كرّس يسوع حياته من اجل شعبه، وعاش كليًا من أجله، ويطالبنا بان نعيش من أجله. "أَنِّي أَحْيا بِالآب فكَذلِكَ الَّذي يأكُلُني سيَحْيا بي" (يوحنا 6: 57). كرًّس يسوع حياته لله، آبيه من خلال الإفخارستيا. وفي الواقع، من أهم رموز القربان المقدس ذبيحة حمل الفصح (خروج 12: 5) التي ترمز إلى المسيح، فصحنا الحقيقي الذي ذُبح لأجلنا على عود الصَّليب. ولذلك فإن المسيحيِّين الآن هم في غنى عن هذه الذَّبائح، لأنَّ المسيح رفع عن الصَّليب ذبيحة طاهرة كاملة لأجلهم، كما جاء في الكتاب: "تَأَلَّمَ يسوعُ أَيضًا في خارِجِ الباب لِيُقَدِّسَ الشَّعْبَ بِذاتِ دَمه" (عبرانيِّين 13: 11). فهم يقدِّمون الذَّبيحَة الإلهية، ذبيحة الإفخارستيا التي وعد بها يسوع وأسَّسها. ويعلق القديس فولجنسيوس الأسقف: "إنَّ مشاركتَنا نفسَها في جسدِ الرَّبِّ ودَمه، تَعني أنّنا نموتُ للعَالَم، وأنّ حياتَنا تصبحُ محتجِبةً مع المسيحِ في الله (قولسي 3: 3)، وأنّنا نصلبُ جسدَنا بما فيه من أهواءٍ وشهواتٍ (غلاطية 5: 24). (في الرَّد على تعاليم فابيانس فصل 28، 16-19).
كرّس يسوع حياته من أجل آبيه، وعاش كليًا من أجله، ويُطالبنا بالمثل أن نعيش من أجله. لذلك كل مسيحي مدعو أن يكرِّس ذاته للمسيح، ويكون قربانًا حيًّا مع المسيح: "أَنِّي أَحْيا بِالآب فكَذلِكَ الَّذي يأكُلُني سيَحْيا بي" (يوحنا 6: 57)، وهذا الأمر يتطلب أن يعيش الواحد من أجل الآخر. وعندَما يُكرِّس الإنسان حياته للسيد المسيح يصير بكليته مُطّوبًا، حيث تصير نفسه وكلّ أعضاء جسمه مع قلبه وفكره وكل طاقاته مقدَّسة، وتعمل لحساب ملكوت الله. يقول أحد آباء الكنيسة العلامة أوريجانوس: "إن كان هذا الأمر ينطبق على كل مؤمن، فكم بالأحرى على رسل المسيح وتلاميذه الذين ينالون مواهب خاصة بالخدمة". لذلك يتوجب علينا أن نوقف حَيَاتَنا لِخِدْمَةِ الله والآخرين وبِلادِنا.
نستنتج مما سبق أنَّ يسوع قرّب ذاته قربان خلاص، ووهب نفسه لنا جميعًا في موته وقيامته. "فاذا تناولنا جَسَده المبذول من أجلنا نلنا قوة، وإذا شربنا دَمه المسفوك من أجلنا نلنا قداسة". فلنقترب إذًا من مائدة المناولة بخشوع وحبٍّ واحترامٍ لننال أثمار المناولة، وهي الحَياة الأَبدِيَّة والقيامة والثَّبَات في المسيح والكنيسة مكرِّسين ذواتنا للمسيح له المجد والعزة والإكرام ابد الدُّهور.