![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الأفخارستية ذبيحة ![]() ما هي الذبيحة؟ الذبيحة تفترض ضحية، وفدية تهرق أمام كائن قدير إكراماً له وسعياً لنيل رضاه واستدراراً لعطاءاته وتعبيراً عن الولاء له، فهي إذاً عمل ظاهري يقتضي هبة تقدّم وعمل داخلي يدفعه. والذبيحة عمل عبادة متأصل في عادات الإنسان منذ أقدم العصور، ولنتذكّر في هذا الموضع، ذبيحة هابيل التي أراد الكاتب أن يعبرّ بها عن طريقة العبادة منذ البداية، وذبائح الأقوام البدائية التي كانت تذهب إلى حدّ تقديم العذارى إلى الآلهة إرضاء لهم وتخفيفاً لغضبهم، فمنها ما كانت تحرق للإله مولوخ في فينيقيا، ومنها ما كانت تلقى في النيل عند الفراعنة. وفي العهد القديم، كانت الذبائح حيوانية، حيث كانت تقدّم يومياً في الهيكل، يرفعها شعب الله المختار إلى الله، تعبيراً عن خضوعه له وطلباً لرحمته وتكفيراً عن الخطايا وشكراً على عطاياه. وقمة هذه الذبائح كانت ذبيحة المسيح ابن الله المتجسّد على الصليب، الذي غدا هيكل البشرية جمعاء وقربانها. وفي هذه الذبيحة، المسيح هو المقدم والمقدّم، وقد فعل باسم البشرية ومن أجلها. ويمكن مقارنة الذبائح القديمة بالذبيحة الجديدة التي هي المسيح يسوع، فنلاحظ في كلا الظرفين: كاهن يقدم وذبيحة تقدّم وسبب لتقديم الذبيحة. فالكاهن، أي الوسيط بين الشعب والله في الذبيحة الجديدة، هو رجل بدون عيب، من سلالة ملكيصادق أي الكهنوت المؤسس بإرادة الله، لا يحتاج إلى تنقية. والذبيحة هي أيضاً حمل الله ولا عيب فيها. وأما الهدف، فهو التكفير عن خطايا البشر. وهي عبادة مقبولة لدى الله، لأن الوسيط منبثق منه والذبيحة غالية على قلبه الأبوي، ولذلك، فالهدف أي مغفرة الخطايا سيتم لأن الله قبل هذه الذبيحة مسبقاً، وإن ذبيحة الصليب هذه فتحت باباً جديداً للعلاقة بين الله والبشر، وللقاء الإنسان بالله، في عهد جديد ختم بدم المسيح. واعتباراً من يوم الجلجلة، حيث رفعت إلى الله الذبيحة الأزلية، ما عاد هنالك حاجة إلى الذبائح الأخرى التي لا فاعلية لها أصلاً، وقد أغنتنا ذبيحة المسيح عن كل الذبائح الأخرى، وبذلك تصبح هذه الذبيحة، حاضرة وشخصية إذ تتجدّد باستمرار، غير أن المسيح، لم يعفِنا من واجب العبادة وتقدمة القرابين، ولكنه أعطانا قرباناً مرضياً لدى الله، نقدّمه له في كل مناسبة، وهذا القربان هو جسده ودمه، اللذان قربهما إلى الله يوم خميس الأسرار حيث قال: "خذوا وكلوا، هذا هو جسدي، الذي يكسر من أجلكم، اشربوا من هذا كلكم، هذا هو دمي، الذي يهرق عنكم"، ثم أضاف: "اصنعوا ذلك، حتى مجيئي" (لو 24: 30-35). فالكنيسة أخذت الكهنوت عن المسيح، كما أنها احتفظت به بواسطة سر الأفخارستيا، قرباناً دائماً ترفعه إلى الله لتؤدي واجبات العبادة والشكر والطلب والتكفير عن الخطايا. وهكذا يكون العهد الجديد متميزاً عن القديم، بكهنوته وقرابينه الإلهية التي تتمتّع بفعالية لا حدّ لها (انظر بولس عبرانيين 9: 12-26، 10: 1-10). فالقربان المقدّس هو الذبيحة المثلى المرضية لدى الله، التي تغدق علينا بركته وتوحدنا معه بعهد جديد و ثابت. ومهما يكن للصلاة والعبادات الفردية من قيمة، فإن هذه القيمة ضعيفة جداً، إذا قيّست بالذبيحة الإلهية، التي مصدرها الله ومحطها الله. وإن الكنيسة إذ تقوم بتقديم هذه الذبيحة، تحقّق عملاً إلهياً باسم جماعة المؤمنين، وتنال رضى الله وبركته لكل من يشترك معها في عمل الذبيحة، التي هي القدّاس الإلهي. وللاشتراك الفعلي في الذبيحة، يجب طبعاً حضور عمل العبادة هذا في الكنيسة ومشاركة الكاهن بالنية. غير أن هنالك أمر التقديس والاتصال الحيوي بالله فهو لا يتحقّق إلاّ بالاتحاد الفعلي مع المسيح في المناولة، وبذلك نرفع كلنا معه إلى الله، قرباناً مرضياً ومقبولاً. |
![]() |
|