|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الأحد الثّاني من زمن السنة ﴿طُوبَى لِلْمَدْعويّنَ إلى وَليمَةِ عُرسِ الحَمل﴾ (رؤ 9:19) في كُلِّ ذَبيحةِ قُدّاس، يَرفَعُ الكَاهِنُ أَمامَ أَنْظَارِ السَّاجِدين، الخُبزَ والخمرَ الَّلذينِ تَكرَّسَا لِيَصيرا جَسدَ الْمَسيحِ ودَمَهُ الأقدَسَين، قَائِلًا: "هُوذَا حَملُ الله، هُوذَا الحَامِلُ خَطيئةَ العَالم. طُوبَى لِلْمَدعُويّنَ إلى وَليمةِ الحَمَل". وكَمَا قَرَأنَا وسَمِعنَا في إنجيلِ هَذَا الأحدِ الثّاني مِن زَمنِ السَّنَة، فَإنَّ وَصفَ "حَملِ الله"، كَانَ قَدْ أَطلَقَهُ سَابِقُ الرّبِّ، يُوحَنَّا الْمَعمدان، عَلَى السَّيدِ الْمَسيحِ حِينَ رَآَه. وبِذلِكَ الوَصف، يُؤكِّدُ الْمَعمدانُ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ النّبيُّ أَشعيا، حِينَ تَنبَّأَ فَقَال: ﴿كَحَمَلٍ سِيقِ إلى الذّبحِ، ولَم يَفتَح فَاهُ... هُوَ حَمَلَ خَطايا الكَثيرين، وَشَفَعَ في مَعَاصِيهم﴾ (أش 7:53، 12)، قَدْ تحقَّقَ وتمَّ في شَخصِ يَسوعَ الْمَسيح، حَملِ اللهِ، الّذي حَملَ خَطَايانا عَلَى خَشَبةِ الصَّليب، ذَبيحَةَ تَكفيرٍ عَنْ آَثَامِنَا، واستَحَقَّ لَنَا الخلاصَ والنَّجَاة. كَمَا قَالَ أشعيا أيضًا: ﴿حَمَلَ هوَ آَلامَنَا، واحتَمَلَ أَوجَاعَنَا، نَزَلَ بِهِ العِقَابُ مِنْ أَجلِ سَلامِنَا، وبِجُرحِهِ شُفينَا﴾ (أش 4:53-5). هَذا الحَمَلُ الّذي ذُبِحَ لأجلِنَا، هوَ نَفسُهُ الحَمَلُ الحَيُّ والقَائِم. هو حَملُ الفِصحِ أَي حَمَلُ العُبورِ مِن الْمَوتِ إلى الحَيَاة. وبَينَ ذَبيحَتِهِ ومَوتِهِ وقِيَامتِهِ الْمَجيدَة، يَكتَمِلُ عَمَلُ خَلاصِنَا! فَنَحنُ، كَمَا يُعلِنُ بُطرسُ الرَّسولُ في رِسَالتِهِ الأولَى، افْتُدِينَا: ﴿بِدَمِ الحَمَلِ الّذي لا عَيبَ فيهِ ولا دَنَس، دَمِ الْمَسيح﴾ (1بط 19:1). هَذَا الافتِدَاءُ الّذي تَحقَّقَ لَنَا في السَّيدِ الْمَسيح، والّذي بِواسطَتِهِ نَرجو مَا سَبَقَ لِيُوحَّنَا أنْ كَتَبَهُ في رُؤيَاه: ﴿طُوبَى لِلْمَدْعويّنَ إلى وَليمَةِ عُرسِ الحَمل﴾ (رؤ 9:19). هذهِ الوَليمَةُ السّماويّةُ الّتي نَتَذوَّقُ أُولَى ثِمارِهَا في ذَبيحَةِ القُدَّاس، والّتي نَرجو بُلوغَهَا في الحياةِ الأبَديَّة. حَمَلُ اللهِ يا أَحِبَّة، يَدعُونا كَمَا دَعَا التَّلمِيذَين، لِأنْ نَتبَعَهُ حَتَّى يَقُودَنا صَوبَ الْمَراعي الأبديَّة. فَهُوَ لَيسَ حمَلًا فَقَط، بل أَيضًا هوَ رَاعِينَا الصَّالِح، الّذي: ﴿يَبذِلُ نفسَهُ في سَبيلِ الخِراف، لِتَكونَ لَها الحَيَاة﴾ (راجِع يوحنّا 10:10-11). ومَاذَا يَعني أَنْ نَتبَعَ الْمَسيح، سِوَى أَنْ نَكونَ لَهُ شُهودًا أُمَنَاءَ مُخلِصين، تمامًا كَمَا كَانَ يُوحَنَّا الْمَعمدان، الّذي: ﴿لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّور، بَلْ جَاءَ لِيَشهَدَ لِلنّور﴾ (يوحنّا 8:1). التَّتَلمُذُ لِلْمَسيحِ يَعني أنْ نعرِفَ مَنْ نحنُ بالنّظَرِ إلى عَلاقَتِنَا بالْمَسيح، عَلَى مِثالِ يُوحَنَّا الْمَعمَدانِ أَيضًا، الّذي بالرّغمِ مِنْ مَنْزِلَتِهِ الرَّفيعَةِ عِندَ الشَّعب، إلّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُصَابًا "بِدَاءِ الْمَنصِب وحُمّى الكُرسِيّ"، إنَّما عَرفَ أَنْ يَتَوَاضَعَ ويَتَخَلّى، تَارِكًا الْمَجالَ لِلّذي أَعَدَّ لَهُ الطّريق، فَقَال: ﴿لا بُدَّ لَهُ مِنْ أنْ يَكبُر، ولا بُدَّ لي مِن أنْ أَصغُر﴾ (يوحنّا 30:3). واحِدَةٌ مِنْ مُشْكِلاتِنَا الكُبرَى في الكَنيسَة، عَلَى صَعيدِ الرُّعَاةِ والْمُؤمنين، هيَ رُوحُ الكبرياءِ والغُرور، والاعتِدادُ بالذّاتِ، والسَّعيُ وَرَاءَ الْمَراكِزِ والوَجَاهَاتِ، الّذي يَصِلُ أحيانًا حُدودَ التَّمرُّدِ حَتَّى عَلَى الْمَسيحِ وتَعالِيمِهِ، لأكبُرَ أَنَا! في هَذَا الفَصلِ الأوّلِ مِن إنجيلِ القِدّيسِ يُوحنّا، يَسأَلُ التَّلميذَانِ يَسوع: ﴿أَينُ تُقيم؟﴾ (38:1). فَدَعَاهُما الرّبُّ للإقامَةِ عِندَه. وبِنَاءً عَلَى هَذهِ الإقَامَة، تَبِعَا الْمَسيحَ وصَارَا مِنْ تَلامِيذِه. في الْمُقَابِل، نَجِدُ في الفَصلِ الأخيرِ مِنْ إنجيلِ القِدّيسِ لُوقَا، أَنَّ تِلميذيّ عِماوس هُما الّلذينِ بَادَرا إلى دَعوَةِ الْمَسيحِ واسْتِضافَتِه، قَائِلَين: ﴿أُمْكُثْ مَعَنا، فَدَخَلَ لِيمكُثَ مَعَهُما﴾ (لو 29:24). وفي كِلتَا الْمَرَّتَين، سَواءً أكَانَ الرّبُّ دَاعِيًا أو مَدعُوًّا، مُضيفًا أو مُسْتَضَافًا، اِستَطَاعَ التَّلاميذُ أنْ يَعرِفُوهُ و"يجِدُوا الْمَسيح"! وهُنَا دَعوَةٌ لَنَا لِأنْ نَتَساءَل، نحنُ الّذينَ عَرفنَا الْمَسيحَ، وسَمِعنَا مِنهُ وعَنهُ الكَثير، خِلالَ مَا مَضَى مِن سِني عُمرِنا، مِنْ خِلالِ الكُتبِ الْمُقَدَّسَةِ والتَّعَاليمِ والعِظَاتِ والتَّنَاولِ الْمُقَدَّس، إنْ كُنَّا حَقًّا نَعرِفُ الْمَسيحَ مَعرِفَةً عَميقَةً أَصيلَةً صَادِقَة، أَسَاسُهَا الْمَحَبَّةُ وحِفظُ الوَصَايا، أمْ أنّها مُجرّدُ مَعرِفَةٍ سَطحيَّةٍ مَعلوماتيَّةٍ، روتينيّةٍ بِحكمِ العَادَة؟! لِذلكَ، مَعرِفَةُ الْمَسيحِ أَمرٌ حَمّالُ أَوجُه! فَقَدْ نكتَشِفُ عِندَ مَوقِفٍ أو حَدَثٍ، أَنَّنَا لا نَعرِفُ عنِ الْمَسيحِ شَيء. وأَنَّ إنْسَانَنَا القَديم، برذائِلهِ ورغباتِهِ الدُّنيويَّة وأطباعِهِ ورُدودِ فِعلِه البَشريّة، هوَ الَّذي يحيَا فِينَا، وليسَ الْمَسيحُ الإنسانُ الجَديد! ولا نَستَغرِب مِنْ ذَلِك، أَلَم يَقُلْ الرّبُّ "لِتلميذِهِ فِيلبُّس القَريبِ إليه"، بِنبرَةٍ كُلُّهَا عَتَبٌ وأَسَى: ﴿إِنّي مَعَكُم مُنذُ وقتٍ طَويل، أَفَلا تعرِفُني يا فيلبُس؟﴾ (يوحنّا 9:14). فَمَعرِفَةُ الْمَسيحِ يا أَحِبَّة، لَيسَتْ مَعلومَاتٍ وادِّعَاءَات، بِقَدرِ مَا هي مَواقِفٌ وظُروفٌ واختِبَارَات، فيها تَظهَرُ أَصالَةُ مَعرِفَتِنَا لِلْمسيحِ أَو زِيفُها. فيهَا قَدْ نَكونُ كَبُطرس الّذي: ﴿أَخَذَ يَلْعَنُ ويحلِف، إِنّي لا أعرِفُ هَذَا الرّجُل﴾ (مرقس 70:14). أو فيها نَكونُ ثَابِتينَ أوفِيَاء، بالرّغمِ مِن كُلِّ شَيء، كَمَريمَ ويُوحنّا: ﴿هُنَاكَ عِندَ صَليبِ يَسوع، رَأَى يَسوعُ أُمَّهُ وإلى جانِبِها التّلميذُ الحَبيبُ إليه﴾ (يوحنّا 25:19-26). |
|