وتصوِّر الأمثال التي ضربها السيد المسيح حالاتٍ من واقع حياة الناس، ولذلك نطلق عليه «الراوي الأعظم» فهو الذي يُرينا أباً يفيض قلبه حباً وشوقاً إلى ابن ضال نادم راجع من البلد البعيد إلى الأحضان الأبوبة المنتظرة، الواثقة أنه لا بد راجع (لوقا 15: 20)، ويرينا راعي أغنام منحنٍ على طرف هاوية ليرفع حمَلاً له سقط في حفرة (لوقا 15: 4)، ويرينا جريحاً وقع بين اللصوص يسعفه مسافر يختلف عنه في الوطن والدين (لوقا 10: 33). وتنقلنا أمثال السيد المسيح لنرى فلاحاً يبذر بذوره (متى 13: 3) أو يحرث بمحراثه (لوقا 7: 17)،وصياداً يلقي شباكه (متى 13: 48)، وأرملة تستنجد بقاضٍ مرتشٍ (لوقا 18: 3)، وبنّاء يبني قلعة (لوقا 14: 28)، وملكاً يتّجه بجيشه لأرض المعركة (لوقا 14: 31). ولمس السيد المسيح في أمثاله الحياة العائلية كما في مثَل الابنين (متى 21: 28-31)، والحياة الزراعية كما في مثَل التينة غير المثمرة (لوقا 13: 6-9) والحياة التجارية كما في مثَل الوزنات (متى 25: 14-30)، والحياة السياسية كما في مثَل الملك الذي طلب حكماً فانقلب شعبه عليه أثناء سفره (لوقا 19: 11-27).
عرف فن الأمثال واستخدم قبل السيد المسيح. ولم يكن السيد المسيح أول من استخدم أسلوب التعليم بأمثال، فقد سبقه أنبياء العهد القديم وغيرهم في ذلك. ويورد العهد القديم بعض الأمثال في ((2 صموئيل 12: 1- 4 1 فَأَرْسَلَ الرَّبُّ نَاثَانَ إِلَى دَاوُدَ. فَجَاءَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: «كَانَ رَجُلاَنِ فِي مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ، وَاحِدٌ مِنْهُمَا غَنِيٌّ وَالآخَرُ فَقِيرٌ. 2وَكَانَ لِلْغَنِيِّ غَنَمٌ وَبَقَرٌ كَثِيرَةٌ جِدّاً. 3وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ إِلاَّ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ صَغِيرَةٌ قَدِ اقْتَنَاهَا وَرَبَّاهَا وَكَبِرَتْ مَعَهُ وَمَعَ بَنِيهِ جَمِيعاً. تَأْكُلُ مِنْ لُقْمَتِهِ وَتَشْرَبُ مِنْ كَأْسِهِ وَتَنَامُ فِي حِضْنِهِ، وَكَانَتْ لَهُ كَابْنَةٍ. 4فَجَاءَ ضَيْفٌ إِلَى الرَّجُلِ الْغَنِيِّ فَعَفَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَنَمِهِ وَمِنْ بَقَرِهِ لِيُهَيِّئَ لِلضَّيْفِ الَّذِي جَاءَ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ نَعْجَةَ الرَّجُلِ الْفَقِيرِ وَهَيَّأَ لِلرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ إِلَيْهِ». ، 1ملوك 20: 35- 42 35وَإِنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي الأَنْبِيَاءِ قَالَ لِصَاحِبِهِ: «عَنْ أَمْرِ الرَّبِّ اضْرِبْنِي». فَأَبَى الرَّجُلُ أَنْ يَضْرِبَهُ. 36فَقَالَ لَهُ: «مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ لِقَوْلِ الرَّبِّ فَحِينَمَا تَذْهَبُ مِنْ عِنْدِي يَقْتُلُكَ أَسَدٌ». وَلَمَّا ذَهَبَ مِنْ عِنْدِهِ لَقِيَهُ أَسَدٌ وَقَتَلَهُ. 37ثُمَّ صَادَفَ رَجُلاً آخَرَ فَقَالَ: «اضْرِبْنِي». فَضَرَبَهُ الرَّجُلُ ضَرْبَةً فَجَرَحَهُ. 38فَذَهَبَ النَّبِيُّ وَانْتَظَرَ الْمَلِكَ عَلَى الطَّرِيقِ، وَتَنَكَّرَ بِعِصَابَةٍ عَلَى عَيْنَيْهِ. 39وَلَمَّا عَبَرَ الْمَلِكُ نَادَى الْمَلِكَ: «خَرَجَ عَبْدُكَ إِلَى وَسَطِ الْقِتَالِ، وَإِذَا بِرَجُلٍ مَالَ وَأَتَى إِلَيَّ بِرَجُلٍ وَقَالَ: احْفَظْ هَذَا الرَّجُلَ. وَإِنْ فُقِدَ تَكُونُ نَفْسُكَ بَدَلَ نَفْسِهِ، أَوْ تَدْفَعُ وَزْنَةً مِنَ الْفِضَّةِ. 40وَفِيمَا عَبْدُكَ مُشْتَغِلٌ هُنَا وَهُنَاكَ إِذَا هُوَ مَفْقُودٌ». فَقَالَ لَهُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ: «هَكَذَا حُكْمُكَ. أَنْتَ قَضَيْتَ». 41فَبَادَرَ وَرَفَعَ الْعِصَابَةَ عَنْ عَيْنَيْهِ فَعَرَفَهُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ. 42فَقَالَ لَهُ: «هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لأَنَّكَ أَفْلَتَّ مِنْ يَدِكَ رَجُلاً قَدْ حَرَّمْتُهُ، تَكُونُ نَفْسُكَ بَدَلَ نَفْسِهِ، وَشَعْبُكَ بَدَلَ شَعْبِهِ». ، أشعياء 5: 1- 7 المذكور بعاليه). أما يسوع فقد أوصل هذا الفن إلى الكمال، وقد اختلفت مواضيع أمثاله عن مواضيع سابقيه، كما أنه حصر هذه المواضيع حول شخصه وأراد من خلالها جلب الناس إليه وحثهم على مواجهة تحديه بطريقة إيجابية. و أمثال السيد المسيح تخلو من القصص الخرافية، وحديث الأشجار والحيوانات، فهو «الطريق والحق والحياة» الذي أعلن الأخبار المفرحة الحقيقية بأسلوب تعامل الله الحقيقي مع البشر, فجاءت أمثاله واقعية تحمل دروس الأبد لكل بشرٍ في كل زمن وفي كل مكان، فقد قال أنجيل (يوحنا 6: 63) «الْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ».
إذا لا يقصد من الأمثال أبداً تسلية الناس بل إعلان ملكوت الله، وقد أعلن السيد المسيح، من خلال أمثاله طبيعة الملكوت.