شفاء نعمان السرياني (2 مل 5)
بمشورة فتاة صغيرة أسيرة لدى الآراميين جاء نعمان السرياني بخيله ومركباته ووقف عند باب بيت إليشع يطلب الشفاء من برصه. لم يخرج إليه إليشع بل أرسل إليه يقول: "اذهب واغتسل سبع مرات في الأردن فيرجع لحمك إليك وتطهر". تذمر نعمان قائلًا: "هوذا قلت أنه يخرج إليَّ ويقف ويدعو باسم الرب إلهه ويردّد يده فوق الموضع فيشفي الأبرص، أليس ألبانه وفرفر نهرا دمشق أحسن من جميع مياه إسرائيل؟! أما كنت أغتسل بهما فأطهر؟!" ورجع ومضى بغيظ، لكن أشار إليه عبيده أن يطيع كلمات النبي، فأطاع ورجع لحمه كلحم صبيٍ صغيرٍ وطهر، فرجع إلى رجل الله هو وكل جيشه ودخل ووقف أمامه.
جذب هذا الرمز أنظار آباء مدرسة السكندرية، إذ رأوا فيه صورة حيّة للمعمودية المسيحية، وقبل أن نورد بعض تعليقات هؤلاء الآباء وغيرهم أود أن أوضح في هذا الرمز أن نعمان لم يلتقِ مع إليشع قبل دخوله نهر الأردن مع أنه كان عند بابه، ولكنه تلاقى معه بعد دخوله النهر. فإنه لا يستطيع أحد أن يدخل في شركة مع السيد المسيح ما لم يتقبل أولًا الميلاد الجديد في المعمودية. هذا ونلاحظ أيضًا أن ملك إسرائيل شق ثيابه عند قراءته خطاب ملك آرام، وقال: "هل أنا الله، لكي أٌميت وأحيّي حتى أن هذا يرسل إليَّ أن أشفي رجلًا من برصه؟!" فنطق الملك بنبوة عن قوة المعمودية دون أن يدري، إذ ليس في قدرة إنسان أو خليقة ما أن يهب التجديد في مياه المعمودية بل هو عمل الله نفسه الذي يغسلنا من برص الخطية، هو الذي يميت إنساننا القديم ويحي إنسانًا جديدًا فينا. أما شق الثياب فعلامة نزع المُلك عن إسرائيل القديم ليحل ملك جديد، من نوع آخر، ملكوته روحي أبدي.
* لكي نفهم معنى الأردن الذي يطفئ الظمأ ويروي النعم، من المفيد لنا أن نشير أيضًا إلى نعمان السرياني الذي برأ من البرص...
ليس نهر آخر ينزع البرص من الإنسان إلا ذاك النهر الواحد (الأردن)، إن دخله الإنسان بإيمان وغسل نفسه في يسوع! السبب في ذلك أن الذين يغتسلون فيه يخلصون من عار مصر (محبة العالم). [إذ عبر فيه يشوع بعد ترك مصر والبرية]، ويصيرون قادرين على الصعود إلى السماء [عبر فيه إيليا قبل ارتفاعه]، ويتطهّرون من البرص المرعب للغاية [نعمان السرياني]، بهذا يصيرون متأهلين لقبول الروح القدس [53].
* لم يتطهر أحد إلا نعمان السرياني الذي ليس من إسرائيل.
انظر، إن الذين يغتسلون بواسطة إليشع الروحي الذي هو ربنا ومخلصنا يتطهرون في سرّ المعمودية، ويغتسلون من وصمة الحرف (الذي للناموس).
لقد قيل لك: قم، اذهب إلى الأردن واغتسل، فيتجدد جسدك. لقد قام نعمان وذهب واغتسل رمزًا للمعمودية، فصار جسمه كجسم صبيٍ صغيرٍ. من هو هذا الصبي؟ إنه ذاك الذي يُولد في جرن التجديد [54].
* أعلن إليشع النبي مُقدمًا عن غنى مياه المعمودية غير الموصوف. وفي نفس الوقت أشار إلى أنه سيمتد إلى كل الذين يرغبون في قبول الإيمان، فقد أرسل نعمان الأبرص الذي كان غريبًا الذي طلب الشفاء، وأمره أن يغطس سبع مرات في الأردن.
لقد أوضح له أنه يلزمه أن يغطس سبع مرات، لكي يتعلم هذا الغريب أن الله استراح في اليوم السابع، أو لأنه كان يشير إلى الروح الإلهي بطريقة رمزية [55].
* مجيء نعمان السرياني وشفاؤه باستحمامه في مياه الأردن كان قياسًا لنقاء أنفس المؤمنين المعتمدين بالمسيح من خطاياهم. وكان الموضع الذي استحم فيه نعمان في نهر الأردن هو الذي وقف فيه تابوت الرب على عهد يشوع بن نون، وفيه تعمد المسيح ابن الله فحقق الرسم بالحقيقة [56].
يعلق القديس على شفاء نعمان السرياني، قائلًا:
* في الحقيقة الأردن وحده بين كل الأنهار تقبَّل باكورة التقديس والبركة، وأفاض كينبوع نعمة المعمودية على العالم كله [57].
* الشعب الذي -كان غريبًا- كانوا بُرصًا قبل عمادهم في النهر السرّي، هؤلاء يتطهرون بسرّ المعمودية من وصمات نفوسهم وأجسادهم. حقًا لقد أُعلن للأمم عن خلاصهم المقبل خلال مثال نعمان [58].
* افهموا الآن من هي تلك الفتاة الصغيرة بين الأسرى؟ إنها الجماعة التي جُمعت من الأمم، كنيسة الله التي كانت مستعبدة قديمًا في أسر الخطيئة عندما لم تكن لها حرية النعمة، هذه التي بواسطة تدبيرها سمع الناس الأغبياء من الأمم كلمة النبوّة التي كانوا يُشّكون فيها قبلًا، ولكن بعدما آمنوا أنه ينبغي أن تُطاع اغتسلوا من دنس الخطيئة. لقد شك نعمان قبل أن يبرأ، أما أنتم فقد برئتم فلا ينبغي إذن أن تشكّوا [59].