رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كيف عالجها المسيح!!؟ عالجها المسيح كما أسلفنا القول بمحبته وحكمته..أولا عالجها بمحبته: وهل تقرأ قصتها دون أن تحس حرارة محبته وقوتها، كان اليهودي يحتقر المرأة ويمقتها إلى حد بعيد!!.. وكان عارا عليه أن يحييها في شارع أو مكان عام، حتى ولو كانت أخته أو أمه أو زوجته أو تتصل به بأي سبب قوي.. بل كان يقول أحرق الشريعة ولا تعلمها لامرأة، وكان بين اليهود بعض من الفريسيين يدعون «الفريسيين الداميين» وهذا نسبة لأنهم كانوا يضربون رؤسهم حتى تدمي، في أقرب حائط، تكفيرًا لهم عن رؤية أية امرأة يتفق أن تقع أبصارهم عليها، ولهذا لا ندهش لتعجب التلاميذ حين رأوا المسيح يكلم هذه المرأة، ومما زاد عجبهم، أنها سامرية والعلاقة كما قلنا كانت شديدة التوتر بين اليهود والسامريين، حتى أن اليهودي كان يتفادى السامرة في طريقه بين الجليل واليهودية، بعبور الأردن، إذ يسير على ضفته الشرقية ما يوازي عرض السامرة، ولكن هل يسير المسيح في طريق أنشائتها العداوة، وهل يخضع لتلك العواطف البغيضة التي تذهب بأجمل ما في الإنسان من آداب وخلق وسمو وإنسانية!! كلا أن الواضع العظيم لمثل السامري الصالح من المحال أن يتدانى أو ينزل إلى هذا المستوى الضعيف القاصر الذي هبط إليه البشر، بل أني أؤمن إيمانًا لا يتطرق إليه الشك أو الوهن أو الضعف أن السيد تعمد اختيار طريقه في قلب السامرة ليسمو بالشعور الإنساني، ويطهر طريق الإنسان من تلك النزعة الوضيعة الآثمة التي تعصف بالإخاء البشري عصفًا محزنًا مروعًا.. بل لا أعدو الحق إذا قلت أنه ذاهب إلى هناك لأن برنامج عنايته الدقيق كان أن يلتقي بالسامرية عند بئر يعقوب. وما أظن إلا أن منظرها أثار شفقته وعطفه، هذه امرأة فقيرة تعسة عطشى جاءت إلى البئر لتستقي، ولكنها كانت في الواقع أكثر عطشًا إلى ما هو أوفر ريا من مياه بئر يعقوب، كانت نفسها مادئة ظامئة ملتهبة تريد أن تشرب وترتوي من كأس الملذات والمسرات والمباهج والشهوة التي أغرقت نفسها فيها إغراقًا، ولكن انتقالها في أثمها من رجل إلى رجل كان إعلانًا قويًا عن الإفلاس الذي كابدته، والظمأ المحرق الذي انتهت إليه، هي صورة صادقة للنفس البشرية تشرب من مياه العالم، وتحس في النهاية أن هذه المياة أشبه الكل بالمياه المالحة تزيد من يتجرعها ظمأ على ظمأ،.. لقد صور أوغسطينوس هذه الحقيقة في كتابه العظيم «اعترافات أوغسطينوس» وقد كان هذا الرجل ذا طبيعة عميقة التفكير، أجاجة العاطفة، شديدة الإحساس، وقد قضى فجر شبابه مستهترًا ماجنا يرتاد أماكن الأثم والفجور والخلاعة، حتى ضجت قرطاجنة بالشاب الماجن الفاسد، كان يبحث عن السعادة ولما لم يجدها في «الشهوة» صرف عنها وتحول إلى «الصداقة» آملاً أن يجد في العلاقة بالمجتمع بعض راحته واستقراره، غير أنه صدم بوفاة أعز «صديق» له، الصديق الذي قال: «لقد عجبت كيف ظل الناس أحياء بعد وفاة من أحببت، بل كيف بقيت أنا أحيا، وقد كان هذا الصديق نفسي الثانية»... وإذا لم يجد في الشهوة أو الصداقة شبعه تحول إلى «العلم» آملا أن يجد راحته هناك، فانصب في الدراسات العلمية والفلسفية آملا أن يجد في أفلاطون وأرسطو، ما يستشعر من حزن وأسى وارتباك، ولكن العلم لم يزده إلا إحساساً أعمق باليأس والتعاسة والبؤس والشقاء، وفي عام 386 وفي حديقة من حدائق ميلان، سمع صوت صبي يقول افتح واقرأ، وأسرع إلى الكتاب المقدس ليجد الكلمات التي جاءت به إلى المسيح: «قد تناهى الليل وتقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور لنسلك بلياقة كما في النهار لا بالبطر والسكر لا بالمضاجع والعهر لا بالخصام والحسد، بل البسوا الرب يسوع ولا تصنعوا تدبيرًا للجسد لأجل الشهوات»... وكانت هذه الكلمات هي المحول العظيم للرجل الذي ارتوى من المسيح إلى الدرجة التي قال له فيها عبارته المشهورة: «يؤلمنني أنني أحببتك متأخرًا أيها الجميل القديم الأيام».. أجل وهل هناك ما يروي في هذه الأرض كما يروي المسيح الصادق الأمين في قوله: «الذي يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية»... ثانيًا: عالجها بحكمته... ولم يكن المسيح محبًا للسامرية فحسب، بل كان حكيمًا جدًا معها، ومع أنه كان يعلم كل ماضيها، إلا أنه لم يشر على الإطلاق، في استهلال الحديث معها إلى ما يشتم منه إدراكه لهذا الماضي، ذلك لأنه لا يريد أن يجابه فيها لأول مرة غريزة الدفاع عن النفس، ولأنه يعلم أن الحياء البشري قد ينقلب عنادًا إذا أصررنا على مبادأته بالهجوم والتحدي، على أن ذلك لا يعني إهماله. أن يضع أصبعه على موطن الداء، لقد فعل، ولكن بعد أن اكتسب سمعها وشعورها، لقد أثار المسيح في السامرية أموراً ثلاثة: 1- أثار ذاتيهتا وكيانها: هي امرأة فقيرة ضعيفة، تعودت دائمًا أن تؤمر فتطيع، وقد أضحت في نظر الناس من سقط المتاع، ولكن هو لما جاءها أشعرها بكيانها وذاتيتها حين طلب منها ليشرب، وكأنما يقول لها إنه وهو متعب محتاج عطشان يلتمس معونتها إذا تكرمت وتلطفت بهذه المعونة، وبذلك رفع شخصيتها التي وطأتها الأقدام، وأعان نفسها الذليلة على الانتصاب والوقوف إنه لم ينظر إليها من عل باحتقار كما تعودنا نحن كثيرًا أن ننظر بروح الكبرياء إلى الضعفاء والمساكين والساقطين والبؤساء،.. إن الشيء الكثير من دراسات وليم جيمس الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي الكبير ينصب على أن أفضل ما يؤثر في الإنسان هو احترامك وتقديرك لشخصيته، ويبين أن كل إنسان به جوع إلى اعتراف الآخرين بذاتيته واحترامها، وقد يتظاهر كثيرون باحترام غيرهم تحت دوافع التملق والرياء والمصانعة والمداهنة، ولكن المسيح وحده عرف قيمة النفس البشرية، فذكرها واحترمها ومات من أجلها، ومهما بدت أمامه هذه النفس في ثوب الفقر أو الغنى، أو القوة أو الضعف، أو الذكاء أو البساطة، أو الاتساع أو الضيق، فهي عزيزة كريمة رائعة في عيني من أبرأها وافتداها، ولذا لا عجب أن يري المسيح في السامرية الشخصية التي لها عنده كل تقدير واهتمام وعطف!!. 2- أثار دهشتها وتعجبها: أنها لم تعجب منه فقط لأنه وهو يهودي طلب منها ليشرب، لكنها ذهلت ودهشت لأن المحتاج يستطيع أن يعطي، فلئن قدمت له ماء يروي إلى ساعات، فانه يستطيع أن يقدم لها ماء من يشرب منه لا يعطش إلى الأبد، لقد بين لها أن حاجته في الواقع إليها أن هي إلا امتياز يضيفه عليها، وأن سؤاله لها إن هو إلا تفضل من محبته أكثر منه من العوز إلى معونتها، على أنها عجبت له أكثر حين رأته ينفذ بعينيه القويتين الحادتين إلى ما وراء الستار، فيكشف لها ماضيها وحاضرها، كشفا دقيقًا رفيقًَا معا!. إن القصة أمامنا ترينا أن إعجابها به كان دائماً في صعود، ألم تره إنساناً، فنبياً، فالمسيا، ولقد برز إعجابها واضحًا جليا حين نسيت المقصد الأول الذي جاءت من أجله، إذ تركت جرتها عند البئر لتنادي أهل بلدتها وشعبها لرؤية هذا الشخص العجيب. هل نستطيع أن نوقظ في الخاطيء والشرير مثل هذا الانتباه والإعجاب، هل نستطيع أن نثير فكره وشعوره وعاطفته، إن استطعنا لا أقول عبثًا أننا في الطريق إلى جذبه واكتسابه. 3- أثار ضعفها وحاجتها: عندما طلبت منه المعونة والري، وضع يده برفق على نقطة ضعفها، وكامرأة ضعيفة حاولت أن تتهرب بالقول: «أرى أنك نبي، آباؤنا سجدوا» وقد كان المسيح كريمًا إذ سار معها في هروبها، ولم يقفها طويلاً أمام ذلتها وخطيتها بعد أن أحست بها، على أنها لدهشتها، نقلها دون أن تدري، من خطيتها إلى الله بالقول: «لأن الأب طالب مثل هؤلاء الساجدين له».. وأمام الله حاولت لآخر مرة أن تتراجع بتأجيلها كل شيء حتى يأتي المسيا، على أنه أوصد أمامها سبيل الهرب والإفلات بالقول: «أنا الذي أكلمك هو» ... ليتنا نتعلم هذه الحكمة العجيبة حتى ينطبق علينا القول: «لأن رابح النفوس حكيم». |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
المرأة السامرية تبشر بالسيد المسيح |
بئر السامرية حيث التقى المسيح مع المرأة السامرية |
حوار السيد المسيح مع المرأة السامرية |
السيد المسيح مع المرأة السامرية |
المرأة السامرية مع السيد المسيح |