رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
هل يغفر الله كلّ الخطايا؟
أحد أسماء الله تعالى له كلّ المجد والإكرام، والتي تُعبّر عن صفة من صفاته الرّائعة هو: الغفور. نعم، فهو تعالى الغفور الرّحيم. لكن لأيّ مدى تكون هذه الصّفة فاعلة تجاه خطايا وسقطات بني البشر الخطّائين السّاقطين؟ وهل الله تعالى يغفر لبني البشر كلّ خطاياهم جمعاء؟ وما هو شرط الغُفران أو التوبة المقبولة؟ ما هو معنى الغُفران؟ إنّ ذَنْب وإساءة الإنسان يجعلاه مُلاماً أمام الله القُدّوس البارّ المُنزّه عن كلّ خطيّة وإثم، والغُفران هو محو هذا الذَّنب وهذه الإساءة. والله وإن كان لا يُحبُّ الخطيّة ولا سبيل له للتّساهُل معها أو قبولها، إلاّ أنّه تعالى يُحبّ الإنسان الخاطىء ويُريده أن يرجع تائباً إليه فيمحو له خطيّته ويغفرها ويرفع عنه وِزرها. حقيقة لا تقبل الجدل أو التّشكيك: الخطأ من طبائع البشر! لا يستطيع أيّ إنسان مهما كان أو مهما ادّعى أن يُنكر أنّ الإنسان بطبعه خاطىء. فنبيّ الله داود في مزمور اعترافه بعد أن سقط سقطته الكُبرى، حين اشتهى ووشى وقتل واغتصب ما ليس حقّاً له، (يُمكنك قراءة هذه القصّة في سفر صموئيل الثاني الإصحاحَين الحادي عشر والثاني عشر) صلّى لله مُكمدّاً تحت تأثير خطيّته مُقِرّاً بها ومُعترفاً بحقيقة راسخة تنطبق على كلّ البشر أجمعين في كلّ زمان ومكان، من كلّ أُمّة وشعب ولسان، قال في المزمور 51: 5. هذه هي الحقيقة في أوضح صورة يُمكنُنا أن نراها. مولود المرأة جُبِل بالخطيّة وليس له حلّ في ذاته للخلاص أو الفكاك منها. لم نجد إنساناً عبر التّاريخ من قديمه إلى اليوم، ولا نبيّاً ولا مُرسَلاً ولا أيّ إنسان مولود امرأة لم يُخطىء، إلاّ يسوع المسيح الله المُتجسِّد الذي حُبِل به من الرّوح القُدس، الذي قال للنّاس أجمعين في إنجيل يوحنّا 8: 46 “من منكم يبكتني على خطية”، فلَم يرُدّ أحد على سؤاله، إذ لم يكن فيه خطيّة. هل الغُفران يُعتَبر ضرورة حتميّة لبني البشر؟ نعم مادام كلّ البشرّ خطّائين، فالغُفران إذاً ضرورة لازمة وحتميّة لكلّ البشر أجمعين في كلّ زمان ومكان، لا يُستثنى من ذلك أيّاً من بني البشر مهما علا شأنه أو طالت قامته أو بلغ من شُهرة أو جاه أو مال أو نَسَب. الجميع سواسية في حاجتهم للخلاص والتّطهير وغُفران الخطايا. هل هُناك في المسيحيّة خطيّة كبيرة وأُخرى صغيرة؟ لا، لا توجد في المسيحيّة أفكاراً كهذه على الإطلاق. لأنّ ما سبق وقُلناه إنّما يُبيّن أن الخطيّة ليس في أصلها هي فعل خاطىء نرتكبه، بل هي تلك الطّبيعة السّاقطة البعيدة عن الله التي غُرسَت فينا بسقوط والِدَينا الأوّلَين آدم وحوّاء. وهذه الطّبيعة هي التي تجعلنا نرتكب الإثم أو المعصية. تقول الكلمة المُقدّسة في رسالة يعقوب 2: 10. إذاً لا أحجام أو ألوان للخطايا في المسيحيّة، فأيُّة خطيّة نرتكبها أمام الله ولا نطلب أن تُغفَر لنا نكون كأنّنا كسرنا كلّ الوصايا. هل هُناك خطايا في المسيحيّة يُمكن أن تُقبَل أو تكون مُبرّرة؟ لا، نحنُ لا يُمكننا في الحقيقة أن نجد أيّة خطيّة يُمكن التّغاضي عنها في المسيحيّة أو قبولها، تحت أيّ ظرف من الظروف أو أيّ دافع من الدّوافع. وهناك مثالاً واضحاً يُبرهن كلامي، فنحن نجدُ النّاس يتحدّثون عن الكذبة البيضاء التي يُمكن أن يكذبها إنسان، ويقولون إنّها صواب إن كانت بدافع عمل خير. كأن مثلاً تكذب الزّوجة على زوجها بشأن أنّ ابنتها خالفت وصيّته وعادت للبيت مُتأخّرة، أو أنّ الأُخت تقول للأُمّ إنّ أخاها قد أتمّ واجباته المنزليّة بنفسه، بينما تكون هي قد أنجزتها بدلاً عنه كي لا تضربه الأُمّ، وهكذا. لكنّنا نقول إنّ الكذب هو الكذب أوّلاً وأخيراً، وإنّنا إن مارسناه تحت أيّ مُبرّر ومارسه أولادنا مثلنا، فسنعتاد الكذب وسينشأ أولادنا هُم أيضاً كذّابين دون أن يعرفوا كيف يُميّزون بين الصّواب والخطأ. وهكذا فالكذب أو النِّفاق أو الرِّياء أو المبالَغة في الكلام كلّها خطايا مرفوضة دائماً وكُليّاً أمام الله، وبالتّبعيّة ينبغي أن تكون مرفوضة منّا نحن أيضاً. بحسب المسيحيّة، هل الحَسَنات تُذهب السيّئات؟ في الحقيقة لا، المسيحيّة تقول إنّ من حفظ النّاموس وإنّما عَثرَ أي سَقطَ في واحدة، صار مُجرماً في الكُلّ. فلا حَسَنات إذاً تُذهب السيّئات في المسيحيّة، لأنّ الحَسَنات الحقيقيّة تأتي من قلب تائب اغتسل وتطهّر بدم المسيح. فالخاطىء ليس لأنّه صنع بعض الأعمال الصالحة يغفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، بل عندما يأتي لله مُعترفاً بخطاياه تائباً عنها ينال الغفران. وياليتنا نُدرك أنّ طريقة التّفكير هذه تُعطي للمرء حِلاًّ أو تصريحاً أمام ضميره أن يرتكب بعض الخطايا التي يُحبّها، مادام سيُعوّضها بأعمال أُخرى صالحة، كاللّص الذي يسرق ثم يتبرّع ببعض ما سرقه لأعمال البِرّ والخير. فهل يُمكن أن يكون أمراً كهذا مقبولاً أو صواباً حتّى بالمنطق العادي؟!. هل الله يغفر لبني البشر كلّ الخطايا؟ يغفر الله لبني البشر كلّ خطاياهم عند قبولهم لعمل المسيح الكفّاري على الصّليب، لأنّ الله يغفر الخطايا للبشر بشفاعة دم المسيح الذي سُفك على الصّليب ليحمل خطايا بني البشر ويأخذ العقاب بدلاً عنهُم، فهو البديل أي الأُضحية. ما هو السّبيل الذي على الإنسان أن يسلكه ليحصُل على غُفران لخطاياه؟ أن يتقدّم لله مُعترفاً بخطيّته كالنّبي داود، طالباً صفحه وغفرانه في اسم الفادي والمُخلّص يسوع المسيح، فيُعطيه الله الطّبيعة الجديدة التي لا تُحبُّ الخطيّة. وبعدها يُلاحظ الإنسان نفسه، ويُدرّب حياته على البُعد عن طُرُق الشّرّ والرّذيلة والمُعاشرات الرّديّة، والمواظبة على الصّلاة وقراءة كلمة الله المُقدّسة واختيار الصُّحبة الجيّدة. وعندما يُخطىء عَمداً أو سَهواً بغير قصد أو ضعفاً، يعود مُعترفاً لله بإثمه من جديد طالباً صَفحه وغُفرانه، وكذلك قوّة الله كيلا يعود ليُخطىء من جديد. ماذا يُقدّم لي غُفران خطيتي؟ أو بماذا يُفيدني؟ إنّ توبتي وغُفران الله المُستمرّ لسَقطاتي وسَهواتي إنّما هو السّبيل الوحيد لي لأضمن الحياة الطّاهرة النّقيّة المُمتلئة بالسّلام والرّاحة ورِفقة الله ومَعيّته مهما كانت ظروف الحياة. كما أنّ غُفران الله لخطيّتي إنّما يضمن لي أيضا الحياة الأبديّة مع الله في السّماء بعد انتهاء أيّامي هُنا على الأرض، لأنّ المُؤمنين الحقيقيّين المغسولين بدم المسيح هُم وحدهم الذين ستكون لهم الحياة الأبديّة. يقول الوحي المُقدّس في إنجيل يوحنّا 3: 16 “هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية”. |
|