الحى القيوم
الخميس 05 يونيو 2014 القس بولس بشاى كاهن بكاتدرائية رئيس الملائكة ميخائيل بأسيوط
"قال الجاهل فى قلبه ليس اله" (مز1:14) وحمداً لله على وصف المزمور لهذا الانسان بالجاهل. هذه العبارة سمعتها من اكثر من ربع قرن فى افتتاحية عظة للمتنيح العلامة انبا غريغوريوس حين كنت شاباً فى بداية المرحلة الجامعية والتى تنتابها أحياناً أفكار التشكيك .
ومازال الى يومنا هذا صوت نيافته المجسم يرن فى اذنى وفى اعماق قلبى وكيانى, وكل يوم يعبر بى فى هذه الحياة يزداد يقينى بأن الله "هو الاله الحى القيوم الى الابد"(دا 26:6) و كلمة قيوم تعنى انه قائم بذاته لم يوجده أحد. وكلما ازددت علماً بأسرار الوجود ازداد إيمانى بعظمة موجده وخالقه , يقول القديس بولس فى رسالته لأهل رومية "لان اموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات (أى بالمخلوقات) قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر" (رو20:1) هذا معناه انه حتى وان كنا لا نرى الله فنحن ندركه من اعجازه فى الخليقة , كل ذرة فى الكون يستحيل ان تكون قد جاءت بشكل عبثى.
فلو نظرنا مثلاً الى الانسان يبدأ فى رحم الام بخلية واحدة نعم بخلية واحدة تتكاثر وتدخل فى عملية تنوع عجيب فتظهر مجموعات من الخلايا كل مجموعة لهاصفات مشتركة و وظيفة خاصة لتكون عضواً معيناً كالمخ أوالقلب أوالعينين أوالاذنين أوالرئتين أوالعظام على اختلافها الشكلى والوظيفى إلخ...... وهذه الاعضاء مجتمعة معاً تكون جسد الانسان الذى يعمل فى انسجام تام.
وقس على ذلك باقى الممالك الحيوانية والبحرية والطيور بألوانها الرائعة والزهور بأرقى عطورها, صحيح "ما أعظم اعمالك يا رب كلها بحكمة صنعت" (مز24:104) أليس هذا هو ما دفع المرنم فى المزمور148 لان يتغنى بروعة الخالق فيقول سبحيه ايتها الشمس و القمر سبحيه يا جميع كواكب النور...الى اخر المزمور والذى اخذته الكنيسة فى الهوس الرابع من التسبحة اليومية بلحنها الهادىْ الجميل.
والاروع ان جمال الكون لا يقف عند كونه كتل من جسوم اختلفت اشكالها والوانها لكنه ثرى بالحياة متمثلة فى أمور كثيرة منها الحركة , الغريزة , المشاعر , العقل , الابتكار والابداع والتكيف و الاحساس ,....نبات يتحرك بالاحساس ناحية الشمس , حيوان مفعم بمشاعر الامومة لصغاره بل وحتى احياناً مشاعر الابوة كما فى بعض الطيور كالحمام , طائر يبنى عشه الهندسى بمهارة فائقة من بعض الحشائش الرقيقة تحميه من الحرارة او البرودة , وعالم خاص بالحشرات وعالم خاص بالبحار و الكواكب والنجوم و عالم الفضاء المملوء بالاسرار و تاج الخليقة كلها هو الانسان المخلوق على صورة الله ومثاله.
انه عالم رائع بل اله اروع (الذى خلق السماء والارض والبحر وكل ما فيها ابو ربنا والهنا و مخلصنا يسوع المسيح هذا الذى خلقت الكل به ما يرى و ما لا يرى – القداس الباسيلى).
ومع هذا لم يتركنا الله بلا بصمات جديدة لشخصه كل صباح من معجزات فردية او جماعية تحقق وجوده وهيمنته على الكون مثل الظهورات والتجليات ومعجزة النورالمتفجر من القبر المقدس فى كل عيد قيامة فى كل عام لمدة 2000 عام. بل ان بقاء المسيحية الى يومنا هذا بلا سند يحميها الا وعده المبارك " ثقوا انا قد غلبت العالم "(يو33:16) فهذه هى معجزة المعجزات. فالمسيحية ليست مجرد فكرة ينتمى لها الانسان او لا ينتمى لكنها حياة يعيشها محمولاً فى حضن الرب يسوع كواقع حى ملموس, من فضلك إقرأ قصص الشهداء على مدى التاريخ, إقرأ عن كم الالام و الاضطهادات التى تحملها المسيحيون فى روسيا ابان الفترة الشيوعية واسال نفسك كيف تحملوا ؟ تاتى الاجابة على فم يوحنا الرسول " انتم من الله ايها الاولاد وقد غلبتموهم لان الذى فيكم اعظم من الذى فى العالم "(1يو4:4)
ان العقل والمنطق السليم يقر ويسلم ان كل ما هو خاضع للزمن لابد له من بداية حتى لو كان له ملايين ملايين السنين ويبقى السؤال من ذا الذى اطلق هذه البداية؟ و لا اجابة الا فى شخصه القدوس "انا هو الالف والياء البداية والنهاية " (رؤ8:1)
اما فكرة الانكار لوجود الله تبارك اسمه تاتى غالبا لسببين رئيسيين:
1- الشهوات التى يريد الانسان ان يطلق لها العنان بلا ضوابط.
2- محاولة فهم تدبير الله اللانهائى حتى منتهاه.
وهذا ما سنستكمله فى المقال القادم ان شاءت عناية الله.