رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
رواية عزازيل، هل هي إبداع فني أم ازدراء للمسيحية؟ زعم الكاتب في كل أحاديثه الصحفية والتلفزيونية أن كل ما جاء في الرواية هو حقيقي، سواء الأحداث والوقائع أو الشخصيات باستثناء شخصية البطل هيبا التي رسمها من خياله!؟ فهل هذا صحيح؟ والإجابة كلا! فهذا حق وقد قصد به باطل! فالشخصيات التاريخية مثل نسطور والبابا كيرلس عمود الدين وآريوس وبولس السموساطي والفيلسوفة الإسكندرية هيباتيا (هايبيشيا)، والمواقع التي جرت فيها الأحداث مثل الإسكندرية والقسطنطينية وأُورشليم القدس وإنطاكية والرها وغيرها، والتواريخ المذكورة كلها، مثل تاريخ انعقاد مجمع أفسس، صحيحة، ولكن ما قيل على لسان أبطال الرواية في معظمه غير صحيح بل ومنسوب لهذه الشخصيات فقط ليخدم رؤية الكاتب وما يريد أن يوصله للقراء! لقد فرض الكاتب هنا رؤيته الخاصة، رؤيته هو، على هذا التاريخ ووضع أفكاره الخاصة وما يريد أن يقوله للقراء على لسان هذه الشخصيات، فهو لم ينقل نصوصًا عنهم، بل وضع أفكاره هو على لسانهم، مثله مثل جميع المزورين والملفقين في التاريخ الذين نسبوا أقوالًا وكتبًا لأناس لم يكتبوها ولم يعرفوها! وهنا يتحمس البعض من الذين لا يمسهم ما جاء في الرواية بشيء، بل والتي جاءت على هواهم ويقولون لنا أن هذا إبداع فني والإبداع حر يكتب كما يشاء! والكاتب لم يقل شيئًا بل أبطال الرواية هم الذين تكلموا وقالوا! ونقول لهم، برغم ما أفصحوا به من تهجم وأكاذيب ضد المسيحية؛ هل الإبداع الفني يشوه الحقيقة ويزيف التاريخ؟! وهل أبطال الرواية من كوكب آخر يتكلمون عما لم نعلمه أو عن أحداث حدثت في كوكب آخر؟ أم أنهم من عالمنا ويتكلمون عن أحداث حدثت بالفعل ولكن الكاتب يزور الحقائق على لسانهم؟ هل هم أشخاص حية من لحم ودم تدرك ما تقول أم أنهم شخصيات روائية مستوحاة من شخصيات عاشت بالفعل ووقائع وقعت بالفعل وقد وضع المؤلف أفكاره الخاصة، التي لا صلة لها بما حدث فعلًا وما قيل، على لسانهم؟! لا تضحكوا علينا وعلى أنفسكم فالرواية من تأليف الكاتب، والأشخاص حتى وأن كانوا قد وجدوا في التاريخ حقيقة لكنه لم يبحث في كتب التاريخ المعاصر لهذه الأحداث وهذه الشخصيات وينقل كلامهم كما هو موثق! وبطل الرواية هيبا هو من إبداعه وتأليفه هو وما وضعه على لسانه هو فكره وخياله! أن كل ما جاء في الرواية يعبر عن فكر الكاتب نفسه ورؤيته التي وضعها على لسان أبطال الرواية! ومن هنا يحق لنا أن نناقشه ونرد على ما كتب ونوضح الحقائق للجميع ونكشف ما لفقه وفرضه على التاريخ وما زيفه وصوره للقارئ على أنه حقائق، وهي أبعد بعيدة تمامًا عن الحقيقة بعد المشرق عن المغرب. كما نسأل أيضًا: ما هو الإبداع الفني؟ وما هي غايته؟ ونقول باختصار الإبداع يهدف في أصله إلى الخير والحب والجمال، من خلال تأليف عمل أدبي متُخيل، مبني على خيال الكاتب وإبداعه، وقد يكون مبنيًا على بعض الحقائق أو مبنيًا على الخيال المحض، أو يريد عمل إسقاط من الماضي إلى الحاضر، أي يتخذ من أحداث الماضي عبرة للحاضر أو للمستقبل، أو يحول العمل الأدبي لأداة أو وسيلة لوضع فكر خاص بالمبدع بحيث يفرض رؤيته الخاصة سواء الدينية أو الفلسفية أو السياسية ويقدمها كتاريخ حقيقي من خلال استخدام أحداث الماضي ورواياته! والتي يريد أن يسربها إلى فكر وعقل القارئ من خلال السرد الروائي المتخيل، فتصل إلى القارئ المثقف والبسيط بصورة سهلة وسلسة تجعله يعيشها وكأنها الحقيقة نفسها. فالكاتب أو المبدع الذي يكتب في التاريخ لا يفصل بين الرواية والتاريخ بل يقدم التاريخ كرواية، وهنا نفحص عمل هذا الكاتب هل قدم لنا التاريخ كوقائع ولكن في شكل روائي أم أنه قام بفرض رؤيته الخاصة على التاريخ؟! أم أنه مزج بين المنهجين فقدم التاريخ كوقائع وفرض على هذه الوقائع رؤيته الخاصة؟ أو بمعني أدق جعل السرد التاريخي يتكلم بفكره ولسانه هو ويعبر عن معتقداته الخاصة ورؤيته الخاصة التي يريد أن يقدمها للناس وكأنها تاريخ حقيقي؟! ولدينا مثال لذلك وهو العمل الإبداعي الخاص بمسلسل هارون الرشيد والذي عرض في التلفزيون من عدة سنوات في شهر رمضان وفي توقيت يمثل ذروة المشاهدة في هذا الشهر، وكان هدف هذا العمل تغيير صورة هارون الرشيد الذي كان الناس يتندرون بوصفه بالرجل الذي تحيط به النساء التي مثل الحور في الجنة وحوله الحدائق الغناء ويقضي وقته في اللهو وشرب الخمر، فقدمه العمل في صورة رجل صالح أقرب إلى أولياء الله وفي المقابل قدم الكاتب أشخاصًا من اليهود الغربيين يحيكون مؤامرة هدفها تشويه صورة هذا الرجل الأقرب للأولياء، في كتب التاريخ، وتصويره بهذه الصورة التي ذكرناها أعلاه حتى يشوهوا صورته في التاريخ، وقد نجح الكاتب في هدفه وتحولت صورة الرجل في نظر الناس إلى النقيض ولم نعد نسمع أحدًا يتكلم عن هارون الرشيد إلا كرجل صالح واختفت الصورة التي كانت شائعة عنه! وبعد ذلك وجدنا بعض الذين اشتركوا في هذا العمل يقولون في الأحاديث الصحفية والتلفزيونية: لقد رددنا على من أساءوا لصورة هذا الرجل وأفحمناهم! وهنا كان هدف كاتب المسلسل ومن اشتركوا معه في هذا العمل هو الرد على من قالوا أنهم شوهوا صورة الرجل. فلم يكن هذا المسلسل سردا تاريخيا بل عملًا إبداعيًا له هدفه والهدف هو مسح الصورة التي كانت لدى الناس وتقديم رؤية الكاتب عن هذه الشخصية. وقد قدمه المسلسل وشاهده الناس واقتنعوا برؤية الكاتب التي قدمها لهم من خلال المشاهد التي شاهدوها وتكونت لديهم صورة مختلفة تماما عن الصورة التي كانوا قد ألفوها! فالقارئ أو المشاهد، العادي، يقرأ أو يتفرج على العمل دون أن يبحث في المراجع المعنية ليعرف صحة ما قرأه أو شاهده، فقط يأخذ ما قرأه أو شاهده كحقيقة مسلم بها! وهذا ما شاهدناه وتأكدنا منه في الكثير من الأعمال من أمثال رواية شفرة دافنشي أو الفيلم الوثائقي الملفق سايتجاست (إنسان العصر) وغيرهما وهي تصور لقرائها ومشاهديها أنها تقدم لهم الحقيقة الموثقة، مع أنها لم تقدم سوى تلفيق وفبركات وتزييف في صورة شيقة أقتنع بها البعض، على حساب الحقيقة، حتى ولو إلى حين! وهذا ما وجدناه في كتاب آيات شيطانية للكاتب البريطاني الجنسية والذي كان مسلما وترك الإسلام، والذي فرض رؤيته الخاصة عن نبي المسلمين وقدمها في إطار روائي جعل الدنيا تنقلب رأسا على عقب! وهو نفس ما قدمه كتاب الغنوسية الحديثة أو الوثنية الحديثة في الغرب والتي جمع أفكارهم التي اتخذت صورة أبحاث الكاتب الأمريكي داون براون في روايته الشهيرة شفرة دافنشي والذي قال عن ديانته عندما سُئل عنها في موقعه الشخصي على الانترنت وقيل له[36]: "هل أنت مسيحي؟". أجاب مراوغًا: "ربما ليس بالمعنى التقليدي للكلمة... أنا اعتبر نفسي دارسًا لأديان كثيرة، وكلما تعلمت كثيرًا كان لدي أسئلة أكثر، وبالنسبة لي فالبحث الروحي سيكون عملًا متقدمًا طويل العمر". كما وصف الأديان جميعًا، بما فيها اليهودية والمسيحية والإسلام، بالكذب والتلفيق (الفبركة)، فقال في الفصل الثاني والثمانين من كتابه "شفرة دافنشي": "كل دين في العالم مبني على تلفيق (فبركة - fabrication). هذا هو تعريف الإيمان – قبول لما نتخيل أنه حقيقي, والذي لا يمكن أن نبرهن عليه، كل دين من الأديان يصف الله من خلال الرموز والصور والمبالغات من قدماء المصريين وحتى مدارس الأحد الحديثة. فالرموز هي احدي الطرق التي تساعد عقولنا على استيعاب ما لا يمكن فهمه, وتنشأ المشاكل عندما نبدأ بالإيمان فعليًا بالرموز التي وضعناها نحن بأنفسنا". "هؤلاء الذين يفهمون حقًا إيمانهم يفهمون القصص بشكل مجازي... الرمزية الدينية أصبحت جزءًا من الحقيقة الملفقة. والعيش في هذه الحقيقة يساعد الملايين من الناس على حل مشكلاتها وبطريقة أفضل". "أن الإنجيل يمثل قانونًا أساسيًا يسير على نهجه ملايين البشر في الكرة الأرضية, والحال نفسه في القرآن والتوراة وكتاب الهند القديمة, فهي تهدي الناس الذين يتبعون الأديان الأخرى, وإذا قمنا, أنا وأنت, بالكشف عن وثائق تناقض قصصًا مقدسة رويت في الديانة الإسلامية واليهودية والبوذية والوثنية, فهل نفعل ذلك؟ هل نعلن الحرب على البوذيين ونقول لهم أن بوذا لم يأت في الحقيقة من زهرة لوتس؟ أو أن المسيح لم يولد من أم عذراء فعلًا؟ أن أولئك الذين يفهمون دينهم حقًا, يعرفون أن كل تلك الروايات هي روايات رمزية". وقد بنى روايته على فكرة وثنية، تبناها بعض كُتّاب الغرب في السنوات الأخيرة من القرن العشرين[37]، وهي أن المسيح مجرد أسطورة وغايتها عبادة الأنثى المقدسة وممارسة طقوسها الجنسية الداعرة ورفضت ما يعرف بالديانات التوحيدية الثلاث؛ اليهودية والمسيحية والإسلام، التي تؤمن بالله الواحد، وقامت على أساطير وخرافات وخيال شعبي من التاريخ الغربي لأوربا في العصور الوسطى، وعلى خيال مجموعة من الكتاب التي تبنت ما يسمى بالغنوسيةالحديثة التي تمزج الأساطير التي امتلأ بها فكر كتاب العصور الوسطى في الغرب وبين الوثنية التي تعبد آلهة عديدة، مركزة على عبادة الأنثى المقدسة بطقوسها الداعرة، وحاول إيجاد سند لهذه العبادة الوثنية في الأساطير المسيحية فأخذ من الأساطير الكثيرة التي نسجت حول شخصية مريم المجدلية التي كانت قريبة من مريم العذراء وتلميذة المسيح المتقدمة والمحبة نموذجا لهذه الشخصية فوضعها على رأس تلاميذ المسيح ورسله وأختلق أسطورة زواج المسيح بها وإنجابهما لنسل مقدس! ومن أجل ذلك خلط بين الخرافة والأساطير والرموز والألغاز التي سادت أوربا المسيحية في القرون الوسطى، وتجاهل الكتاب المقدس، بعهديه، القديم والجديد، وما كتبه وآمن به آباء الكنيسة في القرون الأولى للمسيحية من عقائد وطقوس وترك التاريخ الموثق ولجأ للخرافة والأسطورة والخيال الشعبي، ترك مسيح التاريخ والكتاب المقدس وراح يخلق لنفسه مسيحًا آخر لم يكن له وجود على الإطلاق، مسيح من الأسطورة والخرافة والخيال، ترك وقائع التاريخ وتبنى فكر أسطوري خيالي خرافي ملفق يتلاءم مع فكره الوثني المنادي بعبادة الأنثى المقدسة وطقوسها الجنسية الداعرة. وهنا فعل د. زيدان نفس الشيء واستخدم نفس الحيلة فقدم الوقائع التاريخية في أطار روائي وأعاد قراءة التاريخ من وجهة نظره الخاصة!فقدم رؤيته الخاصة على وقائع التاريخ وفرض أفكاره الخاصة على التاريخ، أو بمعني أدق قدم التاريخ كما يتصوره أو كما يريده أن يكون! فهو في الأساس غير متخصص في الرواية وليس كاتبًا روائيًا محترفًا مثل نجيب محفوظ أو يوسف إدريس أو أسامة أنور عكاشة بل هو متخصص في التراث العربي والمخطوطات، وأستاذ الفلسفة الإسلامية بحسب ما يقول موقعه على النت وما يقوله ناشر روايته "عزازيل"، وبالرغم من أنه أستاذ للفلسفة الإسلامية لكن يتضح من أسلوبه، كما سنرى، أنه علماني أكثر من كونه إسلامي متشدد، لذا لا يمكن أن نحسبه على المتشددين المسلمين بل يتضح فيما قاله في حوارنا على قناة دريم أن نظرته للتاريخ الإسلامي، لا تختلف كثيرا عما صوره في روايته هذه عن فترة القديس كيرلس عمود الدين. |
|