رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ترتيوس وبركة كتابة رسالة رومية لست أعلم قوة الذاكرة عند ترتيوس ، ولكنى اتفق مع من قال إن ترتيوس كان أول من استمع إلى الرسالة العظيمة ، أول من استمتع بها . كان ترتيوس ، رجلاً مؤمناً باللّه ، وكان وقع الكلمات على ذهنه وقلبه أحلى من أعظم موسيقى يستمع إليها إنسان فى الأرض ، ... إن الكتابة التى كان يكتبها لم تكن رص حروف جنباً إلى جنب ، بل كانت عميقة المعنى ممتلئة قوة كبيرة الأثر فى حياته ، .. وهى تذكرنا بما حدث ذات مرة مع بنيامين فرانكلين عندما كان فى التاسعة عشر من عمره ، وسافر ذات مرة من أمريكا إلى أوربا ، ووصل إلى لندن يبحث عن عمل يتعيش منه ، وكان قد تعلم فن الطباعة ، وإذ رأى فى طريقه مطبعة دخلها ، وقابل مديرها ، وطلب منه عملا ، فنظر إليه المدير متذمراً وقال : « شاب آت من أمريكا يطلب عملا فى إنجلترا ... هذا عجيب .. وهل تعرف حقاً فن الطباعة !!؟ هل تقدر أن تصف بعض الكلمات !!؟ فتقدم الشاب نحو صندوق الحروف دون أن يفوه بكلمة وبسرعة جمع هذه العبارة من الأصحاح الأول من انجيل يوحنا : « فقال له نثنائيل أمن الناصرة يمكن أن يكون شئ صالح . فقال له فيلبس تعال وانظر » ، ... وكانت العبارة توبيخاً صامتاً لمدير المطبعة الذى أسرع فأعطى للشاب عملا تحت إدارته ، .. إذ تكلمت الكتابة إليه بلغة أفصح وأقوى !! .. من المؤسف أنه توجد أعداد لا تنتهى من الناس يكتبون للآخرين ، وكأنما هم آلات صماء لا شأن لها بما يكتب أو ينسخ ، وقد تكون أفكارها ومشاعرها وطبائعها ضد ما يكتب أو ينشر بين الناس ،.. وهم لا يهتمون إلا بما يأتيهم من مركز مادى أو اجتماعى يحصلون عليه من وراء ما يكتبون ، ... ولكن ترتيوس كان يؤمن بكل كلمة يمليها بولس عليه ، وهو سعيد كل السعادة برسالة رومية ، قبل أن تنشر أو تذاع على البشر وتأخذ مكانتها العظمى فى التاريخ ، وهو ينتفع بها ويتعلم منها ومتميز على الآخرين بسبق الانتفاع والعلم !! .. على أن البركة الأخرى ، تظهر فى الرابطة التى ربطت ترتيوس بالمؤمنين فى روما ... ومن الواضح أن الرجل فى تحيته ، يبدو غريباً عن أهل روما ، ويبدو أنه كان من كورنثوس ، وإن كان على الأغلب رومانى الجنسية ، ومن المرجح أنه كان مستقراً بالمدينة ولم يذهب مع بولس إلى أماكن أخرى ، وإلا لورد اسمه بين أسماء المرافقين لبولس فى الرسائل الأخرى ، ... ومع أنه لم يكن معروفاً للكنيسة فى روما ، لكنه حياهم فى «الرب» فى ذاك الذى جاء ليجمع أبناء اللّه المتفرقين إلى واحد !! .. قال جون ويسلى :" إذا كان قلبك ينبض مع قلبى بالحب والولاء للمسيح ، فضع إذا يدك فى يدى واعلم أن الكنيسة مؤسسة واحدة رأسها المسيح ، وإيماننا مهما نختلف فى التعبير عنه فهو الإيمان بقوة المسيح المخلصة التى تخلص الخطاة وتعطيهم الحياة الأبدية !! .. وما أجمل الرابطة المسيحية التى تتجاوز حدود المعروف والمنظور والأهل ، لنرى فى كل مؤمن أخاً محبوباً فى الرب !! .. كان هذا شيئاً مجهولا عند الرومانى أو الوثنى ، وكان أبعد من أن يصل إليه اليهودى إذ ألف معلمو اليهود أن يقولوا : إن اليهودى بقوله قريبى يستثنى جميع الأمم ، ويقول الربى سيمون : إن الأمم الذين لا حرب بيننا وبينهم . وكذلك حراس القطان الإسرائيلية ومن شاكلهم ، هؤلاء لا يجوز أن نقتلهم ، ولكننا لسنا ملتزمين أن نعمل على إنقاذهم إذا ما وقعوا فى خطر ، فإذا سقط أحدهم فى الماء فلا يلزمنا أن ننتشله لأنه ليس قريبنا . فهو أممى !! لكن ترتيوس أخذ البركة التى تربطه بكل مؤمن على الأرض ، وهو يحبه . ويحييه عن قرب أو عن بعد ، فى الرب !! على أن البركة الواضحة بعد هذا كله ، هى بركة الخلود الذى ضمنه هذا العمل لترتيوس ، كانت عادة بعض الرسامين القدامى ، وهم يريدون أن يخلدوا أسماءهم فى الصور التى يبدعونها، وفى الوقت نفسه لا يريدون لفت النظر إليهم ، أن يضعوا فى ركن من الرسم شخصاً واقفاً أو راكعاً ، ملامحه هى ملامح المصور نفسه ، ... ونحن نرى ترتيوس ، فى نهاية الصورة العظيمة لرسالة رومية ، لا يرى نفسه أهلا لأن يظهر فيها إلى جانب بولس العظيم ، ولكنه فى ركن متواضع خالد يقول : « أنا ترتيوس كاتب هذه الرسالة أسلم عليكم فى الرب » ، ... ومن العجيب أن هذه الكلمات الوديعة المتواضعة تشع بنور أبدى لتعلن الحقيقة الكبرى فى أن أبسط عمل تقدمه للسيد ، سيكتب له الخلود مع أعظم الأعمال وأسماها وأمجدها على وجه الاطلاق ، ولا يضير ترتيوس أن يركب قطار الخلود فى آخر عربة فيه ، حتى ولو كان بولس فى المقدمة وفى أمجد مكان ، مادام كلاهما يسيران بالعمل العظيم أو البسيط إلى المجد الأبدى !! .. ترى أية رسالة تكتب فى دنيا الحياة أيها القارئ الكريم !؟ .. ضع اسمك مكان ترتيوس وأكمل الجملة التى خلدت الرجل القديم إلى جانب بولس سواء بسواء !! .. |
|