|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الأحد الرّابِع من زمن السنة ﴿أَتَيتُ لِتَكونَ الحياةُ للنّاسِ، وفيهم تَفيض﴾ (يوحنّا 10:10) نَعلَمُ جَيِّدًا أَنَّ الآراءَ والاسْتنتاجِاتِ حَولَ شَخصِ الْمَسيحِ ورِسَالتِهِ وأَعمَالِه، كَانَتْ مُتَبَاينَةٍ ومُخْتَلِفَة! فَالْكَتَبَةُ والفِرّيسيون رَؤُوا فيه: ﴿سَيّد الشّياطين، يَطرُدُ الشّياطين﴾ (مرقس 22:3). وهيرودسُ أَميرُ الرُّبعِ قَالَ فيه: ﴿هَذا يُوحَنَّا الْمَعمَدَان، إنَّهُ قَامَ مِنْ بينِ الأموات﴾ (متّى 2:14). وعَامَّةُ النَّاسِ أيضًا كَانُوا بِدورِهِم مُنْقَسِمين، فَاعْتَقَدوا بأنَّ الْمَسيحَ هوَ: ﴿إيليّا، أو إرميا، أو أَحَدُ الأنبياء﴾ (متّى 14:16). أَمَّا في إنجيلِ هَذَا الأَحَدِ الرّابعِ مِنْ زَمَنِ السّنةِ العَاديّ، فَإنَّنَا عَلَى نَحوٍ غَيرِ مُتَوَقَّع، نَسمَعُ رَأيًا صَائِبًا وقَولًا صَحيحًا في الْمَسيح، عَلَى لِسانِ رُوحٍ نَجِس، يُقِرُّ مُعتَرِفًا بِأنَّ يَسوعَ النَّاصريّ هُوَ قُدّوسُ الله! جَاءَ لِيغلِبَ سَيّدَ هَذَا العَالم، ويُحطِّمَ أَركَانَ الشَّر، ويُهلِكَ إبليسَ مُسَبِّبَ الهَلاك. ولَكِنَّ إبليسَ يا أَحبَّة، لا يَعمَلُ وَحدَهُ، إنَّمَا لَهُ مُعَاوِنونَ بَشَرِيّون تَحَالَفُوا مَعَهُ، ووَضَعُوا أَيديهِم في يَدِه، وصَارُوا حَملةَ شَرّ، ونَاشِري ظَلام، وصَانِعي سُوءٍ وَسطَ هَذا العَالم. فَمَلكوتُ اللهِ الّذي هو مُلْكُ خَيرٍ ورحمَةٍ وسَلام، وعِمَادُهُ الحَقُّ والعَدلُ والحَياة، ولَهُ أَفرَدَ الْمسيحُ رُسلًا ومُبَشِّرين وكَنيسَةً مُقَدَّسَةً رَسُولِيَّة، تُقَابِلُهُ مَملكةُ شَرٍّ وسُوءٍ وظُلمٍ وفَسَاد، تَقومُ عَلَى تَمجيدِ البَاطِلِ والكَذبِ والأضَالِيل، ولَها أَيضًا رُسُلٌ وأنْصَارٌ، يَسعونَ لِإلحاقِ الأذَى وإهلاكِ النَّاس، بِخُبثِهم وأَباطيلِهم وأَعمَالِهم الدَّنيئَةِ الْمُظلِمَة. وكَمَا أَنَّ الْمَسيحَ ضَرَبَ لَنَا مَثلَ القَمحِ والزُّؤان (راجع متّى 24:13-30)، الَّلذينِ نَمَيَا مَعًا في الَحقلِ ذاتِه، جَنبًا إلى جَنبٍ في الأرضِ نَفسِهَا، فَلا نَستَغرِب إذًا مِنْ وُجودِ فِئَاتِ الشَّرِّ مَعَنَا وبينَنا وفي وَسطِنَا، أُولئِكَ الّذينَ: ﴿يَأتونَ في لِباسِ الخِراف، وهُم في بَاطِنهم ذِئَابٌ خَاطِفَة﴾ (مت 15:7). الْمَهم، أَلّا تَكونَ أَنت أَيُّها القَارِئُ العَزيز، أَحدَ تِلكَ الذِّئابِ الخَاطِفَة! وفي الوقتِ الَّذي فيهِ نَسمَعُ الرّوحَ النَّجِس، يُخاطِبُ الْمَسيحَ عَلَى لِسانِ الرّجُلِ الْمَمْسُوسِ، قَائِلًا: ﴿مَا لَنَا ولَكَ يا يسوعُ النّاصِريّ؟ أَجِئتَ لِتُهلِكَنا؟ أنا أعرِفُ مَنْ أنتَ: أنتَ قُدوّس الله﴾ (مر 24:1)، نَسمَعُ بُطرسَ في الْمُقابِلِ يُخاطِبُ السَّيدَ أيضًا بِقَولِهِ: ﴿يا رَبّ، إلى مَنْ نَذهَب وكلامُ الحياةِ الأبديِّة عِندَكَ؟ ونَحن آَمَنّا وعَرفنَا أنَّكَ قُدّوسُ الله﴾ (يوحنّا 68:6). فالْمسيحُ هوَ قُدُّوسُ اللهِ باعترافِ بُطرَسَ الرّسول وباعترافِ الرُّوحِ النَّجِسِ أيضًا. ولكنَّ الفَرقَ يَكمُنُ في أنَّ الْمسيحَ كانَ لِبُطرسَ ولِكُلِّ مُؤمِنٍ نَزيهٍ وصَادِق، سَبَبَ حَياةٍ ونَجاة. وأَمَّا للرّوحِ القَذِر، ولِمَنْ شَاكَلَهُ في نَجاسَتِهِ وعَاوَنَهُ في قَذَارتِه، فَهُوَ سَبَبُ دينونَةٍ وهَلاكٍ أَبَديّ! فالْمسيحُ لَمْ يَأتِ لِكَي يُهلِكَنا، ذلِكَ أنَّ الّذي يَهلِك، يَختارُ الهَلاكَ بِمَحضِ إِرَادَاتِه، إِنَّمَا الرّبُّ أَتَى: ﴿لِتَكونَ الحَياةُ لِلنّاسِ، وفيهم تَفيض﴾ (يوحنّا 10:10). وعَليه، عَقَّبَ الْمَسيحُ عَلَى اعتِرافِ بُطرسَ فَقَال: ﴿أَمَا أَنا اخترتُكُم أنتُم الاثني عَشر؟ ومعَ ذلِك فواحِدٌ مِنكُم شَيطان﴾ (يوحنّا 70:6). فَهَل أَنت رَسولٌ لِلمسيحِ أَمين، أم رَسولٌ للشّيطَانِ خَبيث؟! هَؤلاءِ الخُبَثَاء تَوَعَّدَهُم الْمَسيحُ قَال: ﴿الوَيلُ لِلّذي يَكونُ حَجَرَ عَثرَة، فَأولَى بِه أنْ تُعلَّقَ الرَّحي في عُنُقِهِ، ويُلقَى في البحر﴾ (متّى 6:18-7). وكَم هو مُؤلِمٌ أنْ تكونَ حِجارَةُ العَثرَة أحيانًا مِنَ الدَّاخِل! أَتُرَى الْمَسيح لَم يَتَألَّم أَنَّ واحِدًا مِنْ رُسلِهِ الأقرَبين، قَدْ انقَلَبَ عَليهِ وخَانَاه؟! أَتُراهُ لا يَتألَّمُ اليومَ أيضًا، جَرَّاءَ مَا يحدُثُ في كَنيستِه، مِنْ بَلْبلَةٍ واضْطِراب، ومُخالَفاتٍ لِمَا عَلّمَ وعَمِل؟! الرُّوحُ النّجِسُ يا أَحِبَّة صَاحَ قَائِلًا: ﴿أَجِئتَ لِتُهلِكَنا يا يسوعَ النّاصريّ؟﴾ (مر 24:1). فالْمَسيحُ بالنِّسبَةِ لَهُ هُوَ الْمُهلِكُ والْمُبِيد، إذْ لا مجَالَ أَمَامَهُ لِكَي يَتُوب، فَقَرارُهُ في الابتِعَادِ عَنِ اللهِ هُوَ قَرارٌ أَبَدِيٌّ لا يَتَغَيّر. أَمَّا لَنَا نحنُ فالْمسيحُ هُوَ الْمُنْقِذُ والْمُخلِّصُ والْمُنَجِّي مِنَ الهَلاك. فَبالرّغمِ مِنْ كَثرَة آثامِنَا، إلّا أنَّ الوَقتَ لا يَزالُ مُتَاحًا أَمَامَنَا نحنُ الأحياء، لِأنْ نَتوبَ ونختارَ اللهَ فَنَحيا. ولِذلكَ نَسمَعُ صَوتَ الرّبِّ يَقولُ عَلَى لِسَانِ نَبيِّه حَزقيال: ﴿أَلَعَلَّ هَوايَ في مَوتِ الشِّرير؟ أَلَيسَ في أَنْ يَتُوبَ عَنْ شَرِّهِ فَيحيَا﴾ (حز 23:18). نُخطِئٌ كَثيرًا، ونَزِلُّ كَثيرًا، ونَعصي كَثيرًا، ولكِنَّ تَوبَتَنا شَحيحَةٌ بالنَّظَرِ إلى حَجمِ آَثَامِنَا. نَسمَحُ لِلرّوحِ النَّجِسِ أَنْ يَستَحوِذَ عَلينَا مَرّاتٍ كَثيرَة، وأنْ يَسوقَنا صَوبَ الهلاك، ونَأبى الصِّياحَ طالِبينَ رَحمةَ الْمَسيحِ وغُفرانَهُ ونَجدَتَهُ. ولا نَفطَنُ إلّا وقَدْ صَارَ السّيدُ عَلَى البابِ يَقرَع، طالِبًا مِنَّا الحِسَاب. وعِندَهَا لِلبعضِ يكونُ البُكَاءُ وصَريفُ الأسنَان، حَيثُ لا نَدمٌ يُفيد ولا تَحسُّرٌ يَنفَع. في نَشيدٍ للقدّيسِ أوغسطينوس، يُتلَى في صَلاةِ السّاعات، خلالَ زمنِ الصّوم الكَبير، يكتبُ فَيقول: إنّا أَمَامَكَ ربَّنا بِدمِ الذّنوبِ مُخَضَّبون آَثامُنَا أَودَتْ بِنَا وذُنوبُنَا نُصْبَ العُيون إنّا نُكابِدُ ذَا العِقاب ونَظلُّ نَغرقُ في الذُّنوب وَنَئِنُّ مِن حَرِّ العَذاب والإثمُ باقٍ في القُلوب إنّا لَنَشعُرُ بالألم ورؤوُسُنَا لا تَنحني بُؤسٌ ولَكِن لا نَدَم عَنْ غَيِّنَا لا نَنثَني إنْ جِئتَ تَضرِبُنَا عَلا مِنَّا الصُّراخُ لِرَحمَتِك ونَعودُ مِنْ بَعدِ الرِّضَى فَنُثيرُ عَادِلَ رَحمتِك رَبّي أَمَامَكَ خَاطِئون جَاؤوا إليكَ تَائِبين اِغفِرْ أَراهُم يَهلِكُون إنْ كُنتَ تَعدِلُ يَا مُعين |
|