لقد ٱستخدمت هذا العنوان المُلطَّف بعض الشيء.. الخائفون كلمتي..
ولم أستخدم عنوانًا أشد وقعًا في بداية هذا التأمُّل، وذلكَ لكي أجذب ٱنتباهك في البداية.. على أن أضع بين يديك الكملة كما وردت في الكتاب المُقدَّس وهذا حق لا يُمكن تخطِّيه قطعًا.. لأنَّهُ وللأسف أصبحَ أغلبنا ميَّالاً في هذه الأيام إلى التعليم السهل، الذي يستحك الآذان ويُدغدغها.. كما أصبح أغلبنا مُحاطًا بجدار حماية، إن صحَّ هذا التشبيه، يُجنِّبنا سماع الحق الكامل الموجود في كلمة الله، والسبب كما نقول دومًا:
لكي لا نشعر بالدينونة والتقصير والشعور بالذنب، فنحنُ في العهد الجديد، عهد الحريَّة والنعمة.. والعهد القديم قد شاخَ وٱضمحلَّ وولَّى..
قالَ الرب لإشعياء النبي:
" ... وإلى هذا أنظر، إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي " (إشعياء 66 : 2).
إلى هذا ينظر الله.. ليسَ إلى الخائف كلمتهُ.. بل إلى المُرتعد من كلمة الرب !!!
بالطبع ليسَ المقصود أن نرتعد من الله ومن كلمته.. بل أن نرتعد من عدم ٱحترامها، من عدم إعطائها السلطان المُطلق على حياتنا..
والمقصود أيها الأحباء، أن لا نستسهل كسر وصايا الله، ونستهتر بكلمته، متستِّرين بأننا في عهد النعمة، والرب يتفهَّم ضعفاتنا وهو سيُسامحنا مهما فعلنا..
فالنعمة ومحبة الله غير المشروطة، وغفرانه لخطايانا، وقبوله لنا بضعفاتنا، ونسيانه لمعاصينا عندما نتوب عنها، هيَ حقائق لا ينبغي أن ننساها على الإطلاق، لكن لا ينبغي أمام هذه النعمة الغنيَّة، وأمام هذه المحبة غير المشروطة، أن ننسى من هوَ الله، وأن ننسى قداسة الله، وكرهه الشديد للخطيئة، وأن لا نجعل من الحرية التي لنا في المسيح فرصة لإشباع شهوات الجسد، أليسَ هذا ما قالهُ بولس في العهد الجديد؟
" فإنَّكم إنمَّا دُعيتم للحرية أيها الإخوة، غير أنَّهُ لا تُصيّروا الحرية فرصة للجسد ... " (غلاطية 5 : 13).
الذي يرتعد من كلمة الله.. هوَ المؤمن الذي يعمل مليون حساب قبلَ أن يُقدم على تخطَّي كلمة الرب في أي مجال من مجالات الحياة، وإن خالفَ إحداها لأيِّ سببٍ كان، يتوب توبة حقيقية وعلى الفور أمام الرب..
هوَ المؤمن الذي يُعطي كلمة الله السلطان المُطلق على حياته، ويقول عن الأبيض أبيض وعن الأسود أسود، وعندما لا يتمكن بسبب ضعفه من تطبيق ما تقوله الكلمة، يقول للرب، كلمتك صادقة وحق، لكنني ضعيف.. قوِّيني لكي أتمكن من أن أحيا الحياة التي تريدها لي، عوضًا عن تبرير نفسه، وتحوير كلمة الله، والاحتماء بالنعمة بطريقة مشوَّهة..
هذا هوَ الذي يرتعد من كلمة الله..
أحبائي العهد القديم شاخَ وٱضمحلَّ وولَّى، كممارسات وكطريقة للحصول على الخلاص والحياة الأبدية، لكنه لم ولن يشيخ ويضمحل كعهد وكوصايا تخبرنا عن صفات الله، وقداسة الله، وقصد الله لأولاده المؤمنين لجهة سلوكهم بالقداسة والتدقيق والارتعاد من مخالفة وصاياه، فالرب يسوع المسيح، ضامن العهد الجديد، والذي بدمه كتب لنا هذا العهد، قال:
" فليُضئ نوركم هكذا قدام الناس، لكي يروا أعمالكم الحسنة ويُمجِّدوا أباكم الذي في السموات، لا تظنوا أنِّي جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأُكمّل، فإنِّي الحقَّ أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل، فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلَّم الناس هكذا، يُدعى أصغر في ملكوت السموات، وأمَّا من عمل وعلّم، فهذا يُدعى عظيمًا في ملكوت السموات " (متى 5 : 16 – 19).
كلمة وحرف واحد من وصايا الله وناموسه لم ولن يسقطوا.. ومن ينقض كلام الرب سيكون أصغر في ملكوت السماوات، ومن فهم المعنى العميق لهذا الكلام، والذي يرتعد من كلمة الرب، ويُقاوم حتى الدم في سبيل عدم كسره لكلمة الرب، يُدعى عظيمًا في الملكوت..
الناموس لم ولن يُبطل، لكن بسبب ضعف بشريتنا وعجزنا عن تطبيق وصايا الله وإطاعة كلمته والارتعاد منها، أرسلَ الله لنا الرب يسوع المسيح، وكممثل لنا على هذه الأرض طبَّق الناموس بحرفيته، ولم يكسر وصية واحدة وحرفًا واحدًا من وصايا الله، وأطاع حتى الموت، وقاوم الخطيئة حتى الدم.. وعندما مات على الصليب جذب الجميع إليه، فأضحينا في المسيح، فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ.. وأرسلَ لنا الروح القدس، روح القداسة والقوة، لكي يُساعدنا أن نحيا وفقًا لقصد الله لحياتنا.. لكي نتمكن من ٱحترام كلمته وإعطائها السلطان المطلق على حياتنا، والارتعاد من مخالفتها..
وأوصانا كاتب الرسالة إلى العبرانيين أن لا نستبيح بنعمة الله، وأن لا نسقط من هذه النعمة عندما قال:
" لذلك قوِّموا الأيادي المسترخية والركب المخلّعة، وٱصنعوا لأرجلكم مسالك مستقيمة لكي لا يعتسف الأعرج بل بالحري يُشفى، ٱتبعوا السلام مع الجميع، والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب، مُلاحظين لئلا يخيب أحد من نعمة الله، لئلا يطلع أصل مرارة ويصنع ٱنزعاجًا فيتنجس به كثيرون، لئلا يكون أحد زانيًا أو مستبيحًا كعيسو، الذي لأجل أكلة واحدة باع بكوريته... لأنكم لم تأتوا إلى جبل ملموس مضطرم بالنار، وإلى ضباب وظلام وزوبعة، وهتاف بوق وصوت كلمات، ٱستعفى الذين سمعوه من أن تزداد لهم كلمة، لأنهم لم يحتملوا ما أمر به، وإن مسَّت الجبل بهيمة تُرجم أو تُرمى بسهم، وكان المنظر هكذا مخيفًا، حتَّى قال موسى: أنا مُرتعب ومُرتعد، بل قد أتيتم إلى جبل صهيون، وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية، وإلى ربوات هُم محفل ملائكة، وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات، وإلى الله ديان الجميع، وإلى أرواح أبرار مكمّلين، وإلى وسيط العهد الجديد يسوع، وإلى دم رشّ يتكلم أفضل من هابيل، ٱنظروا أن لا تستعفوا من المتكلم، لأنَّهُ إن كان أولئك لم ينجوا إذ ٱستعفوا من المتكلم على الأرض، فبالأولى جدًّا لا ننجو نحن المُرتدين عن الذي من السماء، الذي صوته زعزع الأرض حينئذٍ، وأمَّا الآن فقد وعد قائلاً: إنِّي مرة أيضًا أُزلزل لا الأرض فقط بل السماء أيضًا، فقوله مرة أيضًا يدل على تغيُّر الأشياء المتزعزعة كمصنـوعة لكـي تبقـى التـي لا تتزعـزع، لذلك ونحـن قابلـون ملكوتًا لا يتزعـزع، ليكـن عندنـا شكـر بـه نخـدم الله خدمة مرضية بخشوع وتقوى، لأنَّ إلهنا نار آكلة " (عبرانيين 12 : 12 – 29).
جبل مضطرم بالنار.. إن ٱقتربت منه بهيمة كانت ستموت.. وشعب ٱستعفى أن تُزاد لهم كلمة واحدة.. منظر مُخيف.. موسى نفسه كانَ مرتعد وخائف.. إنها قداسة الله التي لن نفهمها بعقولنا المحدودة..
نعم.. نحن اليوم في عهد النعمة.. عهد دم الرب يسوع.. لم نقترب من جبل مماثل.. بل من عرش النعمة.. عرش الغفران والقبول.. من حجاب شُقَّ وباب مفتوح على الدوام على حساب الدم..
لكن كاتب الرسالة ينبهنا أن لا نستعفي كما ٱستعفى أولئك حينها، قائلاً:
إن كانَ هؤلاء لم ينجوا، فبالأولى نحن المرتدين عن إطاعة كلمة الله وعدم ٱحترامها لن ننجو، بل ينبغي علينا أن نكون مرضيين في سلوكنا أمام الله، بكل تقوى وخشوع وقداسة..
والسبب أنَّ إلهنا لم ولن يتغيَّر بل هوَ كانَ وسيبقى نار آكلة.. كلِّي القداسة والطهارة..
وصايا الله وصفاته والمقياس الذي وضعهُ لأولاده لم ولن يتغيَّروا.. بل الذي تغيَّر أنَّ الرب يسوع نفَّذَ كل طلبات الناموس وكل طلبات القداسة وكل طلبات كلمة الله، وأرسل لنا الروح القدس لكي نسلك مثلهُ..
المبدأ ما زال كما كان وسيبقى، لكن الطريقة لعيشه تغيرت.. أُعطينا قوة الروح القدس لكي نحيا المبدأ نفسه.. لكي نرتعد من كلمة الله ونحترمها ونحياها..
ولكي يقول كاتب رسالة العبرانيين، ٱنتبهوا أن لا تكونوا زناة أو مُستبيحين كعيسو، وٱنتبهوا لئلاَّ تخيبوا من نعمة الله، فهذا يعني أننا إن لم نرتعب من كلمة الله ونُعطيها السلطان المُطلق على حياتنا، ونكون مدققين في كل فكر وفعل ودافع، فقد نستبيح وقد نزني وقد نخيب عندها من نعمة الله، وقد نتعرض لتأديب قاسي !!!
سببان هامّان أحببت أن أتامل بهما معكم في هذا اليوم، يهدف الله من خلالهما تحذيرنا بضرورة الارتعاد من كلمته وإعطائها السلطان المطلق على حياتنا:
- السبب الأول: لأنَّهُ إله قدوس، ولأنهُ قال: كونوا قديسين لأني أنا قدوس.. ودون قداسة لن يرى أحد وجه الرب.. ولأنَّ الرب طلبَ منَّا مباشرةً قبلَ أن يقول أن كلمة أو حرف من الناموس لن يسقطا، نعم طلبَ منَّا قائلاً:
" فليُضئ نوركم هكذا قدام الناس، لكي يروا أعمالكم الحسنة ويُمجِّدوا أباكم الذي في السموات ".
لأنَّ الناس سترى سلوكنا وما نقوم بهِ، ولن ترى دواخل قلوبنا والقداسة التي نلناها بالإيمان بالرب يسوع، بل تُريد أن ترى القداسة العملية، تُريد أن ترى يسوع في تصرفاتنا، وهذا ما سيجذبها إلى الرب، وهذا ما سيُمجِّد الرب في أعينهم..
- السبب الثاني: هوَ لخيرك بكل تأكيد..
فالرب يسوع قال:
" ... تضلُّون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله " (متى 22 : 29).
ستحيا في ضلال إن لم تعرف الكلمة كما ينبغي وتحترمها وتُسلطها على حياتك..
فكم أصبح سهلاً على أغلبنا أن يقول:
لقد أعلن لي الروح ذلكَ أو ذاك.. أو رأيت الرب في حلم أو رؤيا وقال لي هذا أو ذاك..
ولا نفحص هذه الإعلانات وهذه الرؤى على ضوء ما تقوله كلمته.. لأنها الحامي لنا والضامن لنا.. لأنَّ الروح القدس والرب، لن يُعلنا لنا شيئًا يتناقض مع الكلمة التي وضعها بين أيدينا..
وبولس قال لأهل غلاطية:
" ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء، بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما " (غلاطية 1 : 8).
نعم.. مهما تلقيت من إعلانات، ومهما رأيت من رؤى، فإن لم تكن متوافقة مئة بالمئة مع كلمة الله، فلا تتأخر لحظة واحدة عن القول إنها من الشيطان، لأنهُ قد يظهر لنا مرارًا كثيرة كملاك نور كما قال بولس:
" ولا عجب، لأنَّ الشيطان نفسه يُغيّر شكله إلى شبه ملاك نور " (كورنثوس الثانية 11 : 14).
لقد أدركَ داود النبي، أهمية كلمة الله، فكتب لنا كلمات مُعبِّرة وعميقة فتعالَ نتعلَّم منهُ:
" هنيئًا لمن لا يسلك في مشورة الأشرار وفي طريق الخاطئين لا يقف وفي مجلس المستهزئين لا يجلس، بل في شريعة الرب مسرَّته وبها يلهج نهارًا وليلاً، فيكون كشجرة مغروسة على مجاري المياه، تُعطي ثمرها في أوانه وورقها لا يذبل، وكل ما يعملهُ صالحٌ " (مزمور 1 : 1 – 3).
إنَّهُ أوَّل المزامير، ولهذا دلالة كبيرة، أول شيء تكلَّم عنهُ داود كانَ كلمة الله، التأمُّل فيها والعمل بها، واللذين سيؤديان إلى الانتعاش والثمر الكثير والنضارة الدائمة والأعمال الصالحة.
وسبقَ لله أن قالَ كلامًا مُعبِّرًا ليشوع في هذا السياق:
" إنما كُن مُتشدِّدًا وتشجع جدًّا لكي تتحفَّظ للعمل، حسب كل الشريعة التي أمرك بها موسى عبدي، لا تمل عنها يمينًا ولا شمالاً، لكي تفلح حيثما تذهب، لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك، بل تلهج فيه نهارًا وليلاً، لكي تتحفَّظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه، لأنَّكَ حينئذٍ تُصلح طريقك وحينئذٍ تُفلح ".
(يشوع 1 : 7 – 8).
قبلَ هاتين الآيتين قال الله ليشوع: لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك..
ليُكمل وصاياه لهُ في هاتين الآيتين، مبتدءًا بكلمة مُعبِّرة للغاية:
" إنَّما ".
سيكون لكَ يا يشوع كل هذا.. إن كنتَ مُتحفِّظًا أن تعمل بتدقيق بكلمتي.. تخافها.. ترتعد منها.. تلهج بها ليلاً ونهارًا.. ولا تحد عنها لا شمالاً ولا يمينًا.. حينئذٍ فقط، لا يقف أحد في وجهك، وتفلح وتنجح وتُصلح طريقك..
والآن سأترك لكَ هذه الآيات من المزمور 119 لتتأمَّل فيها وتجني منها غذاءً لروحك، ودفعًا يُحثَّك على قراءة كلمة الله والعمل بها، والارتعاد منها، وإعطائها السلطان المطلق على حياتك:
" خبأتُ كلامك في قلبي لئلاَّ أُخطﺊ إليك... فرائضك نور لي، وهيَ مصدر مشورتي...أُراعي شريعتك كلَّ حينٍ، مدى الدهر وإلى الأبد. أسيرُ منشرحَ الصدر لأني طلبت أوامرك... تعزيتي في عنائي أنَّ كلمتك تُحييني... ضللتُ قبلَ أن تُعينني، والآن أسهر على كلمتك... شريعتك نورٌ لي لولاها هلكتُ في شقائي... أنا أعقل ممَّن علَّموني، لأنِّي أتأمَّل فرائضك، وأكثر من الشيوخ فهمًا، لأنِّي أحفظ أوامرك... ثبِّتْ خطواتي في كلمتك، فلا يتسلَّط عليَّ إثمٌ... يَسلَمْ الذين يُحبُّونَ شريعتك، لأنَّ لا شيء بهِ يعثرون ".
وأخيرًا، ليكُن لكلمة الله الكاملة وليسَ نصفها، سلطان مُطلق على حياتك، من خلالها تحكم على كل قول وكل فكر وكل تصرف، ليكن الأبيض أبيض في عينيك، وليكن الأسوَد أسوَد في عينيك، ولا تترك مكانًا للون الرمادي، قلْ عن كل ما يتطابق مع كلمة الله إنهُ حقّ، وقلْ عن كل ما يتناقض مع كلمة الله إنه باطل، ولا تُميِّع الأمور أبدًا، حتى وإن كنتَ في مواقف معيَّنة ما زلتَ لا تستطيع أن تطبق ما تطلبه منكَ هذه الكلمة، لا بأس.. فالروح القدس سيُدرِّبك وسيُساعدك، لكن قلْ، كلمة الله حقيقية وصحيحة وأنا من يتصرَّف بطريقة خاطئة وسوف أُصحِّح، ولا تُبرِّر ضعفك بأن تُحرِّف كلمة الله، أو تجتزئ منها.. لتُغطي هذا الضعف، بل ٱعترف بهِ كما هوَ ولتبقى كلمة الله صادقة وكاملة !!!
وٱعلم أنَّ الله ينظر إلى المسكين والمُنسحق الروح والمرتعد من كلمته.. الذي عزمَ في قلبه كما دانيال أن لا يتنجَّس من أطايب هذا العالم.. الذي عزمَ في قلبه أن لا يُخالف وصايا الله مهما كانَ الثمن غاليًا ومُكلفًا.