منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 06 - 03 - 2014, 03:17 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,589

مزمور 108 - تفسير سفر المزامير
الله ملجأ لنا


يضم هذا المزمور قسميْن: الأول تسبحة [1-5] تطابق ما ورد في مز 57: 7-11. والثاني صلاة [6-13] تطابق ما ورد في مز 60: 5-12. الاختلاف بين هذا المزمور والمزمورين 57 و60 أننا لا نجد قط في هذا المزمور نغمة الحزن والقنوط، وإنما الرجاء والثقة والشكر والفرح[1].
يرى البعض في هذا المزمور تسبحة وصلاة من أجل قيام ونمو مملكة المسيح في كل الأمم.
مزمور 108 - تفسير سفر المزامير - الله ملجأ لنا
مناسبته

غالبًا ما وُضِعَ هذا المزمور ليُسَبِّح به الكهنة في خيمة الاجتماع، وذلك أثناء قيام حرب، حيث يعلنون عن ثقتهم في الله واهب النصرة والمدافع عن شعبه بنفسه.
1. الله ملجأ في الضيق
1-5.
2. الله رجاء شعبه
6-12.
من وحي مزمور 108
مزمور 108 - تفسير سفر المزامير - الله ملجأ لنا
العنوان

تَسْبِيحَةٌ. مَزْمُورٌ لِدَاوُدَ
* "تسبحة" تشير دومًا إلى عمل الذهن، وأما "مزمور" فتشير إلى عمل الجسم. لكي نُعَبِّر عن هذا التمييز بأكثر وضوح، فإن التسبحة تنطبق على الجانب النظري، والمزمور إلى الجانب العملي، في هذا الفن.
إذ يعلن العنوان أنه تسبحة مزمور، فإن العبارة التالية تستمر بطريقة منطقية سليمة "أُغَنِّي أُسَبِّح في مجدي"[2].
القديس جيروم
مزمور 108 - تفسير سفر المزامير - الله ملجأ لنا
1. ملجأ في الضيق

يبدأ المزمور بتسبحة لله، حيث يجد المرتل ملجأً وثباتًا في قلب الله. إنها تسبحة النصرة على كل متاعب الخطر.
ثَابِتٌ قَلْبِي يَا اللهُ.
أُغَنِّي وَأُرَنِّمُ.
كَذَلِكَ مَجْدِي [1].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "مستعد قلبي يا الله، مستعد قلبي. أُسَبِّح وأُرَتِّل في تمجيدي".
* "مستعد قلبي يا الله، مستعد قلبي" إني مستعد ليس فقط بالعمل، وإنما أيضًا بالقلب والعقل. قلبي مستعد من جهة الرغبة، قلبي مستعد من جهة الخدمة بالعمل[3].
* "أُسَبِّح وأُرَتِّل في مجدي". ببساطة يعني عندما أُسَبِّحك بلحنٍ يا رب، عندما أُرَتِّل لك لا أُقَدِّم لك نفعًا، إنما هو لي وحدي. بالحقيقة يقول مزمور آخر: "لا تحتاج إلى صلاحي" (راجع مز 15: 2). لذلك ما أفعله، إنما أفعله لخيري أنا. إذ أخدمك، هذا مجد لي.
نحن نصوم، فهل نعطي الله شيئًا؟ نفعل هذا من أجل خطايانا.
ننام على مسح. ماذا يفعل الله بهذا؟ أمر واحد فقط، نُخَلِّص نفوسنا، وهذا هو ما يشتهيه. كما أن الطبيب الصالح واللطيف يفرح بمريضه عندما يشفيه هكذا يفعل ربنا[4].
القديس جيروم
* أردف النبي كلمة "مستعد قلبي" مرتيْن، لأنه إن كان الذي يكون عازمًا على قبول مَلِك في منزله يهيئ نوعيْن، أولًا ينظفه من الأوساخ، وثانيًا يُزَيِّنه بنفائس الأمتعة وأفخرها، كذلك المُزْمِع أن يَقْبَل المسيح حالًا في قلبه، ينبغي عليه أن يُطَهِّره باعترافه بذنوبه، ويُجَمِّلَه بزينة الأعمال الحميدة الصالحة. فطوبى لأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله، ويُسَبِّحون ويرتلون له في مجدهم، أعني في فضائلهم الفكرية والعملية التي تمجدهم وتشرفهم في دنياهم وآخرتهم. وأيضًا يكون مجدهم هو المسيح الذي عندما أخذ ما يخصنا نحن نظراء صورته وشركاء مجده.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
اسْتَيْقِظِي أَيَّتُهَا الرَّبَابُ وَالْعُودُ.
أَنَا أَسْتَيْقِظُ سَحَرًا [2].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "استيقظ يا مجدي. استيقظ أيها المزمار والقيثارة. استيقظ وقت السحر".
يريد المرتل أن يُسَبِّح الله في السحر قبل شروق الشمس، مؤكدًا أن الليل لم يعوقه عن التفكير في معاملات الله مع شعبه كما معه هو شخصيًا، فيُقَدِّم باكورة يومه للتسبيح والشكر لله.
يرى القديس جيروم أن الحديث هنا موَّجه أيضًا من الابن المتجسد إلى الآب. بتجسده يعلن كلمة الله أنه يحمل قيثارة تأنسه، ليعزف عليها لحن الحب الإلهي نحو كل البشرية. نزلتْ نفسه إلى الجحيم تعزف لحن النصرة، فتطلق نفوس الراقدين على الرجاء وتُحَرِّرها من العبودية، وتنطلق بها إلى الفردوس.
* كما أن المزمار يحوي أوتارًا كثيرة، وإن انكسر وتر واحد تصير الآلة كلها بلا نفع، هكذا أيضًا في أعمالنا، إن عصينا وصية واحدة ينكسر مزمارنا[5].
* إن كنتَ مزمارًا، إن كنتَ قيثارة، لماذا أنت صامت لا تُمَجِّد الله؟ "استيقظ وقت السحر". لا توجد بركة ولا تسبيح لله في الظلمة، وإنما في النور. إنني أود أن أقول شيئًا مروعًا. فإننا حتى إن قمنا في الليل لنبارك الله في النور. فإن المسيحي ليس له ليل، بل شمس البرّ دومًا مشرقة بالنسبة له[6].
* حسب تفسير آخر، فإن الرب نفسه يقول: "قلبي مستعد يا الله، قلبي مستعدً. أنا مستعد هنا؛ وأنا مستعد في العالم العتيد. أنا مُخَلِّص على الأرض؛ وأنا مُخَلِّص في السماء. أنا أهب الحياة الأبدية لكل من الملائكة والبشر. "استيقظ أيها المزمار والقيثارة. يُحَدِّث الرب جسمه: المزمار والقيثارة، يا من نزلت إلى الجحيم واستراحت، استيقظ ومَجِّدْ الرب. تأكدوا أنكم تفهمون ما أقول. ليس من يُمسك المزمار والقيثارة يُسَبِّح، وإنما المزمار والقيثارة هما يسبحان الآب. إنه الآب، وهو مُبارَك ومُسَبَّح من الآخرين، أما جسد (المسيح) وناسوته الذي أخذه فيُسَبِّحان الرب[7].
القديس جيروم
* بقوله: "استيقظ يا مجدي"، يستحث وينهض روح النبوة التي كانت فيه لتمجده بالمجد الروحي. وبقوله المزمار والقيثارة ينهض قوى نفسه وحواس جسده، لكي تتفق الجهتان في تسبيح الله بالنظم والانضمام ولقبول الروح القدس. وأيضًا ينهض العهدان القديم والجديد، لكي باتفاق واحد يخبران عن أعمال تجسد ربنا. لأن العهد القديم يحتوي على خبر سابق فيما كان مزمعًا أن يكون. وأما العهد الجديد فيخبر بانجاز النبوات. وقوله "السحر" يوضح الزمان الذي أشرق فيه شمس البرّ الذي هو ربنا يسوع المسيح. أعني وقت تجسده، لأن داود منذ ذلك الحين حتى الانقضاء يُسَبِّح ويرتل لله معنا نحن الذين استنرنا، ونسلك كما في نهارٍ حسن.
قال ايسيشيوس: لما استحث النبي المسيح بقوله: "استيقظ يا مجدي"، يكون كما من قبل ربنا جوابنا له: نعم أنا استيقظ، وأقوم من الأموات كمن من نومٍ مبكرٍ.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
أَحْمَدُكَ بَيْنَ الشُّعُوبِ يَا رَبُّ،
وَأُرَنِّمُ لَكَ بَيْنَ الأُمَمِ [3].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "فأعترف لك في الشعوب، يا رب. وأرتل لك في الأمم".
* كأن المرتل يشترك معنا نحن المؤمنين بالمسيح، لأننا إذ نتلو ما يرنم به، يكون قد سبَّح ورتل لله معنا وسط الشعوب بخصوص الخلاص الذي قدَّمه السيد المسيح.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
لأَنَّ رَحْمَتَكَ قَدْ عَظُمَتْ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ،
وَإِلَى الْغَمَامِ حَقُّكَ [4].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "لأن رحمتك قد عظمت فوق السماوات، وإلى السحاب حقك".
* لا يوجد مخلوق لا يعتمد على حنو الله. كل واحدٍ منا في حاجة إلى عطف الله. جبرائيل وميخائيل والسيرافيم والشاروبيم. والقوات والسلاطين، جميعهم مُقَدَّسون بالحق، لكنهم يقفون في عوزٍ إلى مراحم خالقهم. لست أُقَلِّل من شأن الملائكة، إنما أعلن عن خالقهم، إذ الملائكة أنفسهم يقدمون له المجد بإرادتهم الحرة وبسرورٍ.
يمكن أيضًا أن نُعَبِّر عما حملته هذه العبارة من فكرٍ بطريقة أخرى: حنوك يرفعنا من الأرض إلى السماء. "وحقك إلى السحاب"... كيف يبلغ حق الله إلى السماء؟ يقول ابن الله: "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 14: 6). وهو نزل إلى الأرض وتحدث مع البشر (باروخ 3: 38). كيف إذن حق الله في السحاب؟ واضح تمامًا أن النبي يشير إلى الرسل والقديسين.
"قد عظمت فوق السماوات". الله لا يتعظم على الأرض. فإننا إذ نكون أرضيين لا نعَّظم الله، لكن إذ نتحول من أرضيين إلى سمائيين فإننا نعظَّم الله[8].
القديس جيروم
* قوله: "رحمتك قد عظمت فوق السماوات وإلى السحاب" معناه أن رحمتك هي أوسع وأعرض من السماء، وتُغَطِّي جميع خطايانا من فوق. وأن بداية الرحمة على الأرض ومنتهاها إلى السماء.
وأعني أنك ترحم الناس الذين على الأرض، كما جاء أن الأرض مملوءة من رحمتك، ونهاية الذين يُرحَمون هو البلوغ إلى السماء.
أما قوله "إلى السحاب" عن الأنبياء والرسل، فلكونهم مرتفعين وشرفاء، ولأن الله يُمْطِر تعاليمه ليروي الناس برسله وأنبيائه...
قول النبي: "رحمتك عظيمة في السماوات" معناه أن لاهوته يعظمه الملائكة فوق السماوات. وأيضًا قد استعلن عظمته وجلاله للكافة عندما صعدت إلى السماوات، إذ كان يغشاه الناسوت حينما كنت على الأرض، أعني قبل صعودك إلى السماء كان الناس لا يعرفون عظمة لاهوتك. أما الآن فعرفوا أنك إله عظيم في السماوات ومُمَجَّد.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
ارْتَفِعِ اللهُمَّ عَلَى السَّمَاوَاتِ،
وَلْيَرْتَفِعْ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ مَجْدُكَ [5].
بروح النبوة رأى المرتل السيد المسيح صاعدًا إلى السماء فتهللت نفسه، مشاركًا التلاميذ الذين رجعوا من جبل الزيتون إلى أورشليم بفرحٍ عظيمٍ.
أدرك المرتل أنه يشترك مع رجال العهد الجديد في التسبيح، إذ صار له رصيد في السماء.
بصعود السيد المسيح رأس الكنيسة الجامعة، صار لكل الجسد من أناس الله في العهدين القديم والجديد حق الانطلاق إلى السماء.
أدرك المرتل أنه في مجدٍ عجيبٍ، إذ صار يرتفع من التراب والمزبلة ليجلس مع أشراف أشراف شعبه، أي مع الطغمات السماوية.
* يحتوي هذا القول على نبوة عن صعود ربنا يسوع المسيح إلى السماوات.
* بصعوده وإرسال روحه القدوس خلَّص أحباءه، أعني بهم الناس الذين من أجل محبته لهم نزل وتجسد وخلَّصهم من الشيطان.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
مزمور 108 - تفسير سفر المزامير - الله ملجأ لنا
2. الله رجاء شعبه

مع ما يمر به الشعب من مخاطرٍ، فإن رجاءه في الله يسكب عليه روح الفرح، ليس فقط عند نوال النصرة، وإنما منذ تبدأ الكارثة. فالله كقائدٍ لشعبه يعبر بهم إلى النصرة الأكيدة. يستريح الشعب ويختفي وسط المخاطر في قلب الله المتسع بالحب.
لِكَيْ يَنْجُوَ أَحِبَّاؤُكَ.
خَلِّصْ بِيَمِينِكَ،
وَاسْتَجِبْ لِي [6].
* لذلك تقول الكنيسة بلسان المختارين: "شماله تحت رأسي، ويمينه تعانقني" (نش 2: 6). تسند الكنيسة رأسها تحت يد الله اليسرى، وكأنها تعني بذلك خيرات الحياة الأرضية، وهي تسندها بفرح الحب الفائق. أما يمين الله التي تعانقها فتعني أن الفرح الأبدي يحيط بها من كل جانب. لذلك يقول سليمان أيضًا: "في يمينها طول أيام، وفي يسارها الغنى والمجد" (أم 3: 16). هنا يبين سليمان أن الغِنَى والمجد يظهران كما ولو كانا مُسَجَّليْن على اليد اليسرى. هكذا يقول صاحب المزامير: "خلص بيمينك، واستجب لي" (مز 108: 6). هنا يشير إلى اليد اليمنى، لأنه يعني أنه يطلب الخلاص الأبدي. لهذا جاء بالمكتوب أيضًا: "يمينك يا رب تحطم العدو" (خر 15: 6). قد يستمتع أعداء الله بالخيرات بيد الله اليسرى، لكن يمين الله تهلكهم. لأنه عادة نرى الأشرار يرتفعون في الحياة الأرضية، أما عند مجيء المجد الأبدي فتقع بهم اللعنة[9].
الأب غريغوريوس (الكبير)

اَللهُ قَدْ تَكَلَّمَ بِقُدْسِهِ.
أَبْتَهِجُ، أَقْسِمُ شَكِيمَ،
وَأَقِيسُ وَادِيَ سُكُّوتَ [7].
هذا الخلاص لا يُفَرِّح قلوب المؤمنين فحسب، وإنما الله نفسه يقول: "أبتهج". إنه يُسَر بخلاص البشرية، وفي نصرة المؤمنين مجد له، إذ يفرح بهم وبنصرتهم به.
يرى القديس جيروم أن سرّ تسبيح المرتل وتهليل قلبه مسرة الله بالخلاص. ليس من أمر يُسَر به الآب مثل صليب رب المجد يسوع، حيث تحقق الحب الإلهي في أروع صوره. لقد ابتهج الآب بصليب ابنه الوحيد.
تبقى أعمال الصليب وفاعليته سرّ تسبيحنا الدائم. حيث نجد سعادتنا في مشاركتنا المصلوب الآم الحب، وارتفاعنا بالصليب فوق كل اهتمامٍ زمنيٍ.
يرى أيضًا القديس جيروم أن ثمار الصليب المتعددة صارت الأنشودة التي يتغنى بها:
أ. أقسم شكيم: يرى القديس جيروم أن شكيم تعني "أكتاف"، فإن كان السيد المسيح بحبه أحنى ظهره ليحمل على كتفيه الصليب من أجلنا بكل سرور، وهبنا نحن أيضًا أن نحمل معه الصليب على أكتافنا كنيرٍ حلوٍ مفرحٍ.
ب. أقيس وادي الخيام (السكوت): حيث يهب المسيح قديسيه الذين تمتعوا بصليبه معرفة أسراره وهم بعد على الأرض، ولكن كل واحدٍ حسب قامته أو قياسه.

مزمور 108 - تفسير سفر المزامير - الله ملجأ لنا
* "الله قد تكلم في قدسه" سواء في الهيكل أو في أحد قديسيه، أو في النبي. لقد سُمِعَ في موسى، وسُمِعَ في الرسول، وبالحق أقول لقد تكلم في ابنه. ماذا وعد الله؟ ما تبع ذلك: أبتهج، أقسم شكيم". يقول: لهذا أنا صُلبتُ، كي أُوزِّع شكيم. "شكيم" في لغتنا تعني "أكتاف". والأكتاف من جانب آخر تُستخدَم في العمل. فالمعنى إذن: غاية صَلْبي هو أن أشارك عملي مع قديسيّ. لهذا أنا صُلبتُ، لكي أضع نيري الحلو وحملي الخفيف على أكتاف الناس. هذا تفعله يا رب كما وعدتَ، تتمجد وتقَّسم شكيم[10].
* "وأقيس وادي الخيام"بالحق دخل ربنا ومخلصنا في وادي الدموع هذا، في موضع تواضعنا، في هذا العالم. ومع هذا فإن القديس في هذا العالم لا يزال لا يعرف ما يليق به كما ينبغي، "فإننا نعرف جزئيًا، ونتنبأ جزئيًا" (1 كو 13: 9)[11].
القديس جيروم
* المعنى الروحي هو أن "شكيم" تأويله "المرتفع". فالمُرتفِع على العالميات هو الروح القدس الذي قسم مواهبه على المؤمنين بعد صعود ربنا يسوع المسيح إلى السماء، وقاسها وقدَّرها لكل واحدٍ حسب استحقاقه.
أما وادي الظلال (سكوت)، فتُقَال عن المسكونة كلها التي فيها البلاد منصوبة مثل خيامٍ، جعلها أقسامًا لرؤساء الكنائس ليُدَبِّر كل واحدٍ ما تضمن من كنيسته.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
لِي جِلْعَادُ لِي مَنَسَّى.
أَفْرَايِمُ خُوذَةُ رَأْسِي.
يَهُوذَا صَوْلَجَانِي [8].
يرى القديس جيروم أن السيد المسيح يبتهج أيضًا بثمر صليبه، فقد صار له غِنَى عظيم، ليس عن عوزٍ إلى شيءٍ، وإنما لأجل خلاص البشرية وتمتعها بالآتي:
أ. "لي جلعاد": ولما كانت جلعاد تعني "هجرة"، فقد هاجرت الأمم إليه، أو رجعت إليه بعد أن عاشت في مذلة العبودية لإبليس. عادت بروح الحرية متهللة، فتهلل مُخَلِّصها بها.
ب. "لي منسي": فقد سبق فتناست أبوة الله لها. والآن رجعت إليه، تذكر محبته لها.
ج. "يهوذا صولجاني" صارت البشرية في مجدٍ ملوكي تنتسب إلى ملك الملوك، بعد أن صارت "يهوذا" أي "اعتراف"، تعترف بمراحم الله غافر الخطايا.
* "لي جلعاد، لي منسي". ربنا ومخلصنا يبتهج، لأنه عند غنى كثير. معنى "جلعاد" "هجرة". إنه يفرح لأن الأمم هاجرت إليه. "منسي" معناه "نسيان"، وبالتالي نفهم: هذا الابن الذي أخذ ميراثه وبدده ونسى كل ما يخصني، يتذكرني الآن. إنني أدعوه منسي، أي من النسيان، لأنه ينسى لكنه يعود إلى أبيه.
أفرايم" تُفسَّر "مثمر"، يقول: "أفرايم خوذة رأسي". يستخدم هنا الخوذة عوض التاج، لأن ما يُوضع على الرأس هو الإكليل. والكتاب المقدس يستخدم تعبيرات كثيرة بخصوص الإكليل...
لاحظوا ماذا يقول المزمور: صرتم جلعاد، صرتم منسي، لقد هاجر إلى الرب، وبعد نسيانكم رجعتم إلى أبيكم. كونوا أفرايم أيضًا، أي كونوا مثمرين تمارسون أعمالًا صالحة، وبعد ذلك تصيرون إكليل الرب[12].
* "يهوذا صولجاني" فكروا في عظمة المجد التي تنتظر التائب، الآن يهوذا تعني "اعتراف"[13].
القديس جيروم
* كلمة "جلعاد" تأويلها انتقال، و"منسى" معناها "نسيان" و"أفرايم" معناه "خصب الثمر"، "ويهوذا" تأويله "المعترف"... وهذا يدل على أن المسيح يقول بعد ارتفاعه إلى السماء: يخضع لي كل من انتقل من الكُفْرِ إلى الإيمان، ومن نسي أعماله الشريرة السالفة، ومن يخصب ثمره يعمل الفضائل، فهو يترأس على الأعداء، والمُعْتَرِف يصير مثلي ملكًا... وأما بنو موآب الممنوعون من الدخول إلى الهيكل، فمزمعون أن يصيروا من خواصي بحميم المعمودية المقدسة.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
مُوآبُ مِرْحَضَتِي.
عَلَى أَدُومَ أَطْرَحُ نَعْلِي.
يَا فَلَسْطِينُ اهْتِفِي عَلَيَّ [9].
جاء النص عن الترجمة السبعينية والقبطية "موآب أنية رجائي".
كانت موآب مع أدوم وعمون من أشد أعداء إسرائيل. وجاءت الشريعة تأمر ألا يدخل أحد من الموآبيين والأموريين في جماعة الرب حتى الجيل العاشر (تث 23: 3-6). لكن المرتل وقد رفع عينيه إلى الصليب رأى موآب تتمتع بمياه المعمودية (المرحضة) التي للرب، فيصيرون أبناء لله، موضع سروره.
موآب الذي كان ثمرة خطية لوط مع ابنته، رمزًا للنجاسة، يُمَثِّل الشيطان، تمتع مع الله بالمصالحة، وترك بنوته لإبليس ليحيا في حضن الرب. هذه هي الآنية المختارة التي يترجاها الرب بقوة صليبه.
أدوم التي تعني الدم أو الأرض تشير إلى آدم الأول الساقط بسبب تمرده على الله، تمتع بنزول كلمة الله متجسدًا، ويحيا في وسط البشرية ليضمه إليه.
أما فلسطين التي كانت في مقاومة مستمرة مع شعبه، تقاوِم عبادة الله الحق، فإذ تؤمن بالمسيح المصلوب تتحول إلى خوروس للهتاف.
هكذا صارت كنيسة المسيح العروس المُقَدَّسة من كل الأمم والشعوب والألسنة.
يرى يوسابيوس أن النعل يشير إلى التجسد، لهذا قال يوحنا المعمدان إنه غير مستحق أن يحل سيور نعله، أي يشرح سرّ تجسده. فعلي أدوم يطرح نعله، أي يسير السيد المسيح بكرازة إنجيله المقدس على البلاد الأممية والقبائل الغريبة مثل أدوم التي تعني أرضًا.
* "موآب مرجل (مرحضته) رجائي" يا له من سرّ عظيم نتعلمه من هذه الكلمات القليلة... فإن موآب تُترجَم "من الأب"... من هو هذا الإنسان الذي من الأب؟ ذاك الذي يفقد أباه، الذي تركه ولم يعد إليه، فلا يستحق أن يُدعَى منسي.
من هو موآب؟ عدو الرب الذي من جنسه حتى إلى الجيل الرابع والعاشر، بل وإلى منتهى العالم لا يدخل إلى كنيسة الرب.
من هو موآب؟ ذاك الذي يولد في جب الظلمة من اتحاد غير طاهر. من اتحاد لوط مع بنتيه، فقد وُلد ابنان: موآب هو الأكبر... في الظلمة في كهفٍ، وليس في الشمس والنور، لهذا فإن موآب هو الاسم الآخر للشيطان الذي لا يفكر في أبيه. حقًا إن إبشالوم الذي اضطهد أباه يمثل أيضًا إبليس.
ولكن بأي معنى يدعى موآب مرحضة رجاء الرب...؟ يقول الرسول: "اللذان أسلمتهما للشيطان لكي يؤدَّبا حتى لا يجدِّفا" (1 تي 1: 20).
الشيطان هو كما يبدو وسيلة الرب للتأديب. الذين لا يسيرون نحو الله في برَّ يُسلَّمون للشيطان... حتى يرجعوا إلى (الرب)...
"على أدوم أطرح نعلي" "أدوم" معناها "من الأرض"، ومن الدم". إله الحب والحنو يطالب ليس فقط السمائيين بل والأرضيين. يصير الفلسطينيون أصدقائي. يقول هذا عنا نحن الذين نؤمن وكنا من الأمم[14].
القديس جيروم
* تخضع أمة موآب لهم، وتصير مثل طشت لغسل أقدامهم، وتمتد إلى بلاد أدوم أقدامهم، وتخضع لهم الأمم الغريبة المتاخمة.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
مَنْ يَقُودُنِي إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُحَصَّنَةِ؟
مَنْ يَهْدِينِي إِلَى أَدُومَ؟ [10].
يشتهي المرتل أن يرى كنيسة العهد الجديد، المدينة الحصينة، وأن يهتدي إلى أدوم التي كانت مُتَغَرِّبة بعبادتها للأصنام، وصارت تحمل الكرازة بالتجسد الإلهي. يفرح بها الرب نفسه، سرّ قوتها، فيقول: "من هي المُشْرِقة مثل الصباح، جميلة كالقمر طاهرة كالشمس مُرْهِبة كجيش بألوية" (نش 6: 10).
يرى القديس جيروم المدينة الحصينة هي الجحيم، من يدخله لا يستطيع الخروج منه. دخله رجال العهد القديم ولم يستطيعوا أن يخرجوا منه. قيل عن يعقوب: "فأبي أن يتعزى، وقال إني أنزل نائحًا إلى الهاوية، وبكى عليه (على ابنه يوسف)" (تك 37: 35). كان للهاوية مدخل، ولم يكن لها مَخْرَج. واحد هو الذي دخل الجحيم وخرج منتصرًا، ربنا يسوع المسيح!
كان داود المرتل كغيره من كل رجال العهد القديم يخشى الموت، لأن الهاوية تنتظرهم، لكن صليب رب المجد يسوع حطَّم متاريس الهاوية وأفرغها من الذين ماتوا على رجاء خلاص الله العجيب!
أَلَيْسَ أَنْتَ يَا اللهُ الَّذِي رَفَضْتَنَا،
وَلاَ تَخْرُجُ يَا اللهُ مَعَ جُيُوشِنَا؟ [11].
حسن أن يعمل الإنسان ويجاهد كجيش قوي، لكن بدون نعمة الله يصير مرفوضًا، وباطلًا ينعم بالنصرة.
الله ملجأ لنا في وسط شدتنا، بنعمته يقود كل طاقاتنا، ويُحَوِّل قلوبنا إلى أورشليم كجيش بألوية (نش 6: 4)، لا تقدر كل قوات ظلمة أن تقتحمها.
* لاحظوا كلمات النبي بدقة. إنه لم يقل: أنت تخرج، وإنما "ولا تخرج يا الله مع جيوشنا؟" تعليم النبي هو هذا: عندما نبذل جهدًا يعيننا الله. هكذا إذن الأمر ليس لمن يشاء، ولا من يسعى، بل لله الذي يرحم (رو 9: 16). هل تفهمون أن هذا القول يعني: إنه ليس لمن يستريح، ولا لمن ينام، بل لله الذي يرحم...؟ من جانبنا يلزمنا أن نشاء وأن نسعى، عندئذ يتراءف علينا. عندما ينام المصارع يفقد النصرة[15].
القديس جيروم
أَعْطِنَا عَوْنًا فِي الضِّيقِ.
فَبَاطِلٌ هُوَ خَلاَصُ الإِنْسَانِ [12].
كثيرًا ما نتذمر في وقت الضيق، بل ونرى في كتابات الآباء مثل مناظرات القديس يوحنا كاسيان سُئل أحد الآباء: لماذا يسمح الله بالضيقات للقديسين؟
الضيق كما يراه القديس أغسطينوس يتم بسماح من الله لأجل بنياننا، فإننا لن نتذوق مراحم الله ورعايته لنا ونتلامس مع محبته مثلما تحل بنا ضيقة، فنصرخ لله ونكتشف أنه ملجأ لنا في ضيقنا.
* أتريد أن يسمع لك الرب في حنو؟ وأنت في ضيق أدعه، فهو يجيبك بلطفٍ. ما لم يكن الإنسان في ضيق لا يقدر أن يدعو الرب للعون. باطل هو عون البشر. "ملعون الرجل الذي يتكل على البشر" (راجع إر 17: 5)[16].
القديس جيروم
بِاللهِ نَصْنَعُ بِبَأْسٍ.
وَهُوَ يَدُوسُ أَعْدَاءَنَا [13].
خلال الناموس الحرفي لم يتمتع الإنسان بالخلاص، بل صار في ضيقٍ، أما وقد جاء كلمة الله متجسدًا فأعطانا روح القوة والغلبة على إبليس وملائكته، أعدائنا الحقيقيين.
* "بالله نصنع ببأسٍ" [13]. لنضع ثقتنا في الله وحده... معك المسيح، فهل لا تزال خائفًا؟ إن كان يُطعِم طيور السماء، فهل تشك في قدرته أن يقوتك أنت أيضًا؟ هل يقوت الشيطان رجاله، ولا يقوت المسيح خدامه...؟ لنطرد عنا كل قلقٍ من قلوبنا، ونقول: "بالله نصنع ببأسٍ". سيكون خبزنا، سيكون ملكنا. "هو يدوس أعداءنا". إنه يكلل، يحارب معنا لجانبنا، وأكثر من هذا ينتصر فينا... عندما نكون شجعان يدوس أعداءنا. لم يقل الكتاب إنه يحارب أو يقتل بل يدوس أعداءنا[17].
القديس جيروم
مزمور 108 - تفسير سفر المزامير - الله ملجأ لنا
من وحي مزمور 108

تسبيحك يملأ كل كياني من مجدك!


* في وسط ضيقي ألجأ إليك فأنت الملجأ الأمين.
يمتلئ قلبي بسلامك،
وتتهلل أعماقي بك.
وينطلق جسدي للعمل والخدمة بروحك القدوس.
أدركتُ بالحق لماذا يعيش السمائيون في عيدٍ لا ينقطع!
فأنت لستَ محتاجًا إلى تسبيح أحد،
إنما التسبيح لك يملأ كيان خليقتك فرحًا لا يُنطَق به!
* أقول مع المرتل: قلبي مستعد يا الله، مستعد قلبي.
بنعمتك أَبغَض قلبي كل دنسٍ ونجاسة،
وصار قَصْرًا ملوكيًا تسكُن فيه.
تسكب عليه من فيض نعمتك، فتفوح رائحة قداستك فيه!
تملأه من نفائس مجدك، وتُزَيِّنه ببهائك العجيب!
اسمحْ لي أن أعلن بكل قوة؟
حلولك يملأ لساني بالتسبيح،
ويفيض بمجدك على أعماقي!
أنت هو مجدي وشبعي وفرحي الذي لا ينقطع!
* إذ أتأمل في حبك تتحول ظلمة الليل إلى نورٍ عجيبٍ!
ينام الجسد ويستريح، أما نورك فيملأ أعماقي بهاءً.
في السحر، عند إشراق الشمس أمسك بالرباب والعود.
اعزفْ على أوتار نفسي المتهللة بك.
فكل ما في داخلي يجد لذَّته في تسبيحك!
* بتجسدك حلّ السَحَر بنا يا شمس البرّ.
فانطلقتْ نفوسنا مع أجسادنا تُسَبِّحك في تناغمٍ عجيبٍ.
* بتأنسك نزلت إلينا،
حوَّلتَ حياتنا إلى قيثارة فريدة،
تعزف عليها بروح الحب الإلهي،
فتهبنا الحياة المُقامَة الدائمة التهليل والتسبيح.
* يا للعجب! تمتع المرتل بروح النبوة.
فرآك قائمًا لتضم الشعوب معًا إلى كنيستك المتهللة.
انطلقَ يُرَنِّم لك وسط الشعوب القادمة إليك.
شاهَد كنيستك قد صارت سماءً جديدة.
فأدرك أن رحمتك رَفَعَتْ الأرضيين إلى العُلَى.
يشترك البشر مع الطغمات السمائية في التسبيح لك.
أُعلِن مجدك في البشر الذين صاروا شِبْه سمائيين.
ارتفعوا من المزبلة، وجلسوا مع الطغمات العلوية في السماء!
* صليبك هو ينبوع التسبيح والفرح.
يفرح الآب ويبتهج، إذ يرى البشرية تسترد جمالها.
أحنت البشرية أكتافها وصارت تُسَبِّح:
مع المسيح صُلبتُ، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ.
تمتَّعتْ بمعرفة أسرار السماء كل قدر قياسه.
هاجرتْ إليه، إذ تحررتْ من عبودية إبليس.
عادت تذكر إحسانات أبيها السماوي،
بعد أن سبق فنسيتْ أبوته وبددتْ ميراثها.
صارت تعترف برحمته وتجد مجدها فيه.
اغتسلتْ في مياه المعمودية، وتمتَّعتْ بروح البنوة.
* بصليبك اقتنيتَ كنيستك من كل الشعوب.
من أسباط إسرائيل كجلعاد ومنسى وافرايم ويهوذا،
من هاجر إليك، حيث أدركوا النبوات،
تركوا حرْف الناموس وقَبَلُوه بالروح المحيي.
صاروا ملوكًا أصحاب سلطان،
لا يقوى عليهم إبليس مُقَاوِم الحق.
من الأمم موآب وأدوم وفلسطين وغيرهم
من تمتعوا بالعضوية في جسدك المقدسة.
زالت عنهم روح العداوة والتهبوا بالغيرة المقدسة.
تركوا الأباطيل وعبادة الأوثان، وقَبَلُوا بصليبك الحق الإلهي.
صليبك حوَّل الهاوية إلى مشهد عجيب!
نقف أمامها تلك التي حبستْ نفوس الكل،
وقد تحطَّمتْ أبوابها، وانهارتْ متاريسها.
خرج الذين كانوا كمن في سجنٍ أبديٍ،
متهللين بك يا غالب الهاوية وواهب الأبدية!
* صليبك شدَّد أذرعتنا.
حوَّل قلوبنا إلى أورشليم المهوبة، كجيش بألوية.
صرتَ قائد المعركة ضد إبليس،
ووهبتنا روح القوة واليقين في نصرتك!
لم نعد نخشى العدو،
لأن إبليس يسقط كالبرق من السماء.
وهبتنا سلطانًا أن ندوس على الحيات والعقارب وكل قوة العدو!
لك المجد يا أيها المصلوب واهب المجد والقوة!
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
تفسير سفر المزامير - مزمور 16 - الله كفايتي وفرحي
تفسير سفر المزامير - مزمور 4 -الله برّي
مزمور 62 - تفسير سفر المزامير - الاتكال على الله
مزمور 4 - تفسير سفر المزامير الله برّي
مزمور 3 - تفسير سفر المزامير الله مخلصي


الساعة الآن 09:14 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024