يتلذذ بالوجود معك ، هو يحبك
العالم مزدحم ٌ بالناس ، الارض مثقلة بما تحمله من بشر ، زحام ٌ كثير والزحام يحدث ضجة ، اصوات وصراخ وضجيج يعلو ويملأ الآذان . ويتمنى الانسان ان يجد مكانا ً خاليا ً يختلي فيه ، مكانا ً هادئا ً يخلو من الاصوات . وتلح علينا هذه الرغبة حينما نعود من عمل ٍ مرهق ٍ او ننتهي من مهمة ٍ شاقة . وهذا ما حدث تماما ً مع التلاميذ . عادوا من رحلتهم الكرازية التي كلفهم بها المسيح . ورآهم المسيح متعبين ، رأى عرقهم يغطي جباههم والتراب على ثيابهم . ارادهم ان ينفضوا تعبهم ويجففوا عرقهم وينفضوا ثيابهم . اخذهم بعيدا ً ، اخذهم وانصرف منفردا ً الى موضع خلاء . ارادهم معه وحدهم في مكان ٍ بعيد هادئ . اخرجهم من الزحام ، ابعدهم عن الضجيج ، اختلى بهم ، انفرد بهم وحده . جلسوا معا ً ، نظر في وجوههم ونظروا في وجهه ، اقترب منهم واقتربوا منه . لم يكن معهم احد غيره ، لا الأهل ولا الأصحاب ، لا العمل ولا المسؤوليات . لم يشغلهم عنه شيء ، لا شيء . لم يزاحم وجودهم معه احد ٌ ، لا أحد . واختلوا معه بعيدا ً عن العالم وصخبه ِ ، بعيدا ً عن المجتمع وزحامه وضجيجه . وفي خلوتهم الهادئة الساكنة رأوا وجهه اكثر وضوحا ً وسمعوا صوته اكثر جلاء ً . ذاقوا محبته ، إرتووا بعطفه ، تمتعوا برحمته ، عاينوا وجوده وحضوره . اتاح لهم المكان الخلاء ان يسمعوا نبض قلبه ويروا ملامح وجهه . انتعشوا بتلك الخلوة كانتعاش نبات الصحراء بالندى المتساقط برقة ٍ عليه .. وانت تحتاج الى مكان ٍ خلاء ، الى لحظات اختلاء ، تحتاج ان تكون منفردا ً مع المسيح . اقفل بابك عن كل اهتمامات الحياة وهمومها . اقفل بابك عن واجباتك والتزاماتك وانصت لصوته ، تابع نبرات كلماته ، ارتشف همسات قلبه ، تأمل كلامه . ما اجمل الساعات التي نقضيها معه . ما اغلاها و اغناها واحلاها وابهاها
يا طيب ساعات اخلو فيها مع الحبيب
يجري حديثه معه سرا ً ولا رقيب
يرشدني ينصحني مخلصي الامين
معه ُ اكون دائما ً في مأمن ٍ حصين
لحظة اختلائي مع المسيح الحبيب تساوي عشرات السنوات والشهور والايام . اسع َ دائما ً لأن تختلي به . لا تدع الناس ، اي ناس يأخذونك بعيدا ً عنه . اعمل لكي تكون وحدك منفردا ً به . لا تسمح للظروف ، اي ظروف ان تزاحمك عنه . حين تذوق الاختلاء به لن تتوقف . حين تجرب التواجد معه لن تبتعد . هو يتلذذ بالوجود معك ، هو يحبك . لا تلتقي به في الزحام ، التقي به وحدك .