رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
شخصيات الكتاب المقدس القديس يوحنا المعمدان بمناسبة عيد الغطاس المجيد الذي سنحتفل به أود أن أحدثكم عن شخصية عظيمة هي: السبت 18 يناير 2014 - 10:15 ص بقلم المتنيح قداسة:البابا شنودة الثالث القديس يوحنا المعمدان يوحنا المعمدان شخصية تقف في مفترق عهدين.. يمكن اعتباره آخر أنبياء العهد القديم,ويمكن اعتباره من رجال العهد الجديد,الملاك الذي أعد الطريق أمام السيد المسيح. عظمة يوحنا وكان يوحنا إنسانا عظيما,وفي عظمته نذكر ثلاث ملاحظات: أولا:أنه كان عظيما بشهادة السماء نفسها: كثيرون شهد لهم الناس بالعظمة,وكانت شهادات خاطئة,أو زائفة,أو متملقة,أو عن جهل.أما يوحنا المعمدان فكانت عظمته حقيقية ويقينية,شهد بها الرب الذي بشر بميلاده(لو1:15),بل شهد بها الرب نفسه(متي11:11),وهكذا لصقت العظمة بيوحنا حتي قبل أن يولد... ثانيا:لم يكن عظيما فقط,وأنما أعظم من كل البشر: وفي هذا قال عنه السيد المسيح نفسه للجموع...ماذا خرجتهم إلي البرية لتنظروا؟أنبيا؟نعم,أقول لكم:وأفضل من نبي فأن هذا هو الذي كتب عنه,ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك.الحق أقول لكم أنه لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان...(متي11:7-11). ثالثا:كانت عظمة يوحنا,عظمة أمام الرب: قال الملاك الذي بشر بميلادهلأنه يكون عظيما أمام الرب(لو1:15)...حقا أننا لنقف مذهولين أمام عبارةعظيما أمام الرب...فأمام الرب كلنا لاشئ,تراب ورماد,تختفي كل عظمة,ويستد كل فم...أما أن يكون إنسان ما عظيما أمام الرب,فهذا شئ عجيب وعجيب جدا,يدل علي تواضع الرب وتشجيعه لخليقته,ويدل أيضا علي قيمة هذا الإنسان في قلب الله... فما هو السر في عظمة يوحنا,هذه العظمة العجيبة؟ أعمال عظيمة قد قيلت عنه:منها إنه يرد كثيرين إلي الرب إلههم يرد العصاة إلي فكر الأبرار,يهيئ للرب شعبا مستعدا,يهيئ الطريق قدام الرب,يتقدم أمامه بروح إيليا وقوته...(لو1:16, 17). وفي كل ذلك نسأل الملاك الذي بشر بميلاده عن سر هذه العظمة العجيبة فيجيبنا بقوله أنه: من بطن أمه يمتلئ بالروح القدس(لو1:15) حقا,هذه هي سر عظمة يوحنا... سمعنا في الكتاب المقدس أن الروح القدس حل علي كثيرين في العهد القديم:حل روح الرب علي شمشون وعلي شاول وعلي داود,وعلي كثير من الأنبياء.ولكن لم نسمع مطلقا عن أحد من هؤلاء إنهمن بطن أمه قد امتلأ بالروح القدس...هذا الأمر قد اختص به يوحنا المعمدان,لم يسبقه إليه أحد... ومن نتائج هذا الامتلاء أنه ارتكض بابتهاج في بطن أمه تحية للجنين الإلهي وهو في بطن العذراء... لقد أوتي المعرفة التي يميز بها الرب وهو لايزال جنينا في الشهر السادس في بطن القديسة إليصابات بل أنه أيضا أوتي روح العبادة وهو في بطن أمه.أمر لم نسمعه عن أحد من الأنبياء أو القديسين من قبل...لقد عرف المسيح,وآمن به,وسجد له في البطن,قبل أن يولد المسيح... قالت عنه أمه إليصاباتارتكض الجنين بابتهاج في بطنيلقد ابتهج بالرب,فرح به.فرح بالخلاص الذي كان مزمعا أن يأتي إلي العالم من بطن العذراء...! عجيب مثل هذا الابتهاج من جنين لايدرك ولايعي! ولكن يزول العجب إذ كان هذا الجنين ممتلئا من الروح القدسوالروح يفحص كل شئ حتي أعماق الله(1كو2:10). نذير الرب: كان يوحنا المعمدان مفرزا لرب قبل أن يولد... الله العارف بالمستقبل,الفاحص القلوب,والمدرك الخفيات,كان يعرف من سيكون هذا الإنسان يوحنا...لذلك اختاره الرب لنفسه.وكما يقول الرسول عن الرب ومختاريه: الذين سبق فعرفهم,سبق فعينهم...هؤلاء مجدهم أيضا(رو8:30) الله نظر إلي المستقبل,فرأي قلب هذا الملاك يوحنا,ورأي ماذا يمكن أن يفعل,فاختاره لنفسه ودعاه... وصار نذيرا للرب قبل أن يولدوخمرا ومسكرا لايشربوأعد له الرب نوع خدمته,قبل أن يولد...أنه يذكرنا بقول الرب لإرمياء النبي: قبلما صورتك في البطن عرفتك,وقبلما خرجت من الرحم قدستك.جعلتك نبيا للشعوب(أر1:5). عرفتك...نعم,هذه المعرفة السابقة,هي سر الاختيار...تماما كما حدث في اختيار الرب ليعقوب دون أخيه عيسو,وهما لم يولدا بعد,ولا فعلا خيرا أو شرا,ولكن الله كان يعرف خاصته, يعرف ماذا سيكون يعقوب,وماذا سيكون عيسو.لذلك قال لأمهما رفقهفي بطنك أمتان,ومن أحشائك يفترق شعبان...وكبير يستعبد لصغير(تك25:23). ولعل أعظم مافي حياة يوحنا أنه عمد المسيح له المجد... أتي إليه السيد المسيح ليعتمد منه كباقي الناس...ومن أجل الطاعة قام يوحنا بعماد المسيح.واستحق لذلك أن يري الروح القدس بهيئة حمامة,وأن يسمع صوت الآب قائلاهذا هو ابني الحبيب الذي به سررت(متي3:16, 17) وهكذا تمتع بالثالوث الأقدس,روحا وحسا... وتظهر عظمة يوحنا المعمدان في أنه تمم عمله العظيم في مدة قصيرة,لعلها تقل عن سنة. ستة أشهر هي الفرق بين عمره وعمر المسيح,وكل منهما بدأ عمله في نحو الثلاثين من عمره.وخدم يوحنا هذه الستة أشهر ولما ظهر المسيح بدأ يختفي هو,وفي هذه المدة الوجيزة استطاع يوحنا أن يهدي كثيرين إلي التوبة,وأن يشهد شهادة قوية للرب,وأن يمهد الطريق أمام المسيح وأقنع العالم كله بأن قوة الخدمة ليست في طولها,وأنما في عمقها,في مدة فاعليتها وتأثيرها... أليس عجيبا أن كثيرا من الخدام النافعين لا يتركهم الرب يخدمون طويلا.يكفي أنهم قدموا عينة للخدمة وعينة البر. قدمو شهادة للرب.وقدموا مثالا يحتذي واكتفي الله بما فعلوه وأطلقهم بسلام. وتبرز عظمة يوحنا,في أنه عاش بكماله,علي الرغم من أن عصره كان مظلما. كان عصرا شريرا,وكان أشر مافيه قادته الروحيون من أمثال الكهنة والشيوخ والكتبة والفريسيين والصدوقيين...وقد قام فيه من قبل بعض المعلمين الكذبة مثل ثوداس ويهوذا الجليلي اللذين تكلم عنهما غمالائيل(1ع5) وقد ازاغا كثيرين...وكان عصرا يمتاز بالحرفية والبعد عن الروح,ويتميز رجال الدين فيه بالرياء والكبرياء وعلي الرغم من وجود أضواء بسيطة مثل حنة النبية وسمعان الشيخ وزكريا الكاهن وأمثالهم إلا أن العصر في مجموعه كان فاسدا.يكفي أن الرب وصفه بأنهجيل فاسق وشرير(متي12:39). ولكن يوحنا لم يتأذ من فساد جيله,بل علي العكس كان بركة لجيله وسبب هداية وتوبة... ومن عظمة يوحنا أنه كان ابن الجبال,كان رجل برية,ورجل زهد ونسك وكل ذلك ترك أثره في حياته وفي صفاته. طارده الموت من صغره,عندما قتل هيرودس الأطفال فأخذوه إلي البرية.وعاش في البراري طوال عمرهينمو ويتقوي بالروح(لو1:80).عاش ناسكاخمرا ومسكرا لايشرب(لو1:15) يلبس وبر الأبل,ومنطقة من جلد علي حقويه.ويأكل جرادا وعسلا بريا(مر1:6). هكذا تدرب في البرية علي حياة الزهد.وصدق مار إسحق حينما قالإن مجرد نظر القفر يميت من القلب الحركات العالمية. وفي البرية تعلم الصلاة والتأمل,وتعلم الشجاعة والصلابة وتعلم الإيمان أيضا. أعده الله في مدرسة البرية,كما أعد العذراء في الهيكل فنشأ شجاعا لايهاب إنسانا يصلح أن يكون صاحب رسالة,وكانت رسالته هي إعداد الناس للتوبة. ومن عظمة يوحنا المعمدان,إنه كان شجاعا جريئا,يقول الحق بكل قوة,مهما كانت النتائج.حقا إن الزاهد لايخاف. أخطأ هيرودس الملك.فمن كان يجرؤ أن يوبخه أو يواجهه بكلمة الحق؟من الذي يعلق الجرس في عنق القط؟ليس غير يوحنا المعمدان.هو الوحيد الذي استطاع أن يقول لهيرودسلا يحل لك.... ألقاه هيرودس في السجن فلم يهتم.أنما يخاف السجن إنسان يحب متع العالم وملاذه ويخشي أن يحرمه السجن منها أما إنسان ناسك كيوحنا زهد كل ملاذ العالم وتركها بإرادته ففي أي شئ يتعبه السجن؟! ربما يقال له:ستتعطل خدمتك بالسجن.ولا ترشد ولا تعمد,ولا تهدي الناس إلي التوبة.أما يوحنا فلايهتم ولا يقول:أن كان هذا الباب مفتوحا من الله,فلا يستطيع أحد أن يغلقه. أن كان الله يريد يوحنا أن يبشر,فسيبشر,ولا يستطيع أحد في الوجود أن يمنعه.وأن كان الله لايريد,فلتكن مشيئته بهذا المنطق كان يوحنا يشهد للحق.وليحدث بعد ذلك ما يكون. وكان ما كان,وقطعت رأس يوحنا.ولكن هذا الصوت الصارخ في البرية,ظل يدوي في أذن هيرودس يزعج ضميره وأفكاره ونومه وصحوه,ويقول له في كل وقتلا يحل لك.إن صوت يوحنا لم يمت بموت يوحنا,بل ظل مدويا ضد أعداء الحق.وظل هيرودس يخاف يوحنا حتي بعد موته...فعندما أحس هيرودس بكرازة المسيح القوية وبمعجزاته قال لغلمانه:هذا هو يوحنا المعمدان قد قام من الأموات ولذلك تعمل به القوات!!(متي14:2). إن يوحنا قد عامل هيرودس الملك كما عامل باقي الناس كان يدعو الكل إلي التوبة,سواء في ذلك الملك أم الجند أم القادة أم أفراد الشعب...الكل سواء أمام شريعة الله. الكل في حاجة إلي التوبة.الملك محتاج إلي من يوبخه علي خطيئته كما يحتاج الفرد العادي...لكي يتوب وإن لم يتب الملك,فيكفي يوحنا أنه شهد للحق وأنه نادي بالتوبة. كانت معموديته هي معمودية التوبة,ورسالته هي دعوة للتوبة ينادي في الناستوبوا فقد اقترب ملكوت السموات(متي3:2) وكان شديدا في دعوته يوبخ وينتهر ويبكت وكان الناس يقبلون تبكيته بقلب مفتوح. ونجح يوحنا في خدمتهخرج إليه أورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن.واعتمدوا منه في الأردن معترفين بخطاياهم(متي3:6). ولما رأي الجموع قد كثرت حوله,حول أنظارهم منه إلي المسيح.بذل كل جهده لكي يختفي هو,ويظهر المسيح ولعل هذه هي أبرز فضائل يوحنا وأقدس أعماله... كان يقول لهمأنا أعمدكم بماء للتوبة.ولكن الذي يأتي بعدي..سيعمدكم بالروح القدس ونار(متي3:11). أنا عمدتكم بالماء,وأما هو فسيعمدكم بالروح القدس(مر1:8) وكما كان يجذبهم إلي معمودية أخري أفضل من معموديته كان يجذبهم بالأكثر إلي صاحب تلك المعمودية الذي هو أقوي منه وأعلي وأقدم. كان ينادي في الناسيأتي بعدي من هو أقوي مني,الذي لست أنا أهلا أن أنحني وأحل سيور حذائه(مر1:7)يأتي بعدي رجل صار قدامي,لأنه كان قبلي(يو1::30)لست أنا المسيح,بل أني مرسل أمامه(يو3:28). لم يكن تفكير يوحنا منحصرا في ذاته,وأنما في المسيح.لم يكن يبحث عن مجد ذاته,وأنما عن ملكوت المسيح. كان يدرك تماما أنه ليس هو النور,وأنما ليشهد للنور(يو1:8) اذن فهو مجرد إنسان جاء للشهادة,ليشهد للنور,ليؤمن الكل بواسطته كان يعرف أنه مجرد سابق أمام موكب الملك الآتي,كل عمله أن يعد الطريق للملك.واستطاع يوحنا أن يحفظ طقسه ولايتجاوز حدوده... كانت الذاتية ميتة عند يوحنا.لم يكن لذاته وجود في خدمته كان المسيح بالنسبة إليه هو الكل في الكل,ليته يكون درسا للخدام الذين يبنون ذواتهم علي حساب الخدمة,أو يتخذون الخدمة مجرد مجال لإظهار ذواتهم!! أروع كلمة تعبر عن خدمة يوحنا هي قوله عن المسيحينبغي أن ذاك يزيد,وأني أنا أنقص(يو3:30) هذه العبارة هي سر نجاح خدمته وهي المبدأ الذي سار عليه في كل خدمته...لذلك عندما بدأت كرازة المسيح وأخذت تكتسح خدمة يوحنا ابتهج يوحنا وفرح وقالإذن فرحي هذا قد كملمن له العروس فهو العريس...الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع....الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية,والذي لا يؤمن بالابن لن يري حياة بل يمكث عليه غضب الله(يو3:26:36). حالما تقابل يوحنا مع المسيح قال لهتفضل هذه العروس أنها لك أنا تسلمتها لمجرد أن أوصلها لك.حقا أنه من واجبي أن أوصلها لك نظيفة ومزينة وأنادي لها أولا بالتوبة...وأقول لها:أيتها العروس هوذا العريس مقبل فاستعدي للقائه.علي أن أعظم مافي حياة يوحنا كان هو عماده للمسيح وفي العماد أري موقفين عظيمين في الاتضاع,للرب ويوحنا. يوحنا يقول للربأنا محتاج أن أعتمد منك...أنا أيضا خاطئ أحتاج إلي معمودية التوبة معترفا بخطاياي,كهؤلاء الباقين...وأنا محتاج أن أعتمد منك أنت...أنني أمام هؤلاء الناس معلم أما أمامك أنت,فأنا تلميذ بسيط أمام الناس لا نبي وملاك ولكن أمامك أنا عبد وتراب هم يعتمدون مني وأنا اعتمد منك حقا أنني من سبط لاوي ومن بني هارون.كاهن ابن كاهن,وأنت حسب الجسد من سبط يهوذا وليس من سبط الكهنوت.ولكنني لا أنسي أنك مصدر كل سلطة كهنوتية أنت معطي الكهنوت ومنشؤه أنت كاهن إلي الأبد علي طقس ملكي صادق كما تنبأ داود في المزمور(مز110:4) لذلك أنا محتاج أن أعتمد منك. إن كل العظمة التي تحيط به,لم تنسه ضآلة ذاته التي شهر بها أمام المسيح...وكأنه يقول:من أنا حتي أعمد المسيح؟كما قالت أمه:من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي أنا مجرد تراب ورمادكيف أضع يدي علي رأس الرب,خالق هذه اليد؟! إن كل الآلاف الذين يأتون إليه لم ينسوه حقيقة نفسه وكل التوبيخات التي يوبخ بها الناس الخطاة لم تنسه توبيخا يوجهه إلي ذاته كشخص-أمام الله-يشعر أنه خاطئ...وهكذا قال للربأنا محتاج أن أعتمد منك وكانت هذه العبارة تحمل اعترافا ضمنيا. نلاحظ أن الرب لم يقل لهكلا,أنك غير محتاج للعمادبل قال لهاسمح الآن لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر(متي3:15) حينئذ سمح له!! ونحن نقف منذهلين أمام عبارةاسمح الآن وهي تخرج من فم الرب موجهة إلي واحد من عبيده إنه تعبير مؤدب ولطيف ليتنا نأخذه تدريبا روحيا لنا...يقول لعبدهاسمح الآن أنا أحتاج إلي سماح منك اطلب موافقتك...لست آمرك,وأنما اسمح ويقولحينئذ سمح له ما أعجب هذا.. أي شرح لي سيفقد هذا الموقف قوته. لذلك سأصمت عنه أنه درس في الاتضاع وآداب الحديث يقدمه لنا عماد المسيح لنتعلم ونتدرب... |
|