ليأتِ ملكوتُك
في الطلبة الثانية للصلاة الربّانيّة ليأتِ ملكوتك ندعو الله أن يُرسل أو يُحضر ملكوته. هناك كثير من الكتابات عن هذه الطلبة، بالتحديد عن ماهية ملكوت الله وكيفية إتيان ملكوت الله للإنسان والعالم. من إحدى شروحات مجيء ملكوت الله، أن يأتي الحضور الثاني للمسيح سريعًا، أيّ أن يأتي المسيح ليدين البشر، وهذا يعني أن يأتي ذلك اليوم الذي ستقوم فيه كلّ أجساد البشر وتبدأ دينونتهم.
هذه الطلبة مطلبٌ مضمونٌ؛ مطلب ابنٍ معترف بالجميل لا يتعلق بالمنظورات بل يلجأ إلى الآب ويتوق للمستقبلات. مثل هذا الطلب هو ثمرة الضمير الصالح الذي قد تخلّص من الأمور الأرضيّة. وأيضًا، الضمير الذي يمتلك المحبة لمجيء ملكوت الله، أيّ لحضوره الثاني، فلا يتكبر ولا يتغطرس على خيرات هذه الحياة، ولا يصبح ذليلاً منسحقاً ومنهاراً من أحزانها. يشعر أنّه وُجد في مكان منفي، في غربة ينتظر العودة إلى وطنه.
يحنّ المسيحيون الأوائل والمؤمنون إلى هذا الملكوت، ويشتهون مجيء المسيح ليتحدّوا معه كما في الزواج، طالما هم يمتلكون الآن العربون الروحي. وهذا بالضبط يشترط نقاوة داخليّة وضمائر صاحية. ومن الجدير ذكره أن الرسل يوضّحون في رسائلهم أن ملكوت الله قريب، للذين يعيشون اسخاتولوجياً. ينتهي كتاب رؤيا يوحنا بالصرخة تعال، أيها الرب يسوع (رؤيا :20).
أمّا التفسير الآخر لـ ليأت ملكوتك، أن تأتي نعمة الله في قلوبنا بقول المسيح ملكوت اللّه فيكم (لو20:17). وكلمة فينا لا تعني بيننا بل في قلوبنا. طبعاً، الذين يملكون نعمة الله في قلوبهم يشعرون بروح الشركة، باشتراكهم معاً. وهؤلاء يشعرون بملكوت الله كحالة روحية وليس بإحساس نفسي أو عاطفي سامٍ من خلال الشكر الإلهي والعبادات الإلهية العامة. وفضلاً عن ذلك، القداس الإلهي بحسب تفسير الآباء القديسين فيه تقدمة اسخاتولوجيّة تعرض حياة ملكوت الله الذي سيتم بملئه في المستقبل.
ملكوت الله داخلنا، يأتي عندما نفتح قلوبنا ونقبل نعمة الله بطرق متنوعة. هذا يبدأ بالتوبة، فنعمة الله تُحرق الأهواء ونشعر بها كقوة لاذعة. تزداد هذه النعمة ببهجة وفرح داخليّين عندما يذكر الإنسان اسم الله باستمرار ويصلّي إليه، عندئذٍ يستنير ذهنه ويشعّ. وبالنهاية عندما يكون الإنسان مستحقاً أن يرى الله في نوره حينئذٍ يرى ملكوت الله.
ويظهر هذا في الانجيل المقدس ، فقبل تجلي المسيح قال لتلاميذه: إنّ البعض بينكم لن يموتوا ليروا ملكوت الله الذي سيأتي بقوة. وبعد هذا بقليل أخذ منهم ثلاثة تلاميذ وأصعدهم إلى جبل ثابور وتجلّى أمامهم. عندئذٍ رأى التلاميذ وجهه مضيئاً كالشمس و أصبح رداؤه ناصع البياض كالنور، وبحسب تفسير الآباء رؤية المسيح هذه داخل النور كانت رؤية ملكوت الله.
يجب أن نطبّق ملكوت الله في حياتنا، علينا أولاً ان نقبله في قلوبنا بقوى الله المطهّرة والمنيرة والمؤلِّهة. وبعد هذا سنتذوقه في المستقبل. والعكس صحيح أيضاً، فعندما نرغب بالمجيء المستقبلي لملكوت الله سنشتهيه وهذا يقودنا إلى التوبة وتذوق الملكوت في هذه الحياة. في الوقت الذي أتى فيه ملكوت الله بتجسد المسيح، ويأتي بالتوبة وشركتنا مع المسيح، وسيأتي بالحضور الثاني.
لسوء الحظ، يرغب الكثير منّا بمُلكٍ أرضيّ، سُلطات، ومسّرات؛ وكما نرغب بأن نقيم ملكوتنا على الأرض وأن لا نتمسك بملكوت المسيح. عندئذٍ يجب أن نبدّل منهجيتنا ونطلب ملكوت الله بالطريقة التي قدّمناها سابقاً إلى أن نلتقي بروح الصلاة الربّانيّة.