رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يسوع هو ابن الله الوحيد ملك الملوك كتب مرقس إنجيله إلى الأمم فأخذ يُبيِّن لهم إنَّ يسوع ابن الله وسمَّاه كذلك. وبرهن على ذلك بأعمال يسوع الخَارقة الطَّبيعة فيما أظهره من المعجزات وأعمال الرَّحمة. وليس المُراد بكون المسيح ابن الله انه مخلوق أو مُجرد الحبيب إليه بل المُراد به أنَّ جوهر الابن هو جوهر الآب، وانه مساوٍ له في القدرة والمجد "هذا هُوَ ابنِيَ الحَبيبُ الَّذي عَنه رَضِيت" (متى 3: 17). لم يوحي الله في إنجيل مرقس أنَّ يسوع هو المسيح المُنتظر فحسب، بل أوحى أيضًا أنه ابن الله، وأكَّد ذلك في أثناء المَعْموديَّة "انطَلَقَ صَوتٌ مِنَ السَّمَواتِ يقول: أَنتَ ابنِيَ الحَبيب، عَنكَ رَضيت"(مرقس 1: 11). هذا هو وحي إلهي يكشف منذ البداية بأنَّ يسوع هو ابن الله حقًا. لكن النَّاس يتساءلون حول ذلك، والشَّياطين يعرفون. إذ يُعلن يسوع تعليمه في ملكوت الله، ويُعطي علامات لهذا لملكوت بأقواله وأفعاله، ولكنَّه لم يتكلم عن شخصه (مرقس 1: 14-15)؛ ولمَّا شفى الرَّجل الذي فيه روحٌ نجسٌ في مجمع كفرناحوم صاح الشَّيطان "ما لَنا ولكَ يا يَسوعُ النَّاصِريّ؟ أَجِئتَ لِتُهلِكَنا؟ أَنا أَعرِفُ مَن أَنتَ: أَنتَ قُدُّوسُ الله" (مرقس 1: 24). الله وحده قدوس وقداسته تشمل كل ما هو له أو ما كُرِّس له: يسوع هو قدوس الله بكل معنى الكلمة، لأنَّه المسيح ابن الله. أعلن الله بانَّ يسوع هو ابن الله أيضًا عند التَّجلي "انطَلَقَ صَوتٌ مِنَ الغَمامِ يَقول: هذا هُوَ ابنِيَ الحَبيب، فلَهُ اسمَعوا "(مرقس 9: 7)، هذا الإعلان يَستعيد إعلان المَعْموديَّة. والصَّوت هو صَوت الله. فلا مجال إلى الالتباس. ويذكّر هذا الإعلان للبنوَّة الإلهيَّة بالإعلان نفسه عند اعتماد يسوع (متى 17: 5). إن عبارة "الابن الحبيب" تعني الابن الوحيد الذي يرتبط بالآب بعلاقة لا مثيل لها، بعلاقة لا يُمكن أن تكون لأي إنسان. في المَعْموديَّة وُجِّه الصَّوت إلى يسوع: "أنت هو ابني الحبيب". وفي إنجيل مرقس، لم يكن أحد حاضرا أو شاهدًا. كان الوحي سِرِّيًا موجّه إلى يسوع. أمَّا هنا في التَّجلي فوُجّهت كلمة الله إلى التَّلاميذ الثَّلاثة: وهي وحي خاص منحه الله لثلاثة شهود فقط، وهذا الوحي هو سِرِّي أيضًا، كما أوصاهم يسوع بعد التَّجلي "بَينَما هم نازِلونَ مِنَ الجَبَل أَوصاهم أَلاَّ يُخبِروا أَحدًا بِما رَأَوا، إِلاَّ متى قامَ ابنُ الإنْسَان مِن بَينِ الأَموات" (مرقس 9: 9). نحن أمام سِرّ إلى أن يتحقق مخطط الآلام والقيامة، لأنَّ نبوءة يسوع حول سِرّ موته وقيامته لا يُفهم إلاّ عندما يتمَّ مشروع الخلاص. منذ ذلك الوقت لا يتلفظ بلَقَب "ابن الله" إلاَّ الشَّياطين. لانَّ الشَّياطين كانوا يعرفون يسوع على حقيقته: انه هو ابن الله، وأخذوا يذيعونه، كما ورد في الإنجيل "وكانتِ الأَرواحُ النَّجِسَة، إِذا رَأَته، تَرتَمي على قَدَمَيه وتَصيح: َأنتَ ابنُ الله!"(مرقس 3: 11)، لكنَّ هذا الأمر يجب أن يبقى سِرًّا، لذلك "كانَ يَنهاها يسوع بِشِدَّةٍ عن كَشْفِ أَمرِه" (مرقس 3: 12). يعرف الشَّياطين أنَّ يسوع هو ابن الله، والنَّاس لا يعرفون، وكانوا يتساءلون: من هذا؟ بعد أن شفى يسوع الرَّجل النَّجس في كفرناحوم، وكشف عن سلطانه " دَهِشوا جَميعًا حتَّى أَخذوا يَتَساءَلون: ما هذا؟ إِنَّهُ لَتعليمٌ جَديدٌ يُلْقى بِسُلْطان! حتَّى الأَرواحُ النَّجِسَةُ يأمُرُها فَتُطيعُه" (مرقس 1: 27). وبعد أن سكَّن يسوع العَاصفة، قال التَّلاميذ فيما بينهم "مَن تُرى هذا حتَّى تُطيعَه الرِّيحُ والبحر؟ " (مرقس 4: 41). لم يُعلن يسوع لَقَب ابن الله إلا خلال محاكمته أمام رئيس الأحبار، إذ "فسأَلَه عظيمُ الكَهَنَةِ ثانيةً قالَ له: أَأَنتَ المسيحُ ابنُ المُبارَك؟ فقالَ يسوع: أَنا هو. وسَوفَ تَرونَ ابنَ الإنْسَان جالِسًا عن يَمينِ القَدير، وآتِيًا في غَمامِ السَّماء" (مرقس 14: 61-62). وأخيرًا تلفظ بهذا اللّقب الضَّابط الرُّوماني الوثني عند قدم الصَّليب "كانَ هذا الرَّجُلُ ابنَ اللهِ حَقًّا!" (متى 15: 39). وفي الواقع، يمكن تقسيم إنجيل مرقس إلى جزأين: ينتهي الأول بإعلان بطرس إيمانه بان يسوع هو المسيح "سأَلَهم يسوع: ومَن أَنا، في قولِكم أَنتُم؟ فأَجابَ بُطرس: أَنتَ المسيح" (مرقس 8: 29). أما الجزء الثَّاني فيدور حول اعتراف قائد المائة بان يسوع هو ابن الله " فلَمَّا رأَى قائِدُ المِائَةِ الواقِفُ تُجاهَهُ أَنَّه لَفَظَ الرُّوحَ هكذا، قال: كانَ هذا الرَّجُلُ ابنَ اللهِ حَقًّا! " (مرقس 15: 39). اكتشف قائد المئة من خلال ذلك الموت حضور الله وظهوره بين البشر، فأُعلن عند الصَّليب حقيقة جديدة تتمثّل في موت الله من أجل الإنْسَان. نستنتج مما سبق أنَّ يسوع هو المسيح، وطريقته تختلف عن طريق البَشر، فهو ليس كما ينتظرونه يستولي على المُلك، بل هو المسيح المَصلوب، ابن الله. هذه هي الفكرة الأساسيَّة في إنجيل مرقس، والتي يريد أن ينشرها بين المسيحيِّن. وحاول يوحَنَّا المَعمَدانُ أن يُعلن عن هذه الحقيقة وقبولها، وذلك بالتَّوبة عن طريق الاعتراف بخطايانا ونيل المغفرة. فلا بُدَّ من مسيرة توبة والتَّخلص من تصوراتنا الزَّائفة عن الرَّبّ وعن أنفسنا من أجل الوصول إلى إعلان الإيمان على مثال قائد المئة الوثني. وهكذا يبشِّرنا أنجيل اليوم أن يسوع المسيح هو طريق خلاصنا، وهو ينتظرنا على شرط أن نذهب إليه بالتَّوبة الصادقة. |
|