتحت الأبواب على مصاريعها لتُتيح لطبيعة الإنسان الشريرة أن تسير في طريقها إلى النهاية. ولأول مرة في حالته الساقطة يشعر الإنسان بالتحرر من قبضة الله الكابحة. فماذا أفادته حريته؟ لقد ألقت به حريته في أحضان الشيطان إلى أقصى حد.
لقد أدهش حقد اليهود الحاكم الوثني، وكان تردد بيلاطس وجُبنه مثار تعجب العالم. وفي يهوذا الخائن لسيده يتمثل غدر الطبيعة البشرية ونذالتها حتى أن الإنسان الذي يحترم نفسه، يستفظع هذا العمل ويستهجنه. لقد كان العمل كريهاً وشائناً.
كانت هناك جميع أجناس البشر، وقد امتلأت قلوب الجميع عداوة وبُغضاً للمتألم المتواضع. فهوذا بيلاطس يعرضه لإهانة الجلْد، في حين أنه اضطر أن يعترف بأنه لم يجد فيه علة البتة. وهيرودس مع جُنده احتقروه وتوّجوه بالشوك وكانوا يسجدون له جاثين على ركبهم سخرية به. والكهنة الذين عملهم الشفاعة في الشعب يحاكمونه بل ويتهمونه متعللين بالناموس الذي أكرمه وأعلى شأنه. آثروا لصاً على مَنْ كان بحنان مفرط يغدق على الناس إحسانات لا عهد لهم بها. وفضّلوا قاتلاً على رئيس الحياة. وفي مقابل الخبز الذي أطعمهم أياه، جازوه بصفعات. وعن شفاء مرضاهم، أثابوه بالموت صلباً على الخشبة. وعن كلمات النعمة الخارجة من فمه، كدسوا أناثيمات على رأسه المكلل بالأشواك.
في تلك « الساعة » كانت دار رئيس الكهنة تعج بالأرواح الشريرة، فهناك كان مجلس الشيطان منعقداً. كانت تسيطر على البشر قوة لا يعلمون من أمرها شيئاً، كانوا قد طرحوا الله بعيداً عنهم، الله الذي كان حتى ذلك الوقت كابحاً لجماحهم من أجل خيرهم، وها هم تحت سلطان تلك القوات الشريرة يندفعون في رعونة وتهور إلى مهاوي الهلاك. لم يَعُد يروي غليلهم إلا إذلال وتعذيب وموت ذاك الذي جال يصنع خيراً ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس.
اسمُ يسوعَ قد سما
وقد عَلا وفاق بالعارِ والموتِ الذي
بالنعمةِ قد ذاق