رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حزقيا والإصلاح العظيم الذى قام به ويعتبر حزقيا واحداً من أعظم المصلحين الدينيين فى التاريخ ، وكل إصلاح فى العادة يبدأ بظهور رجل من أبطال اللّه يقود حركة الإصلاح ، أو كما قال أحدهم : " إن النهضة التى حدثت فى قرية سامرية - كما جاء فى إنجيل يوحنا - بدأت بامرأة تشهد عن يسوع وما فعل معها ، ونهضة يوم الخمسين ظهرت بقيادة بطرس بقوة الروح القدس ، والنهضات التى حدثت فى آسيا الصغرى وشمال اليونان فى القرن الأول ، كانت ثمرة وعظ الرسول بولس ، وقد ألهب سافونا رولا فلورنسا ، وأيقظ لوثر أوربا ، وقامت نهضة الوسليين وهو ايتفيلد ، لتحول الحياة الدينية والأدبية فى إنجلترا تحويلا كاملا ، وقام فنى بنهضته العظيمة فى منتصف القرن التاسع عشر ، وأشعل مودى النهضة فى الجزر البريطانية وأمريكا فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر !! .. وفى الحقيقة أن النهضات لا تبدأ عشوائية ، بل يلزم أن يكون وراءها رجل ، ورجل للّه !! .. وهذا الرجل يلزم ، ودائماً ، أن يكون خاضعاً بالتمام للروح القدس ، ومحفوظاً فى النقاوة بسكنى الروح القدس ، وممتلئاً بالعاطفة الملتهبة لخلاص النفوس ، وفاهما بالتمام لمشيئة اللّه ، وممسوحاً بمسحة القوة ، حتى ولو بدا وعظه وتعليمه بسيطين ، فإن الجماهير الغفيرة تقبل تحت الإحساس بذنبها ، إلى الاعتراف بالرب مخلصها . وفى النهضة التى نشير إليها نجد رجلا استخدمه اللّه ليغير الحياة الدينية لأمته تغييراً كاملاً ، ولم يكن هذا الرجل إلا حزقيا ، الملك الذى يقف على رأس أمة ممزقة تعسة ضعيفة " ...! ولعلنا نستطيع إدراك قلب الرجل الملتهب متى تبينا أنه لم يضع دقيقة واحدة فى القيام بحركة الإصلاح ، إذ بدأه فى السنة الأولى لتولى العرش ، وكان فى أوج القوة والشباب ، فى الخامسة والعشرين من عمره ، ... لقد كان - كما يبدو - ضيق الصدر محزون النفس بما يفعل أبوه من شرور وآثام، ويبدو أن أمه" أبى بنت زكريا " هى التى كانت تغذى فيه هذا الضيق على الدوام كما يبدو أن إشعياء كان له أيضاً دخل فى الأمر ، ولعل الأحوال السيئة التى باتت عليها المملكة جعلته يؤمن إيماناً سديداً بأن الكوارث التى حاقت بها ، لم تأت إلا لابتعاد الشعب عن اللّه . وتستطيع أن تدرك هذا بوضوح من حديثه النبيل العظيم مع الكهنة واللاويين إذ يقول : " لأن آباءنا خانوا وعملوا الشر فى عينى الرب إلهنا وتركوه ، وحولوا وجوههم عن مسكن الرب وأعطوا قفا ... فكان غضب الرب على يهوذا وإسرائيل .. " إن اللّه دائماً فى حاجة إلى رجل ليصنع به الإصلاح العظيم ، ... ولقد أشرنا إلى يوحنا وسلى عندما انحطت انجلترا فى القرن الثامن عشر إلى أحط الدركات الخلقية ، إذ كانوا - كما يقولون - يجدون حانة للخمور مقابل أربعة بيوت للسكن ، وانتشرت الدعارة وتزايدت الجرائم ، إلى أن أنهض اللّه له رجلا ، لم يكن صاحب عرش أو جيش أو ثروة أو سلطان ، إذ كان مجرداً منها جميعاً ، ولكنه كان يملك ما هو أعظم ، فقد كان يوحنا وسلى " رجل الله ، الرجل الذى نادى فى إنجلترا ، بإنجيل المسيح ، ولقد ظل وسلى يتنقل فى انجلترا من مكان إلى مكان ما بين الشوارع والأزقة والمدن والقرى والمصانع والمناجم ، يعظ يومياً ما بين عظتين وخمسة عظات ، فعل مالا تفعله قوات العالم مجتمعة !! . فإذا كان وسلى قد فعل كل هذا فى القرن الثامن عشر بعد الميلاد ، واحتمل فى سبيل ذلك ، مالا يكاد يحتمله بشر ، فإن حزقيا فعل الشئ ذاته فى القرن الثامن قبل الميلاد ، ... لقد أدرك حزقيا قوة الكلمة الإلهية ، وأرسل الوعاظ والسعاة إلى جميع إسرائيل ويهوذا ، ينادون بالعودة إلى الرب ، واستقبل الناس الكلمة ، كما يحدث فى النهضات ، ما بين ساخر وضاحك ، وبين مؤمن وتائب : " فكانوا يضحكون عليهم ويهزأون بهم إلا أن قوما من أشير ومنسى وزبولون تواضعوا واتوا إلى أورشليم " " 2 أى 30 : 10 و 11 " وغير خاف أن العنصر الأول من عناصر الإصلاح ، لابد أن يكون شيئاً سلبياً ، إذ هو التطهـــر من كل دنس وشر ، ولا يمكن لأية نهضة أن تقوم ، ما لم تبدأ بالتوبة ، والتائب الأول هو رجل النهضة وخادمها ... ولقد دعا حزقيا الكهنة واللاويين : " وأدخل الكهنة واللاويين وجمعهم إلى الساحة الشرقية وقال لهم : اسمعوا لى أيها اللاويون . تقدسوا الآن وقدسوا بيت الرب إله آبائكم وأخرجوا النجاسة من القدس " " 2 أى 29 : 4 - 5 " . وأى خادم لا يستطيع المناداة بالتطهير ما لم يكن هو قد تطهر وتقدس ؟ أوكما يقول الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس : " فإن طهر أحد نفسه من هذه يكون إناء للكرامة مقدساً نافعاً للسيد مستعداً لكل عمل صالح " " 2 تى 2 : 21 " . وإلى جانب الخادم المطهر يأتى بيت الله المطهر ، ... وقد أخرج حزقيا الأصنام والنجاسات من الهيكل ، وطهر الأوانى المقدسة ، وأعد بيت الله للعبادة الطاهره النقية وهى حقائق تشير إلى ما ينبغى أن تكون عليه الكنيسة، إذا رامت أن تغير العالم أو تصلحه وتنهضه ، .. ولقد أدرك حزقيا ، فى هذا كله أن الروح لابد أن يسبق الحرف ، وأن العبرة - كل العبرة - ليست بمجرد الطقس فى حد ذاته ، بل بماوراء الطقس من معنى ومغزى ، ومن ثم نجده يتجاوز عن عمل الفصح فى وقته، إذ أن الميعاد قد فات ، وهو لا يمكن أن ينتظر إلى العام التالى ، لئلا تفتر المشاعر المتوثبة الملتهبة ، ولا مانع عنده من أن يعمل الفصح فى الشهر التالى ... إن حزقيا يدرك جيداً أن اللّه لا يخدعه الطقس الخارجى أو المظهر الشكلى دون الحقيقة الداخلية المباركة العميقة !! .. وهذا حق ، وليس أدل عليه من أن قيافا صنع الفصح وأكله ، .. ثم صلب يسوع المسيح وهكذا ارتكب أكبر جريمة فى التاريخ !! .. عمل حزقيا الفصح واشترك إسرائيل ويهوذا فى إقامته معا لأول مرة بعد سليمان ، وإذ أهمل الشعب هذه الفريضة ، نسى نظامها وشروطها ، ومع ذلك صلى حزقيا إلى الله وقد هيأوا قلوبهم لها ، فشفاهم الرب متجاوزاً عن نقصهم وضعفهم ، ... ولا يجوز لنا أن ننسى أن لب الاصلاح والنهضة عند الملك القديم ، على أي حال ، كان الفصح ، ... وهو ذات الشئ فى كل نهضة واصلاح فى العصر الحديث ، لأن فصحنا المسيح قد ذبح لأجلنا ، ...ولا نهضة إلا بالتبشير بيسوع المسيح وإياه مصلوباً ... عندما عاد " مودى " من رحلته الموفقة الأولى إلى انجلترا ، وتحدثت الصحف عن نجاحه هناك ، حدث أن امرأة كانت تسمعه يتكلم كثيراً عن الصليب قبل ذهابه ، وإذ عاد ذهبت لتسمعه، فإذا بأول عظة يعظها أيضاً كانت عن دم المسيح ، فاقتربت منه المرأه وقالت له : كم أنا آسفة يامودى إذ سمعتك اليوم تتكلم عن هذا الموضوع المخيف ، لقد ظننت أنك أسقطته من وعظك ، والآن أعرف أنك لا يمكن أن تكون واعظاً ناجحاً ، وإذا بمودى يجيبها : يا سيدتى : إذا لم يكن المسيح قد تكلم عن هذا الموضوع ، وكذلك أيضاً الرسل ، بل إذا لم يكن المسيح قد وعظ به ، فإنى أكون قد قرأت كتابى المقدس بكيفية خاطئة هذه السنين الطويلة ، ولا أكون قد عثرت على مفتاح الكتاب ... ويكون الكتاب بجملته مغلقاً أمامى ، وإذا لم أعظ عن الصليب ، وأهملته ، فلا يكون هناك شئ بعد لأعظ عنه ، ... احذفى العقيدة المباركة عن الدم من الكتاب، ... وإذا بكل شئ ينهار!!.. نجح حزقيا وكانت عناصر نجاحه : الواعظ الطاهر ، وبيت الله المقدس ، وكلمة الله الحية الفعالة ، ورسالة الدم االمسفوك ، وهى عناصر كل نهضة عظيمة عرفها التاريخ بعد ذلك |
|