![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() المعنى الروحي لحادثة شفاء المخلع طول زمان المرض هو طريقة تعبير معتادة عن قوة المسيح الفائقة في إنقاذ الحالات الميؤوس منها، “إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثلاَثِينَ سَنَةً” (يو 5: 5).[12] أما يسوع فيظهر علمه بحقيقة الإنسان وحالته البائسة على الجانبين الجسدي والروحي، “هَذَا رَآهُ يَسُوع … وَعَلِمَ” (يو 5: 6).[13] رؤية المسيح تشير لدخول هذا الإنسان في دائرة اهتمام الرب. في مواضع أخرى من الكتاب المقدس لا يربط المسيح بين الخطية والمرض (يو 9: 3، لو 13: 1- 5)، لكن في بعض الأحيان يقدم بالفعل علاقة وثيقة بين المرض والخطية “هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ فلاَ تُخْطِئْ أَيْضاً لِئَلّا يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ” (يو 5: 14). ولكن الأكيد هو إن الخطية تمثل مرض الروح، ومع الأخذ في الاعتبار تكوين الإنسان الكامل القائم على وحدة بين الجسد والروح يكون الإنسان بحاجة لعملية شفاء كاملة تتعامل مع هذه الوحدة النفس-جسمية. بمعنى آخر يكون مرض الجسد هو انعكاس وإظهار لمرض النفس الخفي. ويكون الشفاء هو عملية عكسية لضربة الشيطان للنفس والجسد. وبذلك يتوجب أن نرى الشفاء مرادفاً للخلاص وهدم أعمال إبليس. يتجه المسيح إلى المقعد بسؤال قد يبدو عديم القيمة: “أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟”، فبالطبع يريد أي مريض أن يبرأ. لكن غاية المسيح هنا أن ينهض ويحيي إرادة الإنسان التي قد قتلت بالخطية مع طول زمان المرض الروحي والجسدي. فهكذا عبر القديس كيرلس الكبير مفسراً سؤال المسيح: “لكن سؤاله عما إذا كان المريض يريد شفاءاً، لم يكن من قبيل الجهل بشيء معروف وظاهر للعيان بل سؤال من يريد أن يحرك الرغبة الجادة في الشفاء ليثير فيه توسلاً باجتهاد أكثر”.[14] أيضا هو ذات ما عبر عنه القديس بولس الرسول بقوله “أَنَا فَجَسَدِيٌّ مَبِيعٌ تَحْتَ الْخَطِيَّةِ … لأَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ” (رو 7: 14، 15). وبالطبع كلام الرب يقصد به الشفاء من الخطية أولاً ثم نتائجها الظاهرة في الجسد ثانياً. وبذلك يكون أمر المسيح بالشفاء للمخلع هو بمثابة غفران للخطية على نفس قياس حادثة شفاء المفلوج (مر 2). إذ أنه حين تقضي الخطية على الإرادة يصير الإنسان مشلولاً عن القيام باتخاذ أي قرار يصب في مصلحة مصيره الأبدي. ثم يأتي تحذير المسيح لاحقاً ليتجلى ذات المفهوم “هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ فلاَ تُخْطِئْ أَيْضاً لِئَلَّا يَكُونَ لَكَ أَشَرّ” (يو 5: 14). وفي مبادرة المسيح تلك تستعلن رأفة الله العظيمة من نحو الإنسان، فإن كان الإنسان عاجزاً عن اتخاذ أي خطوة من نحو خلاصه، فالله في رحمته الجزيلة يتجه نحوه متخذاً المبادرة، ويتبقى على الإنسان بمؤازرة النعمة أن يستجيب للتوجيهات الإلهية: ” قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ” (يو 5: 8). أي أنه على الإنسان أن يحافظ على نعمة القيامة والشفاء من الخطية بمفارقة الحياة السابقة، أي حياة الموت والخطية. وضع مؤسف أن تنعدم الرحمة من قلوب الجميع فلا يبحث الواحد إلا عن خلاص نفسه فقط. وفي تلك الأنانية لا يلتفت الإنسان إلى معاناة الآخر حتى وإن امتدت تلك المعاناة إلى ثمانية وثلاثون سنة. هكذا أوضح المخلع للمسيح تخلي الكل عنه قائلا: “لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ” (يو 5: 7). لكن من الجهة الأخرى تكشف تلك الإجابة عن متلازمة “إلقاء اللوم على الآخرين” في محاولة للتهرب من المسؤولية الواقعة على عاتق الإنسان. وبذلك يتهرب المخلع من اعترافه بخطيته كمسبب لما هو فيه من مرض، ومناورة منه لعدم تقديم توبة صادقة. بل في اختزال مخل يشير بإصبع الاتهام إلى الأخرين. عيون الفريسيين لا ترى معجزة الشفاء، بل ترى فقط مخالفة الناموس. ويقول القديس كيرلس عن ذلك: “أي شعب أكثر جهلاً من هذا الشعب أو أشد بلادة منهم إذ لم يتطرق إلى ذهنهم حتى مجرد التعجب لقوة الشافي، … وكأن كرامة السبت تحفظ بأن يبقى الإنسان مريضاً”.[15] فبدلاً من أن يفرح اليهود بشفاء المخلع بدأوا بإدانته والحكم عليه في ضوء الناموس ككاسر للسبت، مما يستوجب معاقبته بالموت. هكذا هو الإنسان المأسور بالحرف والعبادة الشكلية، لا يوجد في قلبه مكان للرحمة، بل كما قال المسيح “فَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً، لَمَا حَكَمْتُمْ عَلَى الأَبْرِيَاءِ!” (مت 12: 7). وبذلك يحول الناس في بعض الأحيان الفرح بعمل الله الخلاصي بالقيامة من الخطية إلى موت جديد. مستكثرين على الأخرين خلاصهم وتحريرهم، ومفضلين بقاء الجميع في قيود شاملة تضمن لهم (أي الفرسيين) استقرارهم النفسي واحتفاظهم بمركزهم كمعلمين ورقباء على الأخرين. تعجب الفريسيين من عمل المسيح هذه الآية في السبت، غافلين عن كُنه الآية (أي العلامة). إذ أن عمل المسيح في السبت هو علامة على أنه رب السبت. “أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ».” (يو 5: 17)، حقاً، فهل يتوقف العمل الإلهي للحظة؟ الله عامل على خلاص خليقته ابتداء من خلقتها مروراً بحفظ وجودها وإلى حدث استردادها. يقول القديس بولس عن ذلك: “لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ. كَمَا قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِكُمْ أَيْضًا: لأَنَّنَا أَيْضًا ذُرِّيَّتُهُ.” (أع 17: 28) وأيضاً: “لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ.” (رو 11: 36). يضع أمامنا القديس يوحنا على التوازي كلمات المسيح للمخلع: “قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ”، مع كلماته لليهود: “لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي كَذَلِكَ الاِبْنُ أَيْضاً يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ … اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللَّهِ وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ” (يو 5: 8، 21، 25). وبذلك يستعلن المسيح أن ما حققه في مريض بركة بيت حسدا هو تجسيد لما سيحققه بقيامته الشخصية في البشرية التي قبلته بالإيمان. ومن جانب أخر ينير لنا عمل المسيح أن الخطية هي سم يأتي بالمرض للنفس والجسد، ويكتمل عمل هذا السم بالموت الأبدي. ويبقى لنا أن نتعلم من قصة مريض بيت حسدا، فنعمل على إتمام خلاصنا الذي ابتدأ باتحادنا بالمسيح في موته وقيامته بالمعمودية المقدسة، ونستكمله بحياة التوبة في مؤازرة للنعمة الإلهية. هاربين من إلقاء اللوم على ما نحن فيه على الآخرين، بل نلقي باللوم على ذواتنا لأننا قد أفسحنا مكاناً في قلوبنا للخطية. فنستمع لصوت المسيح هامساً لنا بالروح القدس داعياً إيانا أن نقوم من سقطتنا ونستقبل الحياة الأبدية في كياننا. |
![]() |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الأبعاد الليتورجية لحادثة شفاء المخلع |
الخلفية التاريخية لحادثة شفاء المخلع |
ما هو المعنى الروحي للختان؟ |
ما هو المعنى الروحي للقلب؟ |
انا فى عرض المجمع اللغوى |