رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب رواية عزازيل: هل هي جهل بالتاريخ أم تزوير للتاريخ؟ (ردا على رواية عزازيل للدكتور يوسف زيدان) القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير
|
03 - 05 - 2014, 05:42 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب رواية عزازيل: هل هي جهل بالتاريخ أم تزوير للتاريخ؟
يوسف زيدان وخدعة المخطوطات وعزازيل والراهب |
||||
03 - 05 - 2014, 05:44 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب رواية عزازيل: هل هي جهل بالتاريخ أم تزوير للتاريخ؟
خدعة المخطوطات وخداع الدكتور يوسف زيدان |
||||
03 - 05 - 2014, 05:47 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب رواية عزازيل: هل هي جهل بالتاريخ أم تزوير للتاريخ؟
هيبا بطل الرواية أو راهب شيطان د. يوسف زيدان وعزازيله وضع الدكتور زيدان شخصية الراهب هيبا، بطل الرواية، موضع خاص جدًا، كمحرك الرواية والشخصية المحورية فيها الذي تدور من حوله الأحداث ويدير الحوارات ويتكلم طوال الوقت بلسان وفكر د. زيدان ويعبر عما يريد أن يقوله. والذي قال من خلاله كل ما يريد قوله والإساءة به للمسيحية! كما عبر به عن الصورة التي أراد أن يغرسها في ذهن القارئ وهي صورة لمسيحية متعصبة لا وجود لها إلا في خياله! ووضع على لسانه ما أراد أن يشوه به رجال الكنيسة الذين أراد أن يصورهم كقساة متجبرين لا يعرفون للرحمة أو الشفقة معنى فلم يرحموا لا اليهود ولا الوثنيين! وقد صور د. زيدان راهبة كمولود لأب وثني، طيب ومسالم ورحيم، يمثل الخير والحب والجمال، يقوم بصيد السمك لتقديمه لكهنة معبد خنوم الذي يقع عند الطرف الجنوبي لجزيرة الفنتين (فيله) الذين تركهم المؤمنون بديانتهم التي هجرها أهلها وانضموا للمسيحية، بل والمحاصرين من المسيحيين الذين يصورهم بالقتلة والوحوش وسافكي الدماء! وأم مسيحية تتآمر بصورة غير أخلاقية مع أهلها المسيحيين لقتل زوجها! وقد وضعها المؤلف في صورة الشريرة القاسية التي لا تعرف للحب وللرحمة وللعشرة الزوجية معنى! في مشهد يصور القتلة المتوحشين الذين يقتلون بلا رحمة ولا شفقة وهم يهللون بالترنيمة الشهيرة: "المجد ليسوع المسيح، والموت لأعداء الرب"! هذا المشهد الذي علق بذهن هيبا طوال حياته! فيقول د. زيدان بلسان هيبا في حوار متخيل مع نسطور: "لم يكن البوح يوما من صفاتي، ولا الاطمئنان لأحد. غير أني رحت ليلتها، احكي لنسطور عن معبد الإله خنوم الذي يسقبل جريان النيل، عند الطرف الجنوبي من جزيرة الفتنين الواقعة جنوب مصر، بالقرب من أسوان. حكيت له عن المهابة المعتقة والقدسية المبثوثة في إرجاء المعبد وأسواره منذ قرون، وحكيت عن أبي الذي كان يحمل السمك كل يومين، للكهنة الحزانى المتحصنين في المعبد منذ سنين. الكهنة المحصورين، المتحسرين على اندثار ديانتهم، مع انتشار عقيدة المسيح. كان أبي يصحبني في قاربه، كلما زار المعبد ليقدم للكهنة نصف ما علق في شباكه من سمك، خلال اليومين. كنا نذهب للمعبد خفية، وقت الفجر. لم استطع منع ما انفلت من دموعي، حين وصفت له فزعي المهول في ذاك الفجر المروع، يوم كنت في التاسعة من عمري، فقد تربص بنا عوام المسيحيين عند المرسى الجنوبي، القريب من بوابة المعبد. كانوا يختبئون خلف الصخور من قبل رسوّ القارب، ثم هرولوا نحونا كأشباح فرت من قعر الجحيم. قبل أن نفيق من هول منظرهم، كانوا قد وصلوا إلينا من مكمنهم القريب.. سحبوا أبي من قاربه وجروه على الصخور ليقتلوه طعنا بالسكاكين الصدئة التي كانوا يخبئونها تحت ملابسهم الرثة. كنت أزوم متحصنا بانكماشي في زاوية القارب، وكان أبي غير متحصن بشيء يصرخ تحت طعناتهم مستغيثا بالإله الذي كان يؤمن به. كهنة خنوم أفزعتهم الأصوات التي شقت السكون، فاصطفوا بأعلى سور المعبد ينظرون إلى ما يجرى تحتهم بوجل واضطراب.. كانوا يرفعون أيديهم مبتهلين لآلهتهم مستصرخين! ما كانوا يدركون أن الآلهة التي يعبدونها. ماتت منذ زمن بعيد. وان دعاءهم الفزع، لن يسمعه احد.. ولن يجبر أبي من أولئك السفاحين أحدّ.. ولن يدرك عمق عذاباتي من بعد. ذاك الفجر أحدّ. - يا مسكين. وهل اقترب الجهال يومها منك؟ ليتهم قتلوني لأستريح للأبد... نظروا نحوى بعيون ذئاب قد ارتوت، وجاءوا للقارب، فخطفوا مشنة السمك، وقذفوا بها في وجه بوابة المعبد المغلقة بإحكام، ثم حملوا جثة أبي المتهرئة، فالقوا بها فوقها. اختلط دمه ولحمه وأسماكه بتراب الأرض التي ما عادت مقدسة، ثم تملكتهم نشوة الظفر والارتواء، فتصايحوا وقد رفعوا أزرعتهم الملطخة بدم أبي وراحوا وبأيديهم السكاكين الصدئة المضرجة بالدم، يلوحون في وجه الكهنة المذعورين فوق السور.. مضوا من بعد ذلك متهللين مهللين بالترنيمة الشهيرة: المجد ليسوع المسيح والموت لأعداء الرب.. المجد ليسوع المسيح، والموت لأعداء الرب.. المجد ليسوع.."[2]. ويقول أيضًا: "كيف تنمحي الذكريات.. أمي.. كيف ارتضت الزواج بواحد من القتلة، أبي كان رجلا طيبا، لم أره ينهرها يوما، ولم يضربني قط. كان يأخذني ليلقي شباكه في النيل من فوق الصخور البيضاوية، التي يعتقد أنها بيض سماوي مقدس هبط مع ماء النيل، ليحمي الواقف عليه من التماسيح، التي هي أيضا مقدسة. كنت افرح بالأسماك العالقة في شباكه، وكان يفرح لفرحي... لماذا أمعنوا في قتله، علي هذا النحو؟.. يا يسوع المسيح.. إنني اشعر بحرقة قلب العذراء ولوعتها عليك... أحس بعمق عذاباتها، يوم دقوا المسامير في يديك وقدميك المشبوحتين فوق الصليب. فانا مشبوح مثلك فوق صليب الذكريات، وملتاع مثلها بحرقة الفقدان"[3]. ثم يأخذه عمه المسيحي فيصير مسيحيًا. بل ويجعل الرواية تبدأ بمولد هذا الراهب في جنوب مصر سنة 391 ميلادية، وهى نفس السنة التي أُعلنت فيها المسيحية ديانةً رسميةً للإمبراطورية الرومانية، موحيًا بأن تحول الإمبراطورية إلى المسيحية هو تحول إلى العنف والقوة والإرهاب الديني ونبذ الآخر! وهو هنا يتجاهل أكثر من ثلاثمائة سنة من الاضطهاد الدموي الذي قاساه المسيحيون على أيدي اليهود والرومان بلا هوادة والذي استشهد فيه آلاف بل عشرات الآلاف من المسيحيين عبر هذه السنين ودمرت فيه كنائسهم وأحرق فيه الكثير من كتبهم وأرتد فيه الآلاف عن المسيحية بسبب شدة وقسوة هذا الاضطهاد الدموي! كما تجاهل الخلفيات التاريخية والظروف التي أدت لأحداث العنف ولوى عنق الحقيقة وحول المظلوم إلى ظالم والظالم إلى مظلوم! كما سنرى. وينهي أحداث الرواية بمجمع أفسس المسكوني سنة 431م، الذي ناقش أفكار نسطور وحكم عليها بالهرطقة! وكأن هذا المجمع هو سبب انحراف المسيحية وبداية عصور الظلام! والسؤال هنا؛ ما الذي جعل د. زيدان يفعل ذلك؟ هل هو تأثره بالفكر الغربي الإلحادي كما يبدو واضحًا في الكثير من أقواله وما نسبه للمسيحية من أفكار لا أساس لها من الصحة، كما سنبين؟ أم كونه أستاذا للفلسفة الإسلامية، والفلسفة تعتمد بالدرجة الأولى على دراسة أفكار ونظريات الفلاسفة الوضعية في جميع العصور ومن كل المدارس؟ ومع احترامنا للفلسفة والفلاسفة نوضح أن الفلسفة مبنية على فكر بشري، وضعي، والفلاسفة مجموعة من الشيع والمدارس التي لا تتفق مع بعضها البعض إلا في حرية الفكر، فمنها الملحد واللاديني والمادي والوجودي والمؤمن بوحدة الإله والكون والمؤمن بأن للكون إله كلي القدرة دون أن تربطه بدين معين رابطة.. الخ، وفي معظمها ترفض الإعلان والوحي الإلهي، ومن ثم تختلف كثيرًا عن الوحي والإعلان الإلهي، وفي الأغلب ترفضه كلية! وهذا ما يبدو واضحًا أيضا في فكر د. زيدان. أم أنه فعل ذلك مثلما يفعل الذين يشتغلون بالدين المقارن من الإخوة المسلمين؟ وهذا مشكوك فيه، لأنه أعتبر علم الكلام الإسلامي مجرد تطور للاهوت المسيحي وما يسميه، هو، باللاهوت العربي السابق. وتتضح لنا أفكاره ومنهجه وربما عقيدته من خلال حديثه عن شخصية عزازيل بل وشخص الله ذاته وتصويره بأن السعادة والاستمتاع ليس بالتفرغ للعبادة لله أو بتخيل حياة بعد الموت يمكن أن نكافئ فيها، بل في هذه الدنيا! وأن الإنسان يمكن أن يجد ذاته في متع الحياة وخاصة الجنس وممارسة الشهوات الجسدية! هذا على الأقل ما وضعه على لسان بطله هيبا الذي يتكلم بلسانه، بل وما جعله يغرق فيه! فأننا لا نرى أمامنا راهبًا ناسكًا بمفهوم الرهبنة كما يعرفها كل العالم المسيحي، بل راهبًا منحلًا من كل القيود وغارقًا في الجنس والشهوات الجنسية! وكأن الدكتور زيدان يقول لنا؛ أن الزهد الحقيقي والنسك الحقيقي هو الانغماس في الجنس والشهوات الجنسية أكبر وقت ممكن! بل وجعل راهبه بلا أي مقدس يقدسه سوى اللهو والانطلاق لحرية دنيوية بلا قيود! ويقول موقع العربيةنت (15 سبتمبر 2008م) نقلا عن صحيفة أخبار الأدب المصرية، تعليقا على انغماس الراهب في الجنس: "والمشكلة أن هذا الراهب فيه ضعف شديد أمام المرأة، وقد تعرض لتجارب نسائية مرتين، وفشل في المرتين فشلا ذريعتا. كانت تجربته الأولي في الإسكندرية، أمام أوكتافيا، وهي سيدة جميلة من الوثنيين، تعبد إله البحر (بوسيدون)، وقد تنبأت لها العرافة أن رجلها المنتظر سيأتيها من البحر، فراحت تذهب كل يوم إلي البحر لانتظاره، حتى كان اليوم الأول للراهب في الإسكندرية، ونزل إلي البحر، وتوغل فيه، لولا أن وجد امرأة على الشاطئ تشير إليه فانتبه وخرج من البحر ليجدها في انتظاره، وتجد فيه حبيبها المنتظر. يقضي البطل مع أوكتافيا ثلاث ليال سويا، وخلال هذه الفترة يعرف الجنس لأول مرة في حياته، وينسي أنه راهب في البداية، ويفكر في الخروج من الرهبانية في بعض الأحيان، ويسيء الظن بها في بعض الأحيان، ويقرر التمرد، لكنه في كل الأحيان ينتهي بالتراجع أمامها، ولا تنتهي العلاقة بينهما إلا حين تقوم بطرده. وعندما ترك مصر واستقر ببلاد الشام، بدأ الراهب التجربة الثانية مع فتاة مسكينة (مرتا) أعطاها رئيس الدير غرفة خارج الدير لتسكنها مع خالتها، مقابل أن تغني في الكنيسة في أيام الآحاد، وكلف البطل باعتباره شاعرا أن يشرف على تدريبها هي ومجموعة من الأطفال، إلا أنه وقع في هواها وبادلته حبا بحب، ووقع معها في الخطيئة، وصار أسير هواها، وتطور الأمر بسرعة، فقد عرضت عليه (مرتا) أن يتزوجها، وأن يهجرا الدير وحياة الرهبنة ويرحلا إلي مصر معا، فيعمرا بيت أسرته القديم، وتنجب له ذرية تملأ عليهما البيت، إلا أنه في هذه اللحظة تذكر أنه جاء في إنجيل متي الرسول، مكتوب: من يتزوج مطلقة، فهو يزني.. حينئذ كان لابد أن تصفعه مرتا بقولها: نزني؟ وما الذي كان بيننا بالأمس في الكوخ؟ ألم نكن نزني [4]؟". بل أن ما صوره د. زيدان عن عشق الراهب للنساء ولهفته على أن يقضي مع عشيقاته كل أيام حياته يبين لنا وكأن الخلاص الحقيقي، من وجهة نظره، كما صوره من خلال الصراع الداخلي بين الراهب وبين نفسه، عزازيل، هو في اللهو والعبث وممارسة الجنس الذي أفاض في شرحه والذي جعل الراهب يقبل عليه وكأنه أكسير الحياة، بل والجنة التي يجب أن يبقى فيها إلى الأبد! والذي يضعه في حالة تضاد مع الإيمان المسيحي، دون أن يوحي لنا ولو لحظة أنه كسر نذره كراهب أختار أن يعيش حياة البتولية، ودون أن يشعر ولو لحظة واحدة بأنه وقع في خطية الزنا المحرمة في جميع الأديان! بل جعله يقبل على الزنا والجنس المحرم دون تردد، وكأنه آدم الذي يعود إلى الجنة مرة أخرى بالاستمتاع بالجنس المحرم! فعندما يصف علاقته بأوكتافيا خادمة السيد الصقلي، والذي يشرح علاقته بها في 51 صفحة متواصلة[5]، غير الصفحات التي تكلم فيها عن ندمه لأنه خرج من جنتها! يترك نفسه لها تفعل به ما تشاء! بل واستفاض في شرح الأوضاع الجنسية، التي من الصعب جدا أن نضعها هنا! وبعد أن ترك الراهب أوكتافيا مطرودًا من جنتها يتذكر دائما، وخاصة عندما تحل به النوائب والمرتبطة دائما بشخص نسطور، بل ودائما ما يربط بين ما يصوره أنه حدث لنسطور وتفكيره في جنته المفقودة مع أوكتافيا ثم مع مرتا: "الآن.. آه يا أوكتافيا المسكينة.. لو كنت قد صبرت علي قليلا. ولو كنت اعرف ما يخبئه لي الزمان... أو... الآن... أن يدي ترتجفان... أوكتافيا... الحبيبة، المسكينة... ما عدت قادرا علي الكتابة"[6]. بل ويربط علاقاته بالنساء بحبه لنسطور؟! "أي ذكرى مؤلمة بالضرورة. حتى لو كانت من ذكريات اللحظات الهانئة، فتلك أيضا مؤلمة لفواتها.. أود لو خرجت هذه اللحظة إلى حافة سور الدير، وصرخت إلى جهة الشمال حيث حوصر نسطور، وإلى جهة الجنوب حيث غابت مرتا.. ولو صرخت بكل ما في القلب من الم فهل يصل الصوت أم يصل الموت، أم يصلينا الفوات الدائم والأحزان؟"[7]. ويصف أوكتافيا بالتي تضحي بنفسها في محاولة لإنقاذ الفيلسوفة هيباتيا على عكس المسيحيين الذين قتلوها وأحرقوا جثتها! أنه يضع المرأة الوثنية التي يمارس معها الجنس في مقابلة مع المسيحية الأرثوذكسية وتكون هي دائما الأفضل! بل ويضعها كمرادفة لفكر نسطور وآريوس وكل من وصفتهم المسيحية الأرثوذكسية بالهراطقة! وهذا واضح جدا في حديثه عن المرأة الثانية في جنته، التي تكلم عنها في أكثر من عشرين صفحة، والتي يتوق أن لا يفارقها، بل والتي كما يبدو في نهاية الرواية أنه ترك الرهبنة وتخلص منها إلى الأبد ليلحق بها في خمارات حلب! مارتا، والتي يقول في أول حديث عنها: "وفي غمرة تلك الأيام الغائمة، لمحت مرتا لأول مرة. ولم يخطر ببالي يوم رأيتها، أني سوف أحترق بنارها اللاهية"[8]! ويضيف: "مرتا التي ستعصف بكياني"[9]! كما يتذكر دائمًا "أوكتافيا نائمة في ثوبها الحريري الشفاف"[10]! وهذا عكس حياة الراهب الذي يود أن يذوب أو يحترق بنار الحب الإلهي، ولكن راهب الدكتور يوسف زيدان يحترق في نار الشهوة الجنسية اللاهية ولا يجد خلاصه إلا في ترك الرهبنة نهائيًا والذهاب وراء مرتا التي يصف ما تم من علاقة جنسية معها بصورة لا يمكن تدوينها هنا[11]. وكما صور علاقته بأوكتافيا، عشيقته الأولى، بالجنة المفقودة، راح يقول عن علاقته بمرتا، عشيقته الثانية، أنه كان يجب أن يجثو عند قدميها ويموت في أحضانها، فراح يقول: "لم أستطع منع ابتسامتي، فاتسعت ابتسامتها، واشتدت توجهات الروح في عينيها. التفتت ناحيتي بكلها، فالتصق نظري بصدرها. لم أستطع تحويل عيني عن الموضع الذي أود أن أميل برأسي عليه، ولم تنزعج هي من ثبات نظرتي على الموضع المحرم. لعلها أرادت أن تبيح لي هذا الحرم، لتهدئ الأحزان التي تستبد روحي منذ سنين، وتنهى زمن الحرمان... آه لو ملت برأسي على صدرها. كان يجب أن أجثو أمامها، وأضع رأسي بين نهديها، وتضمني إليها، فأخبو فيها وأموت"[12]. بل ويربط د. زيدان دائمًا بين تمنى الراهب لنصرة نسطور وفوزه هو بالانطلاق مع مرتا فيقول: "فربما تأتيك بعد أيام اعتكافك الأربعين، أخبار نصرة نسطور من بعد هزيمته! وربما سترى مرتا مرة ثانية في ثوبها الدمشقي الخلاب، وتأخذها معك يوم رحيلك المنتظر (أي خروجه من الدير والرهبنة بلا عودة)، فتهنأ بها بقية عمرك، ويهدأ قلبك الملتاع"[13]! هذه هي السعادة التي يتوق إليها راهب د. زيدان! والجنة المفقودة التي يتمنى أن لا يفقدها وأن لا يفارقها مرة أخرى، بعد أن فقدها آدم! عبث وجنس ومجون!! ثم يضيف "إنه صوت عزازيل. كان يستعطفني بنداء باطني عميق: لا تفقد مرتا، مثلما فقدت أوكتافيا قبل عشرين عامًا[14]. "أصير هرمًا في الخمسين من العمر، وتصير هي امرأة جميلة في سن الثلاثين تصبو إلى الرجال وترنو إليها العيون الطامعة، وقد تمتد نحوها الأيدي. هل سأقضى معها السنوات الأخيرة من عمري حارسًا لها، منها؟.. هل سينتهي بي الحال حارسًا لامرأة، بعد حياة تقلبت فيها أحوالي، حتى إنني ما عدت أعرف لي وصفًا محددًا: هل أنا طبيب، أم راهب، أم مكرس، أم ضائع، أم مسيحي، أم وثنى"[15]. " في جوف الليل، عادت الأفكار الجامحة لتجتاحني لماذا لا أقوم الآن فأخذ مرتا بعيدًا عنهما؟ أو أترك كل شيء ورائي وارحل إلى أفسس؟ لن يعرفني هناك الرهبان والأساقفة السكندريون سابقا بالقرب من نسطور في محنته، وقد ينقلب الحال لصالحي، حين يصل الإمبراطور والأساقفة المؤيدون له ولسوف ينصره الإمبراطور فهو أسقف عاصمته، سأعود معه إلى القسطنطينية بعد انقضاء هذه المحنه"[16]. " أنت قلق يا هيبا مما فيك لأنك تعرف ما سوف يحدث في أفسس، وتعرف انك ستفقد مرتا، مثلما فقدت من قبل ما كان لك حلم النبوغ في الطب، الأمر في إدراك سر الدين، الغرام بأوكتافيا، الولع بهيباتيا، الاطمئنان بالغفلة، الإيمان بالخرافات.. كان الصوت يأتيني هذه المرة هامسًا، واضح النبرات، ثم صارت ملاح الوجه، أبين اظهر كان يشبهني، وكان الصوت صوتي هذا أنا أخر، غير، محبوس بداخلي لا بأس لو حدثت نفسي قليلا وصارحتها بما يجب السكوت عنه، اشتياقي لمرتا، وخشيتي عليها، وخشيتي منها، وأنا تائه في صحراوات الذات، وغير مستبشر بضربة الأسقف كيرلس المتوقعة في أفسس، فسوف تكون مروعة. كيرلس هو رأس الكنيسة الإسكندرية، المرقسية وكلمات مرقس تعنى ضمن ما تعنيه المطرقة الثقيلة التي نسميها في بلادنا المرزبة". |
||||
03 - 05 - 2014, 05:50 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب رواية عزازيل: هل هي جهل بالتاريخ أم تزوير للتاريخ؟
عزازيل أو شيطان د. يوسف زيدان |
||||
03 - 05 - 2014, 05:51 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب رواية عزازيل: هل هي جهل بالتاريخ أم تزوير للتاريخ؟
د. يوسف زيدان ونقله فكرة الرواية عن رواية المؤرخ الإنجليزي تشارلز كنجزلي أبلغني أحد الأحباء وأنا أجهز هذا الكتاب في الرد على رواية عزازيل أن هناك رواية عن شخصية "هيباتيا" للكاتب والعالم الإنجليزي والمؤرخ والروائي وأستاذ الجامعة تشارلز كنجزلي Charles Kingsley (1819- 1875م)، والتي كتبها سنة 1853م، وترجمها الدكتور عزت ذكي إلى العربية بعنوان "هايبيشيا" ونشرتها دار الشرق والغرب في الستينيات. وتتكون شخصياتها الرئيسية من بطل الرواية وهو راهب من وادي النطرون يسمى فليمون والبابا كيرلس عمود الدين بطريرك الإسكندرية الرابع والعشرين (412 - 444م) والفيلسوفة المصرية ذات الأصول اليونانية هيباتيا. وتدور أحداثها وشخصياتها حول أحداث العنف التي سادت النصف الأول من القرن الخامس الميلادي وهي الفترة التي تلت إعلان المسيحية كديانة الإمبراطورية الرومانية الرسمية سنة 391م والتي كان فيها البابا كيرلس عمود الدين بطريركًا للإسكندرية. وهي نفس فكرة د. يوسف زيدان سواء من جهة الأشخاص الرئيسية؛ الراهب والبطريرك وهيباتيا، وتتكلم عن نفس الأحداث، ولكن كل بحسب توجهه وأسلوبه، أي أن الدكتور زيدان قرأ هذه الرواية واستعان بها وكانت وحيه الأول وإلهامه في كتابة روايته فأخذ عنها فكرتها الجوهرية ونفس أبطالها الرئيسيين، ولكن ليس بحسب التاريخ الحقيقي والوقائع الموثقة بل بحسب فكره هو المتأثر بكونه غير مسيحي أولًا واعتماده بالدرجة الأولى على الفكر الغربي الإلحادي ثانيًا ولم يرجع مطلقا للمؤرخين الذين عاصروا الأحداث بل تبنى وجهات النظر الإلحادية! ومن ثم خرج عن دائرة البحث الجاد ولم يكن محايدا مثل كاتب الرواية الملهمة له!! وكان هدف الرواية كما قال كنجزلي في مقدمته هو تصويره لتلك الفترة المضطربة والأيام العصيبة التي عاشتها المسيحية ونقد سلبياتها ومدح إيجابيتها: "ولكن سلامة الكنيسة لا تعتمد على عقائدها السليمة فحسب، ولا على حكمة وقداسة آبائها، بقدر ما تعتمد على إيمان الشعب المسيحي وقداسته. وفي بلاد دنستها عادات الرومان وأباطيلهم، كان هذا أمرا عسيرا للغاية. لقد كان يلزم أن تهب عاصفة من السماء، تزلزل هذا الوجود، وتقلب الأوضاع الكائنة رأسا على عقب.."[25]. وهنا يشرح لنا كنجزلي الظروف التي حدثت إثناءها الأحداث التاريخية التي بنيت الرواية على أساسها، فقد كانت هذه الأوقات تحمل صراعًا بين العقائد والفلسفات القديمة بعضها مع بعض وصراعًا مع المسيحية الوليدة، برغم أنها صارت الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية إلا أنه كما يقول كنجزلي" ولكن أن كان الملوك قد انضموا تحت لواء المسيحية، فالممالك ما تزال كما هي – السواد الأعظم من شعوبها يرزح تحت عبء الوثنية، وقد نرى بصيصا من النور يظهر، ويظهر هناك من أثار المسيحية، ولكن هذا لن يغير شيئًا من حقيقة الظلام الكئيب الدامس. لقد كانت الإمبراطورية كما هي، والقوانين الرومانية هي هي، والبلاد كلها ترزح تحت حمل نظام من اللصوصية القانونية والاستعباد القاسي"[26]. وهو هنا يبين لنا أن ما يتباكى عليه د. زيدان وملحدو الغرب ومن سار على دربهم من كتاب ونقاد ما صوروه لنا على أنه النور الذي أطفأته المسيحية، ما هو إلا عادات دنسه وأباطيل كانت في حاجة لعاصفة سماوية تزلزلها وتقلبها رأسًا على عقب، بل وعبء وظلام كئيب دامس كان في حاجة إلى نور المسيحية!! ثم يصور الصراع الفكري الذي كان دائرا بين المسيحية ممثلا في آباء كنيسة الإسكندرية ورهبانها الذين اتخذوا من الأديرة مقرا هادئًا للبحث والتأمل والدراسة لمواجهة هذا الصراع الفلسفي الذي انتهى بنصرة آباء الكنيسة بعلمهم وفكرهم وفلسفتهم واعتمادهم على الكتاب المقدس والتقليد الرسولي، لا على القتل والدم والعنف كما حاول أن يصور د. زيدان وتلاميذ المدارس الغربية الإلحادية!! فيقول: "ولكن المسيحية في مصر، في هذه الفترة التي تعرضت لها قصتنا كانت في منتصف الطريق، فلم تكن قد هوت الضربة القاصمة بعد. كانت المعركة الفلسفية على أشدها بين فلاسفة اليونان والآباء المسيحيين الأولين. ووجد آباؤنا في العزلة التي تتيحها لهم حياة الرهبنة التوحيدية مزيدا من الوقت يسمح لهم بالدرس والتحصيل، والوقوف في وجه الفلسفات السائدة، والصمود أمام قوى الفلسفة اليونانية، والرمزية الفرعونية، وعلوم الفلك الكلدانية وثنائية البارثية، وروحانية البراهمة، وهكذا تركوا لنا ذخيرة لا تقدر بمال في الدفاع عن عقائد المسيحية"[27]. وهذه الذخيرة ذخيرة فكرية فلسفية تقدم دفاعًا راقيًا وساميًا مبنيًا على الدليل والحجة والبرهان الديني والعقلي والفلسفي!! وقد قامت رواية كنجزلي أساسًا على فكرة مواجهة المسيحية في الإسكندرية لكل التيارات الفكرية والظروف السياسية في فترة متقلبة مضطربة مع رفض العنف الذي يقترن بالدين مهما كانت أسبابه الدينية، ورفض تدخل رجال الدين فيما يسيء لدورهم ولسمو تعاليم المسيحية والتي صورها الكاتب في بسطاء المسيحيين وفي حياة القداسة التي بدأت بها وانتهت إليها حياة الراهب فليمون، بطل الرواية، وفي شخص رافائيل بن عزرا المرابي اليهودي الذي تثقف بالفلسفة في مدرسة الفيلسوفة المصرية هيباتيا (هايبيشيا) والذي وجد السمو في تعاليم المسيح، ووجد في المسيح الإنسان الكامل والذي من خلال كماله وسموه آمن بأنه الإله المتجسد، لأن الله لو أراد أن يتجسد لا يمكن أن يتجسد إلا في صور الإنسان الكامل، وكان هو المسيح، أي أنه تهذب بالفلسفة والفلسفة أدت به على الإيمان بالمسيح وليس العكس. بل ويصل الكاتب بنا إلى درجة أن يقول أن الفيلسوفة هيباتيا نفسها، عن طريق تلميذها السابق بن عزرا، كان يمكنها أن تكون أحدى المؤمنات بالمسيح، بل ويلمح لفكرة أنه لو كان قاتلوها قد تأخروا أياما قليلة لصارت مسيحية[28]!! بل وفي لحظة موتها على مذبح الكنيسة لا تجد سوى شخص المسيح لتتوسل إليه!! وصور لنا كنجزلي مقتل الفيلسوفة المصرية ذات الأصول اليونانية هيباتيا أو هايبيشيا، كثمرة طبيعية ونتيجة لما حدث من عنف. بل ولم يبرئ كنجزلي ساحتها ولم يعفها من المشاركة في مصيرها التي ألت إليه ولم يصورها كما فعل د. يوسف زيدان كالقديسة التي بلا عيب في موجهة الكهنة الأشرار!! إنما يبرز دورها في انصياعها لطموح حاكم الإسكندرية أورستُس بل وسخريتها من العقائد المسيحية ومن المسيحيين وعلى سبيل المثال قولها: "ألم يأمرنا الإمبراطور جوليان ألا نعذب المسيحيين، وأنه يكفيهم عذابا الخيالات والأباطيل التي يعتقدون بصحتها؟ ويعذبون أنفسهم في سبيلها؟"[29]. بل ويقول في لومها لنفسها عندما أحست بالخطر: "أنا الملومة. وعلي وحدي يقع عبء كل شيء. لقد أهنت نفسي بسيري في ركاب السياسة، والذي يسير في ركاب التملق والدهاء لا يعلم أين يمضي"[30]. وكانت المفاجأة بالنسبة لي أن أجد رواية "هايبيشيا" لكنجزلي هي الوحي الأول لرواية الدكتور يوسف زيدان "عزازيل"!! فكل منهما، كنجزلي د. يوسف زيدان يجعلان من راهب بطلا لروايتهما، مع اختلاف الأهداف، فراهب كنجزلي، فليمون، وهو اسم أحد تلاميذ القديس بولس الرسول، وكان فليمون أيضًا عبدًا واشتراه وحرره، حسب الرواية، القديس أرسانيوس معلم أولاد الملوك، والذي خرج من الدير بإذن من رئيس الدير وموافقة أبيه الروحي ومحرره من العبودية القديس أرساني أو أرسانيوس معلم أولاد الملوك والذي كان يطلق عليه، قبل دخوله الدير، لقب "صانع الأباطرة"، أما راهب د. زيدان فيدعى "هيبا" الذي أتخذ اسمه من النصف الأول لاسم الفيلسوفة هيباتيا! وهو ابن لصياد وثني بسيط، يصوره د. زيدان في صورة الصياد الصالح، مقابل الزوجة المسيحية المتآمرة على زوجها، أم الراهب هيبا، والتي وافقت أهلها المسيحيين الذين صورهم بالمتوحشين الشياطين على قتل زوجها الذي كان ذاهبا في قاربه ليقدم السمك لكهنة معبد خنوم المساكين المحاصرين في معبدهم، والذين قتلهم هؤلاء المسيحيون المتوحشون بلا شفقة ولا رحمة وهم يهتفون باسم المسيح "المجد للمسيح"!! وكما يقولون فأول القصيدة كفر!! وهذه الصورة التي وضعها في ذهن بطل روايته أو راهبه المريض في بداية الرواية والماجن في بقيتها!! كما سيتضح لنا، فقد جعله منذ البداية نصيرا للفلسفة الوثنية والشهوة الجنسية ومضادا للمسيحية ولسان حال المؤلف، د. زيدان في تشويهه لصورة المسيحية ورجالها، بصفة عامة، بل ويصور الأديان اليهودية والمسيحية بالمتطورة عن الفلسفات والديانات السابقة لها، وفي نفس الوقت يزعم أنها مدمرة للفلسفة! متجاهلا الإعلان والوحي الإلهي تماما!!! وهذا ما يلمح به عن الإسلام كتطور للمسيحية والثقافة العربية السابقة له. وهنا نجد مفارقة شديدة بين راهب كنجزلي وراهب د. زيدان؛ الأول يأخذ اسمه من اسم تلميذ للقديس بولس والذي يمثل احد تلاميذ التلاميذ أو خلفاء الرسل وبالتالي يمثل التسليم الرسولي بل وكان عبدا اشتراه وحرره القديس أرساني معلم أولاد الملوك، وبالتالي يمثل الرسولية والعلم والرقي، في حين أن راهب د. زيدان يأخذ اسمه من اسم الفيلسوفة الوثنية هيباتيا معلنا موقفه مع الفلسفة الوثنية ضد المسيحية وقد رباه د. زيدان ككاره للمسيحية من خلال تصويره لقومه المسيحيين كقساة وسافكي دماء لكهنة خنوم الذين صورهم كالأبرار!! ومن ثم يتباين موقف كل منهما من وصفه ونظرته لهيباتيا، حيث يراها راهب كنجزلي كامرأة لها طموحاتها وضعفاتها، بل كالمرائية التي تقول ما لا تفعل، فيصفها عندما يراها الراهب في النافذة: "ترفع عينيها إلى فوق إلى السماء المرصعة بالنجوم وقد شبكت يديها على صدرها. ترى هل كانت تصلي؟ هكذا ناجى الراهب نفسه،. كان منظرها رائعًا وقد أنسلت خصلات شعرها على الثوب الأبيض الذي يتألق في ضوء القمر"[31]! وعندما يراها جالسة في صفوف المتفرجين في المسرح إلى جانب الحاكم المتآمر على إمبراطوره وقد اتفقت على الزواج منه وكانت تتسلى بالفرجة على قتل عشرات الأسرى الليبيين والذي كان المشاهدون يتسلون بمنظر قتلهم على المسرح وكانت هي في المقدمة إلى جوار الحاكم يقول كنجزلي: "وقفز الشاب في دهشة ورعب. أهذه هي أستاذته؟ التي كثيرا ما نادت وتشدقت بالتجرد والسمو واحتقار المادة؟ كانت تلبس رداء أبيض اللون وكان يحيط بعنقها شال وردي. ترى ما الذي أتي بها على هذا المكان؟... وثبت فليمون عينيه على هايبيشيا التي كانت جامدة التقاطيع لا تبدو عليها علامة واحدة من علامات التأثر عدا مسحة من الشحوب والاصفرار. لقد كانت في سبيلها إلى هدفها الرئيسي. وفي سبيل هذا الهدف لا يهم إذا داست بقدميها على أشلاء خمسين أسيرًا أو خمسين ألفًا من أمثال هؤلاء الأسرى"[32]. في حين يصورها د. زيدان بالكائن الإلهي: "هيباتيا... أكاد أن اكتب اسمها الآن، أراها أمامي وقد وقفت علي منصة الصالة الفسيحة، وكأنها كائن سماوي هبط إلى الأرض من الخيال الإلهي، ليبشر الناس بخبر رباني رحيم. كانت لهيباتيا تلك الهيئة التي تخيلتها دوما ليسوع المسيح، جامعة بين الرقة والجلال.... في عينيها زرقة خفيفة ورمادية، وفيها شفافية. في جبهتها اتساع ونور سماوي، وفي ثوبها الهفهاف ووقفتها، وقار يماثل ما يحف بالإلهة من بهاء.. من أي عنصر نوراني خلقت هذه المرأة؟... كانت تختلف عن بقية الناس؟.. فأن كان الإله خنوم هو الذي ينحت أجسام الناس، فمن أي صلصال طاهر نحتها، وبأي عطر سماوي سبكها؟... يا الهي، أنني اجدف.."[33]. فهو يراها هكذا ليقارن بينها وبين رجال كنيسة الإسكندرية الذين وصفهم بالوحوش وأشرار الرواية! أي ما هو وثني بالنسبة له يمثل الجلال السمائي وما هو مسيحي يمثل الشر!! وهو معذور لأن شيطانه وعزازيله الذي يحركه ويوجهه لم يستطع إلهه المألوه أن يعينه عليه فغرر به!! وفي حين يصور لنا كنجزلي راهب فليمون وقد خرج من وادي النطرون، معقل الرهبنة في ذلك العصر، حيث تبدأ الرواية بمشهد للراهب فيلمون هو يبحث في الصحراء عن مواد تستخدم في الوقود في الدير فتقوده قدماه في الصحراء الواسعة ليصل إلى معبد فرعوني مهجور يتردد في دخوله خشية من الغواية مما قد يراه في هذا الهيكل الوثني ويدخل بعد تردد فيرى صورا ملونة لآلهة وثنية وملوك وملكات وصور لراقصات على جدران المعبد فينسحب خشية من الغواية والتفكير الشهواني. يصور لنا د. زيدان راهبه أيضا وهو قريب من معبد خنوم الفرعوني، الذي يحاصره الرعاع من المسيحيين الذين وصفهم في صورة الوحوش الضارية، وفي داخله كهنة معبد خنوم المحاصرين داخله بلا طعام أو شراب، ويقدم لنا والد الراهب هيبا، بطل الرواية، كصياد سمك وثني بسيط ولكن قلبه مليء بالرحمة والشفقة، على عكس المسيحيين! وهو يجدف بقاربه ناحية المعبد ومعه بعض السمك لتقديمه لهؤلاء الكهنة المحاصرين من المسيحيين، فيهجم عليه المسيحيون الذين توافقهم والدة الراهب هيبا وزوجة هذا الصياد على قتله فيفتكون به!! والراهب يشاهد هذا المشهد الدموي الذي يموت فيه والده شهيدا للرحمة والشفقة، وأمه المتآمرة على قتل زوجها بسبب إيمانها المسيحي!! أي يقدم كنجزلي المعبد كمصدر لغواية الراهب فيهرب منه، بينما يقدمه لنا د. زيدان كمكان للكهنة الأبرار المحاصرين والمضطهدين من المسيحيين الأشرار! أنه يبذل جهدا خارقا في وصفه للمسيحيين ليجعل قارئ روايته لا يكرههم فحسب بل ويصب جام غضبه عليهم، ولا أقول يهدر دمهم بطريقة غير مباشرة وغير معلنة!! والغريب أنه يدعي حبه للمسيحيين وصداقته لهم؟! وهذا يذكرني بحب بروتس لربيبه يوليوس قيصر! بل بحب يهوذا للمسيح!! |
||||
03 - 05 - 2014, 05:55 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب رواية عزازيل: هل هي جهل بالتاريخ أم تزوير للتاريخ؟
تأثر دكتور يوسف زيدان برواية المؤرخ تشارلز كينجزلي ويصور كنجزلي Charles Kingsley راهبه، فليمون، وهو يستأذن معلمه ورئيس الدير ليخرج من الدير ويركب قارب يحطمه تمساح في النيل فينقذه بحارة يكتشف أنهم من القوط ومعهم فتاه أسمها بيلاجيا تحميه من بطشهم وهي شديدة الشبه به، ويستعبدونه على المركب كأجير وفي الإسكندرية ينجح في الخروج من قبضهم ويذهب إلى دار البطريركية لمقابلة البابا كيرلس عمود الدين وكان يحمل معه رسالة من القديس أرسانيوس إلى البابا فيستقبله بترحاب. في حين يصور لنا د. زيدان راهبة في الطريق إلى الإسكندرية وهو هارب يحمل ذكريات قتل المسيحيين لوالده، وصورة رهيبة عن المسيحيين الذين صورهم د. زيدان طوال الرواية بأشرار القصة!! وفي الطريق يجد الغمز واللمز في حق الرهبان والمسيحية والإيحاء بعدم مصداقية رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، ومصداقية صلب المسيح والتشكيك في جميع العقائد المسيحية!! وهو هائم لا يعرف أين الحقيقة!! ويصور لنا كنجزلي راهبه وقد خرج من الدير مزودا بوصايا أستاذه القديس أرسانيوس معلم أولاد الملوك، في حين يقدم لنا د. زيدان راهبه ساخطا على المسيحية وعقائدها بل وكل ما هو مسيحي، وبدلا من أن يتوجه إلى البطريركية مباشرة والتي جاء أصلًا ليبدأ منها يذهب على البحر والذي يشير للعالم ويبدأ مرحلة الغواية وممارسة الجنس المحرم!! فعندما يصل إلى الإسكندرية في طريقه إلى دار البطريركية يذهب إلى البحر أولًا وهناك ينزل البحر وعند خروجه من البحر بعد أن تعرض للغرق وعلى الشاطئ يقابل أوكتافيا التي كانت تنتظر فارس أحلامها الذي وعدها به إله البحر بوسيدون أنه سيأتيها من البحر، فتتصور أنه الفارس المنتظر المرسل من الإله بوسيدون فتطعمه وتأخذه في أحضانها الدافئة وتذهب به إلى منزل سيدها الصقلي المسافر في تجارته، ويمارس معها الحب والجنس والذي يستغرق د. زيدان ويستزيد في أوصافه دون أن يشعرنا ولو للحظة واحدة بوخز أو تأنيب من ضمير الراهب الذي يفترض أنه نزر البتولية، بل ويصور الحياة مع أوكتافيا التي قضي معظم وقته معها في التفكير في الجنس وممارسته معها، بأنها الجنة التي ظل يحلم بالعودة إليها بعد أن عرفت أوكتافيا حقيقته كراهب وطردته من جنتها!! وفي حين يصور لنا كنجزلي تصاعد الأحداث وتسارعها منذ لحظة دخول الراهب فليمون للإسكندرية ووصوله لدار البطريركية، عندما يصور لنا المؤامرات اليهودية لقتل المسيحيين وحرق الكنائس وتكاسل الوالي أورستُس في الدفاع عن المسيحيين ومعاقبة اليهود، بل وتواطؤه ضد البطريرك ورفض جنوده التدخل لمنع اليهود من تنفيذ مؤامرتهم، وثورة العامة من المسيحيين ضد اليهود محاولين التخلص منهم انتقاما لقتلهم بعض المسيحيين ومحاولة إحراقهم لعدة كنائس. ويرفض البابا كيرلس عمود الدين محاولة العامة قتل اليهود ولكنه، أمام تخاذل أورستُس وموقف جنوده يقرر إخراجهم من مدينة الإسكندرية، المدينة التي عاشوا فيها وكانوا من أهم معالمها منذ تأسيس الإسكندر الأكبر لها، حفظا لهم من ثورة العامة وكعقاب لهم حتى لا يكرروا ذلك مرة أخرى!! وفيما يلي الصورة التي قدمها كنجزلي عن الصراع اليهودي الأرثوذكسي في الإسكندرية[34]، حيث يقتل كل من اليهود والوثنيين، معًا، المعلم المسيحي هيراكس فيصيح أحد الرهبان طالبًا نجدته: "النجدة! النجدة! يا آباء الأديرة. أن هيراكس المعلم المسيحي يلاقي حتفه الآن على أيدي معذبيه في قلب هذا المسرح. - إلى النار يا عبيد الأصنام! إلى النار أيها اليهود! لقد اتهموا المسكين بتدبير مؤامرة ضد يهودي.. فقُبض عليه. وها هم يفحصونه بالجلدات. وتدافع الجمهور كتلة واحدة إلى الداخل وهناك خلف حاجز قضبان حديدية كان يفصلهم عن المأساة التي تجري أمامهم. شاهدوا، وعيونهم تجحظ من الرعب، شبح هيراكس وهو عاري الجسد معلقا بين السماء والأرض، مربوطا إلى عمود خشبي، والضربات تنهال عليه من معذبيه، وجسده يتلوى ويرتعش والضحكات تتعالي من الجلادين، وهم يوالون عملهم الوحشي ويلعنون البطريرك، والكهنة، والقديسين، والكنائس، والمسيحيين عامة، وينادون بأن ذلك سوف يكون مصير كل مسيحي في المدينة، وعبثا تعالت الصيحات من أفراد الجمهور، وعبثا راحوا يدفعون القضبان الحديدية بأيديهم. حتى خفت صوت الشهيد المسكين، وهدأت حركته. وبانتفاضة قصيرة اسلم الروح... وهتف الجمهور: لقد قتلوه! قتله المجرمون. هيا على بيت البطريرك. وسوف ننتقم منهم". ثم يصور لنا موقف البطريرك كالآتي: "سوف يدفعوني إلى هذا العمل، دمهم عليهم وعلى أولادهم. ألا تكفيهم تجاديفهم على الله وعلى كنيسته، وأعمال السحر والغش التي يقومون بها، حتى يدبروا المؤامرات لأولادي ويسلمونهم للموت. وأجاب صوت أكثر رقه: - وهكذا كان شأن اليهود منذ عصر الرسل. - ولن يكون بعد ذلك، لقد أعطاني الله السلطان وسوف أوقفهم. هكذا يفعل الله بي، وهكذا يريد، أن لم أطهر الإسكندرية من كل يهودي. - لعل هذا القرار لا يعجب الحاكم. - أني أعرف لماذا يداهن الحاكم هذه الفئة. أنهم يمدونه هو وطغمته بما يحتاجون من المال.. وهكذا يرضخ لمؤامرتهم وتدبيرهم. أنه على استعداد أن يحمي مغارة لصوص أن كان في هذا منفعته، ولا يهمه حدوث فتنة في المدينة". ثم يشرح كنجزلي مؤامرة اليهود لقتل أكبر عدد ممكن من المسيحيين، فيقول: " ولا يدري فليمون كم لبث من الوقت نائما حينما سمع، أو خيل إليه أنه يسمع صوتا يهتف.. - أيها المسيحيون، إلى النجدة. أن كنيسة الإسكندرية تشتعل فيها النار. وقفز من مكانه على الفور.. وأسرع يجري في الممر الضيق المظلم فوجد الرهبان والكهنة يتكدسون على درجات السلم.... ففي لمح البصر لمع نصل سكين في الهواء، وما لبث أن أنغمس في رقبة واحد من الرهبان. وانكفأ المسكين على الأرض الحجرية واسلم الروح. بينما أسرع الجاني بالفرار يتبعه الرهبان في جنون. ولكن تلك كانت حيلة لاجتذاب أكبر عدد ممكن من الكهنة والرهبان بعيدًا عن دار البطريركية. فمن هنا وهناك، من أماكن متعددة، ظهرت أشباح مسلحة تسعى وتتكاثر لتطبق عليهم، ولكن يبدو أن الكهنة تنبهوا لما يدبر لهم في الخفاء، فأسرعوا هاربين ولم يبق سوى فيلمون وحده". ثم يتحدث عن حرق اليهود للكنائس وقتلهم للمسيحيين ويصور موقف الحاكم السلبي تجاه ما يحدث! بل وموقف قائد الكتيبة الرومانية الذي لم يتقاعس عن دوره فحسب بل راح يحتقر المسيحيين ويسخر منهم! بل وتركهم يلاقون حتفهم في سخرية غريبة: " وفي أحد المنحنيات، فتحت بوابه وتدفقت كتيبة نظامية من جنود الرومان بدروعهم وسيوفهم اللامعة. وهتف قائد الكتيبة بصوت أجش.. أيها الرعاع لماذا تعكرون الليل بصياحكم؟ لماذا لا تعودون إلى منازلكم وتنامون؟ وأجاب فليمون: - أن كنيسة الإسكندرية تشتعل فيها النيران.. فقهقه القائد.. - هذا جميل وماذا أيضًا؟ - أنهم يذبحون المسيحيين.. - وهذا أجمل. دافعوا عن أنفسكم. ثم استدار لجنوده قائلًا. - أيها الرجال إلى ثكناتكم.. وعاد صف الجنود من حيث أتوا.. أهذه عدالة الرومان؟ هكذا تساءل فليمون في نفسه... هل معنى ذلك أنهم يحتقرون المسيحية ويبغضونها؟ هم لا يهمهم أن احتراق كنيسة الإسكندرية واحتراق المسيحيين والمسيحية بجملتها. - وأرتفع صوت نسائي من أحد الأبنية يهتف بالقول: - أيها المسيحيون عودوا إلى أماكنكم. أن كنيسة الإسكندرية لم يمسها سوء... أنها تبعد عنكم الآن ميلين كاملين.. وفي كل شبر، وخلف كل منحنى من هذا الطريق الطويل يكمن لكم اليهود. ينتهزون الفرصة. وبعد أن يصور دفاع المسيحيين عن أنفسهم بالوسائل البدائية يرضخون لتعليمات البطريرك والذي يقرر بعد ذلك طرد اليهود من الإسكندرية ليسكنوا خارج أسوارها في حين كان في إمكانه أن يعطي تعليماته للشعب الثائر بسحقهم، ولكنه لم يفعل!! ويبرر لنا كنجزلي تعاطف حاكم الإسكندرية مع اليهود لثلاثة أسباب جوهرية هي؛ شخصية البابا كيرلس الكاريزمية وعلاقته الوطيدة بالإمبراطور الروماني والتي تلاشى بجوارها دور أورستُس، ومن ثم لم يجد أورسُتس مكانًا له إلا مع الوثنيين واليهود والفيلسوفة هيباتيا، وهؤلاء لم يكن عددهم قليلًا، وقد اجتمعوا جميعا على كراهية البطريرك بسبب تهديده لمصالحهم جميعًا، وبسبب احتياج أورسُتس لأموال المرابين من اليهود، وليقفوا معه عندما يقرر الانفصال عن روما وإعلان نفسه إمبراطورا لمصر وشمال أفريقيا، في الوقت الذي كان متأكدًا فيه من أن البطريرك صاحب الكاريزما الجماهيرية والمحبوب بل والمؤيد من الإمبراطور الروماني لن يكون معه. أما الدكتور زيدان، كعادته، فيتجاهل هذه العوامل جميعها، والصراع الذي كان دائرًا في هذه الفترة التاريخية بين الحاكم والبطريرك من جهة وبين اليهود والمسيحيين من جهة أخرى، وبين الديانات الوثنية والفلسفات اليونانية، بل والهرطقات المسيحية المختلفة، وغيرها من جهة، وبين هذه الديانات والفلسفات والمسيحية من جهة أخرى، بل وراح بميكيافلية عهدناها فيه! يصور البطريرك بالإرهابي المتجني على كل هؤلاء، متجاهلًا لكل هذه العوامل! وكأنه يوجد ثأر شخصي بينه وبين البطريرك أو الكنيسة!! بل وتجاهل الظرف التاريخي، عمومًا، ونسي أو تناسى ما حدث من إبادة شعوب لشعوب أخرى حتى القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وعلى سبيل المثال المجازر التي أهلك فيها العثمانيون الملايين من المسيحيين في الصرب وأرمينيا وخلف للعالم عداوات تاريخية بين أهل الصرب والبوسنة والهرسك وبين شقي قبرص وغيرها لم تندمل بعد!! وراح يلوم المسيحيين على طرد اليهود من الإسكندرية دون قتلهم ويتجاهل سبب موقف المسيحيين منهم وهو تأمرهم على المسيحيين ومحاولة إحراقهم لكنائسهم!! بل وينسى ويتجاهل كراهية العرب والمسلمين لليهود بسبب مواقفهم مع نبي المسلمين قديما ومحارقهم للفلسطينيينالتي لم تنته بعد؟! بل ووصف المسلمين لهم بنسل القردة والخنازير" وجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ" (المائدة:60)، "وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ" (البقرة:65). والسؤال هنا هل يعتبر الدكتور زيدان هذا الوصف لليهود افتئاتا عليهم وجريمة في حقهم؟!! ليته يجيبنا ولا يقع في حالة من الانفصام في الشخصية؟!! ولا يسعنا أن نقول له هنا إلا ما قاله الرب يسوع المسيح لقادة اليهود: "من ثمارهم تعرفونهم هل يجتنون من الشوك عنبا أو من الحسك تينا" (مت7:16)، وأيضًا "أيها القادة العميان الذين يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل" (مت23:24). وفي الوقت الذي يصور فيه كنجزلي الراهب، بالرغم من اعتراضه على بعض ممارسات رجال الدين الخاطئة والمضادة للمسيحية، ثائرا لأجل العفة والفضيلة عندما يعرف أن بيلاجيا التي سبق أن أنقذته من القوط على السفينة هي أخته والتي اشتراها سيدها القوطى وصارت محظيته، يبذل كل طاقته ويعرض حياته للموت عدة مرات لإخراجها مما هي فيه والعودة بها إلى حظيرة المسيح، حيث العفة والقداسة. نجد راهب د. زيدان غارقًا في أحضان أوكتافيا ومرتا وممارسة الجنس معها دون أي تأنيب للضمير، ضمير الراهب الذي نذر نفسه للبتولية وقرر حياة النسك والزهد في كل شيء، بل والأسوأ أنه يصور اللذة الجنسية وكأنها السبب الذي بسببه طرد الله آدم وحواء من جنة عدن!! ويصور لنا كنجزلي الراهب فليمون رافضًا الخلط بين المسيحية وما يقوم به العامة من عنف فيقول: "أن ملكوت المسيح ليس ملكوت العنف والسلب والاختطاف ولكنه ملكوت الرحمة والمحبة"، وهذا يدفعه للذهاب للتعرف على فكر الفيلسوفة هيباتيا وأن أمكن هدايتها ولكنه يتعرف عليها وينبهر بفكرها ويتعلق بها بالمقابلة لما واجهه من تشدد بعض رجال الدين ودخولهم في صراع كان يجب أن يكونوا بعيدين عنه. ويتعرف من خلال بواب مدرسة هيباتيا الوثني على زوجته الزنجية المسيحية التقية، البسيطة في إيمانها. وينضم الراهب فليمون لتلاميذ هيباتيا معجبا بتعليمها وسلوكياتها كفيلسوفة أرستقراطية إلا أنه يصعق عندما يراها متآمرة مع الحاكم أورستُس وتعد نفسها لتكون زوجته كالإمبراطور القادم وفي ملابس ومنظر وموقع يتنافى تماما مع ما تعلمه وتنادي به، يراها كالمرائية التي تقول ما لا تفعل، وخاصة في مشهد الحفل الدموي الماجن الذي أقامه أورستُس الحاكم ليسلى الشعب بمشهد حي لقتل خمسين أسيرًا ليبيًا على المسرح وأمام حوالي عشرة آلاف من المشاهدين، تمهيدا لإعلان الثورة وتنصيب نفسه إمبراطورا، فتسقط من نظره ولكنه لا يوافق على قتلها. أما راهب د. زيدان فيفتتن بها ويتمنى أن يعيش تلميذا وعاشقًا لها وتحت قدميها، وبدلًا من سعيه لدراسة اللاهوت والطب، كما صوره يوسف زيدان يتحول إلى باحث عن العلم عند هيباتيا التي فتن بجمالها الأخاذ ورقة فلسفتها بل وذاب في جمالها ورقة فلسفتها، والتي صورها الكاتب بالجنة الحقيقية مقابل المسيحية التي صورها بالدموية كما رفض حياة العفة والقداسة التي صورها بالتي لا طائل من روائها!! ونسي هدف مجيئه إلى الإسكندرية!! بل وعلى عكس كنجزلي والذي صور العامة من المسيحيين وهم يقتلون هيباتيا بصور بشعة بسبب تصورهم أنها هي السبب في الفجوة بين أورستُس والبطريرك، لأن أورستُس كان حريصا على الالتقاء بها وحضور محاضراتها الفلسفية، مما عبأ عامة المسيحيين ضده وضدها وتصورهم أنها تحرضه ضد القديس كيرلس، كما صور كنجزلي، اتفاق هيباتيا مع أورستُس واحتقارها للمسيحية والمسيحيين وبطريركهم ووصفهم بالذين يعبدون الناصري المصلوب وتصويرهم بالجهلاء والرعاع، وتنازل الوالي أو إنكاره لمسيحيته أمامها بل وأمام اليهود. وذلك دون أن يذكر أي دور للبابا كيرلس عمود الدين بل على العكس يؤكد أنه حذر من قتلها، فيقول كنجزلي على لسان الراهب فليمون: "أنهم (أي المسيحيين) يبغضونها، وينسبون إليها جرائم رهيبة. ولقد كانوا يدبرون الهجوم على منزلها في الليلة الماضية لولا خوفهم من كيرلس". وقال عن تحذير البابا كيرلس للعامة من عدم المساس بها أو المساس باليهود" ولكن يبدو أن الشعب قد خشي من غضب الأنبا كيرلس الذي اصدر تحذيره لهم بالأمس أنه أن تجاسر أحد وقام بتعكير الصفو فسيكون نصيبه الحرم والعقاب"[35]. يصور د. زيدان البابا كيرلس وهو يخطب خطبة نارية محرضا على قتلها باسم المسيح، دون سند أو وثيقة من التاريخ إلا خياله وما أوحي به له عزازيله وشيطانه الشرير! وما يريد أن يوصله للناس من أفكار لا علاقة لها بالواقع!! فيزعم أن العامة اندفعوا تحت تأثير هذه الخطبة النارية المزعومة لخطفها وتمزيقها ثم حرقها. بل وتصل أفكار الكاتب المضادة للمسيحية بل والدين عموما عندما يصور أوكتافيا الوثنية، حورية جنة راهبه الجنسية، بصورة مضادة للبابا كيرلس ورجاله حيث يصورها بالشهيدة النبيلة التي ألقت بنفسها على هيباتيا محاولة إنقاذها فقتلت معها!! وهو أسلوب ذو مغزى سيء جدا حيث صور الوثنية الزانية، لو شاء لنا التعبير، بالنبيلة الشهيدة وبطريرك الكنيسة بالمحرض على القتل باسم الدين والرهبان بالقتلة والوحوش الضارية!! وبعد مقتل هيباتيا يجد الراهب فليمون، راهب كنجزلي، في البحث عن أخته حيث يعرف في خضم الأحداث أن بيلاجيا التي تعيش مع جماعة القوط هي أخته ولأنها أسيرة ومباعة كعبدة فقد كانت تعيش مع أمير هذه الجماعة كعشيقة فيحاول أن يخلصها مما هي فيه من خطية ويذهب بها إلى الدير ليعيشا حياة القداسة والعفة والطهارة بعيد عن ضوضاء العالم وضجيجه. وعند عودته للدير يختاره الرهبان بالرغم من صغر سنة لرئاسة الدير فيقوده بقداسة وحكمة، وفي النهاية يطلب من الرهبان أن يصلي معهم القداس الإلهي ويناولهم جميعا، ويحتفظ لنفسه بجزء ويذهب به في الصحراء بعيدا ويختفي عن الرهبان الذين يبحثون عنه، ويعرفون عن طريق أحد الذين يعيشون في الصحراء أنه مر أمامهم في اتجاه معين، فيذهبون إليه فيجدونه ممدا في مغارة وعلى شفتيه أثار التناول من الأسرار المقدسة وبجواره فتاة ممددة وعلى شفتيها أثار التناول، فيعرفون أنها أخته بيلاجيا التي تركت حياة الرزيلة وعاشت كمتوحدة في الصحراء ولم يعرف أحد عنها شيئًا سوى أخيها الراهب فليمون. وهكذا تنتهي حياة راهب كنجزلي في طهر وقداسة وسمو في الإيمان. أما راهب د. زيدان فيترك الإسكندرية ويذهب إلى أنطاكية وهناك يعيش في أحد الأديرة النائية في حالة صراع مع نفسه الميالة للعالم وشهواته، وفي الدير يلتقي بمارتا التي كانت تعيش بالقرب من الدير والتي جاء بها إليه رئيس الدير ليعلمها ويدربها على الترانيم الروحية، ولكن تتحول علاقته بها إلى علاقة جنسية ليعود فيها لجنة أخرى يعوض بها جنته المفقودة التي عاشها مع أوكتافيا، ويختم روايته بكتابة مذكراته التي فيها ينكر الإيمان ويترك الدير بطريقة توحي أنه ذهب هائما وراء مارتا التي ذهبت لتعمل في حانات حلب!! هذه جنة يوسف زيدان وهذا هو هدف وغاية رحلته في هذا العالم وسعادته التي بحث عنها!! الشهوة والجنس والجري وراء الساقطات!! لقد وجد راهب كنجزلي جنته في البر والقداسة بينما وجد راهب د. زيدان جنته في الجنس والمجون والخلاعة المحرمة التي وصفها دائما بالجنة المفقودة!! وبرغم تصوير كنجزلي للعنف الذي ساد في تلك الفترة وبرغم مآخذه على رجال الدين وخاصة الرهبان وتركهم للأديرة وانشغالهم فيما هو بعيد عن هدف وسمو رهبنتهم ودخولهم في الصراع الذي كان دائرا بين الحاكم أورستُس المتعاطف مع الوثنيين واليهود والفيلسوفة هيباتيا والبطريرك ذو الشخصية الكاريزمية والمدافع عن المسيحية. وبرغم تحامله، كمعظم كتاب القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، على المسيحية ورجال الدين، إلا أنه لم يهاجم الإيمان المسيحي بل اقر بسموه وعظمته، ولم يهاجم العقائد المسيحية بل اقر بحقيقتها من وجهة نظر فلسفية تمثلت في إيمان رافائيل بن عزرا المرابي اليهودي الذي تثقف وتهذب بفلسفة مدرسة هيباتيا والتي أدت به إلى تخليه عن المال طواعية وعرف سمو المسيحية من خلال فتاة مسيحية بسيطة في إيمانها وسلوكياتها المسيحية الحقيقة، في شمال أفريقيا، ووجد السمو في تعاليم المسيح، ووجد الله في المسيح، الإنسان الكامل، والذي من خلال كماله وسموه آمن بأنه الإله المتجسد، لأن الله لو أراد أن يتجسد لا يمكن أن يتجسد إلا كإنسان كامل، وكان هو المسيح. ويعود بن عزرا إلى الإسكندرية محاولا أن يرد الجميل لأستاذته الفيلسوفة هيباتيا، والذي يوشك على إقناعها بالإيمان بالمسيح من خلال العقل والمنطق بل والفلسفة، وهنا يصور التلاقي بين الإيمان والفلسفة! ولكن مع تسارع الأحداث تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فيمسك بها الدهماء والعامة ويجرونها في الشوارع فيتمزق جسدها ويتهرأ، ولكن لا يطلب هؤلاء إلا قتلها على مذبح المسيح وأمام صورة المسيح، الذي يمد يديه ليبارك، والذي ترفع هيباتيا يدها إليه في ضراعة ولكن قبل أن تنطق بكلمة ينقض عليها بطرس الشماس، وكأنه يقول أنها لجأت للمسيح لكن الشماس لم يعطها هذه الفرصة!! وهنا يصور الراهب فليمون وهو يرفع عينيه إلى صورة المسيح وهو يخيل إليه أن دمعتين كبيرتين تتدحرجان على وجهه الصامت، رافضا لهذه الأعمال التي تتنافى مع حبه ومع ما تجسد من أجله ومع تعليمه السامي ومحبته غير المحدودة، وفوق الصورة كتبت باللغة القبطية "أنا هو أمسًا واليوم وإلى الأبد". ويردد الراهب: "إذا أنت هو يا سيدي؟ أنت الحب الرحيم الذي غفرت لقاتليك. وطلبت الرحمة لمعذبيك؟ أنت الذي ناديت بالمحبة، والتسامح؟ أنت هو هو مسيح الجبل، الذي ألقيت من منبره تعاليم الرحمة والحب؟ إذا ماذا يفعل أتباعك في بيتك، وعلى مذبحك وتحت أنظارك؟!". أنه يقدم صرخة لما يمكن أن يفعله بعض الذين تسموا باسم المسيح دون أن يعرفوا عن تعليمه شيئًا!! ويظهر بن عزرا اليهودي الذي آمن بالمسيح فيطلب من الراهب أن يأخذ شقيقته ويذهب بها إلى الصحراء لينجو من هذا العالم. وعلى عكس د. زيدان فقد لام كنجزلي رجال الدين الذين لم يطبقوا تعاليم المسيح السامية بل فعلوا بعكسها باسم المسيح مما تسبب في العثرات، ولام على قادة المسيحية بسبب الانشقاق الذي عطل انتشار إنجيل المسيح فيقول على لسان الراهب فليمون "أن على الكنيسة وحدها تقع مسئولية كل انشقاق، لأنها لو كانت مستيقظة يوما واحدا لكسبت العالم كله قبل غروب الشمس"!! وهذا قول حق فلو لم ينشغل العالم المسيحي بمواجهة الهرطقات والحروب الداخلية لكانوا قد حولوا العالم كله إلى أتباع للمسيح. وكما قدم لنا كنجزلي صورة سلبية لتدخل بعض رجال الدين في الأمور العالمية، فقد قدم لنا إلى جانب الراهب فليمون وأخته بيلاجيا التائبة القديسة وأبن عزرا اليهودي الذي قادته الفلسفة للتخلي عن مقتنيات العالم وقاده الإيمان البسيط للإيمان بلاهوت المسيح وسما في التعليم بمنطق العقل والفلسفة والإيمان! إلى جانب الفتاة المسيحية البسيطة التي حول سلوكها المسيحي البسيط الفيلسوف اليهودي المتأثر بالفلسفة اليونانية المصرية إلى الإيمان، والعبدة الزنجية المسيحية ذات الإيمان البسيط والمتزوجة من بواب مدرسة هيباتيا الوثني الذي يتركها على إيمانها المسيحي الذي تمسكت به. فقد هاجم كنجزلي سلبيات المسيحيين وأمتدح تعاليم المسيحية، بمفهوم القول المنسوب لغاندي "أحب المسيحية وأكره المسيحيين". قدم المسيحية السامية ورفض سلوكيات بعض المسيحيين المضادة لتعاليم المسيح السامية، قدم الإيجابيات إلى جانب السلبيات، صور بعض رجال الدين الذين دخلوا في صراع يسيء لصورة المسيح وتعاليمه، كما قدم سمو المسيحية وعظمة تعاليمها، قدم سمو وعظمة المسيح الذي هو الله المتجسد في صور الإنسان الكامل، ولم يسيء للإيمان المسيحي ولا لعظمة المسيحية ولم يخلط بين تعاليمها وعقائدها وبين سلوكيات بعض المؤمنين بها. وهذه عظمة الكاتب المحايد المبدع على أساس راقي. وهذا عكس د. زيدان الذي تخلى عن كل حياد وانساق وراء أفكاره ونظرياته التي بنيت أصلا على ما نشا عليه من أفكار مضادة للمسيحية وما تأثر به من ملحدي الغرب وراح يدعم أفكاره بأفكار ملحدين ينطبق على فكرهم القول: "إذا كان الله قد مات فلا جريمة"، أو "إذ لم يكن الله موجودا فكل شيء مباح من اصغر الشرور حتى أكبر الجرائم"!! فقد بدأ د. زيدان من السطر الأول مهاجما للمسيحية وعقائدها ومتهما لها بالتأثر بالديانات الوثنية وأخذ أفكارها وعقائدها من الوثنية، مرددًا لأفكار الملحدين الملفقة!! والتي سنرد عليه في أحد كتبنا القادمة بنعمة المسيح. وقد وضع المسيحيين المستقيمي الرأي، مسيحي الكنيسة الجامعة الرسولية، وأصحاب الإيمان المسلم من المسيح لرسله والذي سلمه رسله لجماعة المؤمنين، أي الكنيسة، جميعا، عامة ورجال دين في صورة القتلة والوحوش، أو بلغة الأدب أشرار الرواية!! وقدم الهراطقة الذين تركوا التسليم الرسولي وتبنوا أفكارا هي ابعد ما تكون عن التسليم الرسولي والوحي الإلهي وانساقوا وراء أفكار لا صلة لها لا بالتسليم ولا بالوحي!! وجعل منهم عنصر الخير في الرواية مقابل الشر المتمثل بالكنيسة ورجالها متأثرا بما فعله كتاب الوثنية الحديثة من أمثال لي بيكنت وهنري لنكولن ودان بروان وغيرهم الذين كتبوا العديد من الكتب ذات الصبغة الإلحادية التي بنيت على احتمالات وفرضيات وهمية لا علاقة لها بالواقع أو التاريخ!! بل ووضع نظرية اسماها باللاهوت العربي وحاول فرضها وكأنها الحقيقة!! ونسي أن الإيمان بالإلهيات مبني على الإعلان والوحي الإلهي وليس على نظريات!! وقال كلامًا يبدو في ظاهره أنه الحق ولكن في جوهره باطل وهو أن الهراطقة يؤمنون أيضا أنهم على صواب!! ونقول له ولأمثاله؛ هذه فرية فالهراطقة مجرد أفراد خرجوا من أجماع يحتفظ بتسليم رسولي، كما أن عبدة الشيطان يعتقدون أنهم على صواب وكذلك الملحدين وكل أصحاب ملة ودين، فهل يجرؤ د. زيدان أن يقول أن الزنادقة في الإسلام كانوا على صواب وبقية جمهور المسلمين على باطل؟! أو أنهم كانوا هم الأخيار وبقية جموع المسلمين الذين رفضوهم ورفضوا فكرهم أنهم الأشرار؟!! يا دكتور أتق الله وأحترم عقائد الآخرين. أنت أخذت فكرة روايتك من رواية المؤرخ تشارلز كنجزلي ولكنك لم تكن محايدا مثله فقد وظفتها للهجوم على المسيحية وفرض نظريتك المرفوضة عن اللاهوت العربي الذي لم ولن يكن له وجودا ففكر الهراطقة ليس هو نتاج لاهوت عربي بل هو نتاج تأملات شخصية مصبوغة بفلسفات وضعية بالدرجة الأولى!! |
||||
03 - 05 - 2014, 05:57 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب رواية عزازيل: هل هي جهل بالتاريخ أم تزوير للتاريخ؟
رواية عزازيل، هل هي إبداع فني أم ازدراء للمسيحية؟ زعم الكاتب في كل أحاديثه الصحفية والتلفزيونية أن كل ما جاء في الرواية هو حقيقي، سواء الأحداث والوقائع أو الشخصيات باستثناء شخصية البطل هيبا التي رسمها من خياله!؟ فهل هذا صحيح؟ والإجابة كلا! فهذا حق وقد قصد به باطل! فالشخصيات التاريخية مثل نسطور والبابا كيرلس عمود الدين وآريوس وبولس السموساطي والفيلسوفة الإسكندرية هيباتيا (هايبيشيا)، والمواقع التي جرت فيها الأحداث مثل الإسكندرية والقسطنطينية وأُورشليم القدس وإنطاكية والرها وغيرها، والتواريخ المذكورة كلها، مثل تاريخ انعقاد مجمع أفسس، صحيحة، ولكن ما قيل على لسان أبطال الرواية في معظمه غير صحيح بل ومنسوب لهذه الشخصيات فقط ليخدم رؤية الكاتب وما يريد أن يوصله للقراء! لقد فرض الكاتب هنا رؤيته الخاصة، رؤيته هو، على هذا التاريخ ووضع أفكاره الخاصة وما يريد أن يقوله للقراء على لسان هذه الشخصيات، فهو لم ينقل نصوصًا عنهم، بل وضع أفكاره هو على لسانهم، مثله مثل جميع المزورين والملفقين في التاريخ الذين نسبوا أقوالًا وكتبًا لأناس لم يكتبوها ولم يعرفوها! وهنا يتحمس البعض من الذين لا يمسهم ما جاء في الرواية بشيء، بل والتي جاءت على هواهم ويقولون لنا أن هذا إبداع فني والإبداع حر يكتب كما يشاء! والكاتب لم يقل شيئًا بل أبطال الرواية هم الذين تكلموا وقالوا! ونقول لهم، برغم ما أفصحوا به من تهجم وأكاذيب ضد المسيحية؛ هل الإبداع الفني يشوه الحقيقة ويزيف التاريخ؟! وهل أبطال الرواية من كوكب آخر يتكلمون عما لم نعلمه أو عن أحداث حدثت في كوكب آخر؟ أم أنهم من عالمنا ويتكلمون عن أحداث حدثت بالفعل ولكن الكاتب يزور الحقائق على لسانهم؟ هل هم أشخاص حية من لحم ودم تدرك ما تقول أم أنهم شخصيات روائية مستوحاة من شخصيات عاشت بالفعل ووقائع وقعت بالفعل وقد وضع المؤلف أفكاره الخاصة، التي لا صلة لها بما حدث فعلًا وما قيل، على لسانهم؟! لا تضحكوا علينا وعلى أنفسكم فالرواية من تأليف الكاتب، والأشخاص حتى وأن كانوا قد وجدوا في التاريخ حقيقة لكنه لم يبحث في كتب التاريخ المعاصر لهذه الأحداث وهذه الشخصيات وينقل كلامهم كما هو موثق! وبطل الرواية هيبا هو من إبداعه وتأليفه هو وما وضعه على لسانه هو فكره وخياله! أن كل ما جاء في الرواية يعبر عن فكر الكاتب نفسه ورؤيته التي وضعها على لسان أبطال الرواية! ومن هنا يحق لنا أن نناقشه ونرد على ما كتب ونوضح الحقائق للجميع ونكشف ما لفقه وفرضه على التاريخ وما زيفه وصوره للقارئ على أنه حقائق، وهي أبعد بعيدة تمامًا عن الحقيقة بعد المشرق عن المغرب. كما نسأل أيضًا: ما هو الإبداع الفني؟ وما هي غايته؟ ونقول باختصار الإبداع يهدف في أصله إلى الخير والحب والجمال، من خلال تأليف عمل أدبي متُخيل، مبني على خيال الكاتب وإبداعه، وقد يكون مبنيًا على بعض الحقائق أو مبنيًا على الخيال المحض، أو يريد عمل إسقاط من الماضي إلى الحاضر، أي يتخذ من أحداث الماضي عبرة للحاضر أو للمستقبل، أو يحول العمل الأدبي لأداة أو وسيلة لوضع فكر خاص بالمبدع بحيث يفرض رؤيته الخاصة سواء الدينية أو الفلسفية أو السياسية ويقدمها كتاريخ حقيقي من خلال استخدام أحداث الماضي ورواياته! والتي يريد أن يسربها إلى فكر وعقل القارئ من خلال السرد الروائي المتخيل، فتصل إلى القارئ المثقف والبسيط بصورة سهلة وسلسة تجعله يعيشها وكأنها الحقيقة نفسها. فالكاتب أو المبدع الذي يكتب في التاريخ لا يفصل بين الرواية والتاريخ بل يقدم التاريخ كرواية، وهنا نفحص عمل هذا الكاتب هل قدم لنا التاريخ كوقائع ولكن في شكل روائي أم أنه قام بفرض رؤيته الخاصة على التاريخ؟! أم أنه مزج بين المنهجين فقدم التاريخ كوقائع وفرض على هذه الوقائع رؤيته الخاصة؟ أو بمعني أدق جعل السرد التاريخي يتكلم بفكره ولسانه هو ويعبر عن معتقداته الخاصة ورؤيته الخاصة التي يريد أن يقدمها للناس وكأنها تاريخ حقيقي؟! ولدينا مثال لذلك وهو العمل الإبداعي الخاص بمسلسل هارون الرشيد والذي عرض في التلفزيون من عدة سنوات في شهر رمضان وفي توقيت يمثل ذروة المشاهدة في هذا الشهر، وكان هدف هذا العمل تغيير صورة هارون الرشيد الذي كان الناس يتندرون بوصفه بالرجل الذي تحيط به النساء التي مثل الحور في الجنة وحوله الحدائق الغناء ويقضي وقته في اللهو وشرب الخمر، فقدمه العمل في صورة رجل صالح أقرب إلى أولياء الله وفي المقابل قدم الكاتب أشخاصًا من اليهود الغربيين يحيكون مؤامرة هدفها تشويه صورة هذا الرجل الأقرب للأولياء، في كتب التاريخ، وتصويره بهذه الصورة التي ذكرناها أعلاه حتى يشوهوا صورته في التاريخ، وقد نجح الكاتب في هدفه وتحولت صورة الرجل في نظر الناس إلى النقيض ولم نعد نسمع أحدًا يتكلم عن هارون الرشيد إلا كرجل صالح واختفت الصورة التي كانت شائعة عنه! وبعد ذلك وجدنا بعض الذين اشتركوا في هذا العمل يقولون في الأحاديث الصحفية والتلفزيونية: لقد رددنا على من أساءوا لصورة هذا الرجل وأفحمناهم! وهنا كان هدف كاتب المسلسل ومن اشتركوا معه في هذا العمل هو الرد على من قالوا أنهم شوهوا صورة الرجل. فلم يكن هذا المسلسل سردا تاريخيا بل عملًا إبداعيًا له هدفه والهدف هو مسح الصورة التي كانت لدى الناس وتقديم رؤية الكاتب عن هذه الشخصية. وقد قدمه المسلسل وشاهده الناس واقتنعوا برؤية الكاتب التي قدمها لهم من خلال المشاهد التي شاهدوها وتكونت لديهم صورة مختلفة تماما عن الصورة التي كانوا قد ألفوها! فالقارئ أو المشاهد، العادي، يقرأ أو يتفرج على العمل دون أن يبحث في المراجع المعنية ليعرف صحة ما قرأه أو شاهده، فقط يأخذ ما قرأه أو شاهده كحقيقة مسلم بها! وهذا ما شاهدناه وتأكدنا منه في الكثير من الأعمال من أمثال رواية شفرة دافنشي أو الفيلم الوثائقي الملفق سايتجاست (إنسان العصر) وغيرهما وهي تصور لقرائها ومشاهديها أنها تقدم لهم الحقيقة الموثقة، مع أنها لم تقدم سوى تلفيق وفبركات وتزييف في صورة شيقة أقتنع بها البعض، على حساب الحقيقة، حتى ولو إلى حين! وهذا ما وجدناه في كتاب آيات شيطانية للكاتب البريطاني الجنسية والذي كان مسلما وترك الإسلام، والذي فرض رؤيته الخاصة عن نبي المسلمين وقدمها في إطار روائي جعل الدنيا تنقلب رأسا على عقب! وهو نفس ما قدمه كتاب الغنوسية الحديثة أو الوثنية الحديثة في الغرب والتي جمع أفكارهم التي اتخذت صورة أبحاث الكاتب الأمريكي داون براون في روايته الشهيرة شفرة دافنشي والذي قال عن ديانته عندما سُئل عنها في موقعه الشخصي على الانترنت وقيل له[36]: "هل أنت مسيحي؟". أجاب مراوغًا: "ربما ليس بالمعنى التقليدي للكلمة... أنا اعتبر نفسي دارسًا لأديان كثيرة، وكلما تعلمت كثيرًا كان لدي أسئلة أكثر، وبالنسبة لي فالبحث الروحي سيكون عملًا متقدمًا طويل العمر". كما وصف الأديان جميعًا، بما فيها اليهودية والمسيحية والإسلام، بالكذب والتلفيق (الفبركة)، فقال في الفصل الثاني والثمانين من كتابه "شفرة دافنشي": "كل دين في العالم مبني على تلفيق (فبركة - fabrication). هذا هو تعريف الإيمان – قبول لما نتخيل أنه حقيقي, والذي لا يمكن أن نبرهن عليه، كل دين من الأديان يصف الله من خلال الرموز والصور والمبالغات من قدماء المصريين وحتى مدارس الأحد الحديثة. فالرموز هي احدي الطرق التي تساعد عقولنا على استيعاب ما لا يمكن فهمه, وتنشأ المشاكل عندما نبدأ بالإيمان فعليًا بالرموز التي وضعناها نحن بأنفسنا". "هؤلاء الذين يفهمون حقًا إيمانهم يفهمون القصص بشكل مجازي... الرمزية الدينية أصبحت جزءًا من الحقيقة الملفقة. والعيش في هذه الحقيقة يساعد الملايين من الناس على حل مشكلاتها وبطريقة أفضل". "أن الإنجيل يمثل قانونًا أساسيًا يسير على نهجه ملايين البشر في الكرة الأرضية, والحال نفسه في القرآن والتوراة وكتاب الهند القديمة, فهي تهدي الناس الذين يتبعون الأديان الأخرى, وإذا قمنا, أنا وأنت, بالكشف عن وثائق تناقض قصصًا مقدسة رويت في الديانة الإسلامية واليهودية والبوذية والوثنية, فهل نفعل ذلك؟ هل نعلن الحرب على البوذيين ونقول لهم أن بوذا لم يأت في الحقيقة من زهرة لوتس؟ أو أن المسيح لم يولد من أم عذراء فعلًا؟ أن أولئك الذين يفهمون دينهم حقًا, يعرفون أن كل تلك الروايات هي روايات رمزية". وقد بنى روايته على فكرة وثنية، تبناها بعض كُتّاب الغرب في السنوات الأخيرة من القرن العشرين[37]، وهي أن المسيح مجرد أسطورة وغايتها عبادة الأنثى المقدسة وممارسة طقوسها الجنسية الداعرة ورفضت ما يعرف بالديانات التوحيدية الثلاث؛ اليهودية والمسيحية والإسلام، التي تؤمن بالله الواحد، وقامت على أساطير وخرافات وخيال شعبي من التاريخ الغربي لأوربا في العصور الوسطى، وعلى خيال مجموعة من الكتاب التي تبنت ما يسمى بالغنوسيةالحديثة التي تمزج الأساطير التي امتلأ بها فكر كتاب العصور الوسطى في الغرب وبين الوثنية التي تعبد آلهة عديدة، مركزة على عبادة الأنثى المقدسة بطقوسها الداعرة، وحاول إيجاد سند لهذه العبادة الوثنية في الأساطير المسيحية فأخذ من الأساطير الكثيرة التي نسجت حول شخصية مريم المجدلية التي كانت قريبة من مريم العذراء وتلميذة المسيح المتقدمة والمحبة نموذجا لهذه الشخصية فوضعها على رأس تلاميذ المسيح ورسله وأختلق أسطورة زواج المسيح بها وإنجابهما لنسل مقدس! ومن أجل ذلك خلط بين الخرافة والأساطير والرموز والألغاز التي سادت أوربا المسيحية في القرون الوسطى، وتجاهل الكتاب المقدس، بعهديه، القديم والجديد، وما كتبه وآمن به آباء الكنيسة في القرون الأولى للمسيحية من عقائد وطقوس وترك التاريخ الموثق ولجأ للخرافة والأسطورة والخيال الشعبي، ترك مسيح التاريخ والكتاب المقدس وراح يخلق لنفسه مسيحًا آخر لم يكن له وجود على الإطلاق، مسيح من الأسطورة والخرافة والخيال، ترك وقائع التاريخ وتبنى فكر أسطوري خيالي خرافي ملفق يتلاءم مع فكره الوثني المنادي بعبادة الأنثى المقدسة وطقوسها الجنسية الداعرة. وهنا فعل د. زيدان نفس الشيء واستخدم نفس الحيلة فقدم الوقائع التاريخية في أطار روائي وأعاد قراءة التاريخ من وجهة نظره الخاصة!فقدم رؤيته الخاصة على وقائع التاريخ وفرض أفكاره الخاصة على التاريخ، أو بمعني أدق قدم التاريخ كما يتصوره أو كما يريده أن يكون! فهو في الأساس غير متخصص في الرواية وليس كاتبًا روائيًا محترفًا مثل نجيب محفوظ أو يوسف إدريس أو أسامة أنور عكاشة بل هو متخصص في التراث العربي والمخطوطات، وأستاذ الفلسفة الإسلامية بحسب ما يقول موقعه على النت وما يقوله ناشر روايته "عزازيل"، وبالرغم من أنه أستاذ للفلسفة الإسلامية لكن يتضح من أسلوبه، كما سنرى، أنه علماني أكثر من كونه إسلامي متشدد، لذا لا يمكن أن نحسبه على المتشددين المسلمين بل يتضح فيما قاله في حوارنا على قناة دريم أن نظرته للتاريخ الإسلامي، لا تختلف كثيرا عما صوره في روايته هذه عن فترة القديس كيرلس عمود الدين. |
||||
03 - 05 - 2014, 05:58 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب رواية عزازيل: هل هي جهل بالتاريخ أم تزوير للتاريخ؟
بعض الجهلاء بالتاريخ الذي أعجبوا بالرواية |
||||
03 - 05 - 2014, 06:00 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب رواية عزازيل: هل هي جهل بالتاريخ أم تزوير للتاريخ؟
فرض الكتاب رؤيته الخاصة على التاريخ من وحي الخيال وعندما نعود لدراستنا لرواية عزازيل نجد أن الكاتب فرض رؤيته الخاصة على التاريخ، وكتب روايته، وهو في الأصل ليس كاتبا روائيا، ليقدم من خلالها ما يريد أن يقوله للناس عن المسيحية، ففرض رؤيته على الأحداث وأختلق الوقائع التي تتفق مع فكره، أو كما يقولون ركب التاريخ وسار به في الاتجاه الذي يريده، بدأ برؤية سابقة على الرواية وقد كتب الرواية من أجلها! ولذا استغل فترة محددة من تاريخ المسيحية كانت تتسم بالصراع بين المسيحيين والوثنيين من جهة، والمسيحيين واليهود من جهة أخرى، كما كانت تتسم بصراع طائفي بين الطوائف المسيحية نفسها، بين الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة الرسولية ممثلة في كنيسة الإسكندرية وبطريركها العظيم القديس كيرلس عامود الدين، الذي واجه كل ذلك، وبين الهراطقة الذين كانوا أطيافًا متعددة من نوفاتيين وأوريجانيين وبقايا الآريوسيينوغيرهم، كما واجه النسطوريةالتي شغلت الكنيسة في الشرق سنوات عديدة، وصور موقف الكنيسة الأرثوذكسية من كل هؤلاء بالتشدد والقسوة مع خصومها، وصور بطريركها بالمتغطرس الجبار القاسي القلب دون أن يراعي الظرف التاريخي والحضارية والظروف التي وجد فيها كبطريرك في زمنها، مع أن هذه هي ابسط الأمور التي يجب أن يعرفها ويدرسها الباحث الجاد، ولكنه تجاهل الظرف التاريخي والحضاري وطبيعة العصر الذي وجد فيه هذا البطريرك والظروف التي واجهها وعاش خلالها. ركز فقط على هذه الفترة من تاريخ المسيحية وتجاهل بقية تاريخ المسيحية الذي عاني فيه المسيحيين من اضطهادات بدأت من رجم استيفانوس في السنوات الأولى للمسيحية وتشتت المسيحيون خارج أُورشليم واليهودية والاضطهاد الروماني البشع على يد نيرون وبقية أباطرة الرومان من هادريان وحتى عصر دقلديانوس الذي استشهد فيه عشرات الألوف من المسيحيين، حتى أعلن الإمبراطور قسطنطين منشور التسامح الديني سنة 313م، ثم استجد الاضطهاد من جديد بعد مجمع نيقية بسبع سنوات أي سنة 332م واستمر حوالي تسعة وأربعين سنة، بعد تحول الإمبراطور قسطنطين إلى مناصرة الآريوسية، وبعد مجمع خليقدونية سنة 445م عانت المسيحية في مصر اضطهادًا قاسيًا على يد الرومان من جديد بعد أن حاولوا فرض قوانين مجمع خلقيدونية وبطريركا خلقيدونيا بالقوة، وكذلك فترة الغزو العربي التي استشهد فيها مئات الألوف من المسيحيين على يد الفاتح الجديد حتى استتب له حكم مصر. وبرغم أن المسيحية في مصر عاشت بعض الفترات القليلة من الهدوء في الفترة من القرن السابع وحتى الآن إلا أن تقلب الولاة وعامة الشعب من غير المسيحيين جعل الاضطهاد يتكرر عشرات المرات وابلغ دليل على ذلك هو عدم وجود أية كنيسة أثرية واحدة في الإسكندرية، بل وفي مصر كلها، ترجع لما قبل حوالي 120 سنة إلا في مصر القديمة فقط! وبقية الكنائس المعروفة بالأثرية هدمت مرات عديدة وأعيد بناؤها مرات. تجاهل د. يوسف زيدان، ومن شايعوه، كل ذلك وركزوا على فترة واحدة من تاريخ المسيحية في الإسكندرية، هي الفترة التي زاد فيها عدد المسيحيين عن عدد اليهود والوثنيين معًا وصاروا الأكثرية للمرة الأولى في تاريخ مصر، والتي كانت فيها الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية هي المسيحية، واستغلال اليهود الذين كانوا موجودين في الإسكندرية للخلاف الذي كان قائما بين الوالي الروماني أورستُس والبابا كيرلس عمود الدين، وقتلهم لكم كبير من المسيحيين ومحاولتهم السيادة على الإسكندرية، ورفض المسيحيين لذلك، وفرض د. زيدان أفكاره عليها وتجاهل الظرف التاريخي تمامًا، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.كما تجاهل الظرف التاريخي نفسه وطبيعة تلك العصور، في القرن الخامس الميلادي، ونظرة المؤمنين المسيحيين لأصحاب الديانات الوضعية، ووصفهم بالوثنيين، هذه النظرة التي كانت وما تزال قاسية جدا عند ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي، والتي وصف فيها غير المؤمنين بالإسلام بالكفار، وما تزال هذه النظرة حتى اليوم عند المتشددين، وابلغ دليل على ذلك هو العبارة التي تستخدم في الحروب التي يكون المتشددين طرفا فيها ورفعهم اللافتة التي تقول: "قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار!". ومع ذلك يطالب د. زيدان مسيحي القرن الخامس بتطبيق بيان حقوق الإنسان الصادر في القرن العشرين! لقد عانى المسيحيون من أضطهادات مريرة وهم يمثلون مجرد أقلية ضئيلة في بحر من الوثنية، فهل يتصور د. زيدان أنهم يقبلون ذلك وهم يمثلون الأكثرية؟! أنهم لا يطلبون أكثر من المساواة في الحقوق والواجبات، سواء كانوا أقلية أم أكثرية. |
||||
|