رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عندما خاطبنا يسوع قائلاً: "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا من أجل الذين يسيئون إليكم" كان يرسي قواعد أكبر ثورة روحية في العلاقات الإنسانية التي كان شعارها: "العين بالعين، والسنّ بالسنّ". لقد تخطى المسيح، في وصيته هذه، حدود الذات البشرية، وارتفع بها إلى مستوى من الأخلاقية التي يستحيل تطبيقها وفقا للمقاييس الإنسانية المحدودة التي تستلهم قيمها من معطيات الواقع. فالمجتمع الذي نعيش فيه مجتمع يقوم على المبادئ التي تعتمدها ردات الفعل البشرية الطبيعية، والتي في جوهرها، ردات فعل الطبيعة الساقطة التي خضعت للخطيئة. غير أن المسيح، من خلال رؤية متفوقة، أراد للإنسان أن يسمو في علاقته مع أخيه الإنسان فوق ردات الفعل هذه، ويحيا لا لنفسه، بل لله. ومن الملاحظ أيضاً أن المسيح،في خطابههذا كان يوجه حديثه إلى فئة المؤمنين في شخص تلاميذه وأتباعه لأنه أدرك أن الإنسان الطبيعي أي غير المؤمن حقاً، لا يمكن أن يسيطر على ردات فعله، بل إن ردّات فعله هي التي تسيطر عليه. لهذا، نستخلص من مواقف المسيح أنمحبةالعدو تتطلب: 1- أن يكون الإنسان خليقة جديدة أي إن طبيعته القديمة المستعبدة للخطيئة يجب أن تتحرر أولاً من قيودها، وتخرج من ظلمات شرها إلى نور المسيح وحريته. يقول الكتاب المقدس: "إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً". فالخليقة الجديدة أو الطبيعة الجديدة تشتدّ، وتقوى، وتنمو في مناخ من الحرية الروحية التي لا يمكن أن تتوافر لأحد خارج نطاق العلاقة بالمسيح. إن الاختبار المسيحي، وهو فعل إلهي، يتعذر تحليله وتعليله. لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن شخص المسيح الذي هو مصدر هذه الحرية. وحين نصبح خليقة جديدة بفضل الإيمان بعمل المسيح المخلص على الصليب نكتسب طبيعة جديدة تختلف فيها ميولنا ونظراتنا ومواقفنا في الحياة عما كانت عليه سابقاً. ولست أشك لحظة أن هذه الطبيعة الجديدة تحمل في ذاتها معاني جديدة من شأنها أن تعبر عن مواقف أقل ما يقال عنها أنها مواقف مسيحية مخالفة في ردّات فعلها للطبيعة البشرية القديمة. ولا يعني هذا أن الإنسان المؤمن قد لا تثور فيه بعض مظاهر طبيعته السابقة؛ ذلك أن الجسد، قد يناله الضعف بين آونة وأخرى حين يعتري المؤمن المسيحي بعض الضعف الروحي أو تفتر علاقته بالله تحت ضغوط اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، أو على أثر مرض أو كارثة حلت به. بيد أن الفارق هو أن هذا المؤمن وإن ضعف، يدرك أن عليه أن يعترف بضعفه، وأن يطلب من المسيح تجديد قواه كي يتغلب على ما حل به من عناء أو سقوط. 2- أن يدرك الإنسان أنه يستمد القوة من المسيح هذه حقيقة جوهرية يجب أن لا يغفل عنها المؤمن المسيحي. قال المسيح عن نفسه: "أنا الكرمة الحقيقة وأنتم الأغصان". هل يمكن للأغصان أن تنمو، وتثمر إن كانت قد قطعت عن الكرمة مصدر حيويتها ونموها وتقدمها؟ إنها تتحولإلى حطب يلقى به إلىالنار.ونحن المسيحيين الحقيقيين، وأقول حقيقيين تمييزاً لنا عن المسيحية الاسمية الميتة، نستمد قوتنا في حياتنا الجديدة من شخص المسيح. ومنذ البدء في مسيرتنا الروحية، قد حصلنا على غفران خطايانا بفضل المصلوب، وليس نتيجة لمجهود بشري قمنا به في سبيل خلاصنا. عندما قال لنا المسيح: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم"، كان يطلب منا أن نثق بهثقةكاملةونقبل الله كما نحن، بخطايانا وعجزنا، أو تقصيرنا، إدراكاً منه أننا عاجزون عن إنقاذ أنفسنا من الحالة الرهيبةالتي نحن عليها، عالمين أن إيماننا به يولّد وحدة عضوية بيننا وبينه. يؤكد الكتاب المقدس أننا أعضاء في جسد المسيح. وأن المسيح هو رأس الكنيسة أي جماعة المؤمنين، وبالتالي فإن ما نتمتع به من حياة مسيحية متسامية تتخطى حدود ذواتنا؛ هي بفضل القوة التي نستمدها من شخص المسيح بالذات، ولولا هذه القوة الإلهية الساكنة فينا لكنا ما زلنا تحت سيطرة الناموس وتشاريعه. 3- أن يدرك الإنسان أن المسيح نفسه قد أحب أعداءه لم يطالبنا المسيح بما عجز هو عن فعله، لقد اختبر المسيح، من خلال تجسده كل تطورات الطبيعة البشرية وما يطرأ عليها من تأثيرات تبعث على الرهبة أحياناً. ولم تكن مشاركته لآلام الناس مشاركة نظرية بل تعرض لكل ما يتعرض له الإنسان. إنما الفارق الوحيد أنه لم يرتكب إثماً أو يقترف خطيئة، فهو كما ينص الكتاب المقدس مجرب مثلنا في كل شيء ما عدا الخطيئة. إذا لقد سلك المسيح هذا الدرب من قبلنا، وقاسى من اضطهاد أعدائه. بل أنه علق على الصليب لفداء كل من يؤمن به حتى من كان له عدو. والواقع إننا جميعاً كنا أعداء المسيح في الخطيئة، ومع ذلك فهو أحبنا أولا مع أننا كنا بعد خطاة. فالمسيح إذاً هو مثالنا الأعلى الذي استطاع أن يتفوق على حرفية الناموس ليقدم لنا روحية النعمة. ولست أشك لحظه أن الإنسان، من حيث هو إنسان، ميال للاستسلام لردات فعله الطبيعية، ولكننا كمسيحيين، قد تحررنا من سلطان الخطيئة، ومن ثم انتقلنا إلى ملكوت النور لنحيا طبقاً لقوانين روحية جديدة مصدرها قوة المسيح في داخلنا. لهذا كانت مواقف المسيح من أعدائه وما جسّده من محبة يعجز العقل البشري عن استيعابها أروع صورة روحية—إنسانية لمعنى الفداء الحقيقي. ويمكن أن يُقال: إن الصليب كان فعل محبّة لا يُسبر أغوارها وليس لها أي نظير في أي دين من الأديان التي عرفتها الإنسانية. ومن المؤسف حقاً إننا ننسى أحياناً أننا من طبيعة جديدة تتناقض في مواقفها وردات فعلها مع مواقف طبيعتنا الجسدية مما يلقي ظلالا متكاثفة على حقيقة مسيحيتنا، ولعل أكثر موقف تتجلى فيه مسيحيتنا هو في حبنا لعدونا، وهو حب واجب كما أوصى به المسيح. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
احبوا اعدائكم |
احبوا اعدائكم |
احبوا اعدائكم |
احبوا اعدائكم |
احبوا اعدائكم |