تتفق الأناجيل الثلاثة الأولى مع الإنجيل للقديس يوحنا في عدم ذكر أحداث الثلاثين سنة الأولى من حياة السيد المسيح، وذلك باستثناء تسجيل القديس متى والقديس لوقا لأحداث ميلاد يوحنا المعمدان وميلاد السيد المسيح ورحلة الهروب إلى مصر ووجود السيد المسيح في الهيكل في سن الثانية عشر. وكان ذلك هو الخط العام لكرازة الرسل حتى قبل حلول الروح القدس؛ فقد اختاروا متياس على أساس أنه أحد الذين اجتمعوا مع التلاميذ "منذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذي ارتفع فيه (الرب).." (3)، ودون القديس لوقا "ما ابتدأ يسوع يفعلهُ ويعلّم به اليوم الذي ارتفع فيه" (4) وبدأ كل من القديسين متى ومرقس ويوحنا بمعمودية يوحنا وانتهوا بالصعود، وإن كان القديس متى قد رجع إلى الوراء وسجل بعض أحداث الميلاد وسلسلة نسب المسيح من جهة يوسف النجار (والده الذي تجسد في ملء الزمان، لم يركز على ميلاده بالجسد من العذراء ولكنه ركز على وجوده الأزلي قبل الأزمان واتخاذه جسدًا وحلوله بين البشر، كما سجل القديس لوقا سلسلة نسب السيد المسيح من جهة أمه مريم العذراء -ابنه هالي (5)- كسليلة داود وإبراهيم ورجع بنسبه إلى الوراء إلى آدم باعتباره "نسل المرأة الذي يسحق رأس الحية" (6). وقد ركز كل من القديس متى والقديس لوقا على كون المسيح الوريث الشرعي لعرش داود سواء من جهة يوسف النجار سليل داود أو من جهة هالي جده لأمه، مريم العذراء، وسليل داود.
وقد ركزت الأناجيل الثلاثة الأولى على بداية الإنجيل والكرازة بعمل يوحنا المعمدان ودوره في إعداد الطريق للمسيح الآتي واتفقوا في تفصيل الأحداث وتسجيل الكلمات والنبوات بصورة جوهرية وفى أقسام متوازية (7)، بينما ركز الإنجيل الرابع على شهادة يوحنا المعمدان للمسيح باعتباره الأزلي "لأنه كان قبلي" و"ابن الله" و"حمل الله الذي يرفع خطية العالم" و"نزل الروح القدس عليه" مع إشارته للمعمودية كشيء معروف (8). كما اتفقت الأناجيل الأربعة في جوهر معجزة إشباع الجموع بخمسة أرغفة وسمكتين (9) ومشى المسيح على الماء (10) والعشاء الرباني وأحداث القبض على السيد المسيح ومحاكمته وصلبه وقيامته وظهوره بعد القيامة. ولكن القديس يوحنا أشار إلى العشاء الرباني كشيء معروف وسجل ما لم يسجل في الأناجيل الثلاثة الأولى كغسل أرجل التلاميذ واتكاء يوحنا على صدره وقت العشاء ووجود الصندوق مع يهوذا وطلب بطرس من يوحنا سؤال السيد عن التلميذ الخائن وإشارة السيد إلى يهوذا (11)، ثم يسجل حديث الرب الطويل بعد العشاء الرباني (12) وصلاته الشفاعية لأجل تلاميذه والكنيسة (13) وتراجع الجموع أمامه عند القبض عليه (14) وسؤال قيافا له عن تعليمه ولطم أحد الخدم له (15) وإشارة رؤساء اليهود بأنه لا يجوز لهم قتل أحد (16)، وسؤال بيلاطس له عن ملكوته (17)، ومحاولة بيلاطس تبرئته وإصرار اليهود على صلبه (18)، وذكره لحادث اقتسام ثيابه بتفصيل أكثر من الأناجيل الثلاثة الأولى (19)، وكذلك تفصيل ما دار حول عبارة "ملك اليهود" التي وضعت على صليبه (20)، وتسليم السيد لأمه مريم العذراء ليوحنا "التلميذ الذي كان يحبه"ليأخذها إلى خاصته (21)، وكسر سيقان المصلوبين مع السيد وطعن جنبه بحربة (22)، وذهاب بطرس ويوحنا إلى القبر الفارغ بعد أن أبلغتهما مريم المجدلية بذلك (23)، وظهور الرب للمجدلية وحدها عند القبر حيث ظنت أنه البستاني (24)، وشك توما في قيامة الرب وإصراره على عدم الإيمان قبل أن يرى الرب ويتأكد بنفسه ثم ظهور الرب للتلاميذ ومعهم توما والحديث الذي دار بين الرب وتوما (25)،وذهاب سبعة من التلاميذ للصيد وظهور الرب لهم وصيد السمك الكثير والحديث الذي دار بين الرب وبطرس والإشارة لبقاء يوحنا لعمر طويل (26).