رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المكابيين الثاني 14 - تفسير سفر المكابيين الثاني المواجهات مع نكانور ما تزال وشايات رؤساء الكهنة غير الشرعيين ومؤامرتهم مستمرة، ومازال الشعب المسكين يعاني من نتائجها، فقد أثار ألكيمس - رئيس الكهنة المُبعد - ديمتريوس الثاني ضد شعبه وقادته، مبتغيًا من وراء ذلك إعادته إلي منصبه، وقد جرت مواجهات دامية ما بين السلوقيين واليهود نتيجة لذلك، وحتي عندما مال نكانور (القائد الذي عينه ديمتريوس للقصاص من اليهود) إلي مصادقة اليهود، عاد ألكيمس ليثير نار الفتنة بين الطرفين، مما أسفر عن إعلان نكانور الحرب علي اليهود ولكنه قُتل ومُثل بجثته.ويضم الأصحاح أيضًا قصة بطولة إيمانية رائعة لواحد من أتقياء اليهود، تُعزي مطالع السفر عما اقترفه ألكيمس. وشاية الكيمس 1 وبعد مدة ثلاث سنوات، بلغ أصحاب يهوذا أن ديمتريوس بن سلوقس قد نزل في مرفا طرابلس بجيش جرار وأسطول، 2أوأستولي علي البلاد وقتل أنطيوخس وليسياس وصيه.3 وإن أحدا يدعي ألكيمس الذي كان قد قلد الكهنوت الأعظم، ثم تنجس عمجًا أيام التمرد، أيقن أن لا خلاص له البتة ولا سبيل إلي أرتقاء المذبح المقدس.4فقصد ديمتريوس الملك في السنة المئة والحادية والخمسين، وأهدي إليه إكليلًا من ذهب وسعفة وأهدي إليه، بالإضافة إلي ذلك، أغصان زيتون جرت العادة بأن تقدم للهيكل، وبقي في ذلك اليوم ساكتًا. 5 وسأله عن أحوال اليهود ومقاصدهم. فقال: 6 "إن الحسيديين من اليهود، الذي يقودهم يهوذا المكابي، يلقمون نار الحرب والفتنة، ولا يدعون للمملكة راحة. 7 فبعد أن جردت من منصبي الموروث، أي من الكهنوت الأعظم، قدمت إلي هنا 8 أولا لأهتمامي الصادق بمصلحة الملك، وثانيًا سعيًا مني لخير قومي، لأن رعونة أولئك الذين عنيتهم قد أنزل بأمتنا جميعها مصيبة غير صغيرة.9 فإذا أطلعت، أيها الملك، علي كل من هذه الشكاوي، تنازل وارع شئون بلادنا وأمتنا المهددة من كل جهة، بما فيك من الإنسانية والإحسان إلي الجميع، 10ولما أتم كلامه، اسرع سائر أصدقاء الملك، وهم أعداء ليهوذا، إلي استفزاز ديمتريوس. 12 فأختار من ساعته نكاتور، وكان قد أصبح مروض الأفيال، وأقامه قائدًا علي اليهودية وأرسله.13وأمره أن يقتل يهوذا ويبدد أصحابه ويقيم ألكيمس عظيم كهنة للهيكل الكبير. 14 وأخذ الوثنيون الذين في اليهودية، والذين فروا عن يهوذا، ينضمون أفواجًا إلي نكانور، ظنًا منهم أن نكبات اليهود وبلاياهم ستنقلب إلي خير أنفسهم. إلي أحد المواني في طرابلس وصل ديمتريوس الأول علي متن سفينة شراعية عادية ساعيًا إلي استرداد العرش، وذلك في ربيع سنة 161 ق.م.(سنة 149 سلوقية) وقد كان ديمتريوس هذا ويلقب "سوتير" في روما كرهينة محل أخيه أنطيوخس الرابع أبيفانيوس، غير أنه استطاع الهرب من هناك بمعاونة بوليبيوس المؤرخ والذي روي هذه الواقعة.(1) وعندما نزل ديمتريوس في طرابلس كان بصحبته عدد يسير من الجنود (وكانت وقتئذ تقع علي مسافة ثلاثة كيلومترات من طرابلس الحالية)، غير أنه استطاع هناك جمع الكثير من الجيوش المستاءة من حكم أنطيوخس الخامس وليسياس وصيه وهو مايفسر لنا كثرة الجيوش هنا مقارنة بما ورد في (ا مكا 7)، ومن ثم اتجه إلي أنطاكية حيث افتتحها وقتل اثنيهما وملك مكانهما، راجع العليق علي ذلك في (1 مكا 7: 1- 4)هذه هي الأخبار التي بلغت يهوذا المكابي، ومن ثم بدأ القادة اليهود في أنتظار ما عسي أن تتمخض عنه تلك الاضطرابات السياسية. أما ألكيمس والذي تدنس عمدًا (آية 3) بمعني أنه أعتنق الحضارة الهيلينية بمحض ارادته خلال المدة التي فرضت فيها الثقافة الهيلينية بامر أنطيوخس أبيفانيوس، أو حسبما يري البعض أنه تجرأ علي الخدمة في الهيكل وهو غير طاهر، وأما التمرد: فُيقصد به أيام تمرد المحافظين من اليهود ورفضهم التعامل مع الطقوس الوثنية (آية38) راجع (1مكا1: 53و 2: 33 و2مكا 5: 7).ما أن سمع ألكيمس هذا بالانقلاب الذي جري في أنطاكية حتى بادر إلي هناك عله يجني بعض الثمار، أهمها اعادته إلي وظيفته، وقد نجح في مسعاه.! يبدو أن ألكيمس قد لاقي بعض المعارضة في أثناء فترة حُكم أنطيوخس الخامس القصيرة، بسبب اعتبار اليهود عدم شرعية حكم أنطيوخس كطفل صغير، وبوفاته سقط تعيين ألكيمس وحتي إعادة تعيينه عن طريق الملك الجديد ديمتريوس، نظر غليه الحشمونيين ومعارضيه بعدم شرعيته كرئيس للكهنة، ولكن كاتب سجلات رؤساء الكهنة لم يأبه لذلك واعتبر مدة رئلسته أربعة سنوات متصلة. ومن (الأية 6) هنا وكذلك من (1مكا7: 5- 7) نلاحظ أن ألكيمس قد واحه متاعبًا من معارضيه اليهود في بدء حكم ديمتريوس الأول. هم أول من تقبل ألكيمس، ووثق بالحملة المغيرة علي المكابيين (1مكا2: 42 و 7: 13) ويُشتق اسمهم من hysd العبرية أو الأرامية والتي تعني "تقي " وقد كانوا يهودا أتقياء محاربين (1مكا2: 42) اقتنع الحسيديين في البداية بعمل متتيا الكاهن الحماسي(2) ولنهم عادوا واحتجًوا علي سياسة الأطماع السياسية والتي انتهجها المكابيين فيما بعد، ومن الحسيديين خرج الفريسيين وكذلك الأسينين سكان مغائر قمران. هدايا ألكيمس:قدم ألكيمس إلي الملك نفس نوع الهدايا التي قدمها سمعان المكابي إلي ديمتريوس الثاني(1مكا13: 37)مما يدفع إلي الاعتقاد بأنها كانت هدايا تقليدية تُقدم من رؤساء الكهنة إلي الملوك، وكانت التجان تصنع من الذهب وترصًع بالحجارة الثمينة والجواهر، وكانت إما تذكارية وإمًا لاستخدام الملك، وأما السعفة Frond فهي عبارة عن جريدة بها بعض السعفات وُيصنع الكل من الذهب، وكانت تشير إلي البهجة والخير والنصرة، إذ كان السعف وأغصان الزيتون والرمان تستخدم في الاحتفالات، وفي وقت لاحق قدم سمعان المكابي هديتين مماثلتين لديمتريوس الثاني (1مكا 13: 26- 37)، وكانت مثل هذه " السعفة" تقدم كهدايا للهياكل أيضًا، هذا وقد أضاف ألكيمس إلي هاتين الهديتين: هدية ثالثة عبارة عن أغصان زيتون، من الذهب غالبًا أيضًا. ويعني تعبير أنه بقي ذلك اليوم ساكتًا، أنه سلك بالخبث، حيث تظاهر بأنه إنًما حضر في ذلك اليوم فقط للتهنئة، وإلً لصارت الهدايا في عيني الملك مثل رشوة!!، فلما وجد الفرصة سانحة: سكب وشايته بغزارة متآمرًا علي شعبه، مؤثرًا كرامة هذا العالم علي خير شعبه وكرامته والمبادئ السامية بل وخلاص نفسه هو. وكان من حق الملك تعيين أو اقصاء من يشاء من رؤساء الكهنة وفي المقابل كان رئيس الكهنة يسعي دائمًا لتأييد الملك لاسيما إذا لم يكن علي وفاق مع اليهود أو حتى مع بعض منهم. نكانور: وهو الذي كان مسئولًا عن الفيلة (3) اقامه الملك هنا قائدًا علي اليهودية بشكل مؤقت (راجع آيه 26) لكي يؤكد خضوعها وتبعيتها للمملكة السلوقية ولكي يجرًد يهوذا من أية سلطة سياسية، وقد وجدها كل من الوثنيين واليهود المتأغرقين والمعارضين، فرصة للتحالف مع نكانور نكاية بالمكابيين، وكانت الأوامر الموجهة من الملك إليه تتضمن التخلص من قادة الثورة في أورشليم وإعادة ألكيمس إلي وظيفته. هذا وتبدأ قصة نكانور هذا من الآية 15 كتراجيديا مقسمة إلي خمسة أقسام: 1 0 الحرب في دساو: (16 - 17). 2 0 السلام مع يهوذا: (18 - 25). 3 0 وشاية ألكيمس ضده ونقضه للعهد (26 - 30). 4 0 تجبصره علي الهيكل (31 - 36). 5 0 سقوط وموت نكانور (أصحاح 15 كله). راجع التعليق علي شخصية نكانور ودوره في الأحداث المكابية في (1مكا 7: 26). ما بين ألكيمس ومتتيا الكاهن: كان متتيا الكاهن أبو المكابيين مجرد كاهن عادي ولكن تأثيره بلغ أقصي مدي في ذلك الوقت، بينما كان أليكس رئيسًا للكهنة وقد بلغ تأثيره السلبي إلي حد استعداء الوثنيين علي بلاده. كان متتيا يسعي جاهدًا علي العمل بالشريعة ورفض كافة أشكال الوثنية، بينما سعي ألكيمس في تأكيد الحضارة الهياينية وإبعاد الشعب عن التمسك بالوصايا. كان متتيا يدافع عن الحق، بينما زيف ألكيمس ذلك الحق. وبينما رفض متتيا الكرامة الزمنية واستخفف بامتياز " صديق الملك" وهي رتبة جليلة مقابل حمل الشعب علي الذبح للأوثان، سعي ألكيمس إلي مثل تلك الكرامات علي حساب الوصية والعبادة ولذلك فليس من العجيب أن يُمتدح متتيا في حين يُذم ألكيمس.(راجع 1مكا 2: 18) العلاقات بين يهوذا ونكانور: تأرجحت علاقة المكابي بـنكانور، ما بين الصداقة والمهادنة من جهة، والعداء والمواجهة من جهة أخري، حيث لعب ألكيمس رئيس الكهنة دورًا رديئلً في اشعال نار العداوة بين اثنيما، وذلك خشية أن يؤدي تحالفهما إلي حرمانه من مزاولة رئاسة الكهنوت. نكانور يصادق يهوذا (1مكا 7: 27، 28) 15ولما بلغ اليهود قدوم نكانور واعتداء الوثنيين، حثوا التراب علي رؤوسهم وابتهلوا إلي الذي أقام شعبه ليبقي للأبد والذي لم يزل يؤيد ميراثه بآيات مبينة.16ثم أمرهم القائد فرحلوا من ساعتهم من هناك، والتحم القتال بينهم عند قرية دساو.17وكان سمعان نأخو يهوذا، قد شن القتال علي نكانور ففوجئ بقدوم الأعداء، وأصيب ببعض الفشل.18ولكن، لما سمع نكانور بما أبداه أصحاب يهوذا من البأس والبسالة في دفاعهم عن الوطن، خاف أن يفصل الأمر بالدم.19فأرسل بوسيدوينوس وتاودوتس ومتتيا لمد اليمني علي رجاله نفأجمعوا كلهم علي راي واحد ووافقوا علي الاتفاقيات.21وعينوا يومًا يتلاقي فيه الرؤساء علي انفراد.وتقدمت مركبة من الجانبين وجئ بالكراسي، 22وأقام يهوذا رجالًا مسلحين متأهبين في المواضع الموافقة، مخافة أن يدهمهم الأعداء بشرنثم تفاوضوا واتفقوا.23وأقام نكانور في أورشليم لا يأتي منكرًا، لا بل أطلق الجموع التي احتشدت إليه افواجًا.24وكثيرًا ما كان يهوذا عنده، وكان قلب نكانور يميل إليه.25وحثه علي الزواج وعلي إنجاب الأولاد، فتزوج يهوذا وذاق الراحة وتنعم بالحياة. دسادًاو: جاءت في اليونانية (Δεσσαου) أو "ليساو"، وهو مكان غير معروف علي وجه الدقة، ربما كان جديد " أداسة" (Αδασσα) الوارد في 1مكا 7: 45). ظهرت بوادر المتاعب بعد الانقلاب الذي جري في أنطاكية وأسفر عن تغيير الملك، ويعود اليهود من جديد للصراخ إلي الله، وكما اعتادوا أن يصرخوا فقد اعتادوا علي الثقة في أن ينالوا المعونة من الله في كل مرة.ولكن سمعان المكابي والذي شن هجومًا مباغتًا عند دساو (أداسة) طالما رأي اليهود الخونة والوثنيون جيرانهم، بين رجال نكانور: صدُم، ولعل ذلك يفسًر لنا تعبير " أصيب ببعض الفشل!" (آية 17). نكانور يرسل سفارة للصلح: يبدو هنا وبشكل خاص كيف يفكر نكانور بتعقل وموضوعية رغبة في حقن الدماء، وأن لم تدم الهدنة بينه وبين اليهود كثيرًا، ويُقصد باعطاء اليمني والأخذ باليمني: المصالحة، كما أن عقد الصفقات هو تعبير يجئ من صفق اليد اليمني باليد اليمني...... بوسيدونيوس Posidonius: اسم إله يوناني ذُكر أنه وجه جزيرة "ديلس" إلي موقعها الحالي، بعد أن كانت طافية علي وجه المياة تائهة، كما وهبها أن يولد فيها " أبو للو"(4). تاودوس Theodotus: اسم يوناني مشتق الاسم " ثيؤدوسيوس".(5) متتيا Marthathias: ويبدو من الاسم أن الرجل هو من أصل يهودي، عمل كمستشار لنكانور.وقد نجح الثلاثة في مهمتهم حيث مهدوا للقاء القائدين (علي غرار ما يحدث الآن حين يقوم وزراء الخارجية بالتحضير للقاء رؤساؤهم فيما يسمي الآن اصطلاحًا:لقاء القمة) غير أنه ونظرًا لوجود الشك والتحًفز، فقد احتاط كل من الطرفين بوضع قوات علي مقربة من مكان الاجتماع، بحيث تكون علي أهبة الاستعداد وهكذا أبرم الاتفاق.(6) لفتة إنسانية وجدانية (آية 23 - 25): هذه الآيات منعمة بالحياة وهي ذات بعد وجداني اجتماعي، وتُعد من اللفتات القليلة في السفر التي تتناول مثل هذا الجانب، لاسيما وسط أحاديث وأخبار متلاحقة عن الحروب والهزائم والدماء والانتصارات والصراعات والوشاية والخيانة والمؤامرات، وهي تؤكد لنا أن لغة المحبة تجمع ما بين يهوذا (إذ عاد ليجمع رجاله عندما شعر بالخطر يحدق به لاحقًا / آية 30) ويظهر - ذلك أن نكانور لم يحتال علي يهوذا بعرض الزواج عليه ليصرفه عن روح القتال، ولكن الوشاية كانت السبب الحقيقي والمباشر في فصم عري تلك الصداقة العجيبة. ألكيمس يتآمر من جديد26 ولما راى ألكيمس ما هما عليه من التفاهم، أخذ ما عقد من اتفاقات وذهب إلى ديمتريوس وقال له إن نكانور يرى رأيا يخالف مصالح الدولة، فإنه عين في منصبه يهوذا، عدو المملكة. 27 فغضب الملك غضبا شديدًا واستفزه افتراء ذلك الفاجر، فكتب إلى نكانور يقول أنه مستاء من تلك الإتفاقيات، ويأمره بأن يبادر إلى إرسال المكابى مقيدا إلى أنطاكية. 28 فلما وقف نكانور على ذلك، وقع في اضطراب وصعب عليه أن ينقض الإتفاقيات، ولم ير من الرجال ظلما. 29 ولكنه لم يجد سبيلا إلى مقاومة الملك، فتربص لينفذ الأمر بالمكيدة. 30 ورأى المكابى أن نكانور قد تغير عليه، وأمسى يتلقاه عادة بخشونة. ففطن أن هذا التغير ليس للخير. فجمع عددا كثيرا من أصحابه وتوارى عن نكانور. 31 فلما رأى نكانور أن الرجل خدعه على أكمل وجه، ذهب إلى الهيكل العظيم المقدس، وكان الكهنة يقدمون الذبائح على عادتهم، فأمرهم أن يسلموا إليه الرجل.32 فأقسموا وقالوا إنهم لا يعلمون أين الرجل المطلوب. فمد نكانور يمينه نحو الهيكل، 33 وأقسم قائلا: "إن لم تسلموا إلى يهوذا موثقا، لأهدمن بيت الله هذا إلى الأرض، ولأقلعن المذبح وأشيدن هنا هيكلا رائعا لديونيسيوس". 34 قال هذا وانصرف. فرفع الكهنة أيديهم إلى السماء ودعوا من لم يزل يحارب عن أمتنا قائلين: 35 "يا من هو رب الجميع والغنى عن كل شئ، لقد حسن لديك أن يكون هيكل سكناك فيما بيننا. 36 فالآن، أيها الرب القدوس، يا قدوس كل قداسة، صن هذا البيت الذي قد طهر عن قليل، واحفظه طاهرًا للأبد". انزعج ألكيمس من تلك الصداقة وخشى من تطورها الأيجابى، إذ كان ذلك يعنى بالنسبة له تهديد وظيفته الكهنوتية، ومن ثم فقد راح يشى من جديد، ولكن وشايته لدى الملك هذه المرة شملت الرجلين "نكانور ويهوذا" حيث استطاع أن يثير حفيظته ضدهما. وبالرغم من استياء نكانور من تلك الوشاية، لقناعته الشخصية بيهوذا المكابى وتقديره لصداقتهما، إلا أنه أذعن لرأى الملك دون الدفاع عن موقفه! ولم يجاهر بالعداء ليهوذا، ولا نقض الإتفاقيات، إلا أنه راح يتحين الفرصة ليغدر بيهوذا، انقاذا لوظيفته وحياته الشخصية، ولما شعر يهوذا بذلك احتاط من جانبه تجاه هذا التحول الجديد، تحسبا لوقوع مالا يحمد عقباه، راجع في ذلك (1مكا 7: 29، 30) ولعل هذا التحول في علاقة نكانور بيهوذا ما يفسر لنا كيف أن نكانور كان مبغضا ومعاديا لإسرائيل، حسبما ورد في (1مكا 7: 26 ب). ومن ثم فلم يجد نكانور مناصا من مواجهة اليهود ومعاداتهم علانية، حيث يظهر ذلك في أسوأ مشهد عندما ظن أن يهوذا مختبئا في الهيكل، فوقف هناك ورفع يمناه مهددا بهد المكان مجدفا على الله، واعدا بنزع المذبح وتحويل الهيكل إلى معبد للاله ديونيسيوس. رازيس "أب اليهود"37 وكان في أورشليم شيخ كبير أسمه رازيس، وهو رجل محب لأبناء وطنه، محمود السمعه، يسمى بأبى اليهود لما كان عنده من العطف عليهم، فوشى به إلى نكانور. 38 وكان فيما سلف من أيام التمرد قد أتهم بالتمسك بدين اليهود، ولم يزل يظهر غيرة تامة ويبذل جسمه ونفسه في سبيل الدين. 39 وأراد نكانور أن يبدى ما عنده من العداوة لليهود، فأرسل أكثر من خمس مئة جندي ليقبضوا عليه، 40 لاعتقاده أنه إن أمسكه، فقد أنزل بهم مصيبة جسيمة. 41 فلما رأى رازيس أن الجنود قد أوشكوا أن يستولوا على البرج ويكسروا باب الدار، وقد أمروا بإضرام التار وإحراق الأبواب، وأنه أصبح محاطا من كل جانب، ضرب نفسه بسيفه. 42 واختار أن يموت بكرامة ولا يصير في أيدي المجرمين ويشتم بما لا يليق بأصله الكريم. 43 ولكنه، بسبب سرعة القتال، أخطأ الضربة، وكان الجنود قد هجموا إلى داخل الأبواب، فصعد راكضا إلى السور بقلب جليد وألقى بنفسه من فوق الجمع. 44 فتراجعوا من ساعتهم فسقط في وسط المكان الفارغ. 45 وكان فيه رمق وقد اشتعلت فيه الحمية، فنهض ودمه يتفجر كالينبوع، وجراحه تؤلمه كثيرا، فاخترق الجمع راكضا، وانتصب قائما على صخرة شديدة الانحدار، 46 وكان قد نزف دمه، فأخرج أمعاءه وحملها بيديه وطرحها على الجمهور، ودعا رب الحياة والروح أن يردهما إليه، وهكذا فارق الحياة. رازيس Razic: وفي العبرية "رازى" (7)، وفي اليونانية "Ραζεις"، وهو يطابق اسم المرك رازائيل (في التقليد اليهودي) واختصاره رازى (8) وهناك صيغ عديدة ل رازى مثل "رازيا" ك "عزرا وعزرياط"... إلخ، وقد ترجم الإسم للآرامية هكذا "راجيش". واحد من وجهاء اليهود الغيورين، صاحب تاريخ طويل في الدفاع عن الإيمان، وفضلا عن هيبته واستقامته فقد كان له ثقل كبير في أورشليم، حتى لقد سمى ب "أبى اليهود" مما يعنى أنه كان يعادل في مركزه الأدبي والروحي مركز يهوذا في القيادة ورئيس الكهنة في مكانته، وتشير (الآية 3) إلى أنه من المحتمل أن يكون قد اعتقل إبان فترة الاضطهاد (الآية 3) غير أنه استمر في دفاعه عن الشرائع والخدمة الهيكلية ضد الممارسات الوثنية، ويبدو لنا من الآية نفسها (38) أنه كان من أكثر النشطين في هذا المجال (بذل الجسم والنفس) وهكذا لم يتوقف دوره على الافتاء واصدار البيانات فقط .!! ولكن لماذا قبض عليه، وما هي التهمة التي وجهت له.. هل كان يعرف مكان اختباء يهوذا المكابى والذي كان يجد نكانور في البحث عنه؟ ثم كيف نجا "رازيس" من أحداث استشهاد العائلة المكابية؟؟ (ص 6 و 7). وهكذا لم تعدم تلك الفترات العصيبة وجود شهود يشهدون لله ويمجدون اسمه، فيصبحون نماذجا حيَّة لبقية الشعب وسفراء عن الله بين الناس، كما كان يحدث في فترات الاضطهاد النازى والشيوعية في روسيا والاضطهاد في مصر، وهكذا في أحلك الأوقات لم يترك الله نفسه بلا شاهد (أعمال 14: 17) وكان أمثال هؤلاء أقوى من الاضطهاد وأقوى من المضطهدين. فلما وشى بهذا الرجل إلى نكانور، وجد في القبض عليه فرصة للضغط على اليهود، إذ سوف تكون ضربة موجعة لهم، ويظهر اغتنامه للفرصة وحرصه عليها من العدد الضخم الذي أرسله للقبض عليه، فقد كان "رازيس" يحيا فيما يشبه القلعة، ولكنه لم يزعن لأوامرهم بالخروج للقبض عليه قرروا اقتحام المسكن واضرام النار فيه، فلما أيقن أنهم ماضين قدما لا محالة فيما عزموا عليه، وأنهم أوشكوا على تحقيق غرضهم، أبى على نفسه وعليهم ذلك خوفا من التشهير والإهانة والتعذيب مما يتسبب في خوف الباقين من جنسه، ومن ثم فقد قرر قتل نفسه. ولكن الضربة لم تكن حاسمة أغلب الظن أنه سقط على سيفه مثلما فعل شاول (1 صم 31: 4) وكان الجنود عند ذلك قد أصبحوا داخل المسكن بالفعل، ومن ثم فقد صعد إلى السطح وألقى بنفسه إلى الأرض حيث تفرق الجمهور لمجتمع أسفل القلعة ما بين الجنود واليهود، فلما سقط لم يمت أيضًا وأن كان الارتطام الشديد قد الحق به اصابات جسيمة وآلام مبرحة حتى أن أحشاءئه قد برزت من بطنه، مع كل ذلك فقد تحامل على نفسه ووقف ومشى إلى جرف صخري قريب. هناك أمسك أمعاءه بيديه ودفعها نحو الجمع مصليا إلى الله لكي يردها إليه، أي أن يقيمه في يوم الدينونة. ونحن نؤمن أن الأجساد ستقوم ولكن في مجد لتكتسب طبيعة جديدة، طبيعة نورانية، لا تجوع ولا تعطش ولا تتألم ولا تفنى "هكذا أيضا قيامة الأموات. يزرع في فساد ويقام في عدم فساد. يزرع في هوان ويقاوم في مجد. يزرع في ضعف ويقاوم في قوة. يزرع جسما حيوانيا ويقام جسدا روحانيا" (كورنثوس الأولى 15: 42 - 44). وهكذا رقد "رازيس" في الرب. هل كان موته انتحارا؟ كان هناك اختلاف في الرأي بين اليهود، فيما يتعلق بالأنتحار، فعندما أوشك يوسيفوس ومن معه على الوقوع في أيدي الرومان دارت مناقشة طويلة بينهم حول ذلك، فبينما أيده الرجال فقد رفضه هو، وتدين بعض المدارس الحاخامية الانتحار بشدة، بينما نقرأ عن رابى حنينا بن تيراديون Rabbi Hanina , Ben Tyradion أنه تعجل موته رغم أنه كان يحرق عند الوتد.(9) وهناك أمثلة امتدح فيها الكتاب اليهود القدماء أولئك الذين سلبوا أنفسهم الحياة في مواقف مثل التي تمر بها "رازيس" هنا، ويمتدح يوسيفوس نفسه شخصا يدعى باسيل Phassel والذى انتحر مفضلا الموت على البقاء تحت نفوذ عدوه اللدود أنتيجونوس، ويذكر فيلو أن اليهود كانوا على أستعداد لقتل أنفسهم وأسرهم بدلا من أن يروا تدنيس كاليجولا المتوقع للهيكل، وتسمح الشرائع الحاخامية عمومًا بالانتحار في حالة التعرض للوقوع في الزنا أو عبادة الأصنام، بل انتحرت مجموعات يهودية كاملة في العصور الوسطى خوفا من فرض المعمودية عليها. (10) أما الكنيسة فهي ترفض الانتحار وتعلم بأنه خطية تفضى إلى هلاك الإنسان، فمع أنه لا توجد خطية بلا غفران فإن هذه الخطية على وجه الخصوص لا يتسنى معها وجود وقت للتوبة، ولذلك فالكنيسة لا تصلى على المنتحرين، فالمنتحر شخص ليس فاقدا للرجاء فحسب بل أنه قتل نفسا ليست ملكا له، إلا إذا كان فاقدا لرشده وقت اقترافه هذا العمل، أو لم يكن في كامل وعيه، أو وصل إلى حالة نفسية سيئة أفقدته عقله، أما غذا انتحر إنسانًا ما ولم يمت فور ذلك بل عاش قليلا بعدها، فمن الممكن أن يكون قد قدم توبة عنها فتصلى عليه الكنيسة. وقد ورد في الكتاب المقدس أكثر من قصة تبدو لأول وهلة أنها انتحار، مثل أبيمالك الذي طلب من غلامه أن يقتله بعد أن أصابته امرأة بحجر ألقته على رأسه من أعلى، وذلك لئلا يقال أن امرأة قتلته (قضاة 9: 54) وفي أوقات الحروب كثيرا ما يلجأ بعض الجنود حال وقوعهم في الأسر إلى قتل أنفسهم خشية أن يقعوا تحت التعذيب الشديد فيضطرون إلى الأدلاء بأسرار تضر ببلادهم، وفي معبد داجون بفلسطين قام شمشون بهدمه فسقط عليه وعلى من بداخله، فقتل في موته أكثر مما قتل في حياته، ومع ذلك يمتدحه القديس بولس كواحد من أبطال الإيمان (عبرانيين 11: 32) كما طلب شاول من حامل سلاحه أن يقتله بعد أن أصيب في الحرب، فلما استعفى الغلام من ذلك سقط شاول على سيفه ومات خوفا من تشهير الفلسطينيين به (1صم 31: 4). ونقرأ في التاريخ الكنسي أكثر من مرة عن فتاة فضلت قتل نفسها مؤثرة ذلك على فقد عفتها وتدنيس جسدها، مثل تلك التي دهنت رقبتها بالزيت وأسلمت رأسها للجندي الذي أطاح به، وأخرى ألقت نفسها من ارتفاع شاهق فسقطت ميتة، بعد أن خيرت بين أنكار إيمانها أو إفساد بتوليتها، وقد استخف أعدائها بدموعها ولم يأبهوا لتوسلاتها بأن يتركوها وشأنها.. ولكن ذلك لا يحسب انتحارا بل نوعا من الشهادة للمسيح، وفي عصور الاضطهاد كان المسيحيون يندفعون أفواجا معلنين إيمانهم مجاهرين بالشهادة للمسيح مستخفين بالموت. جدير بنا أن نمتدح رازيس على تفضيله الموت على إنكار الإيمان، لاسيما وقد كان من المحتمل ضعفه بسبب تقدمه في السن وتحت طائلة التعذيب. _____________________________________ (1) وكانت قد وصلت إلي روما أنباء عن مقتل سفيرها جنايوس أوكتافيوس أثناء قيامه بمهمة إلي الأمبراطورية السلوقية، وقد تم تأريخ جريمة القتل هذه في سنة 162 ق.م.وقد رحل ديمتريوس من روما قبل فصل هبوب العواصف علي البحر المتوسط والذي كان يبدأ في 3 نوفمبر فوصل ولعله تأخر بعض الشيء حتى تسلم الحكم في ربيع 161 ق.م. (2) في كتاب اليوبيلات (23: 16 و 19- 20) يذكر الحسيديين علي أنهم الشباب المتحمس، وفي كتاب نبوة أخنوخ (كتاب أبو كريفي)(90: 9- 11)يذكروا بوصفهم الحملان ذات القرون. (3) عُين نكانور من قبل كققائد لفرقة الأفيال وهو منصب رفيع في الجيش السلوقي وكانت الأفيال من مكونات الجيش الهامة، وفي سنة 162 ق.م.عمل وفد روماني علي تأكيد اتفاقية السلام بين روما والسلوقيين والمبرمة سنة 188ق.م. والتي حظرت علي الأخيرين استخدام الفيلة، وعلي ذلك أُبطلت فاعلية تلك الحيوانات بقطع أوتار أرجلها، أما ما ورد في (1مكا 6: 30 - 46، 2مكا 13: 2، 15) عن أستخدام الفيلة فقد كان قبل قطع أوتار أرجلها. (4) يوجد مؤرخ فيلسوف وروائي مشهور بهذا الاسم "بوسيدونيوس" (135 -51 ق.م)من أباميا، يقول عنه يوسينوس أنه كان أحد الكتاب المعادين لليهود. (5) نقرأ عن شخص آخر بأسم تاودوس، عينه بطليموس فيلوباتور المصري واليًا علي احدي المدن التابعه له في سوريا، ولكنه تحالف مع أنطيوخس ضد بطليموس وحبك له مؤامرة أدت إلي اغتياله. (6) حدث مثل ذلك عند عقد اتفاقيات وقف اطلاق النار بين قوات التحالف والعراق، في حرب الخليج الثانية. (7) وله تهجئات مختلفة في المخطوطات مثل Razias و Radias و Rachisو Raxis و Radoxoc، وقد تكون التهجئة الأخيرة مشتقة عن الإيرانية، ويرى أحد العلماء أن رازيس ربما اسم تدليل مصغر ربما نتج عن حذف المقاطع الأصلية له، وربما كانت هناك علاقة بين ما ورد في إشعياء (24: 16 - 18) وقصة استشهاد الشيخ اليهودي هنا. انظر: Jonathan A. . Goldsten,II Macc (8) أنظر: Shwab, Vocabulaire de langelologie (9) (التلمود: عبودا زاراه 18 أ) (10) (انظر Jonathan A.Goldsten,Ii Macc) |
|