كيف للكاهن أن يغفر الخطايا؟!
يظن الأخوة البروتستانت أن الكاهن يغفر الخطايا بسلطانه الخاص، وليس بسلطان من الله أعطى له..! كما لو كان قد اغتصب حقًا من حقوق الله تبارك اسمه، أتجرأ أن يعمل عملًا إلهيًا، وهو بشر!! وسنورد هذا الاعتراض، ونرد عليه بالأدلة اللاهوتية والكتابية، لتوضيح ما يفعله الكاهن بالضبط..
اعتراض
24-يقولون إن الغفران هو لله وحده، حسب قول الكتاب: "من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده" (مر 2: 7 ). والله هو الذي قيل عنه في المزمور: "غفرت إثم شعبك. سترت جميع خطاياهم" (مز 85: 2). وهو الذي خاطبه السيد المسيح على الصليب قائلًا: "يا أبتاه اغفر لهم" (لو 23: 34). فكيف إذن تقولون إن الكاهن يغفر الخطايا؟!
الرد على الاعتراض
25- أولا – لسنا نحن الذين نقول، إنما هذا قول المسيح:
هو الذي قال: "من غفرتم خطاياه تغفر له" (يو 20: 23). وهو الذي قال: "ما تحلونه على الأرض يكون محلولًا في السماء" (مت 18: 18)
26- ثانيا – هناك ثلاثة أنواع من الغفران، لكل منهما معناه الخاص: وهي مغفرة الله، ومغفرة الناس بعضهم لبعض، ومغفرة الكاهن:
أ-مغفرة الله هي الأساس، فهو ديان الأرض كلها (تك 18: 25). ونحن جميعًا سنقف أمامه في اليوم الأخير لنعطى حسابًا عن أعمالنا. وبدون مغفرته الإلهية، كل مغفرة أخرى لا تنقذنا من العقاب الأبدي.
ب- ومغفرة الناس بعضهم لبعض، معناها مسامحتهم في الإساءات الموجهة منهم إليهم، ومصلحتهم، وتنازلهم عن حقوقهم الشخصية.
وهذا أمر يطلبه الله نفسه: "اذهب أولا اصطلح مع أخيك" (مت 5: 24). وتوضحها الآيات الآتية:
" إن أخطأ إليك أخوك، فوبخه. وإن تاب فاغفر له. وإن أخطأ إليك سبع مرات في اليوم، ورجع إليك سبع مرات في اليوم قائلًا: أنا تائب، فاغفر له" (لو 17: 3، 4). وأيضًا سؤال بطرس للرب: "كم مرة يا رب يخطئ إلى أخي وأنا أغفر له؟ هل إلى سبع مرات" (مت 18 : 21، 22).
وأيضًا نقول في الصلاة الربانية: "اغفر لنا ذنوبنا، كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا" (مت 6: 12). وهنا يظهر النوعان الأولان من المغفرة: مغفرة الله، ومغفرة الناس بعضهم لبعض.
وهذه هي الطلبة الوحيدة في الصلاة الربانية، التي علق عليها الرب قائلا: "فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم، يغفر لكم أبوكم السماوي. وإن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم أيضًا زلاتكم" (مت 6: 14، 15).
وقد ورد في الإنجيل لمعلمنا القديس مرقس المعنى: "ومتى وقفتم تصلون، فاغفروا إن كان لكم على أحد شيء، لكي يغفر لكم أيضًا أبوكم الذي في السموات زلاتكم. وإن لم تغفروا أنتم، لا يغفر أبوكم الذي في السموات أيضًا زلاتكم" (مر 11: 25، 26).
إذن مطلوب من الإنسان أن يغفر. فكيف يغفر إن كان الذي يغفر هو الله وحده؟ الإجابة أن مغفرة الإنسان لأخيه بمعنى، ومغفرة الله للإنسان بمعنى آخر.
ومغفرة الإنسان لأخيه، ومعناها مجرد تنازله عن حقه من نحوه، وليس معنى ذلك ضمان مستقبله الأبدي، الذي هو في يد الله، يغفر له إن كانت توبته صادقة، ويمحو بالدم الكريم الخطية التي تاب عنها المسيء، وتنازل عنها المُساء إليه. ومغفرة الإنسان لأخيه هي شرط لنواله هو نفسه المغفرة، حسبما ورد في الإنجيل لمعلمنا لوقا: "اغفروا يغفر لكم.. لا تدينوا" (لو 6: 37).
وقال القديس بولس في هذا النوع من المغفرة: "محتملين بعضكم بعضًا، ومسامحين بعضكم بعضًا، إن كان لأحد على أحد شكوى، كما غفر لكم المسيح، هكذا أنتم أيضًا" (كو 3: 13).
27- أما مغفرة الكاهن، فهى من نوع آخر. إنها تدخل في مغفرة الله، لأن ما يحله على الأرض يكون محلولًا في السماء (مت 16: 19).
فهل للكاهن هذا السلطان؟ وكيف يتم إذن الغفران؟ هذا ما نريد أن نشرحه هنا بالتفصيل:
28- معروف أنه "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عب 9: 22). إذن لا يمكن أن ينال أحد الغفران إلا بدم المسيح، سواء سمع كلمة الغفران والمسامحة من الأب الكاهن أو من الأخ الذي غفر له إساءته.
29- واجب الكاهن إذن أن يتحقق من استحقاق الخاطئ لدم المسيح لمغفرة خطاياه، وذلك بالتحقق من توبته.
فالتوبة هي لنوال المغفرة، ولإعلان المغفرة، حسب قول السيد الرب: "إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون " 13: 3، 5). فإذا اعترف الخاطئ بخطيئته، وأظهر توبته عنها، وعزمه على تركها، يعلن له الكاهن مغفرة هذه الخطية، لأن من فم الكاهن تطلب الشريعة (ملا 2: 7). وكيف يتم ذلك؟
30- عملية المغفرة التي يعلنها الكاهن، هي نقل للخطية إلى حساب السيد المسيح، لكي يحملها عن الخاطئ، ويمحوها بدمه.
ولذلك حسنًا قال ناثان لداود النبي لما اعترف بخطيته: "الرب نقل عنك خطيئتك. لا تموت" (2صم 12: 13).. أي نقلها من حسابك إلى حساب المسيح، فلا تعطى أنت عنها حسابًا. المسيح سيحملها عنك ويمحوها بدمه.
31- إذن الكاهن ليس هو مصدر المغفرة، إنما هو معلنها.
إنه يعلن للخاطئ المغفرة التي أعطيت له من الله، عن طريق الكفارة والفداء، بالدم الكريم المسفوك لأجله.
إن المغفرة تتم عن طريق الله، والكاهن مجرد وكيل له.
ولهذا فإن الكاهن لا يقول للخاطئ مطلقًا: "قد غفرت لك أو حاللتك "، إنما يقول له: "الله يحاللك".
32- ومما يدل على أن الله هو مصدر الحل والمغفرة، هو أن التحليل الذي يناله الخاطئ من الكاهن هو مجرد صلاة يرفعها الكاهن عن الخاطئ، تسمى صلاة التحليل يقول فيها للرب عن الخاطئ: "اغفر له خطاياه. حالله. باركه. طهره " إن الكاهن له سلطان. وهو يستخدمه هنا كصلاة..
33- ومن أجمل العبارات التي توضح تحليل الكاهن، جملة جميلة يقولها الأب الكاهن في صلاة القداس الإلهي، في التحليل الذي يسبق الاعتراف الأخير. يقول عن الشعب:
" يكونون مُحاللين من فمي بروحك القدوس".
إذن، الروح القدس الذي يأخذه الكاهن في السيامة، أثناء النفخة المقدسة، وحينما ينفخ فيه الأسقف قائلًا: اقبل الروح القدس. فيفتح الكاهن فمه ويقول: "فتحت فمي واقتبلت لي روحًا" (مز 119).
ولذلك نلاحظ أن السيد المسيح نفخ في وجوه تلاميذ القديسين وقال لهم أقبلوا الروح القدس. ثم قال لهم بعدها: من غفرتم خطاياه تغفر له (يو 20: 22، 23).