رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مثل الغنيّ وألعازر الفقير نصُّ الإنجيل كانَ رجُلٌ غَنيٌّ يلبَسُ الأُرجُوانَ والكَتَّانَ الناعِمَ ويتنعَّمُ كُلَّ يومٍ تنعُّماً فاخِراً . وكانَ رجُلٌ فقير , إِسمُه ألِعازَر , مُلقى عِنْدَ بابِهِ , قد غطَّتِ القُروحُ جِسمَهُ . وكانَ يَشْتَهي أَنْ يَشبَعَ مِنْ فُتَاتِ مائِدةِ الغنيّ . وإِنَّ الكِلابَ نفسَها كانتْ تأْتِيهِ فتلحَسُ قُروحَهُ . وماتَ المِسكينُ فحمَلتْهُ الملائِكةُ إلى حِضْنِ إبراهيم . ثمَّ مَاتَ الغنيُّ ودُفِن. فرفَعَ عَينَيْهِ وهوَ في الجحيمِ يُقاسي العذابَ فرأَى إِبراهيمَ عَنْ بُعدٍ وألِعازرَ في حِضنِهِ. فنادى : " ارحمْني يا أَبتِ إبراهيم، وأَرسِلْ ألِعازرَ ليَبُلَّ طَرَفَ إِصبَعِهِ في الماءِ ويُبَرِّدَ لساني , فإِنِّي مُعَذَّبٌ في هذا اللهيب ." فقالَ إِبراهيم : " يا ابني تذكَّرْ أَنَّكَ نِلتَ خيراتِكَ في حياتِكَ , ونَالَ ألِعازرُ بلاياه . أَمَّا اليومَ فهوَ هَهُنا يتَعزَّى وأَنتَ تتعذَّب . ومَعَ هذا كُلِّهِ فبينَنا وبينَكُم أُقيمتْ هُوَّةٌ عميقة , حتَّى إِنَّ الذين يُريدونَ الاجتيازَ مِنْ هُنا إِليكُم لا يستطيعون , ولا الذين هُناكَ يستطيعونَ الاجتيازَ إلينا ." فقالَ : " أَسألُكَ إذاً يا أَبتِ أَنْ تُرسِلَهُ إلى بيتِ أَبي , لأَنَّ لي خمسةَ إِخوة . فليُنذِرْهُم مَخافةَ أَنْ يصيروا هُم أَيضاً إلى مكانِ العذابِ هذا ." فقالَ إِبراهيم : "عِندَهُم موسى والأَنبياء، فليسْتمِعوا إِليهِم ." فقالَ : " لا يا أَبتِ إِبراهيم , ولكِنْ إِذا مضَى إليهِم واحدٌ مِنَ الأَمواتِ يتوبون ." فقالَ لهُ : " إنْ لم يسْتمعوا إلى موسى والأَنبياء , لا يَقتنِعوا ولَو قامَ واحدٌ مِنَ الأَموات." ( لوقا 16/19-31 ) الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ يسوع يرفُض عقليَّة الأغنياء التي كانت سائِدة في زمانه, وهي أنَّ من كان غنيَّاً كان الله راضياً عنه, فيحقُّ له أن يتمتَّع وحدَهُ بغِناه. ومن كان فقيراً كان مغضوباً عليه لا يستحقُّ الشفقة والإحسان. فأظهر يسوع أنَّ هذا التفكير مخطئ. فالغنى لن يكون بركة على صاحبه إلاَّ إذا ساعد به الفقير ليتخلَّص من فقره ويعيش عيشةً كريمة. أمَّا الفقر فليس لعنةً من الله, بل امتحانٌ يطَّلع به الله على طاعة الإنسان وثقته بتدبير حكمته الإلهيَّة. وإليكم إيضاح هذه الفكرة. لماذا هبط الغنيُّ إلى مقرِّ العذاب؟ عندما نقرأ هذا المثل نتساءَل لماذا هبط الغنيُّ إلى مقرِّ العذاب؟ 1- هبط الغنيُّ إلى مقرِّ العذاب لا لأنَّه كان غنيَّاً, بل لأنَّه استأثر بخيرات الدنيا استئثاراً بعيد المدى بلغ حدود القساوة اللاّإنسانيَّة, فلم يعبأ بالفقير ولا بجوعه ولا بمرضه وحرمانه. 2- لا شكَّ في أنَّ الكتاب المقدَّس يقبل أن يمتلك الإنسان الفرد خيرات الأرض. ولكنَّه يفرض عليه أن يتصدَّق على الفقراء بقسمٍ من المال الذي أنعم الله به عليه. فلا يجوز, بموجب فضيلتَيْ العدل والمحبَّة, أن يتمتَّع وحدَه بخيراته الوافرة وأن يترك الفقراء قابعين في بؤرةِ فقرهم. قال إبراهيم ذلك للغنيّ: " تذكَّرْ أَنَّك نِلتَ خيراتِكَ في حياتِكَ " أيْ, لقد استأثرت بخيرات الأرض, ولم تُشرِك فيها الفقراء, فأنت تُعاقب على ذلك. 3- فالأغنياء الذين يعيشون على مثال عيشة هذا الغنيّ, أيْ عيشة الأنانيَّة واللاَّمبالاة بحاجات الفقراء, لن يدخلوا ملكوت الله. فالوحي يؤكِّد ذلك. قال إبراهيم للغنيّ: " لا داعي إلى أن أُرسل الفقير ألعازر إلى الأرض ليُقنِعَ اخوتك بممارسة أعمال الرحمة. إنَّ وحي الله الوارد في الكتب المقدَّسة يقول لهم ذلك ". لماذا حظيَ الفقير بالجلوسِ في حِضن إبراهيم؟ إنَّ المثل لا يمدح الفقر. فالفقر شرٌّ يجب إزالته عن هذه الأرض. كما انَّه لا يَعِدُ الفقراء بسعادةِ السماء. إنَّهم لا يتمتَّعون بسعادة الملكوت إلاَّ إذا استحقُّوها. ولكنَّ المثل الذي ضربه يسوع لا يقول بصراحة ماذا فعل ألِعازر الفقير ليستحقَّ السعادة الأبديَّة. إنَّنا نفترض استناداً إلى تدبير الله وحكمته وعدالته أنَّه صبر على فقره استسلاماً إلى مشيئة الله فيه. وهذا الاستسلام الكامل قد فتح له باب السعادة الأبديَّة لأنَّه نال به رضى الله. أهمُّ التعاليم الواردة في هذا المثل إنَّ هذا المثل غنيٌّ بالتعاليم العقائديَّة والخُلُقيَّة والاجتماعيَّة. ونحن نورد أهمَّها: 1- ضرب يسوع هذا المثل لينقُض العقليَّة الماديَّة المسيطرة في زمانه على عقول الناس, ولا سيَّما على عقول الرؤساء والأغنياء. لقد كانوا مقتنعين بأنَّ الغنى الحلال نعمة سماويَّة تشير إلى أنَّ الله يرضى عنهم كلَّ الرضى. فمن حقِّهم أن يحتفظوا بهذه النعمة وأن يتمتَّعوا بها وحدَهم لأنَّها أُعطيت لهم. فلو كانت للفقراء حظوةٌ عند الله لأنعم عليهم بخيرات الأرض, ولكنَّهم أناسٌ مغضوبٌ عليهم يستحقُّون عذاب الفقر. فلا داعي إلى مؤازرتهم وانتشالهم من فقرهم. لقد رفض يسوع هذه العقليَّة المطبوعة بطابع الأنانيَّة والقساوة واللاّمبالاة. وبيَّن في هذا المثل أنَّها عقليَّةٌ مُخطئة. فالغنى لا يكون بركة من الله إلاَّ إذا قضى الأغنياء حاجات الفقراء, وآزروهم على أن يحيوا حياةً إنسانيَّة كريمة, وإلاَّ انقلب عليهم الغنى وبالاً وأصبح سبب هلاكِهم الأبدي. كما أنَّ الفقر ليس لعنةً من الله. فإنَّ له أسباباً لا تُحصى, ومن أهمِّها المرضُ والشيخوخةُ وعبءُ الأسرة الكبيرة والركودُ الاقتصادي. فالله يرضى أن يتعذّب الفقراء بعذاب الفقر ليمتحن إيمانهم وصبرهم واتِّكالهم على العناية الإلهيَّة, ويفسح للأغنياء المجال لأن يقوموا بأعمال الرحمة والمحبَّة. 2- إنَّ هذا المثل لا يفرض على الأغنياء أن يتخلَّوا عن أموالهم أو يغيِّروا نمط حياتهم فيعيشون عيشة التقشُّف والفاقة والضيق, بل يطلب منهم, وهم يحيون حياة الرفاهية, أن يتذكَّروا الفقراء ويتصدَّقوا عليهم ويساعِدوهم على أن يتخلَّصوا من فقرهم وعَوَزِهم, وهذا ما لم يفعله هذا الغني. وقد انتقده المثل انتقاداً لاذعاً لمَّا قال إنَّ الكلاب كانت خيراً منه, فقد كانت تأتي وتلحس قروحه لتخفِّفَ عنه ألم الدمامل النتنة. 3- إنَّ هذا المثل يؤكِّد لنا بصراحةٍ كليَّة أنَّ بعد هذه الحياة حياةً أخرى أبديَّة, سعيدة أم تاعسة بحسب ما كانت حياة الإنسان على الأرض صالحة أو شرِّيرة. كما يقول لنا إنَّ وضع الحياة الأبديَّة وضعٌ لا يتغيَّر إطلاقاً. فمن دخلها وكان سعيداً بقي سعيداً للأبد, ومن هبط إلى الهلاك بقي هالكاً مدى الأبديَّة. ففي الحياة الأخرى لا إمكانيَّة للتوبة ولا لارتكاب الخطيئة. وهذا ما عبَّر عنه إبراهيم بلغةٍ شعبيَّة فقال إنَّ الهالكين لا يصعدون إلى السماء وإنَّ الأبرار لا يهبطون إلى الجحيم. 4- ويعطي المثل الأهميَّة الكبرى للكتاب المقدَّس, فيصرِّح على لسان إبراهيم بأنَّه الدليلُ الأمين الذي يهدي الناس إلى الإيمان والأخلاق الصالحة. قال إبراهيم: "إِنَّ عندَهم موسى والأَنبياء " أيْ انَّ عندهم الكتاب المقدَّس الذي كتبه موسى والأنبياء. فالكتاب المقدَّس نورُ الإنسان وطريقه إلى السعادة الأبديَّة. فلا بدَّ من التمسُّك بأقواله والعمل بموجبها لإرضاء الله والحصول على الخلاص الأبدي. الأساليب الجديدة لمساعدة الفقراء جاء في الكتاب المقدَّس أنَّه لا بدَّ من مساعدة الفقراء. فهي ضروريَّة للمرضى والعجزة وأصحاب العيال الكبيرة. ولكنَّها مهما كانت غزيرة فإنّها لا تسدُّ حاجات الفقراء لأنَّها مؤقتة وضئيلة. وهذا ما دفع المفكِّرين الذين تأمَّلوا في معنى هذا المثل إلى تطبيقه بأساليب جديدة قادرة على أن تنشل الفقراء من فقرهم. إنَّ الأساليب الجديدة التي فكَّروا فيها وعملوا على وضعها موضع التنفيذ كثيرة, ومن أبرزها: 1- العملُ على إزالة الفروقات الماديَّة الكبيرة القائمة بين الأغنياء والفقراء, بقوانين وأنظمة تصدرها الدولة, ويؤيِّدها المجتمع, وتحمل طابع العدالة الاجتماعيَّة والمحبَّة الأخويَّة وتؤمِّن للفقراء, ولا سيَّما للعمَّال, دخلاً ماديَّاً يكفي حاجاتهم اليوميَّة, وتقدِّم لهم المساعدات الماليَّة عندما ينتابُهُم العجز أو المرض أو الشيخوخة أو البطالة. وهذا ما قامت به عدَّةُ دولٍ في العالم. 2- بناءُ مدارس مِهَنيَّة تعلِّم أبناء الطبقة العاملة الفقيرة المِهَن المتنوِّعة الموافقة لحاجات بلدهم, وتُمكِّنهم من العمل وكسب معيشتهم بكرامة. 3- إنشاءُ معامل ومزارع ? من قِبَل القِطاعَيْ العامّ والخاصّ- تؤمِّن للعمَّال والفلاَّحين عملاً مستمرَّاً ودخلاً ثابتاً يعيشون به مع أُسَرهم عيشةً آمنةً مستقرَّة. 4- مكافحةُ الأُميَّة والجهل, وتعليم الجيل الناشئ القراءة والكتابة ومبادئ الحساب, ليتمكَّنوا مِنَ الاطِّلاع على حاجات بلدهم الأساسيَّة وطريقة تأمينها بمشاريع زراعيَّة وصناعات صغيرة توفِّر لهم دخلاً ثابتاً. إنَّ هذه الأساليب الحديثة تحارب الفقر في العالم, وتمنع الطبقة الغنيَّة من استغلال الطبقة الفقيرة, أو تحدُّ كثيراً هذا الاستغلال. خلق عادة مؤازرة الفقراء والمحتاجين مهما قامت الدول والكنائس المحليَّة بمشاريع اجتماعيَّة لمحاربة الفقر, فالفقر لن يزول من العالم, لأسبابٍ فرديَّة واجتماعيَّة. وهذا ما لمَّح إليه يسوع عندما قال: "إِنَّ الفقراءَ عندَكم دائماً أَبداً " (يوحنا 12/8) ولذلك فإنَّ مدَّ يد المساعدة الكريمة للفقراء تبقى دوماً ضروريَّة. إنَّ عادة مساعدة المحتاجين لا تنشأ في قلوب الميسورين تلقائيَّاً. فإنَّنا نحن البشر مفطورون على الأنانيَّة والانطواء الذاتي. فلا بدَّ من زرع عادة مؤازرة الفقراء في قلوب الأطفال منذ صغرهم, فيعتادون الإحسان والتطلُّع إلى أوضاع المساكين, ويؤازرونهم على قَدْرِ إمكانيَّاتهم عندما يكبرون. إنَّ هذه العادة الحميدة جزءٌ هامّ من التربية المسيحيَّة, وتقع على عاتق الأهلِين والمربِّين في البيت والمدرسة والكنيسة. التطبيق العملي 1- إنَّك تُحبُّ الله, فأحبِبْ أخاك الفقير حُبَّاً عمليَّاً يُخفِّف عنه ألم الفقر. ولا تُهمِل تمويل اللِّجان والجمعيّات الخيريَّة بالمؤازرة الكريمة. وتذكّر أنَّ من لا يُحِبُّ أخاه لا يُحِبُّ الله. قال يوحنَّا الرسول: " إِنَّ الذي لا يُحِبُّ أَخاه وهوَ يَرَاهُ , لا يستطيعَ أَن يُحِبَّ اللهَ وهوَ لا يَرَاهُ ." (1 يوحنا4/20) |
18 - 04 - 2017, 10:12 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: مثل الغنيّ وألعازر الفقير
أمين
ربنا يبارك خدمتك |
||||
19 - 04 - 2017, 12:46 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مثل الغنيّ وألعازر الفقير
شكرا على المرور |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
إنّ الله لا يميل أذنه نحو الغنيّ، بل نحو الفقير والمسكين |
الفقير هو المفضَّل على الغنيّ |
يخاف الفقير على الفقير ويساعده |
ليس الفقير هو من لا يملك شيئا .....بل الفقير هو من لا يعطى شيئاً |
الشابّ الغنيّ |