![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تعليقات القديس يوحنا الذهبي الفم على سلوك داود وتصرُّفاته في حياة شاول وبعد موته: v إذ فسدت إرادة القاضي (شاول) والشهود (المُحيطين به)، فإنه مهما وُجِدَت من شهادات، يسقطون في الشك. لهذا دبَّر وجود براهين تجعلهم صامتين وفي خجلٍ شديدٍ. ما هي هذه البراهين؟ طرف الجبّة التي أخذها، وقال: "انظرْ طرف جُبَّتك بيديّ... وعدم قتلي إياك" (1صم 24: 11). هذه شهادة صامتة، لكنها أكثر وضوحًا من الشهادات التي بالكلام. يقول: لو لم أكن ملاصقًا لك، وواقفًا بالقرب من شخصك، لما استطعت أن أقطع جزءًا من ثوبك. ألا ترون كيف صدر خير من تحرُّك داود في البداية؟ أقصد، لو لم يتحرك بالاستياء، ما كنا نتعرَّف على قِيَمه السليمة (المستقيمة)، فإن كثيرًا من الناس، لديهم الانطباع أن ذاك العفو لم يكن ثمرة قِيَم مستقيمة، بل بسبب حالة دهشة (مفاجئة). لو كان الأمر كذلك لما قطع ركن من الجُبَّة، إنما كان مزّقها بالكامل... لم يكن لديه دليل آخر يقنع به عدوَّه سوى ما فعله. فإذ حرَّكه الاستياء وتمَّم القطع، صار لديه برهان لا يَقْبَلُ الجدل على رعايته له. لذلك، إذ جلب شهادة صادقة وواضحة، لهذا دعا عدوَّه شخصيًا ليكون قاضيًا وشاهدًا على اهتمامه، قائلاً: "لا تخطئ وأنت تنظر بوضوحٍ اليوم أنه ليس في يديّ شر ولا جرم، وأنت تصيد نفسي لتأخذها" (راجع 1صم 24: 11)... يقول: "إنني لستُ أتحدَّث عن أحداث ماضية، إنما ما حَدَثَ اليوم هو برهان كافٍ لي. أضف إلى ذلك أنه كان يمكنه أن يورد أعمال لطف كثيرة تمَّت سابقًا لو أراد ذلك... كان (داود) هكذا وديعًا، ومُتحرِّرًا من كل عجرفة، وكانت عيناه تُرَكِّزان على أمرٍ واحدٍ وهو حُكْم الله... لم يكن هذا الأمر وحده البارز، إنما عند سماعه أن (شاول) قد سقط في المعركة، مزَّق ثيابه، وألقى التراب على نفسه، وقدَّم مرثاة يمكنكم أن تَنْطَقوا بها إن فقدتم ابنًا وحيدًا مُخْلِصًا، ونَظَّم تأبينًا، ونطق بصرخات مُرَّة، وصام حتى المساء، ولعن الموضع نفسه الذي استقبل دم شاول. لقد قال: "يا جبال جلبوع، لا يكن طلّ ومطر عليكن" (2صم 1: 21)، "يا جبال الموت، لأن هناك قد انتزع ملجأ الجبابرة". هذا غالبًا ما يحدث مع الوالديْن، إذ يغلقان بيتهما، ويترنَّحان بالأسى في الشارع بطولِه الذي يسيران فيه إلى جنازة ابنهما. هكذا سلك هذا الرجل، فلَعنَ الجبال التي فيها تمَّ الذبح. وها هو يكره حتى المكان الذي سقط فيه (شاول). إنه يقول: لا يكون المطر النازل من العلو على الموقع، الذي وُجِدَ فيه مطر دم أصدقائي هناك. كان يُرَدِّد اسميهما (شاول وابنه يوناثان) مرات ومرات بلا توقُّف، قائلاً: "شاول ويوناثان المحبوبان والحلوان في حياتهما لم يفترقا في موتهما" (2صم 1: 23). إذ لم يكن ممكنًا له تقبيل جسديهما (لعدم وجودهما)، ها هو يُطَوِّقهما بهذيْن الاسميْن، مُهَدِّئًا حزنه قدر المستطاع بذكر اسميهما، مُهَدِّئًا من بشاعة الكارثة... في رأيه أنه ما كان يمكن ممارسة الحياة مع عزل الواحد عن الآخر. هل أنتم منزعجون لهذا؟ هل أنتم تبكون؟ هل أفكاركم مُرتبِكة؟ وعيونكم تتحوَّل وتستعد لسكب الدموع؟ أسأل كل واحدٍ منكم أن يتذكَّر ذاك الذي احتمل العداوة والأذية، ومع ذلك هل لا تزال أذهانكم مُنفعِلة بالحزن؟ كان (داود) مُتعلِّقًا بهما وهما أحياء، ويرثيهما عند موتهما، ليس للاستعراض، بل من أعماق الذهن والنفس. القديس يوحنا الذهبي الفم |
![]() |
|