|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حريق القاهرة «الوهمى».. المتظاهرون يواجهون دخان القنابل بـ«دخان الإطارات» نفد الزلط من المنطقة.. فتبرعت سيارة نقل بحمولة زلط لاستكمال المواجهات مع الأمن المتظاهرون يجمعون "الزلط" لمواجهة الأمن على بعد أمتار تطل مدينة من الأشباح، على أضواء الحرائق تبدو أجسادهم كخيال ظل، أعداد غفيرة تراصت على كوبرى قصر النيل، لم يتبادلوا كلمات الحب، ولم يتنسموا عبير الهواء الصادر من مياهه الهادرة، فقط مجرد مشاهدين يحاولون تبيّن الأمر، أحدهم خرج لتوه من العمل ماراً بالتحرير فاستوقفه المشهد العبثى، دخان قنابل الغاز لا يتوقف، تواجهه أصوات لغط من قبَل أولئك المحتجين على عنف الشرطة بالحجارة، بـ«كوفية» صوف ملفوفة حول نصف وجهه الأسفل تساءل بلكنة صعيدية «عايز أروح الجيزة يا ود عمى»، لم تسعف الغازات المنتشرة فى الهواء مجيبه على الرد فقد فرقهم الاختناق. من داخل شارع «شامبليون» بوسط المدينة تبدأ رحلتهم، كالأطفال يمرحون، يسحب كل منهم إطار سيارة «كاوتشوك» متهالك، فيمرقون وسط مرتادى شوارع العاصمة حتى يصلوا إلى أطراف الميدان المشتعل، وما أن تهلّ روائح الغاز حتى يتطوع أحدهم بقطع أحد فروع الأشجار الواقفة أمام فندق سميراميس وطرحه أرضاً بلا هوادة، قبل أن تبدأ وليمة الاحتراق التى تخالط فيها أوراق الشجر وأغصانه الخضراء لون «سواد» الكاوتشوك لتصطبغ السماء باللون الأسود فيما تلوح فى الأفق إضاءة صفراء شاحبة تخرج من غرف الفندق الشهير الذى هجره معظم رواده، «يعنى عايزنا نتخنق ونموت» يعلق بها صبى لم يكمل عامه العاشر عن سبب إشعاله للنار، معللاً ذلك بأن الدخان الصادر من الحريق يخفف من وطأة دخان الغاز المسيل للدموع، فى الوقت الذى يبدأ فيه حضور عشرات الإطارات لتشارك قريناتها فى النار كطقس ثابت معتاد، القادم من بداية كوبرى قصر النيل من ناحية دار الأوبرا يستعيد ذكريات عقود مرت على «حريق القاهرة»، فنحو 10 دوائر كبيرة تخرج منها ألسنة اللهب والدخان الكثيف فى البداية تعتقد أنها لمبان قبل أن تنجلى الحقيقة عن «إطارات» المتظاهرين. بعيون دامعة وقلوب تتصاعد هبوطاً ونزولاً تنتفض من هول روائح الغاز الكثيف، أصوات سرينات الإسعاف يخالجها دوى سيارات الشرطة وأصوات خرطوش تنطلق كل فترة، يركضون فى لهفة مرددين كلمات نابية لرجال الداخلية، 50 متراً تفصل الجموع عن تمثال سيمون بوليفار، التقطوا أنفاسهم، يجمعهم فصل واحد، فهم تلاميذ الثالث الإعدادى، اتفقوا أمام منازلهم بحى عابدين على أن يتوجهوا صوب التحرير فيما اختلفت قناعاتهم، «بصراحة أنا جاى ألعب» ببراءة الأطفال يقولها محمد الذى يرتدى تيشيرت النادى الأهلى، صاحب القامة القصيرة يعتبر وجوده مجرد فسحة أو تغيير لنمط إجازة نصف العام الذى بدأ قبل أيام فيما يرد عليه بغضبة واضحة صديقه حسام صاحب الجسد الممتلئ لحظة محاولته التحكم فى أنفاسه «لأ طبعاً أنا مش جاى ألعب.. أنا صاحبى كشرى مات مع الألتراس فى بورسعيد والشرطة السبب ولازم أجيبله حقه» يستطرد الصبى صاحب الـ14 سنة «أنا رُحت المحاكمة بتاعة بورسعيد وكنت فرحان بس لما رجعت أبويا قاللى إن الكلام بتاع الإعدام ده ضحك على الدقون.. دول بيهدوا الناس بس»، من أمام قصر الدوبارة راح يهدئ من روعه بعد «كرشة النفس» التى أصابته بجلباب صعيدى رفعه حتى خصره وكمامة طبية لثمت وجهه. أكد أن «جيكا» جاره الثورى لم يأت حقه بعد وأنه يومياً ينهى عمله فى أحد المتاجر ويحضر إلى التحرير للهجوم على الشرطة «لو سكتنا هيموت ناس زيادة. ومش هنستريح غير لما نجيب حق اللى راحوا». الأمن يرد بقنابل مسيلة للدموع ترك «حسن عبدالرحمن» كل ذلك واكتفى بذلك الكوب البلاستيكى الذى يقبض عليه بكلتا يديه، مستمتعاً بلذة «الحمص» الساخن، الرجل قصير القامة على المعاش، يأتى كل يوم ويذهب من منطقة الضاهر إلى ميدان التحرير.. «مرسى لازم يمشى» هكذا يطلب الرجل الستينى، الذى كان يعمل فى إحدى الجهات السيادية رفض ذكر اسمها قبل خروجه على المعاش، من 5 إلى 6 ساعات يقضيها بين كوبرى قصر النيل مروراً بشارع قصر العينى نهاية بميدان سيمون بوليفار، حُكم سنِّه يمنعه من المشاركة لكنه يأتى فقط «عشان يشجع الشباب ويقوى من عزيمتهم»، فى الوقت الذى دخل فيه بائع الحمص «هانى الشرقاوى» فى جدال معه: «يا أستاذ دى أشكال ضالة.. وهو ده شكل ثوار.. ده اسمه وقف حال وتخريب وشغب»، الشاب الثلاثينى القادم من محافظة الشرقية يستنكر ما يحدث، فالمتظاهرون يحاربونه فى أكل عيشه: «والله ماعملتش بـ10 جنيه من صباحية ربنا». الساعة العاشرة مساء، الكل فى الانتظار، الهجوم مستمر والاشتباكات، كر وفر، بين متظاهرى الحجارة وقاذفى القنابل، أما عن «الزلط» فلقد قارب على النفاد، وبالنسبة لـ«قنابل الغاز المسيلة للدموع» فما زال الخزين متوافراً.. دقائق مرت، تراجع فيها المتظاهرون الملثمون تارة بـ«كوفية»، وتارة بـ«الكمامات الطبية»، فـ«الحجارة» قد نفدت.. لحظات ودخلت سيارة ربع نقل بالقرب من مبنى وزارة الخارجية «القديم»، هى الوحيدة التى سمح لها حُراس البوابات بالدخول، توجه صوبها المتظاهرون، خرج شخص من «الكابينة» مُمسكا ب «جاروف» حديدى، أزال الغطاء من على الصندوق ثم أزاح كميات من الزلط، جمعها الشباب بأيديهم داخل الأجولة، ثم توجهوا صوب معركتهم، لا أحد يعرف من هو صاحب «نقلة الزلط»، فالأسارير المُتهللة التى طغت على شباب دون العشرين أغشت أبصارهم وعقولهم عن السؤال: «هوّ مين اللى جايب الزلط ده».. قبضوا بأيديهم على «الزلط» ثم صوب الحواجز الحديدة ظلوا يطرقون ويتغنون وكأنه فرح شعبى كبير، يتراقصون ويتمايلون، يرددون كلمات تردد صداها مسبقاً بحماس فيما بدت خارجة من حناجر فارغة لا تؤمن بالعبارات «الشعب يريد إسقاط النظام.. مش هنمشى هو يمشى»». الوطن |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
يدان لأعلى، يدان لأسفل |
"ارتفع يا ديان الأرض" أنت ديان الأرض، لأن الدينونة لا تناسب السماء |
ما دام لك يدان |
ددان |
دخان |