رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الكمال، والممكن لقداسة البابا شنودة الثالث كلنا مطالبون بالكمال. غير أن الكمال المطلق هو لله وحده. أما نحن، فأقصى من نصل إليه هو الكمال النسبي، نسبةً لمقدراتنا، وما يمنحه لنا الله من نعمة... وهذا الكمال المطلوب منا هو الممكن، أي ما يمكننا عمله... أو ما يمكننا الوصول إليه دون أي تقصير من جانبنا... طفل صغير في بداية التعليم، يدرّسونه الجمع والطرح في علم الحساب. فينجح في الامتحان ويحصل على الدرجة النهائية. نقول إنه وصل إلى درجة الكمال في الرياضة (الحساب) طبقًا لمستواه. على الرغم من أن مستواه يُعتبر لا شيء، إذا ما قورن بالمستويات العليا في الرياضيات. ولكنه حصل على الكمال النسبي، نسبة إلى سنه، وإلى مستوى تعليمه. وليس هو مطالبًا بأكثر من هذا... المفروض طبعًا أن نعيش في سلام مع جميع الناس. ولكن يحدث أحيانًا أن زوجة لا تستطيع إطلاقًا أن تعيش في سلام مع حماتها في بيت واحد، لاختلاف الطباع أو اصطدام الآراء. فبدلًا من أن يتكرر الشجار كل يوم، من الأفضل أن تنفصلا، كل منهما في بيت. ولا يكون هذا خصامًا، إنما إبعادًا للقش عن النار... وتستمر العلاقة في سلام. ولكنه السلام النسبي أو الممكن. ينبغي اذن أن ننظر إلى إمكانيات كل شخص. ولا نطالبه بما هو فوق طاقته. والناس يتنوعون في مستوياتهم حتى الروحية منها.. فهناك مثلًا الشخص المبتدئ، وهو غير المختبر الناضج. وكلاهما غير الإنسان الروحي صاحب المواهب التي منحه الله إياها. والناس يختلفون أيضًا من جهة السن: فما يستطيعه الشاب غير ما يقدر عليه الشيخ، غير ما يستطيعه الطفل... ونرى من جهة الصحة والمرض أن ما يقدر عليه المريض غير ما يقدر عليه القوى في صحته. والكمال الممكن لكل هذه النوعيات من الناس، يختلف طبعًا من شخص إلى آخر... كل واحد منهم على قدر طاقته... لذلك يجب على المرشدين والمعلمين والوعاظ، ألا يطلبوا من الناس ما هو فوق طاقتهم من جهة الوصايا والتعليم... ونفس الكلام نقوله للآباء والأمهات، وكل الذين يعملون في مجال التربية وفي مراكز الشباب. بل وفي مجالات التنمية أيضًا... أعطوهم إذن الممكن الذي يقدرون عليه. وليس النافع هو كثرة الوصايا، بل ما يقدر السامع أن ينفذه منها. لهذا، كان السيد المسيح يوبخ المعلمين من الكتبة والفريسيين قائلًا "إنهم يحزمون أحمالًا ثقيلة، ويضعونها على أكتاف الناس وهم لا يقدرون أن يحركوها بأصابعهم"... والمستويات العليا يصل إليها الناس خطوة خطوة، ربما بتدريج طويل أو قصير، حسب إمكانياتهم... والله -تبارك اسمه- سوف يحاسب الناس، حسب إمكانياتهم وطاقاتهم. حسب الممكن، وليس حسب المطلق... كل منهم حسب مستوى عقله وفهمه، وما ورثه من طباع، وما يتعرض له من ضغوط خارجية لا تقوى عليها إرادته. نقول هذا من معرفته بعدل الله وأيضًا رحمته. وكلاهما يقرنان الوصية بالمقدرة. والله لا يطالب إنسانًا بوصية هي فوق قدرته أو فوق معرفته... ومن هنا أيضًا تدرجت وصايا الله للناس. فما أمرهم به في عصر الوثنية وعبادة الأصنام وتعدد الآلهة، كان من الطبيعي أن يرتفع في عصور المعرفة والنعمة وعبادة الإله الواحد... على أنه يجب أن نذكر ملاحظة هامة عن الممكن وهى: لا يصح إطلاقًا أن يتحول الممكن إلى لون من التسيب! فلا تقصّر في تنفيذ الوصية، وتغطى تقصيرك بالأعذار، وبأنه لم يكن في إمكانك غير ذلك!! كلا، بل ليكن لك ضمير صالح أمام الله وأمام نفسك، في صدق وتدقيق. لئلا تصل إلى تدليل النفس في هروبها من الوصية أو في استهتارها! مثال ذلك: إن كانت هناك إعفاءات من الصوم في حالات معينة للمرضى والعجائز والحبالى والمرضعات. فلا تتخذ مثل هذا التصريح سببًا للتسيب، إن كانت الصحة تحتمل... ملاحظة أخرى: وهى إن كانت إمكانيات شخص لا تستطيع الآن: فمن واجبات الإنسان الصالح أن يقوّى إمكانياتها ويزيده. وهناك تدريبات عملية كثيرة يستطيع أن يسلك فيها الشخص لكي يقوى قدرته، ويكتسب إمكانيات جديدة. وما كان غير مستطاع له بالأمس، يصبح اليوم ممكنًا. وهكذا فالأعذار التي كانت تغطى عجزه من قبل، لم يعد لها وجود الآن. وفى حدود الإمكان، يسلك الإنسان بأسلوب التدرج. فإن كنت لا تحب الخير (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات) الآن، اغصب نفسك عليه. وبالتوالي سيأتي وقت تتعود على عمل الخير، بل تشتاق إلى عمله. ولا يكون بعد عن طريق التغصب، إنما بكل رغبة واقتناع... درّب نفسك على الاحتمال. وما لا تستطيع احتماله اليوم، فإنك بالتدريب سوف تستطيعه فيما بعد. درّب نفسك على العطاء، ولو بالقليل! المهم أن تعطى بأي قدر. ثم تدرج في العطاء: زِدهُ شيئًا فشيئًا. وكلما وجدت ثماره الخيرة، فإنك ستنمو في عطائك، وتزداد في كمالك النسبي. ليكن هدفك باستمرار هو الكمال. ولا تقف عند حد. وهذا الهدف سوف يدفعك إلى النمو في عمل الخير. ولاحظ نفسك. إن كان نموك الروحي قد توقف. فادفعه مرة أخرى بأساليب وطرق شتى. لأنه على قدر ما تصل إلى كمال نسبى هنا على الأرض، سوف تكون مجازاتك في السماء... واطلب معونة من الله القادر على كل شيء، حتى تستطيع بمعونته وعمل نعمته، أن تنتقل من كمال إلى كمال أعلى في كلٍ من المستوى النسبي والممكن... |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
القناعة (بين المستحيل والممكن) |
بين المستحيل والممكن امر الله |
مابين الكمال والممكن 23\5\2010 |
ما بين الكمال والممكن |
طوبى للذي يحب الكلام الصالح المستقيم، ويمقت الكلام الدنيء الهدّام |