شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القس أنطونيوس فكري
ملوك الثاني 18 - تفسير سفر الملوك الثاني
الآيات 1-8:- وفي السنة الثالثة لهوشع بن ايلة ملك إسرائيل ملك حزقيا بن احاز ملك يهوذا.كان ابن خمس وعشرين سنة حين ملك وملك تسعا وعشرين سنة في اورشليم واسم امه ابي ابنة زكريا.و عمل المستقيم في عيني الرب حسب كل ما عمل داود ابوه.هو ازال المرتفعات وكسر التماثيل وقطع السواري وسحق حيَّة النحاس التي عملها موسى لأن بني إسرائيل كانوا إلى تلك الأيام يوقدون لها ودعوها نحشتان. على الرب إله إسرائيل اتكل وبعده لم يكن مثله في جميع ملوك يهوذا ولا في الذين كانوا قبله.و التصق بالرب ولم يحد عنه بل حفظ وصاياه التي امر بها الرب موسى.و كان الرب معه وحيثما كان يخرج كان ينجح وعصى على ملك اشور ولم يتعبد له.هو ضرب الفلسطينيين إلى غزة وتخومها من برج النواطير الى المدينة المحصنة. حسب كل ما عمل داود أبوه = كما قيل في الملك أسا (1 مل 11:15) والملك يوشيا (2 مل 2:22) ولم تقال سوى في هؤلاء الثلاثة والعجيب أن كل منهم، من هؤلاء الملوك الثلاثة كان ابنا لملك شرير وكان أشعياء مشيرا لأحاز وحزقيا. أزال المرتفعات = وفي 2 أي 29 جاء أنه في السنة الأولى لملكه فتح ابواب بيت الرب وطَهر كهنة بيت الرب وأصعدوا ذبائح وأوقف حزقيا اللاويين للتسبيح وعملوا فصحًا للرب. وكان قد دعا لذلك أسباط إسرائيل ولما فعل هذا خرج كل إسرائيل إلى مدن يهوذا وكسروا الأنصاب وقطعوا السوارى وهدموا المرتفعات. ويحسب لهُ شجاعته فهو لم يهاب الثورة الشعبية بعد هذه الإصلاحات ولم يهاب ملك أشور. نحشتان = مشتقة إما من نحشت أي نحاس أو من نحش أي حية. وبعده لم يكنمثله = وقيل في يوشيا ولم يكن قبله ملك مثله (25:23) فهما كلاهما ملكين قديسين وربما تميز كل منهما عن الآخر في شيء فمثلًا تميز حزقيا باتكاله على الرب ولا مثيل لهُ في ذلك وتميز يوشيا في غيرته لعبادة الرب الطاهرة وليس لهُ مثيل في ذلك ولكن العبارة "لا قبله ولا بعده " هي عبارة عامة تفيد التميز والامتياز،وما زلنا نستخدمها كمديح حتى هذا اليوم وعصى على ملك أشور = وذلك لاتكاله على الرب وربما عصاه في أول ملكه ولكن ملك أشور لم يحاربه منذ أن عصى لأنه كان منشغلًا في حروب أخرى مع السامرة ومع صور ومع مصر. وضرب الفلسطينيين = كان سنحاريب قد أعطى قسمًا من يهوذا إلى ملك غزة. وربما كانت هذه الحرب لإسترداد ما أخذه الفلسطينيين منهم. برج النواطير إلى المدينة الحصينة = من المزرعة الحقيرة إلى المدن الكبيرة أي كل الأرض. ويبدو واضحًا أن حزقيا كان ملكًا قديسًا لكن الشعب لم يرتفع إلى هذه الدرجة. فكانت الإصلاحات ظاهرية ولكن الشعب استمر في محبته لأوثانه داخل القلب لذلك لم نجد أشعياء سعيدًا أو يعبر عن فرح قلبي بعمل حزقيا لأن أشعياء شعر أن الملك في وادٍ والشعب في وادٍ فاستمر في تأنيبه وإنذاراته للشعب. ولم نسمع أن أشعياء قد وافق على عصيان ملك أشور. وربما كان ذلك بسماح من الله لتأديب هذا الشعب وليتمجد في ملك أشور وجيشه أمام أعينهم. وكان مما دفع حزقيا لهذه الإصلاحات درس انهيار إسرائيل أمامهُ بسبب أوثانها فهو قد استفاد من الدرس.
الآيات 9-12:- وفي السنة الرابعة للملك حزقيا وهي السنة السابعة لهوشع بن ايلة ملك إسرائيل صعد شلمناسر ملك اشور على السامرة وحاصرها.و اخذوها في نهاية ثلاث سنين ففي السنة السادسة لحزقيا وهي السنة التاسعة لهوشع ملك إسرائيل اخذت السامرة.و سبى ملك اشور إسرائيل إلى اشور ووضعهم في حلح وخابور نهر جوزان وفي مدن مادي.لانهم لم يسمعوا لصوت الرب الههم بل تجاوزوا عهده وكل ما امر به موسى عبد الرب فلم يسمعوا ولم يعملوا.
هذه الفقرة لإظهار قداسة حزقيا بالمقارنة مع إسرائيل. وبسقوط إسرائيل لم يعد هناك فاصل بين يهوذا وأشور بل صارت عرضة لهجماتهم مباشرة ثم استراحت يهوذا بعد موت سنحاريب وهلاك جيشه. ونلاحظ أن هناك تعارض ظاهري بين الآية 10، أش 8:7 فهنا يقول الكتاب أن السامرة سقطت بعد 3 سنين وأما أشعياء فيذكر أن هناك فترة 65 سنة تسقط بعدها السامرة وتنكسر حتى لا تقوم شعبًا وحل هذه المشكلة أن تغلث فلاسر ملك أشور حارب ملك إسرائيل وقتل وسبى كثيرين وهذا يُعتبر السبي الأول وكان بعد نبوة إشعياء بسنة أو سنتين ثم بعد 20 سنة لنطق إشعياء بنبوته جاء شلمناصر ملك أشور وسبى ملك إسرائيل ورجاله (2 مل 1:17-6، 9:18-12) وهذا هو السبي الثاني ولكن تمام نبوة الـ65 سنة لإشعياء كانت أيام السبى الثالث في أيام أسرحدون ملك أشور الذي أزال مملكة إسرائيل تمامًا من الوجود وأتى بالأجانب إلى السامرة وإستعمروها تمامًا وسبى منسى ملك يهوذا في السنة 21 لملكه وكان ذلك بعد نطق إشعياء بنبوته ب 65 سنة (عز 10،3،2:4 + 2 مل 24:17 + 2 أي 11:33).
الآيات 13-16:- وفي السنة الرابعة عشرة للملك حزقيا صعد سنحاريب ملك اشور على جميع مدن يهوذا الحصينة واخذها.و ارسل حزقيا ملك يهوذا إلى ملك اشور الى لخيش يقول قد اخطات ارجع عني ومهما جلعت علي حملته فوضع ملك اشور على حزقيا ملك يهوذا ثلاث مئة وزنة من الفضة وثلاثين وزنة من الذهب.فدفع حزقيا جميع الفضة الموجودة في بيت الرب وفي خزائن بيت الملك.و في ذلك الزمان قشر حزقيا الذهب عن ابواب هيكل الرب والدعائم التي كان قد غشاها حزقيا ملك يهوذا ودفعه لملك اشور.
حاول حزقيا أن يستعطف سنحاريب لكنه غدر به فبعد أن أخذ الفدية إستدار ليهاجم أورشليم وطلب تسليم أورشليم لهُ. وكانت هذه سقطة لحزقيا، هي لحظة ضعف أرسل فيها حزقيا الهدية المأخوذة من الهيكل إلى سنحاريب. ومن المؤكد أنه لم يستشر إشعياء في ذلك ولكي يدفع الجزية اضطر لنزع الذهب من الهيكل وبعد غدر سنحاريب عرف خطأ عقد معاهدة مع خائن. ونلاحظ أنه من هذه الآيات (13:18 - نهاية الإصحاح 20) مكرر في إشعياء مما يدل أن مصدرها هو إشعياء هنا وهناك.
الآيات 17-37:- وارسل ملك اشور ترتان وربساريس وربشاقى من لخيش إلى الملك حزقيا بجيش عظيم إلى اورشليم فصعدوا واتوا إلى اورشليم ولما صعدوا جاءوا ووقفوا عند قناة البركة العليا التي في طريق حقل القصار.و دعوا الملك فخرج اليهم الياقيم بن حلقيا الذي على البيت وشبنة الكاتب ويواخ بن اساف المسجل.فقال لهم ربشاقى قولوا لحزقيا هكذا يقول الملك العظيم ملك اشور ما الاتكال الذي اتكلت.قلت انما كلام الشفتين هو مشورة وباس للحرب والان على من اتكلت حتى عصيت علي.فالان هوذا قد اتكلت على عكاز هذه القصبة المرضوضة على مصر التي إذا توكا أحد عليها دخلت في كفه وثقبتها هكذا هو فرعون ملك مصر لجميع المتكلين عليه.و إذا قلتم لي على الرب الهنا اتكلنا افليس هو الذي ازال حزقيا مرتفعاته ومذابحه وقال ليهوذا ولاورشليم أمام هذا المذبح تسجدون في اورشليم والان راهن سيدي ملك اشور فاعطيك الفي فرس أن كنت تقدر ان تجعل عليها راكبين. فكيف ترد وجه والواحد من عبيد سيدي الصغار وتتكل على مصر لاجل مركباتوفرسان.و الآن هل بدون الرب صعدت على هذا الموضع لاخربه الرب قال لي اصعد علىهذه الأرض واخربها.فقال الياقيم بن حلقيا وشبنة ويواخ لربشاقي كلم عبيدك بالارامي لاننانفهمه، ولا تكلمنا باليهودي في مسامع الشعب الذين على السور.فقال لهم ربشاقى هل إلى سيدك واليك ارسلني سيدي لكي اتكلم بهذا الكلام. اليس إلى الرجال الجالسين على السور لياكلوا عذرتهم ويشربوا بولهم معكم.ثم وقف ربشاقى ونادى بصوت عظيم باليهودي وتكلم قائلًا اسمعوا كلام الملك العظيم ملك اشور. هكذا يقول الملك لا يخدعكم حزقيا لانه لا يقدر أن ينقذكم من يده.و لا يجعلكم حزقيا تتكلون على الرب قائلًا انقاذا ينقذنا الرب ولا تدفع هذه المدينة إلى يد ملك اشور.لا تسمعوا لحزقيا لانه هكذا يقول ملك اشور اعقدوا معي صلحا واخرجوا الي وكلوا كل واحد من جفنته وكل واحد من تينته واشربوا كل واحد ماء بئره.حتى أتى واخذكم إلى ارض كارضكم ارض حنطة وخمرا ارض خبز وكروم ارض زيتون وعسل واحيوا ولا تموتوا ولا تسمعوا لحزقيا لانه يغركم قائلًا الرب ينقذنا.هل انقذالهة الامم كل واحد ارضه من يد ملك اشور.اين آلهة حماة وارفاد أين آلهة سفروايم وهينع وعوا هل انقذوا السامرة من يدي.من من كل آلهة الاراضي انقذ ارضهم من يدي حتى ينقذ الرب اورشليم من يدي.فسكت الشعب ولم يجيبوه بكلمة لأن امر الملك كان قائلًا لاتجيبوه.فجاء الياقيم بن حلقيا الذي على البيت وشبنة الكاتب ويواخ بن اساف المسجل الىحزقيا وثيابهم ممزقة فاخبروه بكلام ربشاقى. ترتان = الترتان هو القائد العام وهذه صفة أو وظيفة وليس اسمًا. وهكذا الربساريس = رتبة سامية في الجيش. والربشاقى = هو الساقى الأول. ولذلك يسبقها الـللتعريف. وكان المتحدث الرسمي لهم هو الربشاقى لإجادته اللغة العبرانية. وعجيب أن يحاول هذا الربشاقى أن يعقد إتفاقًا وهو حالًا قد نقض إتفاقه السابق ولكن من يضمن أي اتفاق مع الشيطان. من لخيش = هي مدينة فلسطينية على طريق مصر ويبدو أن غرضه كان فتح مصر وفي الطريق قصد تدمير أورشليم المدينة الحصينة لتمردها. قناة البركة العليا قناة تحت الأرض لجلب الماء من خارج أورشليم للداخل (اش 3:7) ومعنى الآيات (19-21) أن الربشاقى ظن أن حزقيا عقد معاهدة مع مصر كما فعل ملك إسرائيل. ولكن هذا لم يحدث لأن أشعياء منعهم من ذلك. وفي (22) ويقول لهم إذا كنتم قد إتكلتم على الله فعبثًا لأن حزقيا هدم مذابح الله. هو كإنسان وثني ظن أن هذه المرتفعات التي أزالها حزقيا هي مذابح لله. وباقي الكلام في 24،23سخرية واضحة. وهذا أسلوب الشيطان التهكم والتشكيك في كل عمل صالح نقوم به. فهنا الربشاقى يسخر ويشكك في هدم المذابح ويسخر من قوتهم ومن اتكالهم على الله ومن اتكالهم على أي قوة أخرى مثل مصر حتى يدفعهم لليأس التام. آية (31) نجده هنا يوجه دعوة للشعب أن يتركوا أورشليم يخرجوا خارجًا وسوف يأخذهم إلى أرض جميلة ولكن هذا غش وخداع لأنه كان سيستعبدهم (وهكذا إبليس يدعونا لنترك حضن الآب ونترك الكنيسة ونذهب وراءه فيعطينا من ملذات العالم ولكنه سيستعبدنا إذا قبلنا هذا من يدهُ "أعطيك كل هذه إن خررت وسجدت لي " وفي (33) تشكيك واضح أن الله قادر أن ينقذهم وفي (36) لا تجيبوه = هكذا ينبغي ألا ندخل في حوار مع إبليس. ثيابهم ممزقة = عادة يهودية أن سمعوا تجديف. ولنلاحظ أن هذه الشعوب كانت تعتقد أن الحروب هي بين الآلهة فلذلك ربشاقى يشكك في قوة الله أمام آلهته وهم ينسبون انتصارهم للآلهة لذلك يحذر هل أنقذت آلهة الأمم الأخرى شعوبها.