رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مسئوليّة الكهنة وحقوقهم إذ استقر هرون في الكهنوت بتأكيدات إلهيّة ملموسة حيث أنتجت عصاه لوزًا عاد الرب يؤكد له ولبنيه وبقية سبط لاوي التزامهم وحدود عملهم وأيضًا حقوقهم كخدام للرب. مسئوليّة الكهنة: 1 وَقَالَ الرَّبُّ لِهَارُونَ: «أَنْتَ وَبَنُوكَ وَبَيْتُ أَبِيكَ مَعَكَ تَحْمِلُونَ ذَنْبَ الْمَقْدِسِ، وَأَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ تَحْمِلُونَ ذَنْبَ كَهَنُوتِكُمْ. 2 وَأَيْضًا إِخْوَتُكَ سِبْطُ لاَوِي، سِبْطُ أَبِيكَ، قَرِّبْهُمْ مَعَكَ فَيَقْتَرِنُوا بِكَ وَيُوازِرُوكَ، وَأَنْتَ وَبَنُوكَ قُدَّامَ خَيْمَةِ الشَّهَادَةِ، 3 فَيَحْفَظُونَ حِرَاسَتَكَ وَحِرَاسَةَ الْخَيْمَةِ كُلِّهَا. وَلكِنْ إِلَى أَمْتِعَةِ الْقُدْسِ وَإِلَى الْمَذْبَحِ لاَ يَقْتَرِبُونَ، لِئَلاَّ يَمُوتُوا هُمْ وَأَنْتُمْ جَمِيعًا. 4 يَقْتَرِنُونَ بِكَ وَيَحْفَظُونَ حِرَاسَةَ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ مَعَ كُلِّ خِدْمَةِ الْخَيْمَةِ. وَالأَجْنَبِيُّ لاَ يَقْتَرِبْ إِلَيْكُمْ. 5 بَلْ تَحْفَظُونَ أَنْتُمْ حِرَاسَةَ الْقُدْسِ وَحِرَاسَةَ الْمَذْبَحِ، لِكَيْ لاَ يَكُونَ أَيْضًا سَخَطٌ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. 6 هأَنَذَا قَدْ أَخَذْتُ إِخْوَتَكُمُ اللاَّوِيِّينَ مِنْ بَيْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَطِيَّةً لَكُمْ مُعْطَيْنَ لِلرَّبِّ، لِيَخْدِمُوا خِدْمَةَ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. 7 وَأَمَّا أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ فَتَحْفَظُونَ كَهَنُوتَكُمْ مَعَ مَا لِلْمَذْبَحِ وَمَا هُوَ دَاخِلَ الْحِجَابِ، وَتَخْدِمُونَ خِدْمَةً. عَطِيَّةً أَعْطَيْتُ كَهَنُوتَكُمْ. وَالأَجْنَبِيُّ الَّذِي يَقْتَرِبُ يُقْتَلُ». إذ سقط الشعب تحت التأديب فمات بالوبأ أربعة عشر ألفًا وسبع مئة بسبب تذمرهم لهلاك قورح وجماعته (عد 16: 49)، وأكد الله لهم اختيار هرون للكهنوت، كلَّم الشعب موسى قائلين: "إننا فنينا وهلكنا، قد هلكنا جميعًا. كل من اقترب إلى مسكن الرب يموت. أما فنينا تمامًا؟" (عد 17: 12-13). وجاءت استجابة الله لشكواهم بإعلانه لهم أنهم يقتربون لمسكنه لكن خلال الكهنة، موضحًا عمل الكهنة وعمل اللاويّين وحدودهم. "قال الرب لهرون: أنت وبنوك وبيت أبيك تحملون ذنب المقدس" [1]. من الناحية الحرفيّة هرون وكهنته واللاويّون يتحملون مسئوليّة أي تدنيس يلحق بالمقدَّس باقتراب غريب إليه، إنهم ملتزمون أمام الله بحراسته. عن الجانب الرعوي، فإن رئيس الكهنة والكهنة مع الشمامسة هم الحراس الروحيّون الذين يُسألون عن كل خطأ يرتكبه الشعب الذين هم مقدس الله ومسكنه المقدَّس. يعلق العلامة أوريجينوس على هذه العبارة بقوله: [يُسأل الطوباويّون عن أخطاء مرؤوسيهم وخطاياهم. في هذا المعنى يقول الرسول "يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعف الضعفاء" (رو 15: 1)]. في أيام العلامة أوريجينوس يبدو أن البعض قد ظن أن القدِّيسين لا يخطئون، لهذا علق العلامة على العبارة "تحملون ذنب المقدس" (ع 1)، بشيء من التوسع موضحًا أن القدِّيسين ليسوا معصومين من الخطأ، نقتطف منها كلماته التالية: [إن كان حقًا القدِّيس لا يمكن أن يخطيء أبدًا، وأنه يجب أن نعتبره كأنه معصوم من الخطأ... ما كان قد كتب "تحملون ذنب المقدس"... لو كان القدِّيسين معصومين من الخطيئة لم قال الرسول لأهل رومية "لا تنقض لأجل الطعام عمل الله" (رو 14: 20)، هؤلاء الذين كتب إليهم في أول رسالته "إلى جميع الموجودين في رومية أحباء الله مدعوين قديسين" (رو 1: 7)... يقول الرسول نفسه في رسالته إلى أهل كورنثوس "إلى كنيسة الله التي في كورنثوس المقدَّسين في المسيح يسوع المدعوين قديسين" (1 كو 1: 2). انظر بأي خطايا يوبخهم، إذ يكتب بعد ذلك: "فإنه إذ فيكم حسد وخصام وانشقاق ألستم جسديّين وتسلكون بحسب البشر؟" (1 كو 3: 3). كما يقول "إِنَّكُمْ.. قَدِ اسْتَغْنَيْتُمْ! مَلَكْتُمْ بِدُونِنَا! وَلَيْتَكُمْ مَلَكْتُمْ لِنَمْلِكَ نَحْنُ أَيْضًا مَعَكُمْ" (1 كو 4: 8). وأيضًا: "فانتفخ قوم كأني لست آتيًا إليكم" (1 كو 4: 18). بعد قليل يقول: "يسمع مطلقًا أن بينكم زنى، وزنى هكذا لا يسمى بين الأمم" (1 كو 5: 1). إنه لم يستثنِ أحدًا، فيتهم أحدهم بالزنى والآخرين بالكبرياء. بعد هذا يعاتبهم لأنهم يحاكمون بعضهم البعض: "الآنَ فِيكُمْ عَيْبٌ مُطْلَقًا، لأَنَّ عِنْدَكُمْ مُحَاكَمَاتٍ بَعْضِكُمْ مَعَ بَعْضٍ" (1 كو 6: 7). إنه يتهم الذين دعاهم قدِّيسين أنهم يأكلون ما ذُبح للأوثان ويحكم عليهم: "وهكذا إذ تخطئون إلى الإخوة وتجرحون ضميرهم الضعيف تخطئون إلى المسيح" (1 كو 8: 12). إنه ليس فقط يتهمهم بأكل ما ذُبح للأوثان بل وشرب كأس الشيطان: "لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْرَبُوا كَأْسَ الرَّبِّ وَكَأْسَ شَيَاطِينَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْتَرِكُوا فِي مَائِدَةِ الرَّبِّ وَفِي مَائِدَةِ شَيَاطِينَ" (1 كو 10: 21). إنه يقول لهم: "أَنِّي أَوَّلًا حِينَ تَجْتَمِعُونَ فِي الْكَنِيسَةِ، أَسْمَعُ أَنَّ بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٍ" (1 كو 11: 18)، كما يقول: "لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَسْبِقُ فَيَأْخُذُ عَشَاءَ نَفْسِهِ فِي الأَكْلِ، فَالْوَاحِدُ يَجُوعُ وَالآخَرُ يَسْكَرُ" (1 كو 11: 21). وبسبب هذه الأخطاء يقول: "مِنْ أَجْلِ هذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى، وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ. لأَنَّنَا لَوْ كُنَّا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا لَمَا حُكِمَ عَلَيْنَا" (1 كو 11: 30-31)... علاوة على هذا لم تقف الخطايا عند حد السلوك بل وأخطاء ضد الإيمان إذ يتهمهم هكذا: "كيف يقول قوم بينكم أن ليس قيامة أموات؟" (1 كو 15: 12)، كما يقول: "وإن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم، أنتم بعد في خطاياكم" (1 كو 15: 17). ويطول الحديث جدًا الأمر الذي يناسب هذا المقام أن نورد جميع الشواهد بأن الذين دُعوا قديسين لا يجب أن نعتبرهم بسبب هذه التسمية معصومين من الخطأ، الأمر الذي يعتقد به من يقرأ الكتاب المقدس بطريقة سطحيّة وهو متغافل]. إذ يُحمِّل الرب الكهنة واللاويّون مسئوليّة "ذنب المقدس"، لا بمعنى حراسة الخيمة ومحتوياتها بالمفهوم المادي الملموس فحسب، وإنما مسئوليتهم الروحيّة تجاه الشعب كمقدس روحي وهيكل مقدس له. إنه لا يقول: "تحملون الذنب" فحسب، بل "ذنب المقدس" وكأن الكهنة يُطالَبون بذنوب القدِّيسين لا كل ذنب يُرتكب. يوضح العلامة أوريجينوس ذلك بقوله أن الكهنة يلتزمون بالمسئوليّة نحو الخطاة الذين يطلبون القداسة، هؤلاء يُحسبون كقديسين، كل خطأ يرتكبونه يلتزم به الكهنة، أما الخطاة الذين لا يهدفون إلى القداسة ويصرون على الخطيئة فلا يحتمل الكهنة ذنبهم. يقول العلامة أوريجينوس أن الذين يدرسون علمًا ما أو فلسفة ما يُحسبون علماء أو فلاسفة في مادة بحثهم ودراستهم، لا بمعنى أنهم يفهمون كل تفاصيلها، وإنما يبحثون فيها ويدرسونها ويخطئون أيضًا لكنهم يثابرون في دراستها، هكذا القدِّيسون هم من يهدفون إلى حياة القداسة مثابرين فيها. لهذا يقول العلامة أوريجينوس: [عندما يلتزم إنسان بدراسات في القداسة (عملية) يلزم منحه لقب قدِّيس حسب الهدف الذي يقصده، لكنه إذ يرتكب أخطاء بالضرورة يسمى خاطئًا حتى تُنزع عنه عادة الخطيئة]. [القدِّيسون يندمون على خطاياهم ويشعرون بسقطاتهم وجراحاتهم ويدركونها، فيذهبون إلى الكاهن يطلبون الشفاء ويبحثون لكي يكونوا طاهرين بواسطة الكاهن الأعظم]. إذن إن كان الكهنة يحملون ذنب أولادهم، ذنب الشعب، فإن الشعب أيضًا ملتزم في توبته أن يلتقي بآبائهم الذين يصلون عنهم من أجل تمتعهم بالروح القدس على الحياة المقدسة. يكمل الرب حديثه مع هرون هكذا: "وأنت وبنوك معك تحملون ذنب كهنوتكم"، وكأن كل أمر غريب يرتكبه كاهن يلتزم به جميع الكهنة. إن كانت خطيّة واحد من الشعب في كورنثوس هدد الكنيسة حتى أسرع الرسول يقول: "نقوا منكم الخميرة العتيقة لكي تكونوا عجينًا جديدًا كما أنتم فطير... كتبت إليكم إن كان أحد مدعو أخًا زانيًا أو طماعًا أو عابد وثن أو شتامًا أو سكيرًا أو خاطفًا أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا. لأنه بماذا لي أن أدين الذين من خارج. ألستم أنتم تدينون الذين من داخل؟ أما الذين من خارج فالله يدينهم. فاعزلوا الخبيث من بينكم" (1 كو 5: 7-13). ليس لنا أن ندين الذين في الخارج لكن الكنيسة تلتزم بعزل الخبيث إن كان من أفراد الشعب، فماذا إن كان كاهنًا أيًا كانت رتبته الكهنوتيّة؟ هذا ما عناه الرب بقوله أن هرون والكهنة أولاده يحملون ذنب كهنوتهم. إن كان من أجل خطيئة عاخان سقط الشعب كله وحُسب الكل كمتعدين لعهد الله (يش 7: 11)، فماذا إن أخطأ الكاهن؟ يقول البابا أثناسيوس الرسولي أنه إن أخطأ كاهن بلا توبة، من أجله يغضب الله على البشريّة. إن فسد الكاهن وهو أب للبشريّة كقول القديس يوحنا الذهبي الفم، يحطم الجميع! وللعلامة أوريجينوس تأمل جميل يخص حياة الإنسان الداخليّة، فيرى الكاهن الذي يعمل داخل القدس إنما يهتم بالأمور الداخليّة، لهذا فالمؤمن يرتكب "ذنب الكهنوت" إن ترك شيئًا دنسًا يدخل إلى أعماق نفسه. يقول: [يجب أن تتجه عناية الكهنة وسهرهم بالأكثر نحو ما هو مغطى في الداخل وراء الحجاب حتى لا يوجد هناك شيء دنس أو شيء غير طاهر، بمعنى أنه يجب الاهتمام بالإنسان الداخلي وأجزاء القلب الداخليّة فتكون بلا عيب]. كأن رئيس الكهنة والكهنة ملتزمون ألاَّ يدخلوا شيئًا غريبًا أو دنسًا إلى قدس الأقداس والقدس بما فيهما من تابوت العهد بكاروبيه ومذبح البخور والمنارة الذهبيّة ومائدة خبز الوجوه... الخ، فإن كان الكاروب يعني "معرفة" فإنه يليق بالمؤمن ألاَّ يسمح لمعرفة دنسة للشر أن تقترب إلى مقدس الله في داخله، بل يبقى كاروبا الرب ببهائهما في القلب يعلنان حضرة الله فيه. لا يرفع على مذبح قلبه بخورًا غريبًا، فلا يقدم صلوات بأيدي دنسة لأن صلاة الأشرار مكرهة أمام الرب، أما طلبة البار فتقتدر كثيرًا في فعلها (يع 5: 16). هكذا يحفظ منارة الرب التي هي الكتاب المقدس في قلبه دائمة الإنارة بالروح القدس الناري فيهب النفس استنارة غير منقطعة وتلتهب المشاعر على الدوام بالحب الإلهي. تجد النفس في المسيح يسوع ربها طعامها على مائدة خبز الوجوه في أعماقها... الخ، إن كل ما في القدس وقدس الأقداس من الذهب الخالص، ليس فيه نحاسًا ولا رصاصًا أو أي معدن آخر، هكذا يحفظ المؤمن قلبه بالطبع السماوي (الذهبي) فلا يسمح لمحبة العالم ولا شهوات الجسد والأمور الأرضيّة أن تغتصب قلبه! بعد أن تحدَّث مع الكهنة وجه حديث نحو اللاويّين، قائلًا: "وأيضًا إخوتك سبط لاوي سبط أبيك قربهم معك فيقترنوا بك ويؤازروك وأنت وبنوك قدام خيمة الشهادة" [2]. إنهم يعملون مع الكهنة ورئيس الكهنة كمكرسين للرب، هبة الشعب لله، وعطيّة الله لشعبه، يعملون في توافق وانسجام مع الكهنة لكنهم لا يرون المقدسات الداخليّة ولا يلمسونها وهي مكشوفة كما سبق أن رأينا في الأصحاحات السابقة. في اختصار أراد أن يحدِّد عمل الخدام في خيمته المقدسة معلنًا أن قداسة خدامه لا تقف عند التزامهم بالحياة المقدسة في سلوكهم الشخصي فحسب بل ومسئوليتهم عن الشعب وأيضًا عن بعضهم البعض، وأخيرًا انسجامهم معًا بالروح الواحد، روح الاقتراب القلبي والفكري والروحي، والمؤازرة خلال الخدمة المشتركة. العمل الكهنوتي ليس وظيفة لكنه شركة حب وعمل روحي لحراسة الخيمة المقدسة وأمتعتها، أي حفظ النفوس هياكل مقدسة للرب. |
|