نَزْعًا أَنْزَعُ الْكُلَّ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ، يَقُولُ الرَّبُّ. [2]
خلق الله الأرض لكي يتمتع بها الإنسان كسفيرٍ له ووكيلٍ للسماء، فتكون الأرض أيقونة السماء، أما وقد فسد الإنسان فالله ينزع هذه الأرض من الوجود. فالخطية أفسدت الإنسان كما أفسدت الأرض التي يعيش عليها. هذا وقد نزل كلمة الله السماوي إلى أرضنا، لكي يُقيم من قلوبنا سماءً ثانيةً، تتأهل بنعمته لسكناه. فمن يُصِّر أن يبقى أرضًا وترابًا لا يستحق البقاء، بل يسمع الصوت الإلهي: "نزعًا أنزع الكل عن وجه الأرض" [1]. أما إذا صرنا سماءً فنحيا مع الرسول بولس في السماويات، لا نُنزع، بل نتمتع بالأحضان الإلهية أبديًا.
هكذا ما دام الإنسان يصر أن يبقى ترابيًا (أرضيًا) فإنه يشرب كأس مرارة الخطية الذهبي، فيسكر، ويفقد توازنه، بل وكل حياته. لذا لاق بنا أن نطلب من الله أن ينزع كل ما هو أرضي من قلوبنا.
* "بابل كأس ذهب بيد الرب تُسكر كل الأرض" (إر 28: 7)... إن أردت أن تعرف كيف أن كل الأرض أصبحت سكرى بفعل كأس بابل، أنظر إلى الخطاة الذين يملأون الأرض كلها. لكنك قد تقول ليّ إن الأبرار لم يسكروا من كأس الخطاة، فكيف يقول الكتاب أن كل الأرض تسكر من كأس بابل؟ لا تظن أن الكتاب لا يقول الصدق حينما يقول ذلك، لأن الأبرار في الواقع ليسوا أرضًا (ترابًا)، وبالتالي فإن كل الأرض فقط، أي الخطاة وحدهم، هم الذين يسكرون. أما الأبرار، فبالرغم من وجودهم على الأرض إلاَّ أن سكناهم في السماوات (في 3: 20). بالتالي لا يليق أن يُقال للإنسان البار: "أنت تراب (أرض) وإلى التراب تعود"، بل سيقول له الرب، طالما أن ذلك الإنسان يلبس صورة السماوي (1 كو 15: 49): "أنت سماء وإلى السماء تعود". لذلك فإن كأس بابل لن يُسكر إلاَّ الذين ما زالوا أرضًا.