وُلد في القسطنطينية حوالي سنة 390 م، ونشأ على حياة التقوى، وإذ سيم كاهنًا برز بحياته المقدسة وعلمه ومعرفته فأحبه الشعب. إذ تنيح البطريرك أتيكوس Atticus، انقسم الإكليروس والشعب إلى فريقين، البعض اختار بروكلس ليكون بطريركًا والآخر اختار سيسينيوس Sisinnius، وقد نجح الفريق الثاني فسيم سيسينيوس بطريركًا عام 425 م.
سيامته أسقفًا:
إذ عرف سيسينيوس ما لبروكلس Proclus من حياة نقية ومعرفة سامه أسقفًا على مدينة كزيكوس Cyzicus، غير أن شعب هذه المدينة كان يود الاستقلال عن الكرسي القسطنطيني فساموا راهبًا أسقفًا عليهم. تقبل بروكلس الأمر في بساطة قلب، فلم يلجأ إلى البطريرك ولا إلى البلاط لمقاومة الأسقف الدخيل وإنما باتضاع آثر أن يبقى في القسطنطينية من أجل سلام الكنيسة وهدوئها يخدم كأحد الكهنة كما كان من قبل، بل كان يعيش بين الكهنة كأحد الأصاغر يمارس حياة الاتضاع والزهد مع الاهتمام بكلمة الله والوعظ. تنيح البطريرك سيسينيوس، فقام الشعب يطلب بروكلس خلفًا له، لكن الملك ثيؤدوسيوس كان يميل إلى نسطور، فأقيم بطريركًا، الذي صار نكبة لا على كنيسة القسطنطينية فحسب وإنما على المسيحية عامة إذ كان مبتدعًا، أنكر أن القديسة مريم والدة الإله، قائلًا بأنها ولدت الطفل الإنسان يسوع، وأن الأقنوم "ابن الله" حّل على الإنسان يسوع عند عماده وفارقه عند الصلب، وانتهي أمره بحرمانه في مجمع أفسس الذي برز فيه القديس كيرلس الإسكندري، في عام 431 م. في ظل هذه الأحداث لمع نجم القديس بروكلس، خاصة في مجمع أفسس، وصار من كبار أساقفة الشرق المعروفين. وإذ حُرم نسطور قام الشعب يطلب بروكلس بطريركًا، فثار البعض متسلحين بالقانون الكنسي الذي يمنع على الأسقف استبدال إيبارشيته أو كرسيه، أما هو فبقلبٍ متضعٍ لم يشته المركز بل كان يمارس عمله ككاهن. سيم مكسميانوس بطريركًا، لكنه لم يدم طويلًا إذ تنيح عام 434 م، فقام الكل يطلب بروكلس بطريركًا، وكان الملك مع الأساقفة والشعب متهللين لهذا الاختيار، وجاءت رسائل التهنئة من البطاركة كيرلس السكندري ويوحنا الأنطاكي وكلستينس الروماني.
عمله البطريركي:
سيم بروكلس في جوٍ من الاضطراب الشديد بسبب بدعة نسطور، فعالج الموقف بروح الغيرة المتقدة والرعاية الحية الواعية مع وداعة واتضاع، فأثمرت خدمته جدًا. استطاع أن يكسب الكهنة والأراخنة بمحبته ووداعته، فكان الكل يشتاق إلى خدمته وطاعته في الرب. استشاره الأساقفة الأرمن بخصوص بعض العبارات التي وردت في كتابات ثيودور الميصي Theodore of Mopsuestia وكان قد مات، فكتب رسالة وضح فيها أخطاءه النسطورية، تعتبر من أشهر كتاباته، موضحًا فيها التجسد الإلهي دون ذكر اسم ثيؤدور، حاثًا إياهم على التمسك بكتابات القديسين باسيليوس الكبير وغريغوريوس النزينزي إذ كان لهذين الأبوين مكانة خاصة لدى الأرمن. وقد مدح القديس كيرلس الكبير هذه الرسالة، وقال عنها أنها تمثل دستورًا صادقًا لإيمان الكنيسة الجامعة. (ستجد المزيد عن هؤلاء القديسين هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام السير والسنكسار والتاريخ). قام بنقل جسد معلمه القديس يوحنا الذهبي الفم من منفاه في كومانا Comana Pontica إلى كنيسة الرسل بالقسطنطينية، حيث خرجت القسطنطينية تستقبل الرفات المباركة باحتفال رهيب يفوق الوصف. وقد ارتبطت هذه الرفات المقدسة بالحفاظ على القسطنطينية من الزلازل التي هزت البلاد المجاورة بشدة سنة 447 م، ذهب ضحيتها آلاف من البشر، كما هربت أعداد بلا حصر إلى البراري وحلت الأوبئة بالبلاد بينما لم تُمس القسطنطينية. إذ حلت هذه الضيقات انطلق البطريرك بأبوته الحانية يقدم كل إمكانيات الكنيسة لحساب هؤلاء المنكوبين، بل وأكثر من الصوم والنسك ليرفع الله غضبه، ولمشاركة المتألمين. ذهب بنفسه مع الإمبراطور ثيؤدوسيوس ورجال الإكليروس إلى البلاد المنكوبة، يخدمون كل إنسانٍ متألمٍ أو محتاجٍ أو لاجئٍ، في حقل أو في البرية. قيل انه إذ كان البطريرك يجول بين المنكوبين تجمعت أعداد كبيرة من الشعب في الحقول، وصار الكل يصرخ، قائلين: "كيرياليسون" بقلوب متألمة. فجأة ارتفع طفل ليختفي وسط السحب وعاد الطفل ووقف عند البطريرك وقال: "رأيت السماء مفتوحة، وملائكة الله يسبحون، قائلين: "قدوس الله، قوس القوي، قدوس الذي لا يموت". فصار الشعب كله يردد هذه التسبحة بروحٍ ملتهبٍ، فرفع الله غضبه عن هذه المناطق. انتقل الطفل في الحال وارتفعت نفسه إلى خالقه. وقد قيل أنه منذ ذلك الوقت دخلت هذه التسبحة في ليتورجيا القداس الإلهي. تنيح البطريرك في نفس العام، 24 أكتوبر 477 م. لا تزال بعض عظاته ورسائله موجودة، وهي كتابات مختصرة وحية، تحمل روح البهجة والرجاء. قال عنه القديس كيرلس الكبير: "رجل مملوء تقوى، متمرن بكمال في نظام الكنيسة، وحافظ للقوانين بدقة". تعرف عليه المؤرخ سقراط شخصيًا، وكتب عنه أنه لطيف مع كل أحد، مؤمنًا بأن اللطف يجذب إلى الحق أكثر من الشدة والعنف.