رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ميثاق الله وأرض الموعد لما كانت أرض الموعد تشير إلى كنعان السماوية، فقد صار وعد الله للآباء بخصوصها هو أساس الميثاق في الكتاب المقدس. كل العطايا الإلهية تنبع من هذه العطية المجانية. أقام الله العهد مع إبراهيم ويعقوب، ليس معهم وحدهم، بل ومع نسلهم بكونهم شعبه. يؤكد المرتل مبادرة الله بإقامة العهد، فهو الذي يبحث عنا ويختارنا ويقيمنا شعبًا له. هُوَ الرَّبُّ إِلَهُنَا، فِي كُلِّ الأَرْضِ أَحْكَامُهُ [7]. لم يقل: "هو الرب في إسرائيل"، إنما "في كل الأرض أحكامه". إن كان قد قطع عهدًا مع إبراهيم واختار يعقوب، فهو رب البشرية كلها ومخلصها، يدعو البشرية كلها لتنعم ببركاته الأبدية في الابن الوحيد الجنس، الذي بدمه الثمين قدَّم عهدًا جديدًا أبديًا. لم يترك نفسه بلا شاهد في الأرض كلها (أع 14: 17). * "في كل الأرض أحكامه". هل هو إله اليهود وحدهم (رو 3: 29)؟ حاشا! "هو الرب إلهنا"، لأن الكنيسة التي يُكرَز فيها بأحكامه هي في كل العالم. القديس أغسطينوس * الله الذي أعطى قديمًا الشريعة لبني إسرائيل فقط هو الذي تجسد ونشر أحكامه في كافة المسكونة بواسطة رسله، إذ قال لهم: تلمذوا كل الأمم وعلموهم ما قد أوصيتكم به. الأب أنسيمُس الأورشليمي ذَكَرَ إِلَى الدَّهْرِ عَهْدَهُ، كَلاَمًا أَوْصَى بِهِ إِلَى أَلْفِ دَوْرٍ [8]. إذ يتحدث عن عهده مع الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب، يذكره إلى ألف جيل، فما قدمه للآباء، إنما قدمه لكل الأمم إلى ألف جيل. يرى البعض رقم 1000 يشير إلى الأبدية، وكأن ما قدمه للآباء لا يقف عند وعود زمنية، ولا أرض موعد مادية، إنما تمتد الوعود إلى الوطن السماوي لكل المؤمنين عبر الأجيال. إن كان الله يطالبنا أن نُذَكِّره أعماله العجيبة معنا، فمن جانبه هو يذكر تعهداته وميثاقه معنا معلنًا أمانته في مواعيده. إنه لن ينساها! * هذا العمر يُقال عنه ألف جيل كما كتب بطرس الرسول: "إن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة، وألف سنة..." (2 بط 3: 8). ودانيال النبي قال: "ألوف ألوف يخدمونه". فإذًا كلمة "ألف" لا تعني العدد المعروف، بل يعني الكثير. الأب أنسيمُس الأورشليمي الَّذِي عَاهَدَ بِهِ إِبْرَاهِيمَ، وَقَسَمَهُ لإِسْحَاق [9]. جاء ميثاقه الذي قطعه مع إبراهيم في تكوين 15: 17-18، وقسمه مع إسحق في تك 26: 3. لقد عبّر زكريا الكاهن عن هدف مثل هذه المواثيق والقسم مع الآباء والأنبياء بقوله: "أقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاه، كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر" (لو 1: 69-70). فَثَبَّتَهُ لِيَعْقُوبَ فَرِيضَةً، وَلإِسْرَائِيلَ عَهْدًا أَبَدِيًّا [10]. جاء تثبيت العهد مع يعقوب في تك 28: 10-15؛ 35: 9-15. في المناسبة الأخيرة غيّر اسمه من يعقوب إلى إسرائيل. هذه العهود مع الآباء، وإن كانت تحمل جانبًا شخصيًا وامتيازًا، غير أنها أبدية، لكنها في جوهرها هي عهد مع البشرية في المسيح يسوع لتنعم بالأمجاد والميراث الأبدي في السماوات. قَائِلًا: لَكَ أُعْطِي أَرْضَ كَنْعَانَ، حَبْلَ مِيرَاثِكُمْ [11]. إن كان هؤلاء الآباء لم ينالوا المواعيد في حياتهم الزمنية، لكن نسلهم دخلوا أرض الموعد، وصارت نصيب ميراثهم. أما ما هو أعظم فبتجسدك قدَّمتَ لنا ملكوتك حالًا فينا، وفتحت لنا أبواب سماواتك، لننعم بها بكونها كنعان السماوية، حبل (نصيب) ميراثنا الأبدي. إِذْ كَانُوا عَدَدًا يُحْصَى قَلِيلِينَ وَغُرَبَاءَ فِيهَا [12]. عند نزولهم إلى مصر في أيام يوسف كانوا قلة قليلة، وصاروا مُتَغَرِّبين (66 شخصًا تك 46: 26، أو 70 شخصًا بما فيهم عائلة يوسف خر 1: 5). ذَهَبُوا مِنْ أُمَّةٍ إِلَى أُمَّةٍ، مِنْ مَمْلَكَةٍ إِلَى شَعْبٍ آخَرَ [13]. إن كان الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب الذين دخلوا في عهود مع الله عاشوا كمُتَجَوِّلين وغرباء، ليس لهم موضع استقرار، فإنه يليق بنسلهم حتى بعد نوالهم أرض الموعد أن يتحققوا من تَغَرُّبهم ماداموا في هذا العالم، كما يليق بنا نحن المؤمنين أن نحمل ذات المشاعر. * نَعْبُر خلال ممالك كثيرة لنبلغ إلى أرض الموعد. القديس جيروم فَلَمْ يَدَعْ إِنْسَانًا يَظْلِمُهُمْ، بَلْ وَبَّخَ مُلُوكًا مِنْ أَجْلِهِم [14]. تُرَنِّم الكنيسة بهذه العبارة في عشية عيدي موسى وزكريا، أي في 8 توت، حيث اضطهد فرعون موسى النبي، وهيرودس زكريا الكاهن، ولم يصب أحد منهما بأذية. فقد نال موسى كرامة خلاص الله خلال الخروج من أرض العبودية، وتمتع زكريا بأن يصير أبًا ليوحنا المعمدان الملاك الذي هيأ الطريق للمسيح الرب. تتعرض حياة المؤمنين دومًا لمتاعب كثيرة، لكن الله بعنايته يحفظهم من الإصابة بأذية، حتى وإن كان المقاومون لهم أصحاب سلاطين وملوك جبابرة (تك 12: 14-20؛ 20: 1-9؛ 26: 7-11، 26-33؛ 35: 5). * حُذِّر كل من ملك جيرار وملك المصريين من السماء ألا يؤذيا إبراهيم (تك 12: 17-20؛ 20: 3)، وحُذِّر ملك آخر ألا يؤذي إسحق (تك 26: 8-11)، وآخرون ألا يؤذوا يعقوب (تك 32، 33)، بينما كانوا قلة قليلة جدًا وغرباء. القديس أغسطينوس قَائِلًا: لاَ تَمَسُّوا مُسَحَائِي، وَلاَ تُسِيئُوا إِلَى أَنْبِيَائِي [15]. لم نسمعْ عن أحد الآباء الأولين قد مُسِحَ بدهن ملوكي، لكنهم كانوا ممسوحين بروح الله القدوس لرسالة تمس خلاص البشرية. يتساءل القديس أغسطينوس كيف يمكن دعوة إبراهيم وإسحق ويعقوب مسحاء، مع أنه لم يكن بعد قد عُرفتْ المسحة التي صار الملوك يُمسَحون بها، ويدعون مسحاء. ويجيب أنه سريَّا يُحسبون هكذا، فإنه وإن كان جسد المسيح جاء منهم، فإن المسيح نفسه، أي الكلمة قَبْل التجسد، كان قبلهم. وذلك كما قال لليهود: "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (يو 8: 58). وقد أعلنوا عن الرب مُقَدَّمًا. فإنه لن يمكن لأحدٍ أن يتصالح مع الله خارج ذاك الإيمان الذي في المسيح يسوع، سواء قبل تجسده أو بعده. وقد أوضح الرسول ذلك بقوله: "لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح" (1 تي 2: 5) * يا للعار بالنسبة لليهود الذين يقولون ما لم يُدهَن الشخص بدهن ملوكي لا يمكن أن يُدعَى "مسيحًا". يقولون إن ربنا ليس المسيح، لأنه لم يُمْسَحْ بزيوت ملوكية. لكن قبل الشريعة لم يُدهَن البطاركة بدهن ملوكي، ومع هذا يدعو مسحاء. المسحاء هم الذين يمسحهم الروح القدس، لهذا بحق يُدعَى ربنا المسيح. ينكرون هذا ، وهم في هذا يضادون الأسفار المقدسة. القديس جيروم * يحمل المستنيرون (المُعَمَّدون) ملامح قوة المسيح وصورته. التشبُّه بشكل الكلمة (المسيح) يُطبَعُ عليهم، وتتحقق فيهم خلال المعرفة الأكيدة والإيمان. هكذا يؤكد المسيح روحيًا في كل أحدٍ. ولهذا فإن الكنيسة تتمخض حتى يتصور المسيح فينا (غل 4: 19)، كأن كل واحدٍ من القديسين، إذ يشترك في المسيح يلد مسيحًا. بهذا المعنى قيل في الكتاب المقدس: "لا تمسوا مسحائي، ولا تسيئوا إلى أنبيائي". هؤلاء الذين يتعمدون في المسيح يصيرون كما لو كانوا مسحاء آخرين، وذلك خلال شركة الروح. الأب ثيؤدوسيوس من فليبي * "جعلنا لنكون على صورة جسد مجده" (في 3: 21)، حيث أننا نصبح "شركاء المسيح" (عب 3: 14). وبحق دُعيتم للمسيح، وعنكم قال الله: "لا تمسُّوا مسحائي، ولا تسيئوا إلى أنبيائي" (مز 105: 15). جُعلتم مسحاء بقبولكم خِتْم الروح القدس. وكل الأشياء عُمِلتْ فيكم امتثالًا (بالمسيح)، لأنكم صورة المسيح. هو اغتسل في نهر الأردن، ونشر معرفة ألوهيته في الماء، وصعد منه وأضاء عليه الروح القدس في تمام وجوده، وحلّ كذلك عليه. ولكم أنتم فشبه ذلك بعد أن صعدتم من بركة المياه المقدسة صار لكم دهن شبه الذي مُسِحَ به المسيح. وهذا هو الروح القدس الذي قال عنه المطوَّب إشعياء في نبوته عن شخص الرب: "روح السيد الرب عليّ، لأن الرب مسحني" (إش 61: 1) . القديس كيرلس الأورشليمي * كثيرًا ما يحدث أن يرغب إنسان في الإساءة إلى آخر، ولأن الله لا يسمح له بذلك تُبْطَل مشورته. وهكذا فإن مشيئات الناس توضع فقط تحت الاختبار. فكم من مؤامرة شر دُبرتْ للآباء القديسين، ولأن الله لم يسمحْ بها فلم يقدر أحد أن يسيء إليهم كما هو مكتوب: "لم يدع إنسانًا يظلمهم، بل وبَّخ ملوكًا من أجلهم قائلًا: لا تمسُّوا مسحائي، ولا تسيئوا إلى أنبيائي" (مز 104: 14-15). وحينما كان يريد أن يُظهِر قدرته كان يحرِّك بالشفقة قلوب الذين لا شفقة عندهم، كما هو مكتوب في سفر دانيال: "وأعطى الله دانيال نعمةً ورحمةً عند رئيس الخصيان" (دا 9:1). القديس زوسيما |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 106 | عصيان في أرض الموعد |
مزمور 89 | ميثاق أبدي |
مزمور 78 | الدخول إلى أرض الموعد |
مزمور 36 - ميثاق الله |
مزمور 89 - تفسير سفر المزامير - ميثاق أبدي |