الندامة
لا معنى أبداً لسر التوبة ما لم ترافقه الندامة أي التوبة الباطنية والقصد الصادق في اتخاذ الوسائل اللازمة لمحاربة الخطيئة.
والندامة لا تخشى النزول حتى عمق الخطيئة، حتى عمق الكيان. ففي الشعور الصادق بالذنب أمسك خطيئتي بيدي وأنظر إليها وجهاً لوجه، واعترف بها، واقبلها. وأتحمل نتائجها، وفي الوقت نفسه أنكرها فكرامة الإنسان الكبرى وعظمته تقومان على تحمله مسؤولية عمله.
فالندامة إذاً هي قرار عميق يتخذه التائب في عمق كيانه بالعودة إلى كنف الثالوث الأقدس للانطلاق في مرحلة جديدة من حياته ويوجه فيها كل طاقاته إلى محبة الله والقريب.
تنطوي الندامة على تغيير في العقلية وتبدل في التفكير، إنها انقلاب على الذات، عزوف عن الخطيئة وعودة إلى الله أنها موت للحياة حسب قول بولس:"نحن الاحياء. نسلم دائماً إلى الموت من أجل المسيح، لتظهر حياة المسيح أيضاً في جسدنا المائت." (2قو4/11).
والندامة هي التي قادت بطرس إلى دموع التوبة. أما التحسر فقاد يهوذا إلى حبل الشنق.
ولا مجال للمصالحة بدون الندامة أي التأسف على إهانة الله والقريب والعزم على عدم الرجوع إلى الخطيئة والعودة إلى الله.
وتكون الندامة مطلقة وشاملة عندما نعطي الله الأولوية ولا نُفضل عليه شيئاً واحداً وأن نرذل جميع خطايانا المميتة دون استثناء لأنها تمس الله في صداقته مساً خطيراً ونرذل جميع الخطايا العرضية لأنها تنال من صداقة الله أيضاً.
والندامة نوعان:
1- كاملة: إن الندامة كاملة إن هي انطلقت من محبة صادقة لله ومن الشعور بأننا أهنا كائناً كنا قد اخترنا أن نحبه فوق لك شيء.
2- غير كاملة: تكون الندامة غير كاملة إن هي انطلقت من دافع إيماني غير المحبة كالعدل الإلهي مثلاً.
وتقتضي الندامة أن يكون عند التائب نية التغير والتجدد والأمانة للرب واتخاذ الوسائل الواقعية والممكنة لمنع التكرار فإن المسيح يشدد دائماً على ذلك. "اذهبي. ولا تعودي إلى الخطيئة من بعد." (يو8/11).
وإن صدمنا بقلة النتائج الظاهرة في صراعنا ضد الخطيئة فهذا لا يعني عدم صدق الندامة. فالإنسان ضعيف ونعمة الله ليست عصا سحرية، نعمته خمير يفعل فعله وإن لم يكن بالسرعة التي نتمناها إنما هي تجعلنا ننهض من كبوتنا ونجدد العزم على المضي قدماً.