|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الأحد الثّاني من زمن الصوم – ب، 2024 ﴿لَنَا في السَّمَواتِ مَسْكِنٌ مِنْ صُنعِ الله، بَيتٌ أَبَدِيٌّ﴾ (2قورنتوس 1:5) ﴿مَا أَحبَّ مَسَاكِنَكَ يَا رَبَّ القُوَّات. تَشْتَاقُ وتَذوبُ نَفْسي إِلى دِيارِ الرَّبّ﴾ (مز 2:84-3). أَيُّهَا الأحبَّةُ في الْمَسيحِ يَسوع، لَقَد أَدرَكَ القِدّيسُ بُطرس، عِندَ حَدَثِ التَّجَلّي، رَوعَةَ الْمُكوثِ في حَضرَةِ الله. وإنْ لَم يَكُنْ مُدْرِكًا بِعَقلِهِ واسْتِيعَابِهِ، إذْ لَمْ يَكُنْ يَعِي مَا يَقولُ كَمَا وَصَفَهُ الإنجيليُّ مَرقُس، إلّا أَنَّهُ أَدرَكَ بَهاءَ الحَدَثِ بِقَلبِهِ وعَوَاطِفِه! وعَليهِ، أَرادَ أنْ يَنصِبَ ثَلاثَ خِيَام، حَتّى يَتَسَنَّى لَهُ الابتِهَاجَ بِمَا شَاهَدَتْ عَينَاهُ مِنَ الجَلالِ الْمُطلَق، ومِنَ الجَمالِ الّذي لا وَصفَ يَحُوطُهُ أَو يَكفِيه! هَذهِ الحالَةُ مِنَ الانْبِسَاطِ الرُّوحِيِّ الْمُقَدَّس، وَصَفَها القِدّيسُ بولسُ في رِسَالتِهِ الأولَى إلى أَهلِ قورنتوس، حِينَ قَال: ﴿مَا لم تَرَهُ عَيْنٌ، ولا سَمِعَتْ بِهِ أُذُنٌ، ولا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَر، ذَلِكَ مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذينَ يُحِبُّونَه﴾ (9:2). فَبُطرسُ ويَعقوبُ ويُوحَنَّا، تَذَوَّقوا مُسْبَقًا وهُمْ مَعِ الْمَسيحِ فَوقَ الجَبَل، عُذوَبَةَ البَقَاءِ في حَضرَةِ الله! هَذهِ الحَلاوَةُ الرُّوحِيَّةُ الّتي نَسعَى إِلَيهَا بالإيمانِ والرَّجَاءِ والْمَحَبَّة، تَبلُغُ تَمامَهَا سَاعَةَ الاتِّحَادِ الكَامِلِ بالله، بَعدَ انْقِضَاءِ هَذهِ الغُربةِ الأرضِيَّة، يَومَ نَتَجَلّى مَعَ الرَّبِّ في الأمجَادِ السَّمَاويَّة، الّتي أَعَدَّهَا لَنَا كَما سَبَقَ لَهُ أَنْ وَعَدَنَا بقولِه: ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقَامًا. وإِذَا ذَهَبتُ وأَعدَدتُ لَكُم مُقَامًا، أَرجِعُ فَآخُذُكم إِلَيَّ، لِتَكُونوا أَنتُم أَيضاً حَيثُ أَنا أَكون﴾ (يوحنَّا 2:14-3). حَيَاتُنَا كَمُؤمنين مَا هِيَ إِلّا مَسيرَةٌ لِمُلاقَاةِ الله! مِثْلَمَا لَاقَاهُ مُوسَى وإيليّا يَومَ صَعِدَا جَبَلَ سِينَاء. وهَذَا يُذَكِّرُنَا بِكَلِمَاتِ الْمَزمورِ الثَّاني والأَربعين: ﴿كَمَا يَشْتاقُ الأيَلُ إِلى مَجاري الْمِياه، كَذلِكَ تَشْتاقُ نَفْسي إِلَيكَ يَا الله. ظَمِئَتْ نَفْسي إِلى الله الإِلهِ الحَيّ. مَتى آَتي وأَحضُرُ أَمَامَ الله﴾ (2:42-3). وهَذَا الزَّمَنُ الْمُقَدَّس هُوَ أَيضًا مَسيرَةٌ نَحيَاهَا، بالصَّلاةِ والصَّومِ والتَّوبَةِ وأَعمَالِ الرَّحمَة، بُغيةَ الِّلقاءِ مَعِ الْمَسيحِ الحَيِّ والقَائِمِ ظَافِرًا! وكَمَا أَنَّ كُلَّ مَسيرَةً تَتَطلَّبُ مِنْ صَاحِبِهَا جُهْدًا ومُثَابَرةً وَعَزيمَة، فَهَكَذا زَمنُ الصَّومِ والتَّوبَةِ، زَمَنٌ نُثَابِرُ فِيهِ ونَجتَهِد، بِكُلِّ فِكْرٍ مُقَدَّسٌ وقَولٍ صَالِحٌ وعَمَلٍ مَرضِيٌّ وعَاطِفَةٍ نَقيَّة، حَتّى يَجِدُنَا اللهُ أَهلًا لِلْمُكُوثِ في حَضرَتِهِ تَعَالَى. وكَمَا أَنَّ هَيئَةَ السَّيدِ الْمَسيحِ لَحظَةَ التَّجَلّي قَدْ تَبَدَّلَت، وثِيَابُهُ قَدْ تَغَيَّرت لِتَصيرَ "نَاصِعَةَ البَيَاض"، فَهَكَذَا يَدْعُونَا إنجيلُ التَّجَلّي، وَهُوَ يُتْلَى عَلَى مَسَامِعِنَا في زَمَنِ الصَّومِ والتَّوبَة، لِأنْ نَتَبَدَّلَ ونَتَغَيّرَ حَتَّى نَصيرَ أَكثَرَ شَبَهًا بالْمَسيحِ الّذي لَبِسنَاهُ سَاعَةَ الْمَعمُودِيَّة (راجِع غلاطية 27:3). وفي شَأنِ هَذَا التَّجَدُّدِ، كَتَبَ القِدّيسُ بولسُ في رِسَالتِهِ إلى أَهلِ أَفَسُس، يَقول: ﴿لا تَسيروا بَعدَ اليَومِ سيرةَ الوَثنِيِّين، فإِنَّهم يَتبَعونَ أَفكارَهُمُ البَاطِلَة، وجَعَلَهُم جَهلُهم غُرَباءَ عن حَياةِ اللّه، فَانغَمَسوا في كُلِّ فاحِشَةٍ مُسْتَهتِرين. أَمَّا أَنتُم فَاخْلَعُوا الإِنسانَ القَديمَ الَّذي تُفسِدُهُ الشَّهَوات، والْبَسُوا الإِنسانَ الجَديد، الَّذي خُلِقَ عَلَى صُورةِ اللهِ في البِرِّ وقَداسَةِ الحَقّ. كُفُّوا عَنِ الكَذِب. مَنْ كَانَ يَسرِقُ فلْيَكُفَّ عنِ السَّرِقَة. لا تَخرُجَنَّ مِن أَفْواهِكم أَيَّةُ كَلِمَةٍ خَبيثَة، بل كُلُّ كَلِمةٍ طيِّبة. أَزِيلوا مِن بَينِكُم كُلَّ شَرَاسَةٍ وسُخْطٍ وغَضَبٍ وصَخَبٍ وشَتيمَة، وكُلَّ ما كانَ سُوءًا. وَلْيَصفَحْ بَعضُكُم عَن بَعضٍ كَمَا صَفَحَ اللهُ عَنكُمْ في الْمَسيح. سِيرُوا سيرةَ أَبنَاءِ النُّورِ في كُلِّ صَلاحٍ وبِرٍّ وحَقّ، ولا تُشَارِكُوا في أَعْمَالِ الظَّلامِ العَقيمَة﴾ (راجِع أَفَسُس 17:4-32، 1:5-11). أَيُّها الأحِبَّة، يَنتَهي حَدَثُ التَّجلّي بِمَشهَدِ يسوعَ والتّلاميذِ وَهُمْ نَازِلونَ مِنَ الجَبَل! لَقَدْ انْتَهَت هَذهِ الَّلحَظَاتُ العَظيمَةُ الّتي اخْتَبَرهَا التَّلاميذُ بِرفقَةِ الرّبّ، وهَا هُمْ عَائِدونَ إلى الوَاقِعِ الَّذي سَيَزدادُ أَلَمًا ومَرارةً بَعدَ حِين. فَالخَيمَةُ الّتي أَرَادَ بُطرسُ أَنْ يَنصبَهَا، تَدُلُّ عَلَى تَعَلُّقٍ قَابِلٍ للزَّوال، وعَلَى عَدمِ إدراكٍ نَاضِجٍ لِحَقيقَةِ هَذهِ الحَياة! لأنَّ الخَيمَةَ تحمِلُ مَعاني عَدمِ الاستِقرَارِ والتَّرحَالِ الْمُستَمِر. مُخْطِئٌ كُلُّ مَنْ عَلّقَ قَلبَهُ، وجَعَلَ رَجَاءَهُ، وأَرَادَ نَصبَ خَيمَتِهِ في هَذهِ الحَياةِ الزّائِلَة! يَا أُخَيّ، حَيَاتُكَ وإنْ طَالَتْ سَتَنتَهي، والخَيمَةُ الّتي نَصَبتَها سَتُقلَع، كَمَا يَقولُ صَاحِبُ الْمَزَامير: ﴿أَيَّامُ سِنينَا سَبْعونَ سَنَة، وإِذا كُنَّا أَقوياءَ فَثَمَانون، وَجُلُّهَا عَنَاءٌ وشَقَاء، تَمُرُّ سَريعًا ونَحنُ نَطير﴾ (مز 10:90). فَطُوبَى لِكُلِّ إنسَانٍ أَدرَكَ مَعنَى الحياة، واسْتَثمَرَ في تِلكَ الدَّارِ الأَبَديّة، وبَنَى لَهُ بيتًا لا يَزوُل، مُتَّعِظًا بِقَولِ بُولسَ الرّسول: ﴿نَحنُ نَعلَمُ أَنَّه إِذا هُدِمَ بَيتُنا الأَرْضِيّ، ومَا هُوَ إِلاَّ خَيمَة، فَلَنَا في السَّمَواتِ مَسْكِنٌ مِنْ صُنعِ الله، بَيتٌ أَبَدِيٌّ لم تَصنَعْه الأَيْديّ﴾ (2قورنتوس 1:5). |
|