وان كنتم تدعون أبا - جزء ثاني١بط١: ١٧
"وإن كنتم تدعون أبا الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد، فسيروا زمان غربتكم بخوف" ١بط ١: ١٧
٥ ـ أبونا السماوي بيده كل أمور حياتنا، فلا نخاف (مت ١٠: ٢٨ـ ٣١)
الخوف هو من أكثر الأمور التي تحارب الإنسان وتفقده سلامه. وهناك أسباب كثيرة قد يستخدمها عدو الخير حتي يضع الإنسان تحت عبودية الخوف. فقد يشعر الإنسان بالخوف من المرض، الموت، الفقر، الفشل، الرفض، الوحدة، الشيخوخة، خوف على الأسرة، خوف على العمل، الخ. هل هناك حل للتغلب على الخوف؟ هل من الممكن ان أعيش و اواجه كل ظروفي بدون خوف؟ أم انه شئ طبيعي لا بد وان نتعايش معه؟
يقول الرسول يوحنا الشيخ:
"الخوف له عذاب"(١يو ٤: ١٨).
كما يقول كاتب الرسالة إلى العبرانين:
"... الذين خوفا من الموت كانوا جميعا كل حياتهم تحت العبودية." (عب ٢: ١٥).
هل هناك حل للتغلب على هذا العذاب، والتحرر من هذه العبودية؟
العبودية تفرض على إلإنسان ان يعيش بطريقة معينة وان يفعل امور معينة حتى ولو ضد إرادته، فليس عنده اي خيار. لأن العبد عليه ان يطيع سيده، وان يعيش تحت سيادته. والخوف يفعل نفس الشئ. فهو سيد قاس، اذا سيطر على أحد يجعله يعيش حياة مهينة، ويفعل أمور لا يرضي عنها.
لكن الأخبار السارة هي ان الكتاب المقدس يؤكد في أماكن كثيرة على انه يمكن التحرر من الخوف ومن سلطانه تماما. فابونا السماوي دبر الطريق للحرية من الخوف.
ـ يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين:
" فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم، إشترك هو أيضا كذلك فيهما، لكي يبيد بالموت ذالك الذي له سلطان الموت، أي إبليس، ويعتق أولئك الذين خوفا من الموت، كانوا جميعا كل حياتهم تحت العبودية." عب ٢: ١٤، ١٥
ـ كما يقول الرسول بولس:
"اذ لم تأخذوا روح العبودية ايضا للخوف، بل اخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب." رو ٨: ١٥
ـ كانت كلمات السيد المسيح لتلاميذه الذين كانوا في وسط البحر يواجهون أمواج عالية ورياح شديدة:
"تشجعوا! أنا هو. لا تخافوا" (مت١٤: ٢٧).
في إنجيل متى والأصحاح العاشر، تكلم الرب يسوع مع التلاميذ عن الأمور التي سيواجهونها اثناء خدمتهم. حيث ذكر لهم أنهم سيواجهون رفض، و إضطهاد، وكراهية شديدة من العالم، والتي قد تصل إلى القتل:
"ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب. فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمامة. ولكن إحذروا من الناس. لأنهم سيسلمونكم إلى مجالس وفي مجامعهم يجلدونكم. وتساقون أمام ولاة وملوك من أجلي شهادة لهم وللأمم ...وسيسلم الأخ أخاه إلى الموت والأب ولده. ويقوم الأولاد على والديهم ويقتلونهم. وتكونون مبغضين من الجميع من أجل إسمي ...ومتى طردوكم في هذه المدينة فإهربوا إلى الأخرى ... لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد..." (مت ١٠: ١٦ـ ٢٥).
لقد شعر التلاميذ بكل تأكيد بالخوف لأنهم عرفوا ما سوف يواجهونه من أمور صعبة اثناء خدتمهم. فكيف يعيشون كخراف في وسط ذئاب. لا بد و أن هذه الذئاب سوف تهلكم. كيف سيتحملون الجلد، الكراهية والرفض، والطرد من ديارهم؟ وأين سيذهبون هو وأسرهم؟
لم يكن من الصعب على يسوع ان يرى الخوف في عيونهم. فمن يسمع هذه الأمور ولا يخاف؟ لكن رسالة الرب يسوع دائما أبدا "تشجعوا. أنا هو. لا تخافوا". لذلك ذكر لهم ثلاثة أمثلة من الطبيعة لكي تشجعهم وتقويهم، و تجعلهم يتذكروا كلام يسوع في كل مرة يشعرون بالخوف. استخدم الرب يسوع هذه الامثلة حتى يفهمهم ويؤكد لهم انه لا يجب ان يخافوا، بل ان يضعوا كل ثقتهم وإتكالهم على أبيهم السماوي الذي بيده أدق الأمور ولديه سلطان على كل الأشياء.
١ـ مثل العصفوران:
"أليس عصفوران يباعان بفلس؟ وواحد منهما لا يسقط على الأرض بدون أبيكم." مت ١٠: ٢٩
يعتبر العصفور هو أقل الطيور في قيمتة، حيث كان يباع بنصف فلس. ولكن على الرغم من هذا فإن الله يعلم بكل ظروفه وإحتياجاته. حتى أنه لا يسقط بدون معرفته. فإذا كان العصفور لا يسقط إلا بعلم الله، فكم بالحري نحن! فإذا كنا نعلم ان أبونا السماوي يعرف كل شئ وبيده كل أمور حياتنا، فلماذا نخاف؟
٢ـ مثل سقوط الشعر
يقول الرب يسوع: لكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك" (لو ٢١: ١٨). وكان إستخدام تعبير "عدم سقوط شعرة" يدل على الحماية والقدرة على السيطرة على الظروف:
"فقال الشعب لشاول: أيموت يوناثان الذي صنع هذا الخلاص العظيم في إسرائيل. حاشا. حي هو الرب لا تسقط شعرة من رأسه إلى الأرض..." (١صم ١٤: ٤٥).
فإذا كانت الشعرة والتي لا قيمة لها، لا تسقط إلا بإذن أبينا، فكم بالحري نفوسنا وأرواحنا بل وكياننا كله.
٣ـ مثل إحصاء الشعر
وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة. فلا تخافوا! أنتم أفضل من عصافير كثيرة!" مت ١٠: ٢٨ـ ٣١
ونقدر ان نفهم من فكرة معرفة عدد شعور رؤسنا أمرين. الأمر الأول هو أنه لا أحد يهتم بهذا الأمر. فإذا سألت احدا كم عدد شعر رأسك، فأنه سوف يتعجب حيث ان هذا الأمر لم يفكر فيه من قبل، كما انه لا يعنيه على الإطلاق. فلماذا يهتم أحد بأن يعرف عدد شعر رأسه؟ وكأن الرب يسوع يقول أنه حتى الأمور التي لا تهمك ولا تمثل أي قيمة بالنسبة لك، هو يعرفها وعنده سلطان كامل عليها. فكم بالحري الأمور الأكثر أهمية لك مثل العمل، والطعام والشراب، والنجاح وغيرها من الإحتياجات الأساسية. أما الأمر الثاني، فهو انه يعبر عن الإستحالة. فمن الصعب جدا بل ومن المستحيل ان يقدر أحدا ان يعرف معرفة دقيقة لعدد شعر رأسه. ولكن وحتى إذا كان هذه المعرفة تعتبر امرا مستحيلا، فإن ابونا السماوي يقدر على هذا المستحيل ويعرف العدد الدقيق لشعور رؤوسنا. وعلى أية الأحوال فأراد الرب يسوع ان يؤكد على ان ابونا السماوي يعرف كل شئ وله كامل السلطان على كل أمور حياتنا الكبيرة والصغيرة، الهامة والغير هامة، الأساسية والفرعية. وأنه لا يمكن أن يحدث أي شئ لنا خارج نطاق هذه المعرفة وخارج إهتمام الأب الصالح. فهل لا زلت تشعر بالخوف؟
يقول كاتب المزمور ١٣٩
"يارب قد اختبرتني وعرفتني. أنت عرفت جلوسي وقيامي. فهمت فكري من بعيد. مسلكي ومربضي ذريت، وكل طرقي عرفت. لأنه ليس كلمة في لساني، إلا وأنت يارب عرفتها كلها. من خلف ومن قدام حاصرتني، وجعلت على يدك..."
نعم يوجد طريق للإنتصار على الخوف والتخلص منه نهائيا. هذا الطريق هو يسوع المسيح الذي جاء إلى أرضنا برسالة سلام وتشجيع ضد عبودية وعذاب الخوف. الذي من خلاله حصلنا على التبني وصار لنا نصيب في الحياة الأبدية. فهل تهتف معي الآن:
"الرب لي فلا أخاف. ماذا يصنع لي الإنسان" مز ١١٨: ٦
"لا أموت بل أحيا وأحدث بأعمال الرب." مز ١١٨: ١٧
القس: نشأت وليم خليل