|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الإيمان – القديس كيرلس الأورشليمي “وأما الإيمان، فهو الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا تُرى. فإنه في هذا شُهد للقدماء” (عب 11: 1-2) 1. يا لعظمة لقبك: “مؤمن”! فكما يدعى الله صالحًا وعادلاً وقديرًا وخالق المسكونة، هكذا هو آمين. تأمل إذن أية كرامة ارتفعتَ إليها إذ صرت شريكًا في لقب يخص الله! 2. لتكن أمينًا أو مؤمنًا بالعمل بالأحرى يليق بكل واحدٍ منكم أن يكون أمينًا (مؤمنًا) في ضميره. “أما الرجل الأمين فمن يجده؟!” (أم 20: 6) أظهر صدق إيمانك (أمانتك) لله فاحص الكُلى والقلوب (مز 7: 9)، والعارف بأفكار البشر (مز 94: 11)، ولا تكشف ضميرك لي أنا، لأنك لا تُدان بحسب حكم إنسان (1 كو 4: 3-5). عظيم هو الإنسان المؤمن، وأغنى من جميع الأغنياء، لأن المؤمن يملك العالم بكل ثروته، إذ يستهين به ويطأه. أما الغني في المظهر صاحب الممتلكات الكثيرة فهو فقير في نفسه، إذ قدر ما يجمع يُنخس بالشوق إلى ما لم ينله بعد. يحمل المؤمن نقيضين غريبين. إنه غني وهو فقير، إذ يعلم أنه إن كان له قوت وكسوة فليكتف بهما (1 تى 6: 8)، وبهذا يطأ الغنى تحت قدميه. 3. أهمية الإيمان حتى في الأمور الزمنية بين غبر المؤمنين ليس وحدنا نحن الذين نحمل اسم المسيح نعرف كرامة الإيمان العظيمة أن كل ما يجري في العالم – حتى ما يتم على أيدي الغرباء عن الكنيسة[1]- يحدث بإيمان[2]. فبالإيمان تُربط شرائع الزوجية بين أطراف غرباء معًا، فيصير الغريب شريكًا لغريب عنه من جهة شخصه وممتلكاته… بالإيمان تقوم الزراعة أيضًا، فمن لا يؤمن أنه ينال محصولاً لا يتحمل المشاق. بالإيمان يثق البحارة في قطعة خشب رقيقة ويستبدلون الأرض الصلبة جدًا بأمواج لا تهدأ، معتمدين على آمال غير أكيدة، حاملين معهم إيمانًا أقوى من كل مرساة. إذن بالإيمان تتم أغلب شؤون البشر فيما بينهم، ليس بيننا نحن وحدنا بل كما أقول حتى بالنسبة للذين هم من خارج… فإن كانوا لا يقبلون الأسفار المقدسة، لكنهم تعلموا هذا من ذواتهم وقبلوها بإيمان… أظهر الرسول بولس عظمة الشرف الذي يهبه لك الله بانتقالك من نظام الموعوظين إلى جماعة المؤمنين، مؤكدًا “أمين هو الله الذي به دُعيتم إلى شركة ابنه يسوع المسيح” (1 كو 1: 9). فإذ يُدعى “أمينًا Faithful”، هكذا أنت أيضًا تُدعى بنفس اللقب (أمينًا أو مؤمنًا faithful)، فتتقبل كرامة عظيمة. 4. بالإيمان نتحصن ضد إبليس القراءة التي تُتلى عليكم اليوم تدعوكم إلى الإيمان الحقيقي، فتقدم لكم الطريق الذي فيه يُسر الله بك إذ قد تؤكد أنه بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه (عب 11: 6). كيف يُقبل إنسان على خدمة الله إن لم يؤمن أنه واهب المكافأة؟! كيف تختار شابة حياة العذراوية أو يعيش شاب في تعقل ما لم يؤمن أن للعفة إكليلاً لا يفنى؟! (1 بط 5: 4) الإيمان بمثابة عين تنير كل ضمير وتهب الفهم، إذ يقول النبي: “إن لم تؤمنوا لا تفهموا” (إش 7: 9 LXX). الإيمان يسد أفواه الأسود (عب 11: 34)، كما حدث مع دانيال، إذ يقول الكتاب عنه: “فاصعد دانيال من الجب، ولم يوجد فيه ضرر، لأنه آمن بإلهه” (دا 6: 23). هل يوجد ما هو مرعب أكثر من الشيطان؟ نعم، فإننا في مقاومته لا نجد درعًا سوى الإيمان (1 بط 1: 9)، إذ هو ترس خفي ضد عدو غير منظور، يرشق سهامًا متنوعة في ليلٍ بهيمٍ (مز 11: 2) تجاه غير المتيقظين. فإذ لنا عدو غير منظور يلزمنا الإيمان كعدة حربية قوية، إذ يقول الرسول: “حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة” (أف 6: 16). فإذ يصوب إبليس سهم الشهوة الدنس الملتهب، يُقدم الإيمان صورة الدينونة، فيبرد الذهن وينطفئ السهم. 5. مثال من العهد القديم: إبراهيم إن لي كثيرًا أقوله عن الإيمان، ولا يكفيني اليوم كله لوصفه كما ينبغي. إنما لنكتفِ بإبراهيم كمثال من العهد القديم، ناظرين أننا قد صرنا أبناءه بالإيمان. لقد تبرر ليس فقط بالأعمال[3]، بل وأيضًا بالإيمان. فمع أنه صنع أعمالاً صالحة كثيرة، لكنه لم يُدع خليل الله إلاّ عندما آمن. وهكذا كما تبرر هو تتبرر أنت أيضًا. لقد مات جسده فعلاً من جهة النسل، وشاخت سارة، ولم يوجد بعد أي رجاء لهما لإنجاب أبناء. وإذ وعد الله الشيخ بابن، فإن إبراهيم “إذ لم يكن ضعيفًا في الإيمان لم يعتبر جسده وهو صار مماتًا” (رو 4: 19) إذ لم يتطلع إلى ضعف جسده، بل إلى قوة من وعده، إذ حسب الذي وعده صادقًا (عب 11: 11). هكذا بغير تردد اقتنى ابنه من الجسدين اللذين ماتا فعلاً. وعندما اقتنى ابنه أُمر أن يقدمه ذبيحة، ومع أنه سمع الكلمة “بإسحق يُدعى لك نسل” (تك 21: 12؛ 22: 2)، قدم ابنه الوحيد لله مؤمنًا أنه قادر أن يقيمه من الأموات (عب 11: 19). وإذ ربط ابنه ووضعه على الحطب، قدمه فعلاً بالنيّة، لكن خلال صلاح الله الذي أعطاه حملاً عوض ابنه، تقبّل (إبراهيم) ابنه حيًا. وإذ آمن إبراهيم في هذه الأمور ختم بره “وأخذ علامة الختان ختمًا لبرّ الإيمان الذي كان في الغرلة” آخذًا وعدًا أن يكون “أبًا لجمهور من الأمم” (رو 4: 11؛ تك 17: 5). إبراهيم أب لأمم كثيرة 6. إذن ليتنا نرى كيف صار إبراهيم أبًا لأمم كثيرة؟ (رو 4: 17، 18) فبالنسبة لليهود هو أب لهم كما هو معروف، إذ هم نسله حسب الجسد. لكننا إن أخذنا بالنسل حسب الجسد تكون الأقوال باطلة. لأنه حسب الجسد إبراهيم ليس أبًا لجميعنا، إنما نحن صرنا أبناء لإبراهيم على مثال إيمانه. كيف؟ وبأية طريقة؟ إنه بحسب البشر لا يُعقل قيامة إنسان من الأموات، ولا يُصدق أن يأتي نسل من شيخين متقدمين في السن كالأموات. هكذا أيضًا عندما كُرز بالمسيح أنه صُلب على شجرة، وإنه مات وقام آمنا نحن. فعلى مثال إبراهيم، بإيماننا صرنا أبناء له. ويتبع إيماننا أننا نتقبل مثله الختم الروحي، إذ نُختن بالروح القدس خلال المعمودية، ليس في غرلة الجسد بل في القلب، كقول إرميا: “اختتنوا للرب في غرلة قلوبكم” (راجع إر 4: 4). وقول الرسول “بختان المسيح مدفونين معه في المعمودية…” (كو 2: 11، 12). 7. مثال من العهد الجديد: بطرس على المياه إن حفظنا هذا الإيمان نتحرر من الدينونة ونتزين بكل أنواع الفضائل. عظيم هو السير على البحر فبطرس إذ كان إنسانًا مثلنا له جسد ودم ويقتات بطعامٍ، عندما قال له يسوع: “تعال” (مت 14: 29) آمن وسار على المياه في أمان أكثر مما لو كان على الأرض، وارتفع جسده بفعل سمو إيمانه. ومع أن سيره على المياه كان فيه أمان طالما هو مؤمن، فإنه عندما شكّ في الحال بدأ يغرق. وعندما رأى يسوع – مخفف الآلام – هلاكه قال له: “يا قليل الإيمان لماذا شككت؟” (مت 14: 31) وإذ تقوّى من جديد بالذي أمسكه بيمينه. وعاد إليه إيمانه وهو ممسك بيد السيد، عاد إلى سيره على المياه. وقد أُشير إلى هذا بطريق غير مباشر إذ يقول: “ولما دخل السفينة” (مت 14: 36)، إذ لم يذكر أن بطرس سبح وعبر، بل نفهم أنه رجع إلى السفينة مرة أخرى نفس المسافة التي جاءها ليقابل يسوع. 8. بالإيمان يخلص الغير أيضًا نعم، الإيمان هكذا هو قدير، حتى أنه ليس فقط المؤمن وحده هو الذي يخلص، بل ويخلص البعض بإيمان الآخرين. فالمفلوج بكفر ناحوم لم يكن مؤمنًا، لكن الذين أحضروه كانوا مؤمنين ودلّوه من السقف (مر 2: 4)، إذ كان مرض نفسه مشتركًا في مرض جسده. لا تظن أنني أتهمه باطلاً، فإن الإنجيل نفسه يقول: “ولما رأى يسوع إيمانهم – وليس إيمانه- قال للمفلوج: قم” (مت 9: 2، 6). الحاملون آمنوا والمريض بالفالج انتفع ببركة الشفاء! أختا لعازر 9. أتريد دليلاً أقوى على أن البعض يخلص بإيمان آخرون؟! لعازر مات (يو 11: 14-44). ومضى عليه يوم واثنان وثلاثة، وانحلت عضلاته، ودّب الفساد فعلاً في جسده. كيف يمكن لميت له أربعة أيام أن يؤمن، ويطلب بنفسه من المخلص؟ ولكن ما نقص عند الميت، وُجد عند أختيه الحقيقيتين، فعندما أتى الرب سجدت الأخت أمامه. وعندما قال: “أين وضعتموه؟” أجابته: “يا سيد قد أنتن، لأن له أربعة أيام”. فأجابها: “إن آمنتِ ترين مجد الله”. كأنه يقول لها: ليكن عندك الإيمان الذي يقيم جثة الميت. كان لإيمان الأختين قوة عظيمة هكذا حتى أعاد الميت من أبواب الجحيم! إن كان للبشر بالإيمان – واحد لحساب الآخر – يمكن أن يقوم الميت، أما يكون النفع أعظم إن كان لك إيمان خالص لأجل نفسك؟! بلى، حتى وإن كنت غير مؤمن أو قليل الإيمان فإن الله محب البشر يتعطف عليك عند توبتك.فمن جانبك يليق بك أن تقول بذهن أمين: “أؤمن يا سيد، فأعن عدم إيماني” (مر 9: 24). أما إذا حسبت أنك مؤمن بحق، لكنك لست في كمال الإيمان، فإنك محتاج أن تقول مثل الرسل: “يا رب زد إيماننا” (راجع لو 17: 5). فإذ لك نصيب من جانبك، تتقبل النصيب الأعظم من الله. الإيمان العقائدي 10. كلمة “الإيمان” من جهة اللفظ واحدة، لكنها تحمل معنيين متمايزين. يوجد نوع من الإيمان عقائدي dogmatic يحمل قبول النفس لأمورٍ معينة. وهو مفيد للنفس كقول الرب: “إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة” (يو 5: 34). وأيضًا من “يؤمن بالابن لا يدان بل انتقل من الموت إلى الحياة” (يو 3: 18، 5: 24). يا لمحبة الله المتحننة! لأنه كان الأبرار لسنوات طويلة موضع سروره، وما اقتنوه خلال السنوات العديدة لإرضائه يمنحه لك يسوع في ساعة واحدة. فإنك إن آمنت أن يسوع المسيح رب، وأن الله أقامه من الأموات تخلص، وينقلك في الفردوس الذي أدخل فيه اللص. لا تشك في إمكانية هذا، لأن الذي خلص اللص على هذه الجلجثة المقدسة بعد ساعة واحدة من إيمانه هو بنفسه يخلصك بإيمانك (لو 23: 24). الإيمان بحسب النعمة من الروح القدس 11. يوجد نوع آخر من الإيمان يمنحه المسيح كهبة للنعمة، “فإنه لواحد يُعطى بالروح كلام حكمة، ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد، ولآخر إيمان بالروح الواحد، ولآخر مواهب شفاء” (1 كو 12: 8، 9). هذا الإيمان المُعطى هو نعمة من الروح القدس وليس مجرد إيمان تعليمي، إنما يعمل أعمالاً فوق طاقة الإنسان. فمن له هذا الإيمان ويقول لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك ينتقل (راجع مر 11: 23). من يقول هذا بإيمان أنه يكون ولا يشك في قلبه يتقبل نعمة. وقد قيل عن هذا الإيمان: “لو كان لكم إيمان مثل حبة الخردل” (مت 17: 20). وحبة الخردل صغيرة الحجم لكنها متقدة في عملها حتى أنه وإن كانت تُزرع في موضع صغير لكن بنموها يصير لها مجموعة أغصان عظيمة تؤوي الطيور (مت 13: 32). هكذا أيضًا للإيمان فاعلية عظيمة في النفس في لحظة سريعة، فعندما تستنير تتمتع برؤى خاصة بالله، إذ تراه قدر ما تستطيع، وتهيم فوق رباطات العالم، وترى الدينونة ونوال المكافأة الموعود بها قبل نهاية هذا العالم. ألك الإيمان في الله الذي من جانبك[4] حتى تتقبل منه ذاك الإيمان الذي يعمل ما هو فوق حدود البشر؟![5] أهمية قانون الإيمان الكنسي 12. عندما تتعلم “الإيمان” والاعتراف به، أطلب هذا الإيمان وحده الذي تسلمه لك الكنيسة الآن[6]، واحتفظ به، هذا المشيٌد من كل الكتاب المقدس تشييدًا قويًا. فإذ لا يستطيع الكل أن يقرأ الكتاب المقدس (بكامله)، فلكي لا تهلك النفس بسبب الجهل لحرمانها من المعرفة بسبب نقص تعلمها… نلخص كل تعليم الإيمان في سطورٍ قليلة. هذا الملخص أريد منك أن تتذكره عندما أتلوه عليك، وتردده أنت بكل اجتهاد. فلا تكتبه على ورق، بل انقشه بذاكرتك في قلبك، واحذر لئلا يسمعه أحد الموعوظين[7]… إنني أرغب في تقديمه لك كعونٍ يسندك كل أيام حياتك، لا تطلب آخر سواه حتى إن تغيّرنا نحن أنفسنا ونقضنا هذا التعليم الحالي، أو جاءكم ملاك مقاوم مغيرًا شكله إلى ملاك نوراني (2 كو 11: 54) لكي يضللكم. “ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما” (غل 1: 8-9). أنصت الآن إذا حدثك ببساطة ناطقًا قانون الإيمان. أودعه في ذاكرتك، وفي الوقت المناسب سأثبت كل بند من بنوده ببراهين من الأسفار المقدسة، لأن بنود الإيمان لم تُجمع حسبما يبدو صالحًا في عيني إنسان، بل جمعت البنود الهامة الواردة في الكتاب المقدس كله مكونة تعليمًا للإيمان واحدًا كاملاً. وكما تحمل حبة الخردل أغصانًا كثيرة في حبة واحدة صغيرة، هكذا يحتضن الإيمان كل معرفة الصلاح الواردة في العهد القديم والعهد الجديد مسطرًا في كلمات قليلة… يا إخوة، انظروا وتمسكوا بالتقاليد[8] التي تتسلمونها الآن. اكتبوها على ألواح قلوبكم. الإيمان كوديعة 13. كرموها (التقاليد) لئلا يُهلك العدو من يتراخى، أو يشوِّه أحد الهراطقة إحدى الحقائق المسلمة إليكم. فإن الإيمان يشبه إيداع الأموال في مصرف (مت 25: 27، لو 19: 23) كما نفعل نحن الآن، لكن اطلبوا الحسابات المودعة من الله. وكما يقول الرسول: “أوصيك أمام الله الذي يحي الكل، والمسيح يسوع الذي شهد لدى بيلاطس بنطس بالاعتراف الحسن أن تحفظ هذا الإيمان المسلم إليك بلا دنس إلى ظهور ربنا يسوع المسيح” (راجع 1 تي 13: 14). لقد تسلمت الآن كنز الحياة، ويطلب السيد منك أن تودعه إلى مجيئه، “الذي سيبينه في أوقاته، المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الأرباب، الذي وحده له عدم الموت، ساكنًا في نور لا يُدنى منه، الذي لم يره أحد من الناس، ولا يقدر أن يراه، الذي له (المجد) والكرامة والقدرة” (1 تي 6: 15-16) إلى الأبد. آمين. |
|