المرأة الكنعانية التي تعيش حالة من الضيق والصعوبة تتجه الى يسوع وائقة بانه سيستجاب لها. إيمانها ثابت، شجاع، متواضع، أقوى من الرفض الظاهري. يجب على الايمان ان يكون ثابتاً وصابراً. أنه إيمان لا يوقفه شيء ولا حتى صمت الله: "فما أجابها يسوع بكلمة". والموضوع الآخر هو شمولية الخلاص. يضع متى هذا الناس أمام جماعة تواجهها تجربة الانغلاق على الذات وتجربة حبس الحضور الالهي: الله هنا وليس هناك، هنا يوجد الخير وهناك لا يوجد إلا الشر.
المرأة الكنعانية هي أمرأة غريبة ووثنية. استجابة يسوع لها هي بمثابة علامة على انفتاح الانجيل على الوثنين. ليس هذا فحسب، بل وان من الغرباء مَن له إيمان أقوى من إيمان الابناء. هذا الفكر يسيطر على متى من البداية الى نهاية الانجيل، نذكر هنا كيف ان المجوس قدموا من بعيد ليروا كفل بيت لحم، في حين أراد هيرودس قتله (متى 2)؛ فالله قادر على أن يقيم من هذه الحجارة أبناء لإبراهيم (متى 3). قائد المئة أكثر أيمان من شعب اسرائيل (متى 8)؛ وأهل نينوى سيكون لهم مصير أهون من مصير هذا الجيل (متى 12).
ان الحوار بين يسوع والكنعانية يعكس عقلية شعب تجاه شعوب. عقلية مبنية على طبقية بين الابناء والكلاب. هذه هي عقلية زمان يسوع. إلا ان إيمان المرأة يجعلها تقرأ هذه الصورة من بمنطق جديد، بصورة مقلوبة. فهي لا تنكر أولوية الابناء ولكنها تنبه الى مكانة الآخرين. المشكلة ليست في وجود البنوة، بل في فهم البنوّة. ليست المشكلة في وجود الاول، بل في فهم معناه.
فحب الله له اولويات، ولكن أولوياته لا يمكن أن تفصل أو تستثني أحد. فاذا كان للأبناء الاسبقية، فأن اسبقيتهم لا يمكن أن تُقصي الآخرين، بل تخلق مكان للآخرين. ولهذا فان كلمات المرأة الكنعانية تفتح أسبقية شعب إسرائيل على افق آخر لتنقيها وتصهرها. يسوع يوافق هذه المرأة نظرتها، كما لوكانت تعلمه وتنيره. فالحقيقية يمكن أن تأتي أيضاً من الوثنين.
لا يمكن ان يكون الايمان امتياز أو صورة ادعاء وتفوق على الآخرين. الايمان الحقيقي هو الذي يوسع أفق الحقيقة فيجعلها تمتد لتشمل الجميع. فعل يفتحني على الآخر وكأني أنا الاول ألتزم بوجود اللآخر. الايمان مسؤولية تحملني على تجاوز ذاتي بحركة حبّ وأخلاق لا يعرفان الحدود، غايتهما خلاص كل إنسان.
فلنصلِ: أيها الرب يسوع المسيح، أني أومن بك وبحبّك العظيم، نقي حبي وخلصني من الانغلاق على الذات.