الحى القيوم (دا26:6) (2)
الخميس 12 يونيو 2014
القس بولس بشاى كاهن بكاتدرائية رئيس الملائكة ميخائيل بأسيوط
تناولنا فى المقال السابق فكرة مختصرة عن وجود الله تطرقنا فيها الى بديهية أن وراء كل إبداع مبدع و وراء كل مخلوق خالق و انتهينا الى سؤال , ما دام الكون خاضعاً للزمن فلابد و أن له نقطة بداية, من اين أتت ؟ و من الذى بدأها ؟ و لا اجابة منطقية أو تاريخية او علمية إلا شخص الله البداية و النهاية الألف و الياء .
ولم يكن الله مجرد تكهن ولا مجرد تفسير لوجود الكون و لكن هذا الاله نفسه اظهر شخصه و أعلن عن ذاته و تعامل مع البشرية قديماً و الى يومنا هذا بكلالطرق "الله بعدما كلم الأباء بالأنبياء قديماً بأنواع و طرق كثيرة كلمنا فى هذه الأيام الأخيرة فى ابنه "(عب1:1-2) وأرجو العودة للمقال السابق قبل الدخول لتكملة اليوم.
واليوم بنعمة الله نتناول سبب رئيسى وراء فكرة الالحاد و إن يكن ليس هو السببالوحيد لكنه معول هدم قوى لركيزة الايمان
الشهوات
والشهوات لا تقف عند ملذات الجسد بل تمتد الى شهوة التملك ,القوة ,النفوذ ,تعظم المعيشة ..الخ
ومن حيث انها هى الحجر الذى يقف عائقاً فى طريق الايمان يقول القديس اغسطينوس عن الشخص الذى ينكر وجود الله :- فإنه و إن اعتقد بعقله و منطقه بوجود الله لكن لإراحة ضميره حين يريد تحقيق شهوات قلبه الشريرة و ملذات الجسد او ممارسته للظلم فانه يخرج الله من حساباته . و بينما قلب المحب لإسم الله يلهج مردداً اسمه القدوس مع كل نسمة من نسمات حياته تجد الشرير يتجاهل النعمة الالهية حاسباً ان الله بعيداً كل البعد عن العالم و أنه لا يبالى بأعمال البشر أو حياتهم و انه لا يدينهم , و لأن الشرير يتمتع بنوع من الرفاهية فهو يحلم معتقداً أن الله لا يصل اليه و من ثم يتصور ان الاحكام الالهية بعيدة تماماً عنه.
و مما لا اختلاف عليه ان استسلام الانسان للشهوات يعبر عن عدم نضوج يعيش فيه المرء طفولة مستديمة لا يفكر إلا فى اللحظة ولا يحسب حساب العواقب . و هنا السؤال هل الانغماس فى الشهوات يقود الى الالحاد أم أن العكس هو الصحيح؟ و الحقيقة أن أىٍ منهما قد يؤدى الى الآخر و إن يكن ليس بالضرورة ان تكون النتيجة هى انكار وجود الله او الانغماس فى الشهوات , لأن الانسان بطبيعته يحاول ان يحيا حياة فاضلة تجتمع فيها كل المثل العليا , فان سعى الانسان فى طريق الفضيلة باخلاص لابد وان تنفتح بصيرته على الله مثل ما حدث مع كرنيليوس( أع :10). والحقيقة انه حينما يحدث التصادم بين رغبات النفس الرديئة والفضيلة ويكتشف انه لا يمكن ان يجمع المتضادين معاً أى القيم العليا و تحقيق رغبات النفس و يتيقن أن هذا لا يمكن حدوثه عمليا "لأنه أية خلطة للبر مع الاثم و أية شركة للنور مع الظلمة" (2كو14:6) ساعتها يأخذ الانسان قرار الاختيار لواحد من الطريقين: فإما ان يخاصم حاله الشهوانى وهو صادق مع نفسه أن الخطية خاطئة جداً ولا تشبع الانسان فيختارالطريق الضيق للإيمانبمنتهى الرضى " الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء و الشهوات"(غل24:5) أو أن يخرج الله من حساباته حتى يريح ضميره أو قليخرس ضميره فلا يحتج عليه مرة اخرى "لم يستحسنوا أن يبقوا الله فى معرفتهم " (رو28:1) و يعيش بمبدأ نأكل و نشرب لأننا غداً نموت.
بل و يجد ان إلغاء الله و وصاياه من حياته امر ما أسهله , فيقنع نفسه ان اللهضعيف او غير موجود و يتجاهل انه إله خير و صالح يعطى الانسان الحرية الكاملة للاختيار, ولا نبالغ ان قلنا مطلق الحرية فى ان يبقى مع الله او بدون الله ففى مثل الابن الضال لم يعارض الاب الذى يمثل شخص الله ابنه الذى يمثل اى واحد منا , لم يعارض ادنى معارضة لرغبة الابن فى الانفصال عنه برغم عمق حبه لابنه الذى ظهر ساعة توبة ابنه و رجوعه من الكورة البعيدة "و إذ كان لم يزل بعيداً رآه أبوه فتحنن و ركض و وقع على عنقه و قبله "(لو20:15)
ان مثل هذا الانسان الذى يظن ان الانحلال من الوصية هو الطريق الى الحرية هو انسان واهم و يكون كقائد سيارة بدون فرامل يؤذى نفسه و مجتمعه ليكتشف يوماً ما انه كان يحاول الأمساك بالريح
هناك فارق كبير بين الحرية و الانحلال من الضوابط التى تحفظ للانسان سلامته ,كاشارات المرور مثلا من يتعداها يؤذى نفسه و من حوله, و على ذلك فلا يمكن اعتبار ان الوصية الالهيه هى قيد على حرية الانسان و انما هى الكتالوج أو قلهى النور الذى يهدى الانسان الى الطريق الصحيح كالفنار بالنسبة لإنسان فى وسط بحر هائج مظلم ليس فقط لان الوصية تؤدى الى الحياة الابدية و لكن حتى فى حياتنا على الارض كلام الله " نافع للتعليم و التوبيخ للتقويم و التأديب الذى فى البر لكى يكون انسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح" (2تى16:3)
ما من شك ان انكار الله هو نوع من دفن الرؤوس فى الرمال وطبعا هذا لن يعفى من المسؤلية أمام الله او الضمير, لقد سيطرت على الامبراطور يوليانوس الجاحدشهوة العظمة والسلطة وظن انه قادر على محو المسيح وتعليمه و وضع فى ذلك ثلاث مؤلفات تلاشت جميعها بل اكثر من هذا ساعة موته نجده يقول كلمة لها دلالة عظيمة على اعتقاده اليقينى بوجود الله وبقوته إذ كان يأخذ من دم جرحه المميت ويقذف به نحو السماء وهو يقول لقد هزمتنى يا ابن النجار و يقصد الرب يسوع , هذا يعنى أنه فى اعماقه كان هناك شعور دفين بوجود ابن النجار هذا بلو بسلطانه و جبروته .
حبيبى
لا دفن الرؤوس فى الرمال يطفىء الشمس و لا انكارها دليل على عدم وجودها ,
لذلك ارفع يديك من عن عينيك وابسطهما امام الله فتراه , لجم أهوائك فتتمتع برؤية ايمانية و ترى ما لم تره عين و لم تسمع به اذن.
اطرد من القلب خفافيش الظلام فتستمتع بنور السماء فهذه هى التوبة الحقيقية و حلاوتها فهى ليست مجرد ان الانسان يعطى ظهره للشرور و يتخاصم معها لكن ما هو اجمل من ذلك ان القلب يتمتع ببصيرة مكشوفة و ايمان بسيط طاهرفحقا "ًطوبى للانقياء القلب لانهم يعاينون الله" (مت8:5).