سلسلة الخدمة14
كثيرون سقطوا,وبعضهم هلكوا وهم داخل الخدمة
بقلم قداسة: البابا شنودة الثالث
لاتظن يأخي الخادم أن كل الذين سقطوا أو كل الذين هلكوا,كانوا خارج الكنيسة أو خارج الخدمة,فالكتاب المقدس وتاريخ الكنيسة يسجلان لنا كثيرا من القصص والأحداث عن أشخاص ضاعوا وبعضهم هلكوا وهم داخل الكنيسة وداخل الخدمة.
أمثلة:
لنأخذ مثلا:ديماس مساعد بولس الرسول
أو شريكه في الخدمة,الذي كان يذكره في رسائلهكو4:14وفي إحدي المرات ذكره قبل لوقا البشيرغل24ديماس هذا زميل مرقس وأرسترخس,الذي لاشك أن العديدين آمنوا علي يديه..هذا انتهت حياته الروحية بمأساة,يشرحها القديس بولس بقولهديماس تركني,إذ أحب العالم الحاضر2تي4:10وقيل عنه في بعض أخبار التاريخ إنه ارتد وصار وثنيا!!
وليس ديماس وحده ,بل هناك آخرون قال عنهم القديس لأن كثيرين ممن كنت أذكرهم لكم مرارا,والآن أذكرهم أيضا باكيا وهم أعداء صليب المسيحفي3:18
ويشرح الرسول مأساة هؤلاء فيقولالذين نهايتهم الهلاك,الذين إلههم بطنهم ومجدهم في خزيهم,الذين يفتكرون في الأرضياتفي3:19أليس كل أولئك درسا لجميع الخدام لكي يحترسوا جيدا ويتذكروا قول الرسولإذن من يظن أنه قائم فلينظر أن لايسقط1كو10:13.
السقوط ممكن ,حتي لخدام كانوا جبابرة...
وأمثلتهم بعض ملائكة الكنائس السبع, الذين أرسل لهم الرب رسائل علي يد القديس يوحنا الرسول. أولهم راعي كنيسة أفسس الذي قال له الربأنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك..وقد احتملت ولك صبر وتعبت من أجل اسمي ولم تكلرؤ2:3,2..ومع ذلك فإنه ترك محبته الأولي,وقال له الرباذكر من أين سقطت وتب..وإلا فإني آتيك عن قريب,وأزحزح منارتك من مكانها إن لم تتبرؤ2:5ما أرهب هذا الكلام..ولكن أخطر منه وأصعب,ماقيل لملاك كنيسة ساردس
أنا عارف أعمالك أن لك اسما أنك حي,وأنت ميترؤ3:1.
ومع ذلك كان خادما,ودعي ملاكا,وكان واحدا من السبعة الكواكب التي كانت في يمين الربرؤ1:20والرب يدعوه إلي التوبة وينذرهرؤ3:3
ومثله ملاك كنيسة لاوديكية الذي قال له الرب:لأنك فاتر,ولست باردا ولا حارا,أنا مزمع أن أتقيأك من فميرؤ3:16.
ومن أمثلة الذين ضاعوا في الخدمة عالي الكاهن وأولاده.. كان كاهنا للرب واستمر في كهنوته إلي أن شاخ وضعفت عيناه ولكن لأنه لم يرب أولاده ولما انتهرهم لم يفعل ذلك بحزم لذلك قطعه الله وأمات ابنيه في يوم واحد1صم 2:34,31بل قال الربأقسمت لبيت عالي أنه لايكفر عن شر بيت عالي بذبيحة أو بتقدمة إلي الأبد1صم3:14..وسقط عالي الكاهن عن كرسيه فانكسرت رقبته ومات وكان قد قضي لإسرائيل أربعين سنة1صم4:18هلك الشيخ مع أولاده وهم في الخدمة!
هلاك آخر كان لشاول الملك,مسح الرب
أرسل له الرب صموئيل النبي,فمسحه بالدهن المقدس ملكا لشعبه,وحل عليه روح الرب فتنبأ,حتي قال الشعب أشاول أيضا بين الأنبياء1صم10:11ولكن كيف انتهت حياة مسيح الرب هذا؟!لقد أخطأ إلي الله فنزع روحه منه وقيل في ذلكوذهب روح الرب من عند شاول وبغته روح رديء من قبل الرب1صم16:14ومات شاول هالكا.
أيضا الكتبة والفريسيون هم مثال آخر لهلاك خدام وهم في محيط الخدمة..
كانوا معلمي الشعب في أيامهم,وأكثر الناس تشددا في حفظ الناموس ومعرفته وقد قال عنهم الرب في ذلكعلي كرسي موسي جلس الكتبة والفريسيون..مت23:2ومع ذلك هلكوا وهم في خدمتهم وأغلقوا ملكوت السموات قدام الناس,فلاهم دخلوا ولا تركوا الداخلين يدخلون وسماهم الربقادة عميانمت23:16,13
وقال لهمأيها الحيات أولاد الأفاعي ,كيف تهربون من دينونة جهنم؟!مت23:33ومع ذلك كانوا خداما ومعلمين وقادة الخدمة والتعليم في أيامهم!!
وكذلك أيضا كان الكهنة في ذلك الجيل
أولئك الذين سماهم المسيحالكرامين الأردياءوقال لهمإن ملكوت الله ينزع منك ويعطي لأمة تعمل أثماره مت21:43هؤلاء الكهنة ورؤساؤهم هم الذين حاكموا المسيح وأدانوه!!ووقفوا أمام بيلاطس يشتكون عليه مت27:12 ويصيحون طالبين صلبه لو23:23وهم الذين قاوموا القيامة ودفعوا رشوة للعسكر ليقولوا إن تلاميذ المسيح سرقوا الجسدمت28:13كما كانوا هم الذين دفعوا الثلاثين من الفضة ليهوذا ليسلم سيدهمت26:15,14وهلك أولئك الكهنة وكانوا خداما للرب,بل رسلا لرب الجنود,ومن أفواههم تطلب الشريعةملا2:7!!
مثال آخر:هو الابن الكبير في قصة الابن الضال:
الابن الصغير كان يمثل الذين ضلوا بالذهاب إلي كورة بعيدة,وانفصلوا عن بيت الأب,أما أخوه الأكبر فكان يمثل الذين ضلوا وهم في الخدمة بدليل قوله لأبيهها أنا أخدمك سنين هذا عددها,وقط لم أتجاوز وصيتكلو15:29.مع ذلك كان ضائعا وساقطا وهو في محيط الخدمة علي الرغم من تلك السنين العديدة!
ما كان محبا لأخيه العائد,بل غضب لإكرامه ورفض أن يدخل البيت ويشترك في فرح الأسرة به.كذلك لم يكن مؤدبا في حديثه مع أبيه,واتهم أباه بالبخل في قولهوقط لم تعطني جديا لأفرح مع أصدقائيلو15:29واتهمه بعدم العدل في معاملة أولاده,ولام أباه علي إكرام ابنه العائد ولم تكن مشيئته متفقة أبدا مع معيشة الأب ومع ذلك كان خادما له في الخدمة سنين هذا عددها!!
الذين يهلكون وهم داخل الخدمة يذكروننا بابنة يايرس التي ماتت وهي في بيت أبيهالو8:49-52
وتختلف عن ابن أرملة نايين الذي كان في نعش في الطريقلو7:12وعن لعازر الذي كان في قبر وعليه حجريو11:38.
آدم أيضا وحواء سقطا وهما في الجنة
لعل يهوذا الأسخريوطي هو أسوأ مثال بشري لمن هلكوا وهم في الخدمة.
كان واحدا من الاثني عشرمت10:4والسيد المسيح هو الذي اختاره ضمن الباقين بل ميزه عنهم بأن عهد إليه بأمانة الصندوق,وبالإنفاق علي الفقراء والدليل علي ذلك إنه لما قال له الرب موبخا في يوم خميس العهد ما أنت تعمله فاعمله بأقصي سرعةظن البعضإذ كان الصندوق مع يهوذا..أن يسوع قال له اشتر ما نحتاج إليه للعيد,أو أن يعطي شيئا للفقراءيو13:27-29.ولعل يهوذا اشترك في الخدمة التدريبية الأوليمت10وأخذ مع الرسل بعض المواهبمت10:1وعلي الرغم من كل ذلك هلك يهوذا.
من الدروس النافعة أيضا في الخدمة:هلاك نبي معروف هوبلعام
كان رجلامفتوح العينين..يسمع أقوال الله ويعرف معرفة العلي..يري رؤيا القدير,وهو مكشوف العينينعد24:16,15
وهو الذي تنبأ عن السيد المسيح وقالأراه وليس الآن أبصره ولكن ليس قريبا.يبرز كوكب من يعقوب,ويقوم قضيب من إسرائيل فيحطم طرفي موآبعد24:17
وهو الذي ظهر له ملاك الرب,وكلمه الرب أكثر من مرة وقيل في ذلكفوافي الله بلعام..ووضع الرب كلاما في فم بلعام,وقال:ارجع إلي بالاق وقل هكذاعد23:4-5عد23:16أما بلعام فقال لبالاق ولعبيده قبل ذلك:ولو أعطاني بالاق ملء بيته فضة وذهبا لا أقدر أن أتجاوز قول الرب لأعمل خيرا أو شرا من نفسي الذي يتكلمه الرب, إياه أتكلمعد24:13عد22:18
وقيل فكان عليه روح الله,فنطق بمثلهعد24:2-3
وقبل أن يتكلم كان يبني سبعة مذابح,ويقدم محرقات
سبعة ثيران وسبعة كباشعد23:1-2عد23:29-30وعلي الرغم من النبوءات والمحرقات والرؤي وحلول روح الله عليه,هلك بلعام والقي معثرة أمام بني إسرائيل..رؤ2:14وتحدث الكتاب عنضلالة بلعاميه11..
وقيل إنه أحب أجرة الإثم2بط2:15
ولعل من أمثلة السقوط-وليس الهلاك-هارون أخو موسي:
هذا الذي كان رئيسا للكهنة,ومسحه موسي النبي بالزيت المقدس حسب أمر الربخر40:13-16لا 8:12..هارون هذا هو الذي صنع لبني إسرائيل العجل الذهبي الذي عبدوه!!فقال لهم هرون:انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها..فأخذ ذلك من أيديهم,وصوره بالأزميل وصنعه عجلا مسبوكا..فلما نظر هرون بني مذبحا أمامه ونادي هرون وقال:غدا عيد الرب.فبكروا في الغد وأصعدوا محرقات وقدموا ذبائح سلامةخر32:2-6ولما انتهره موسي بعد نزوله من الجبل أجابأنت تعرف الشعب إنه في شر فقالوا لي أصنع لنا آلهة تسير أمامنا..خر23:22-24..وهكذا سقط هذا الكاهن العظيم سقطة عظيمة وسقط مرة أخري حينما تكلم هو ومريم ضد موسي النبي عد12:1فوبخهما الرب وضرب مريم النبية بالبرصعد12:4-10.
وكانت مريم هذه هي التي قادت النساء في تسبيح الرب بعد عبور البحر الأحمر,والدف بيدهاخر15:20
وهي التي رتلت تلك الترنيمة الجميلةسبحوا للرب فإنه قد تعظم الفرس وراكبه طرحهما في البحرخر15:21ومع ذلك فهذه النبية العظيمة ضربها الرب بالبرص ولم يسمع فيها شفاعة موسي,ألا بعد أن طرحت خارج المحلة سبعة أيامعد12:13-15
ننتقل بعد هذا من أحداث الكتاب المقدس إلي التاريخ..
تاريخ الكنيسة يحكي لنا أيضا أمثلة من الذين هلكوا وهم في الخدمة وبعضهم وصلوا إلي قمم عالية في الخدمة ومن أمثلة ذلك بعض الهراطقة الذين قد حرمتهم الكنيسة ,وكانوا من الخدام البارزين فيها:
مثال ذلك:أريوس الذي كان أعظم واعظ في الإسكندرية وقد هلك بسبب انحرافه في التعليم,وهو واعظ يخدم وهو قس في الكنيسة الكبري بالإسكندرية وقد استمر في عناده وهرطقته,فحرمه مجمع نيقية المقدس.
ومثل أريوس نتحدث أيضا عن نسطور ومقدونيوس بطريركي الكرسي العظيم في القسطنطينية.. كان كل منهما في جيله في قمة الخدمة في كنيسته ووقع كل منهما في هرطقة وهلك مقدونيوس, حكم عليه المجمع المسكوني الثاني المنعقد في القسطنطينية سنة 381 م ونسطور حكم عليه المجمع المسكوني الثالث المنعقد في أفسس سنة 431م وماتا محرومين هالكين وقد كانا علي رأس كنيسة كبيرة وفي قمة خدمتها.
وبنفس الوضع تقريبا نتكلم عن هلاك أوطاخي وكان أبا روحانيا كبيرا علي رأس دير في القسطنطينية ضاعت كل خدمته السابقة في رعاية دير كبير,وحرمته الكنيسة فضاعت حياته الروحية أيضا,إذ وقع كذلك في هرطقة.
إن كان الأمر كذلك مع كل أولئك الجبابرة في الخدمة فليحترس إذن كل خادم وليضع أمامه قول القديس بولس الرسولي لتلميذه تيموثاوسلاحظ نفسك والتعليم,وداوم علي ذلك فإنك إن فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضا1تي4:16
ولكن ماهي الأسباب التي تجعل كثيرا من الخدام يسقطون,وقد يهلكون؟
هذا ما أود أن أحدثكم عنه في المقال المقبل إن أحبت نعمة الرب وعشنا.
|