كيف يجب على الإنسان الذي في وحشة أن يقرب نفسه في يدي الله
1 – التلميذ: أيها الرب الإله، الآب القدوس، تباركت الآن وإلى الأبد، لأنه كما شئت كذلك حدثت الأُمور، وما تفعله فإنه حسن.
ليفرح عبدك بك، لا بنفسه ولا بأحدٍ آخر سواك، لأنك أنت وحدك الفرح الحقيقي، أنت رجائي وإكليلي، أنت سروري وفخري يا رب.
”أيُّ شيءٍ لعبدك غير ما ناله منك؟“ (1كورنثيين 4: 7)، وقد ناله أيضًا عن غير ما استحقاق.
لك هو كل شيء: جميع ما أعطيت، وجميع ما صنعت.
“بائسٌ أنا، وفي العناء منذ حداثتي“ (مزمور 87: 16)، ولقد تحزن نفسي أحيانًا حتى الدموع، وأحيانًا تقلق في ذاتها، لما يهددها من الآلام.
2 – إني أتوق إلى فرح السلام، وأسألك بإلحاحٍ سلام بنيك، الذين ترعاهم في نور تعزيتك.
فإن أعطيتني هذا السلام، وأفضت عليَّ هذا الفرح المقدس، امتلأت نفس عبدك تهليلًا، ونشطت بحرارةٍ إلى تسبيحك.
ولكن إن احتجبت عنها، على مألوف عادتك، فإنها لن تستطيع “الإسراع في طريق وصاياك“ (مزمور 118: 32)، بل تحني ركبتيها لتقرع صدرها، لأنها “لم تعد كما كانت أمس فما قبل“ (تكوين 31: 5)، حين كان “مصباحك يضيء على رأسها“ (أيوب 29: 3)، “وهي تحتمي، من وثبات التجارب، تحت ظل جناحيك“ (مزمور 16: 8).
3 – أيها الآب العادل، المستحق الحمد على الدوام، قد أتت الساعة ليمتحن عبدك.
أيها الآب المستحق المحبة، إنه لمن العدل أن يتحمل عبدك، في هذه الساعة، بعض الشدة لأجلك.
أيها الآب المستحق الإكرام على الدوام، قد أتت الساعة التي سبقت فعلمت منذ الأزل أنها آتية، وفيها يسقط عبدك في الظاهر زمانًا قصيرًا، ليحيا فيك على الدوام في الداخل. ويتحمل، لمدةٍ قصيرة، الاحتقار والضعة، والانمحاء أمام الناس، ويسحق بالآلام والأسقام، ليقوم معك ثانيةً في فجر النهار الجديد، ويمجد في السماء.
أيها الآب القدوس، هكذا أنت دبرت وهكذا شئت، وما أمرت به قد تم.
4 – فهذه هي النعمة التي تختص بها حبيبك: أن يتألم، ويعاني الشدائد في هذا العالم حبًا لك، كلما تسمح، وعن يد من تسمح.
فإنه لا شيء يحدث على الأرض بدون مشورتك وعنايتك، ولا بدون سبب.
”حسنٌ لي، أيها الرب، أنك أذللتني، لكي أتعلم رسومك“ (مزمور 118: 71)، فأنبذ من قلبي كل ترفعٍ وعجب.
من المفيد لي أن قد “غطى الخجل وجهي“ (مزمور 68: 8)، لكي ألتمس تعزيتي فيك لا في الناس.
ولقد تعلمت من ذلك أيضًا، أن أرهب أحكامك التي تفحص، فإنك تضرب الصديق مع الكافر، ولكن لا بدون عدلٍ وإنصاف.
5 – أشكرك لأنك لم تشفق على شروري، بل بضرباتٍ مرةٍ سحقتني، فأثقلتني بالأوجاع، وكربتني بالمضايق، في الخارج وفي الداخل.
لا أحد من كل ما تحت السماء، يستطيع أن يعزيني، سواك أنت أيها الرب إلهي، طبيب النفوس السماوي، الذي “يضرب ويشفي، ويحدر إلى الجحيم ويصعد منها“ (طوبيا 13: 2).
تأديبك عليَّ، وعصاك هي التي تعلمني.
6 – أيها الآب الحبيب، ها أنا ذا بين يديك، إني أنحني تحت عصا تأديبك، فاضرب ظهري وعنقي، حتى أُسوي اعوجاجي وفق إرادتك.
اجعلني -كما تعرف عادةً أن تصنع- تلميذًا عابدًا متواضعًا، حتى أسير طوع إشارتك في كل شيء.
إني أستودعك نفسي وكل مالي، للتأديب، لأن التأديب في هذه الحياة، خيرٌ منه في الأخرى.
أنت عالمٌ بجميع الأشياء وبكلٍ منها، ولا يخفى عليك شيءٌ في ضمير البشر.
إنك تعرف المستقبلات قبل حدوثها، وليس بك حاجةٌ أن يعلمك أحد، أو يخبرك بما يجري على الأرض.
أنت تعلم ما يصلح لتقدمي، وكم الشدة نافعةٌ لجلي النفس من صدأ الرذائل.
عاملني بحسب مسرتك -فذلك ما أبتغي- ولا تزدر حياتي الأثيمة، التي ليس أحدٌ أعلم بها منك وحدك.
7 – أعطني، يا رب، أن أعرف ما ينبغي عليَّ معرفته، وأن أُحب ما يجب محبته، أن أمدح ما كان أكثر مرضاةً لك، وأن أستعظم ما كان كريمًا لديك، وأحتقر ما تستقذره عيناك.
لا تدعني “أقضي في الأُمور بحسب ما تتراءى لعيني في الظاهر، ولا أحكم فيها بحسب ما تسمع آذان الجهال“ (أشعيا 11: 3)، بل اجعلني أُميز، بحكمٍ صائب، بين الأُمور الحسية والروحية، وأبتغي دائمًا مسرتك فوق كل شيء.
8 – كثيرًا ما تضل آراء البشر في الحكم، وكذلك محبو هذا الدهر، فإنهم يضلون لأنهم لا يحبون سوى الأشياء الحسية.
ألعل الإنسان يزداد فضلًا، إن حسبه إنسانٌ آخر أعظم مما هو؟
من رفع إنسانًا، فإنما هو خداعٌ يغش خداعًا، وصلفٌ يغش صلفًا، وأعمى،
وعاجز يغش عاجزًا. والحق أنه بمدحه الباطل، لا يزيده إلا خزيًا.
فإن قيمة كل أحد – على ما يقول القديس فرنسيس المتواضع – إنما هي قيمته في عينيك، وليس أكثر.