رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
طرق العلاج من الإدمان ملاك السلامة: حكى لي أحد أساتذة كلية الطب المتخصصين في علاج الأمراض العصبية والطب النفسي هذه القصة الواقعية والتي تفتح باب الرجاء لكل مدمن صادق مع نفسه ويريد الحياة. كان الأستاذ أمين (الأسماء مستعارة) إنسانًا أمينًا ناجحًا في عمله ملتصقًا بالرب، يقضي صباح يومه يجول ويصول بين ساحات المحاكم المختلفة في صدق مع نفسه وإيمان بما يدافع عنه أنه من الحق ولأجل الحق يبذل قصارى جهده، وفي المساء يستقبل رواده من الذين عانوا ظلم الأيام وأحنى عليهم الدهر، ويسهر حتى ساعة متأخرة متجولًا بين صفحات الكتب والمراجع يقدح زناد فكره في توظيف مواد القوانين لصالح موكله المظلوم، فأحبه الناس ووثقوا فيه وتفاءلوا به، إذ دائمًا تجده مبتسمًا متفاءلًا يفيض وجهه بالسلام ويشع بالطمأنينة فيمن حوله موجهًا نظرهم إلى اليد العليا التي تدبر كل أمور حياتهم. أما الزوجة الوفية "ميري" فكانت تسهر على راحة زوجها أمين، وتشد من أزره، وتدعو الله من أجله، وكان للأستاذ أمين أربع بنات يشعن البهجة في البيت، حتى كان يهيء له أنه يعيش ملكًا وسط مملكته الصغيرة، ولكن بين الحين والحين كانت تهفو نفسه حول الولد الذي يخلد اسمه، وكانت زوجته تلاحظ هذا، وتصلي لله وتتشفع بالقديسين لكيما يحقق الله أمل زوجها الصعيدي الذي مهما وصل إلى درجات العلم والمجد والنجاح فإنه سيظل مرتبطًا بالولد. وحقق الرب رغبة الأستاذ أمين، ورزق بالطفل رفيق الذي صار نوارة ودلوعة العيلة، فكل طلباته مجابة، وتربى رفيق في أفضل مدارس اللغات.. مرت الأيام سريعًا كما تمر دائمًا الأيام الحلوة، وحصل رفيق على الثانوية العامة والتحق بكلية الحقوق حتى يكون الساعد الأيمن لوالده.. وانتقل الأستاذ أمين من عالم الفناء إلى عالم البقاء، ومن عالم الشقاء إلى عالم السعادة، وبكاه الجميع.. ترك الأستاذ أمين لأسرته ثروة ليست بالقليلة ومكتب محاماة له شهرته وسمعته الطيبة، ولكن رفيق بسبب قلة خبرته لم يدقق في اختيار الأصدقاء، فتصادق مع من لا يستحق صداقته، وكانت النتيجة السقوط في بالوعة الإدمان، وعندما علمت الأم صُدمت في ابنها صدمة قاسية فاقت صدمتها في فراق زوجها، ولجأت إلى الأطباء تلتمس مخرجًا من هذا المأزق الحرج، فتم حجز رفيق في مستشفي خاص، وترك عقله على باب المستشفي، وأمضى فترة العلاج من أعراض الانسحاب، وعند خروجه من المستشفي أخذ عقله الذي تركه بالخارج ليعود إلى إدمانه شيئًا فشيئًا.. تكرر هذا الموقف ثلاث مرات مع الأستاذ رفيق دون جدوى. وفقدت الأم الأمل في شفاء ابنها رفيق بعد أن صُرف عليه ما يقرب من مائة ألف جنيهًا بين الإدمان والعلاج. وفي ذات يوم التقى ملاك السلامة الخادم الأمين يوسف بهذا الشاب المحطم.. استطاع أن يتوغل في أعماقه بصعوبة بالغة فإذ بالأعماق غابة موحشة فقدت كل أمن وسلام ورجاء.. أخذ يبث فيه نسمة الرجاء ويزرع في قلبه بذور الأمل، وله الإيمان كل الإيمان في أن الله الذي يقيم من الأموات قادر أن يقيم رفيق من موته.. تحدث الأخ يوسف إلى رفيق كثيرًا ورفيق لا يفهم اللغة التي يتحدث بها هذا الخادم وهي لغة الحب الباذل الصادق الذي لا يخفي في طياته أغراضًا انتفاعية، فقد اعتاد لغة الحب المُغرِض التي يجيدها أصدقاؤه المزيفون المراؤون، ومع هذا فإن هناك حروف قليلة قد تسربت إلى قلب رفيق وسكنت فؤاده. كما إن الأستاذ يوسف وجد نعمة في عيني رفيق فاستراح له رفيق، ووافقه أن يذهب معه إلى الطبيب، وذهب الاثنان في طريقهما ولكن الأمر المدهش إن الأم التي فقدت الأمل تمامًا كانت تعارض هذه الخطوة بعد أن تغلب عقلها على قلبها وقالت في نفسها وأمامهم "يكفي ما صُرف عليه.. دعونا نلتفت لأخواته" ، ولكن الطبيب الخادم الحاذق استطاع بهدوئه وحلو كلماته وحسن منطقه أن يجعل قلب الأم يرق وتمنحه فرصة أخرى للعلاج، ففي أشد الظروف ظلمة لا يجب أن نفقد الأمل حتى لو بدا لنا بعيدًا بعدًا ساحقًا. ودخل رفيق إلى المستشفي الخاص للعلاج للمرة الرابعة وهو يتكئ على ذراعي الطبيب الحاذق وملاك السلامة، ولكن الحقيقة أنه للمرة الأولى يصطحب رفيق عقله معه إلى داخل المستشفي ولا يتركه على بابها، وبذل قصارى جهده لكيما يكون صادقًا هذه المرة مع نفسه، وللأسف الشديد كان معظم الذين يتلقون العلاج داخل المستشفي مع رفيق من الشخصيات السلبية جدًا وبعضهم من تجار المخدرات الذين جاءوا ليقضوا في هذا المكان مجرد فترة هدنة وراحة يستريح فيها الجسد المنهك قليلًا ثم يخرجون ليبدءوا الرحلة من جديد.. رحلة الهلاك الأبدي، وكلما قاربت نهايتهم يسرعون بالعودة إلى المستشفي ليخلصوا أجسادهم من السموم التي لحقت بها وهلم جرا.. كانت كلمات هؤلاء قاسية تنفث سمومًا: - أنت فاكر يا أخ رفيق إن الذي دخل إلى دائرة الإدمان يستطيع منها فكاكًا.. هذا مستحيل مستحيل. - يا أخ رفيق كان غيرنا أشطر. - إحيّيني النهاردة سعيد مبسوط وموّتني بكره. - يا أخ رفيق متحاولش تعذب نفسك ع الفاضي.. أنت فاكر نفسك إيه؟ كلنا فشلنا مرات ومرات أنت اللي حتنجح؟!! أبقي قابلني.. ها ها ها. وأخذ رفيق يتحدى كل هذه الأمور المُحبِطة، وأخذ يجاهد في هذا الجو المظلم فيقاتل ضد الداخل ويصارع ضد الخارج متمسكًا بكلمات الإنجيل " الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص".. " كن أمينًا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة".. " أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني " كما أن زيارات الأستاذ يوسف كانت بمثابة زادًا من الحب النقي تمنح النفس التي أضناها الجهاد الراحة والسلام.. كان رفيق يجلس أمام طبيبه المخلص الذي لم يتخلَ عنه لحظة واحدة، فحتى وهو غائب عنه كان رفيق يشعر أنه بجواره يشجعه ويشد من أزره.. كان رفيق يجلس إلى طبيبه ودموعه تنهمر لأنه لا يريد قط أن يفشل هذه المرة، وكوَّن هذا الطبيب الماهر مع الخادم الأمين والأم والأخوات فريق علاج متكامل لا ينقصه شيء، وإلتزم رفيق ببرنامجه الطبي والرياضي والروحي فكان يطيل الأصوام التي تكسبه قوة الإرادة، وكان كثير القراءة في الإنجيل وسير القديسين، ومرَّ شهر وفشل جميع المحيطين برفيق أن يقنعوه بتناول ولو جرعة صغيرة من المخدر، واقترح الطبيب على رفيق أن يخرج من المستشفي ليستكمل علاجه بالخارج، فتردَّد رفيق في الخروج خشية الانتكاسة، فكانت هذه العلامة على أنه يسير في طريق الشفاء، فإن الذي يتعجل الخروج من المستشفي غالبًا ما يكون مدفوعًا بزمَّة المخدر أي اشتياقه الشديد له. وخرج رفيق إلى الحياة، وظل لمدة ستة أشهر يستكمل علاجه التأهيلي، فيجلس إلى طبيبه ثلاث مرات جلسات فردية وفي كل مرة يُقيّم تصرفاته وسلوكياته خلال اليوم أو اليومين السابقين، وبعد أن أتم الأستاذ رفيق علاجه فضَّل أن يتطوع للعمل في مكافحة الإدمان مع هذا الطبيب الإنسان، وباركت أسرته هذا العمل، فظل يخدم بأمانة كاملة في هذا المجال، وكم كانت فرحته بكل نفس تنجو من جحيم الإدمان، وعندما جاءته الفرصة للسفر إلى الولايات المتحدة لم يترك هذا العمل العظيم إنما صقله أكثر بالدراسة والحصول على الشهادات التي تؤهله للعمل في هذا المجال الإنساني، فصار كأنه يحمل درجة الدكتوراه في معالجة الإدمان إذ جمع بين العلم والخبرة، وصار رفيق ملاك سلامة للكثيرين في الخارج وما أحوجنا إلى ملائكة السلامة. والآن يا صديقي دعنا نستعرض معًا في رحلة العلاج من الإدمان الأمور الآتية:
|
|