يقول البعض مادامت النسخ الأصلية للأسفار المقدسة قد فُقدت، من يدري أن النسخ الحالية مطابقة للنسخ الأصلية؟
ج: 1- دعنا يا صديقي نطرح السؤال التالي:
لماذا سمح الله باختفاء النسخ الأصلية للأسفار المقدَّسة؟
لقد عاش الشعب اليهودي وسط الشعوب الوثنية التي كانت تعبد الأشياء المادية، وكثيرًا ما سقط اليهود في عبادة الأصنام التي تعبدها هذه الشعوب بل أن الشعب اليهودي تعبَّد للحية النحاسية التي رفعها موسى رمزًا لصليب مسياس، فماذا فعل الملك حزقيا الصالح؟ لقد " أزال المرتفعات وكسر التماثيل وقطَّع السواري وسحق حيَّة النحاس التي عملها موسى لأن بني إسرائيل كانوا إلى تلك الأيام يوقدون لها ودعوها نَحُشْتان" (2مل 4:18) ولهذا سمح الله باختفاء النسخ الأصلية كما أخفى جسد موسى حتى لا يتعبَّد له الشعب.
2- نحن لا نقدّس الجلود والرقوق وأوراق البردي التي كُتِبت عليها الأسفار، لكننا نقدس كلمة الله المكتوبة على هذه المواد.
3- النسخ الأصلية نُقلت منها عدة نسخ بطريقة في منتهى الدقة وهذه النسخ تمثل الجيل الثاني، وهذه بدورها نُقِل منها عدد أكبر من النسخ تمثل الجيل الثالث وهلم جرا،فمثلًا لو إن النسخ الأصلية نُسخ منها عشرين نسخة (الجيل الثاني)، وهذه النسخ العشرين نُسخ منها مائة نسخة (الجيل الثالث) وبما أن النسخ المائة متطابقة تمامًا فهذا دليل ثابت على أن النسخ العشرين (الجيل الثاني) مطابقة تمامًا للأصول مائة في المائة، فكم وكم عندما نجد آلاف المخطوطات التي يتم اكتشافها في مناطق جغرافية مختلفة وجميعها متطابقة تمامًا.. أليس هذا دليلًا على تطابق الكتاب المقدس الذي بين أيدينا مع النسخ الأصلية؟!
4- هل يتصور البعض أننا يجب أن نرفض الكتاب المقدس أنفاس الله للبشرية بحجة عدم وجود النسخة الأصلية؟! وهل نتعامل مع التراث الفكري بهذا المنطق المريض؟! ولو تعاملنا بهذا المنطق ألاّ نصبح شعبًا بلا تاريخ ولا تراث ولا قيَّم؟!
5- إن كنا نقبل كتابات الفلاسفة والمفكرين والمؤرخين مثل هيروديت وأفلاطون وأريسطو وتاسيتوس رغم أن النسخ التي نمتلكها لكتاباتهم كُتِبت بعد موتهم بمئات السنين، فمثلًا أقدم نسخة لدينا من عدد مائة نسخة لكتابات سوفوكليس (496 - 406 ق.م) ترجع إلى سنة 1000م. أي بفارق زمني 1400 سنة، وأقدم نسخة لدينا من عدد ثمان نسخ لكتابات هيروديت (480- 425 ق.م) ترجع إلى 900م. بفارق أكثر من 1200 سنة، وأقدم نسخة لدينا من عدد خمس نسخ لكتابات أريسطو (384 - 322 ق.م) ترجع إلى سنة 1100م أي بفارق زمني 1400 سنة، وأقدم نسخة لدينا من عدد عشرين نسخة لكتاب تاسيتوس الروماني الحوليات (سنة 100 م) ترجع 1100م. بفارق زمني 1000 سنة (راجع الجدول المدوَّن في كتاب برهان يتطلب قرارًا لصاحبه جوش مكدويل ص 60) فإن كنا نثق في كتابات وأفكار هؤلاء، فكيف لا نثق في النسخ التاريخية التي لا يفصلها عن النسخ الأصلية سوى مدى زمني قليل، فلدينا المئات من مخطوطات العهد الجديد التي ترجع إلى القرن الثاني الميلادي بينما اكتمل العهد الجديد مع نهاية القرن الأول الميلادي وهذا ما دعي العلامة ف. هورت الذي أمضى 28 عامًا في دراسة فصول العهد الجديد للقول "إن هذه الكثرة من مخطوطات العهد الجديد والتي يعود الكثير منها إلى العصور الأولى التي تكاد تتصل بتاريخ كتابة النص الأصلي، تجعل نص العهد الجديد يقف فريدًا بين الكتابات الكلاسيكية القديمة ولا تدانيه في ذلك أي كتابات أخرى " (21)، ولدينا عددًا كبيرًا من نسخ العهد القديم التي ترجع إلى القرن الثالث قبل الميلاد بينما عاش ملاخي النبي في القرن الرابع قبل الميلاد.
6-الكتاب المقدس هو كلام الله الذي حفظه وقادر أن يحفظه من التغيِيّر، فالكتاب المقدس هو موضع اهتمام الله، فمثلًا عندما كلف الله أرميا النبي بالكتابة قائلًا " خذ لنفسك دَرْج سفر واكتب فيه كل الكلام الذي كلمتك به" (أر 2:36) وعندما وصل السفر ليهوياقيم ملك يهوذا استاء جدًا من نبوة أرميا عن مجيء ملك بابل إلى أورشليم فقام بإحراق السفر، فأمر الرب أرميا النبي ثانية بإعادة الكتابة (ار36: 27-28) وعاقب الله يهوياقيم بأن لا يقوم ملوك من نسله بل يكونوا عبيدًا، وأن تطرح جثته هو لحر النهار وبرد الليل (ار36: 30-31).
7-لو كانت النسخ الأصلية موجودة الآن بين أيدينا، فما أدراك أن النقاد لا يثيرون الشكوك حولها قائلين من يدرينا أن هذه النسخ هي النسخ الأصلية؟! وقد ضرب أحد الحكماء مثلًا لهؤلاء النقاد الذين يطالبون بالنسخة الأصلية، فقال لهم أن وثيقة تحرير العبيد التي حرَّرها أبراهام لينكولن في أول يناير سنة 1863م. التهمتها النيران في الحريق الكبير الذي شبَّ في شيكاغو بعد تحريرها بثمان سنوات أي سنة 1871، فهل تجرأ أحد من ملاك العبيد وأعاد عبيده بحجة أن أصل الوثيقة قد التهمتها النيران؟!
ولكي ما نستكمل الإجابة على السؤال السابق نطرح السؤال التالي:
كيف كانت تتم نساخة الأسفار المقدسة؟