رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
المحبة لا تحتد
الذي يحب، لا يحتد علي من يحبه. أي لا يغضب عليه، ولا يثور، ولا يعامله بحده، أي بشدة وعنف. بل علي العكس بوداعة، وبحب، وطيبة قلب. وحسنًا قال القديس بولس الرسول عن المحبة إنها لا تحتد، بل قوله إنها لا تطلب ما لنفسها. فطبيعي أن الذي يطلب ما لنفسه، لا يحتد. إنما يحتد الذي يطلب لنفسه كرامة ومعاملة خاصة، ولا يجد ذلك. ويحتد الذي يطلب لنفسه طاعة وخضوعًا، ولا يعامل هكذا. أما إن كان لا يطلب لنفسه شيئًا من هذا كله وأمثاله، فطبيعي أن لا يحتد. كذلك فإن الاحتداد لا يتفق مع الصفات الأخرى للمحبة. فما دامت المحبة (تتأنى وتترفق). فإنها بالتالي لا تحتد. لأن الحدة ضد الرفق. والذي يتأنى ويطيل أناته، فإنه لا يحتد. مادامت المحبة (لا تنتفخ ولا تتفاخر) فطبيعي أنها لا تحتد. كذلك مادامت المحبة (لا تقبح) فإنها لا تحتد. الآن الإنسان يحتد بسبب ما يراه قبيحًا أمامه. كذلك مادامت (تصدق كل شيء، وتصبر علي كل شيء) فإنها لا تحتد. لأن الحدة لا تتفق مع الصبر. مادامت تصدق من تحبه فلماذا إذن تحتد عليه؟! وهكذا نجد أن صفات المحبة تتفق مع بعضها البعض.. والإنسان بطبيعته قد يحتد علي عدو، أو علي مخالف ومعارض، أو علي مقاوم أو عنيد. ولكنه لا يحتد علي حبيب. حتى إن أخطأ، يميل إلي مسامحته والتغاضي عن أخطائه. وكما يقول المثل العامي (حبيبك يبلع لك الظلط). أو كما يقول الشاعر عن نفس هذا المعني: عين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدى المساويا وأعظم مثل للمحبة التي لا تحتد، الله تبارك اسمه. الله مثل للمحبة التي لا تحتد، الذي قيل عنه المزمور إنه (لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا). بل أنه (كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا) (مز103: 10، 12). الله الذي قال عنه يوئيل النبي إنه (رؤوف رحيم، بطي الغضب كثير الرأفة) (يؤ13:2). وقال عنه يونان النبي إنه (بطئ الغضب كثير الرحمة) (يون2:4).. وهكذا قال أيضًا داود إنه (رؤوف وطويل الروح وكثير الرحمة) (مز8:103).أنه الله الذي لم يتحد علي أحباء كلموه بأسلوب يبدو شديدًا. لم يحتد علي حبيبه إبراهيم حينما قال له (حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر تميت البار مع الأثيم.. حاشا لك. أديان الأرض كلها لا يصنع عدلًا؟!) (تك25:18). بل لم يحتد أيضًا علي حبيبه أيوب حينما قال له (لا تستذنبني. فهمني لماذا تخاصمني؟ أحسن عندك أن تظلم؟! أن ترذل عمل يديك؟! وتشرق علي مشورة الأشرار؟!) (أي10: 2،3). (كف عني، فأتبلج قليلًا) (أي20:10). (ماذا أفعل لك يا رقيب الناس. لماذا جعلتني عاثورًا لنفسك) (أي20:7). ولم يحتد الرب أيضًا علي حبيبه موسى حينما قال له (أرجع يا رب عن حمو غضبك، أندم علي الشر) (خر12:23). وإنما استجاب له ولم يفن الشعب في عبادته للعجل الذهبي. ولم يتحد الرب علي أحباء له وقعوا في أخطاء شديدة: لم يتحد علي تلميذه بطرس الذي أنكره ثلاث مرات، بل كلمه بلطف بعد القيامة، ورفع روحه المعنوية بقوله له (ارع غنمي. ارع خرافي) (يو21: 15-17). ولم يحتد علي تلميذه توما الشكاك الذي قال له (إن لم أبصر في يديه أثر المسامير وأضع أصبعي في أثر المسامير، وأضع يدي في جنبه لا أؤمن) (يو25:20)، . إنما ظهر له الرب، وحقق له ما أراد دون أن يحتد عليه. وقال له في رفق (لا تكن غير مؤمن بل مؤمنًا).. ومن قبل الصلب، لم يحتد علي التلاميذ الذين لم يستطيعوا أن يسهروا معه ساعة واحده في أشد الأوقات. بل في رقة أوجد لهم عذرًا بقوله (أما الروح فنشيط، وأما الجسد فضعيف.. ناموا الآن واستريحوا) (مت26: 41، 45). فعل الرب هذا لأنه يحبهم، والمحبة لا تحتد. توجد أمثلة أخري لهذه القاعدة في حياة القديسين. منها موسى النبي، الذي لم يحتد علي هارون ومريم لما تكلما عليه في زواجه بالمرأة الكوشية، إذ (كان الرجل موسى حليمًا أكثر من جميع الناس الذي علي وجه الأرض) (عد3:12). بل أنه لما عاقب الرب مريم بسبب جرأتها علي موسى، تشفع فيها موسى وطلب من الرب مسامحتها (عد13:12). هذه هي المحبة التي ليس فقط لا تحتد بل تشفع. مثل آخر هو داود النبي في معاملته لأبشالوم. أبشالوم الذي خان أباه داود، وأساء إليه، وقاد ليستولي علي ملكه.. لم يحتد عليه داود، بل لرجال جيشه (ترفقوا بالفتي أبشالوم) (2صم5:18). ولما انتصر جيش داود كان كل همه لمن بشروه بالانتصار (أسلام للفتي أبشالوم؟) (2صم18: 29،32). ولما علم بموته، بكي عليه وأبكي الشعب كله. مثال آخر هو أبونا إسحق الذي لم يحتد علي يعقوب لما خدعه. خدع يعقوب أباه وقال له (أنا عيسو بكرك) (تك19:27). ونال البركة بمكر. ولما عاد عيسو واكشف إسحق الخدعة، لم يحتد علي يعقوب، بل قال (تعن يكون مباركًا) (تك33:27). إنها المحبة التي لا تحتد. يذكرنا هذا كله وغيره بمحبة الأم لطفلها ورضيعها. ما أكثر ألوان الإزعاج التي يسببها الرضيع لأمه بحيث لا تعرف معني الراحة والنوم، ولكنها لا تحتد عليه لأنها تحبه. وقد خلقها الله بهذه المحبة التي لا تحتد عليه لأنها تحبه. وقد خلقها الله بهذه المحبة التي لا تحتد (بالنسبة إلي رضيعها) لكي يمكنها أن تهتم به وتربيه.. المحب لا يحتد علي حبيبه، لأنه يود الاحتفاظ بمحبته. لا يريد أن يفقد محبته، أو أن يعكر جوها بالحدة. وكذلك لأنه يحبه، فلا يريد أن يخدش شعوره بأي لون من الاحتداد. وأيضًا لأنه يأخذ كل تصرفاته بحسن نية، ولا يظن به السوء، لأن المحبة لا تظن السوء. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
المحبة لا تظن السوء، فلا تحتد |
المحبة لا تحتد ولا تظن السوء ولا تفرح بالاثم |
المحبة لا تحتد.... |
المحبة لا تحتد |
المحبة لا تحتد |